منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم المجلد 4

اشارة

سرشناسه : روحاني، محمدصادق ، شارح.

عنوان قراردادي : المكاسب. شرح.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم/ محمدصادق الروحاني.

مشخصات نشر : قم:انوار الهدي ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : 6 ج. در 3 مجلد.

شابك : ج.1 : 9789648812602 ؛ ج. 2 : 9789648812619 ؛ ج. 3 : 9789648812626 ؛ ج. 4 : 9789648812633 ؛ ج. 5 : 9789648812640 ؛ 15000 ريال (بهاي هر جلد) : ج. 6 : 9789648812657 ؛ 15000 ريال(بهاي هر جلد)

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : جلد پنجم اين كتاب قبلا توسط انتشارات سپهر منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1 و 2 المكاسب المحرمه .--ج. 3 و 4. بيع .--ج. 5 و 6. خيارات.

عنوان ديگر : التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب -- نقد و تفسير.

موضوع : معاملات (فقه).

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب. شرح.

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7034 1386

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 1128879

الجزء الرابع

[مقدمة المؤلف]

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله علي ما أولانا من التفقه في الدين و الهداية الي الحق، و افضل صلواته و اكمل تسليماته علي رسوله صاحب الشريعة الخالدة، و علي آله العلماء بالله الامناء علي حلاله و حرامه، سيما بقية الله في الارضين ارواح من سواه فداه.

و بعد.

فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة و قد وفقنا الي طبعه،

و المرجو من الله تعالي التوفيق لنشر بقية المجلدات فانه ولي التوفيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 5

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة الكلام في شروط المتعاقدين]

مسالة و من شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع
اشارة

(1) فعقد الفضول لا يصح اي لا يترتب عليه ما يترتب علي عقد غيره من اللزوم.

و هذا مراد من جعل الملك و ما في حكمه شرطا، ثمّ فرع عليه بأن بيع الفضولي موقوف علي الاجازة، كما في القواعد، فاعترض جامع المقاصد عليه بأن التفريع في غير محله، لعله في غير محله، و كيف كان، فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من اهم المسائل، فنقول: اختلف الاصحاب و غيرهم في بيع الفضولي بل مطلق عقده بعد اتفاقهم علي بطلان ايقاعه (2) كما في غاية المراد علي اقوال

______________________________

بيع الفضولي
اشارة

(1) قوله و من شروط المعتقدين ان يكونا مالكين أو ماذونين من المالك أو الشارع.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع و قبل الشروع فيها لا بد من التنبيه علي جهات:

الاولي: ان الكلام في المقام ليس في ترتب اللزوم علي عقد الفضولي و عدمه، بل في صحته الفعلية و عدمها، و انه هل يترتب عليه الاثر ام لا؟ فما في المكاسب من تفسير عدم صحته بعدم ترتب اللزوم علي عقده كانه سهو من قلمه الشريف.

(2) الجهة الثانية: ان المصنف قدس سره ارسل عدم جريان الفضولي في الايقاعات ارسال المسلمات، و نقل دعوي الاجماع عليه من غاية المراد.

و الحق ان يقال: انه ان بنينا علي بطلان الفضولي علي القاعدة في العقود و خرجنا عنها لدليل خاص فلا يصح ايقاع الفضولي لعدم الدليل.

و أما بناء علي صحته مع الاجازة علي القاعدة فلا وجه لما افاده، و ذلك لانه لم يذكر دليلا علي بطلان ايقاعه عموما سوي الاجماع.

و يرد عليه: اولا: انه غير ثابت، بل المتتبع يقف علي شواهد يطمئن بعدمه، فان ظاهر جمع منهم و صريح آخرين البناء علي صحته مع

الاجازة في جملة من الموارد كالوصية بما زاد علي الثلث بناء علي انها ايقاع، و عتق الراهن العبد المرهون، و عتق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 6

و المراد بالفضولي (1) كما ذكره الشهيد هو الكامل الغير المالك للتصرف و لو كان غاصبا. و في كلام بعض العامة انه العاقد بلا اذن من يحتاج الي اذنه، و قد يوصف به نفس العقد و لعله تسامح و كيف كان فيشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون إذن الولي، و من المالك إذ لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال، كما يومئ إليه استدلالهم لفساد الفضولي بما دل علي المنع من نكاح الباكرة بغير اذن وليها، و حينئذ فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحو هما، و بيع العبد بدون اذن السيد، و كيف كان فالظاهر

______________________________

المرتهن اياه و غير ذلك من الموارد، و لذا قال في الجواهر: بل عرفت مما قدمناه جريانه في العقود و غيرها من الافعال كالقبض و نحوه و الاقوال التي رتب المشارع عليها الاحكام الا ما خرج بالدليل كما اومئ إليه في شرح الاستاد.

و ثانيا: انه لو ثبت فليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم فلا يستند إليه

(1) الثالثة: ان الفضول جمع الفضل، و هو فعل ما لا يعني بالشخص و لا يهمّه،

و الفضول من الجموع التي جاءت بمعني المفرد إذا استندت الي الشخص، فهو يطلق علي من يعمل عملا لا يهمّه و غير مربوط به. و ليس له في الاصطلاح معني خاص، بل هو عبارة عمن يعامل معاملة لا يكون مالكا لها، اما لعدم مالكيته للعين التي هي مورد المعاملة كبيع مال الغير، أو لتعلق حق الغير بالعين كالمرهون، أو لمنع الشارع عنها الا

باذن شخص خاص كنكاح بنت الاخ، حيث انه يعتبر في صحته اذن عمته لو كانت زوجته.

و يترتب علي ما ذكرناه امران:

احدهما: ان الاولي التعبير ببيع الفضولي بنحو الاضافة لا البيع الفضولي بنحو التوصيف.

ثانيهما: ان مراد المصنف قدس سره بقوله ان يكونا مالكين ان كانت مالكيتهما للتصرف اغني عن ذكر قسيمه، و ان كانت مالكيتهما للعين فيرد عليه: ان مجرد ذلك لا يكفي مع عدم مالكيتهما للتصرف لتعلق حق الغير مثلا بما هو مورد المعاملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 7

شموله لما إذا تحقق رضاء المالك للتصرف باطنا و طيب نفسه بالعقد من دون حصول اذن منه صريحا أو فحوي (1) لأن العاقد لا يصير مالكا للتصرف، و مسلطا عليه بمجرد علمه برضاء المالك. و يؤيده اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليا و فرعوا عليه بيع الفضولي.

و يؤيده ايضا استدلالهم علي صحة الفضولي بحديث عروة البارقي مع ان الظاهر علمه برضاء النبي صلي الله عليه و آله بما يفعله، و ان كان الذي يقوي في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الاصحاب عدم توقفه علي الاجازة اللاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد،

______________________________

(1) هذه هي الجهة الرابعة: و هي انه هل يشمل عقد الفضولي العقد المقرون برضا المالك من دون اذن منه صريحا أو فحوي كما هو المنسوب الي ظاهر الاصحاب.

ام لا يشمله بل يكفي مجرد رضاه في صحة العقد و ترتب اثره كما اختاره المصنف قدس سره،

ام يفصل بين ما إذا كانت الاجازة لتحقق استناد العقد الي من يملك التصرف حتي يكون العقد عقده فلا يكفي، و بين ما إذا كانت لجهة اخري كالعين المرهونة إذا باعها مالكها،

فان اجازة المرتهن

ليست لاجل تحقق استناد العقد إليه بل لان العين وثيقته كما اختاره السيد الفقيه. وجوه،

و قد استدل للثاني بوجوه:

الأول: عموم وجوب الوفاء بالعقود «1».

و اورد عليه جمع منهم المحقق النائيني قدس سره: بان مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع،

اي كل مكلف يجب عليه الوفاء بعقده، و عقد الفضولي لا يكون عقد المالك بمجرد رضاه،

لان كونه عقدا له يتوقف علي مباشرته أو نيابة الغير عنه بالاذن أو الاجازة بعد صدور العقد من الفضولي.

و فيه: اولا: ان هذا لو تم لاقتضي البناء علي القول الثالث لا الأول.

و ثانيا: انه لا يتم، فان المراد من الاستناد ليس هو بنحو يصدق عليه انه اوجد العقد، لانه لا يصدق مع الاجازة، بل مع الاذن الذي حقيقته الترخيص، و اظهار الرضا

______________________________

(1) المائدة، 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 8

سواء علم به العاقد أو انكشف بعد العقد حصوله حينه أو لم ينكشف اصلا، فيجب علي المالك فيما بينه و بين الله تعالي امضاء ما رضي به، و بترتيب الآثار عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقود و قوله تعالي: الا ان تكون تجارة عن تراض (1) و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه (2) و ما دل ان علم المولي بنكاح العبد و سكوته، اقرار منه، و رواية عروة البارقي الآتية حيث اقبض المبيع و قبض الدينار لعلمه برضاء النبي صلي الله عليه و آله و لو كان فضوليا موقوفا علي الإجازة لم يجز التصرف في المعوض و العوض، بالقبض و الاقباض و تقرير النبي صلي الله عليه و آله له علي ما فعل، دليل علي جوازه، هذا مع ان كلمات الاصحاب في بعض

______________________________

به لتوقف صدقه علي كون الفعل صادرا عنه بالمباشرة أو

التسبيب و شي ء منهما ليس في مورد الاذن، فضلا عن الاجازة، بل المراد منه هو الاستناد، بمعني انه عقده و بيعه كما هو الظاهر من الآية الشريفة، فان ظاهر قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عقودكم لاما عقدتم،

و عليه فهذا المعني من الاستناد كما يتحقق بالاجازة- التي حقيقتها اظهار الرضا بما وقع- يتحقق بالرضا به.

و بالجملة: المعني المصدري لا يستند الي المجيز و لا إلي الراضي، بل و لا إلي الاذن،

و المعني الاسم المصدري ينسب إليه بمجرد الرضا.

و دعوي ان الاجازة التزام بالعقد و لذا لا يصح من غير المالك بخلاف الرضا و لذا يصح رضا الأجنبي بالعقد.

مردودة، لان الالتزام بالعقد لا أتصور له معني سوي الرضا به.

و بما ذكرناه ظهر صحة الاستدلال ب) احل الله البيع، «1» و لا يرد عليه ما اورده جمع من ان البيع- لا سيما المعني المصدري منه- لا ينتسب الي المالك بمجرد الرضا.

(1) الثاني: مما استدل به المصنف قدس سره قوله تعالي) تجارة عن تراض «2»

و اورد عليه بما اورده علي سابقيه، و الجواب الجواب.

(2) الثالث: ما دل علي انه لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه «3».

______________________________

(1) البقرة، 275.

(2) النساء، 29.

(3) راجع الوسائل باب 3 من ابواب مكان المصلي و المستدرك ج 1 ص 212 و فروع الكافي ج 1 ص 26

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 9

المقامات يظهر منه خروج هذا الفرض عن الفضولي، و عدم وقوفه علي الاجازة،

مثل قولهم في الاستدلال علي الصحة ان الشرائط كلها حاصلة الا رضا المالك،

و قولهم ان الاجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنه اعم من الرضا و نحو ذلك، ثمّ لو سلم كونه فضوليا ليكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه علي الاجازة لأنه

لا دليل علي توقفه مطلقا علي الاجازة اللاحقة، كما هو احد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثمّ ملكه، مع انه يمكن

______________________________

و فيه: ما تقدم من انه في مقام بيان شرط الحلية التكليفية، و لا كلام في انه يشمل الرضا النفساني، مع انه انما يدل علي اعتبار الرضا لا علي كفايته، و الفرق واضح.

الرابع: ما دل علي ان علم المولي بنكاح العبد و سكوته اقرار منه «1».

و اورد عليه جمع من الاساطين: بان السكوت عن مثل النكاح له خصوصية و هي كاشفيته النوعية عن الرضا.

و فيه: ان هذه الخصوصية لا تنكر، الا انها لا توجب الفرق بين هذا الرضا المستكشف بالقرينة النوعية و الرضا المستكشف من قرينة خاصة.

و بالجملة: غاية ما هناك كاشفية السكوت عن الرضا، فلو لم يكن الرضا كافيا لم يكن ذلك مجديا. و بذلك يظهر صحة الاستدلال بما دل علي كفاية سكوت الباكرة.

الخامس: رواية عروة البارقي، «2» و سيأتي الكلام فيها مفصلا، و يمكن الاستدلال له مضافا الي ذلك كله بصحيح الحميري الآتي: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها أو بامره أو رضا منه «3».

فتحصل: ان الأظهر هو ما ذهب إليه المصنف قدس سره.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول الأول و الجواب عنه.

و دعوي ان الحالات النفسانية غير البارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في باب

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه.

(3) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 10

الاكتفاء في الاجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا ينفك عن ذلك مع الالتفات (1) ثمّ انه لو اشكل

في عقود غير المالك فلا ينبغي الاشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا، مع العلم برضا السيد، و لو لم يأذن له لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الاخبار و عدم منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف.

[صور بيع الفضولي]
اشارة

ثمّ اعلم ان الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع

فهنا مسائل ثلاث:
الاولي: ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك
اشارة

و هذا هو المتيقن من عقد الفضولي

و المشهور الصحة. [و أدلتهم]

بل في التذكرة نسبه إلي علمائنا تارة صريحا و اخري ظاهرا بقوله عندنا إلا أنه ذكر عقيب ذلك إن لنا فيه قولا بالبطلان.

و في غاية المراد: حكي الصحة عن العماني و المفيد و المرتضي و الشيخ في النهاية و سلار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة، و حكي عن الاسكافي و استقر عليه رأي من تأخر عدا فخر الدين، و بعض متأخري المتأخرين كالاردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين

______________________________

العقود و الايقاعات.

مندفعة بان ذلك انما هو في المؤثر و هو العقد دون الشروط، و لا ريب في ان الرضا الباطني شرط كما عرفت. كما انه ظهر مدرك القول الاخير، فانه استدل لعدم الاكتفاء به في معاملة غير المالك بما تقدم، و لكفايته في معاملة المالك بان اعتبار اجازة ذي الحق ليس لاجل تحقق الاستناد بل لاعتبار رضاه، و قد عرفت الجواب عنه.

(1) و فيه ان اكتفينا في الاجازة بالرضا اكتفينا به في الاذن بطريق اولي

بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع

إذا عرفت هذا فاعلم: ان الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه، و علي الأول فقد لا يسبقه منع من المالك و قد يسبقه المنع فها هنا مسائل ثلاث:

الأولي: ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك، و هذا هو المتيقن من عقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 11

لعموم ادلة البيع و العقود (1) لأن خلوه عن اذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه، و اشتراط ترتب الاثر بالرضا و توقفه عليه ايضا لا مجال لإنكاره، فلم يبق الكلام الا في اشتراط سبق الاذن، و حيث لا دليل عليه، فمقتضي الاطلاقات عدمه،

و مرجع ذلك كله الي عموم حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد، خرج منه العاري عن الاذن و الاجازة معا، و لم يعلم خروج ما فقد الاذن و لحقه الاجازة،

______________________________

الفضولي، و المشهور الصحة، بل عن التذكرة: نسبته الي علمائنا تارة صريحا و اخري ظاهرا بقوله عندنا، الا انه ذكر عقيب ذلك: ان لنا فيه قولا بالبطلان.

و في المكاسب: و استقر عليه رأي من تأخر عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين كالاردبيلي و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين و مراد صاحب الحدائق و حيث ان القائلين بالصحة منهم من استند الي القاعدة و منهم من استند الي النص فالأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: الصحة علي القاعدة.

الثاني: الصحة بواسطة النص.

الثالث: البطلان.

ذهب الي كل جمع.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره للاول: بان مقتضي العمومات مثل) أوفوا بالعقود (و) احل الله البيع (و غيرهما ترتب الاثر علي كل عقد، و قد قيد ذلك بما دل علي اشتراط ترتب الاثر بالرضا و توقفه عليه، و المتيقن من ذلك الجامع بين الرضا السابق و اللاحق،

فالعقد الملحوق بالرضا يشك في ترتب الاثر عليه فيرجع الي العمومات المقتضية لذلك.

و فيه: اولا: انه بناء علي ما اسسه في الاصول- من انه إذا فرض خروج بعض الافراد في بعض الأزمنة عن العموم و لم يكن لدليل ذلك العموم عموم ازماني بعد ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 12

و إلي ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر عن اهله في محله، فما ذكره في غاية المراد: من انه من باب المصادرات لم اتحقق وجهه، لأن كون العاقد اهلا للعقد من حيث أنه بالغ عاقل لا كلام فيه، و كذا كون المبيع قابلا للبيع فليس محل

الكلام إلا خلو العقد عن مقارنة اذن المالك و هو مدفوع بالاصل، و لعل مراد الشهيد ان الكلام في اهلية العاقد،

______________________________

الزمان المخرج بالنسبة الي ذلك الفرد، لا يصح التمسك بالعموم، بل لا بد من الرجوع الي الاستصحاب- لا وجه لتمسكه بالعمومات في المقام، إذ خرج عنها العقد قبل لحوق الاجازة، لانه لم يقل احد بوجوب الوفاء عليه بان يجيزه، فبعد الاجازة يشك في انه يجب الوفاء به و يترتب عليه الاثر ام لا، فحيث انه ليس لها عموم ازماني فلا مورد للتمسك بها بل يتعين الرجوع الي الاستصحاب المقتضي لعدم ترتب الاثر.

و ثانيا: ان المستفاد من الادلة- بحسب المتفاهم العرفي كما تقدم- لزوم انتساب العقد و المعاملة الي المالك و ليس مفادها لزوم الوفاء بكل عقد.

و بالجملة: ان المستفاد منها وجوب وفاء كل شخص بعقد نفسه، فليس الموضوع كل عقد كي يصح التمسك بالعموم مع عدم الانتساب، و قد اعترف قده بذلك في مبحث الاجازة، قال: ان وجوب الوفاء بالعقد تكليف الي العاقدين، و من المعلوم ان المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته الا بعد الاجازة، فلا بد من تنقيح ذلك و انه هل ينسب العقد و المعاملة الي المالك بمجرد الاجازة ام لا، و قد تقدم تقريب اضافته إليه بالاجازة في الحاشية السابقة، و حاصله: ان المعتبر انما هو استناد المسببات لا الأسباب و هي تستند إليه بالاجازة.

و علي هذا البيان لا يرد ما اوردناه اولا علي المصنف، فان العقد قبل الاجازة لا يكون مشمولا للعمومات، لا انه مشمول لها و خارج عنها للمخرج.

و اورد السيد الفقيه قدس سره علي هذا الوجه: بان الاجازة لا تغير ما وقع عليه بحيث تنقلب النسبة، أ لا

تري انه لو امر بضرب احد فضرب يصدق انه ضربه، و لكن لو ضربه احد و اطلع هو عليه بعد ذلك فرضي به لا يصدق انه ضربه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 13

و يكفي في اثباتها العموم المتقدم، و قد اشتهر الاستدلال عليه بقضية عروة البارقي (1) حيث دفع إليه النبي صلي الله عليه و آله دينارا، و قال له: اشتر لنا به شاة للاضحية، فاشتري به شاتين، ثمّ باع احدهما في الطريق بدينار فأتي النبي صلي الله عليه و آله بالشاة و الدينار، فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله بارك الله لك في صفقة يمينك، فإن بيعه وقع فضولا و ان وجهنا شراءه علي وجه يخرج عن الفضولي، (2) هذا، و لكن لا يخفي ان الاستدلال بها يتوقف علي دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي

______________________________

و فيه: ان ما ذكره قدس سره يتم في الموجودات التكوينية الخارجية كالضرب و الاسباب في باب العقود و الايقاعات، و لذا ذكرنا انها لا تستند إليه بالاجازة، و لا يتم في الموجودات الاعتبارية و هي المسببات في المقام فانها تستند إليه بالاجازة فتشملها العمومات.

فتحصل: ان مقتضي العمومات صحة الفضولي.

و يمكن ان يستدل لها بالسيرة العقلائية بضميمة عدم ردع الشارع الاقدس عنها.

و أما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره في وجه الصحة بان الاجازة بنفسها انشاء من قبل المجيز فمع انشاء الاصيل هو عقد تشمله العمومات.

فيرد عليه: انه علي هذا عقد فاقد للتوالي بين الايجاب و القبول و مقدم قبوله علي ايجابه فيما إذا كان الأصيل مشتريا، فالحق ما ذكرناه.

ثمّ انه قد استدل لصحة الفضولي بالادلة الخاصة:

(1) احدها: ما تضمن قضية عروة البارقي، المذكور في المتن

«1». فان شراءه و بيعه وقعا فضوليين.

(2) و قد افاد المصنف قدس سره انه يمكن توجيه شراءه بنحو يخرج عن الفضولية. و لم يذكر التوجيه، و افيد فيه امور:

منها: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه مسبوق بالاذن الفحوي، حيث ان اذنه بشراء شاة بدينار يقتضي اذنه و رضاه بشراء شاتين بهذا المبلغ بطريق اولي.

______________________________

(1) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 14

توضيح ذلك ان: الظاهر علم عروة برضا النبي صلي الله عليه و آله بما يفعل. (1) و قد اقبض المبيع و قبض الثمن و لا ريب ان الاقباض و القبض في بيع الفضولي حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، فلا بد أما من التزام إن عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض و هو مناف لتقرير النبي صلي الله عليه و آله. و أما من القول بأن البيع الذي يعلم بتعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الاجازة، بناء علي كون الاجازة كاشفة و سيجي ء ضعفه، فيدور الامر بين ثالث و هو جعل

______________________________

و فيه: انه ان كان النبي صلي الله عليه و آله اعد دينارا لصرفه في شراء الشاة كان هذا متينا، و لكنه صلي الله عليه و آله انما اراد شاة واحدة للاضحية، و معه لا سبيل الي دعوي الاذن الفحوي كما لا يخفي.

و منها: ما افاده السيد الفقيه، و هو: ان المراد جنس الشاة الصادق علي الواحد و المتعدد.

و فيه: مضافا الي انه خلاف الظاهر في نفسه، يأباه بيع عروة احدي الشاتين.

و منها: غير ذلك مما هو واضح الدفع.

و لكن يرد علي الاستدلال به امران:

الأول: انه ضعيف السند، لأنه مروي من طرق

العامة، و عروة لم يوثق، مضافا الي نقل الشيخ قدس سره و العلامة اياه من عرفة، و القدماء من الأصحاب لو لم يكونوا معرضين عنه لا سبيل الي دعوي عملهم به كي ينجبر به ضعف السند.

الثاني: انه يحتمل ان عروة من حيث كونه معدا لخدمة النبي صلي الله عليه و آله كان وكيلا مفوضا في امر البيع و الشراء، فلم يكن بيعه و لا شراؤه فضوليا، و حيث انه قضية في واقعة و لا إطلاق له، فالاحتمال يسقطه عن الاستدلال.

و قد اورد علي الاستدلال به المصنف قدس سره بايرادين.

احدهما:

(1) انه حيث كان عروة قبض الثمن و اقبض الشاة، و لا سبيل الي دعوي انه فعل حراما لمنافاته لتقرير النبي صلي الله عليه و آله، و لا إلي جواز التصرف في المبيع ببيع الفضولي قبل الاجازة بناء علي كونها كاشفة لا ناقلة لما سيجي ء من ضعفه، و لا إلي دعوي علم عروة برضا النبي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 15

هذا الفرد من البيع، و هو المقرون برضا المالك، خارجا عن الفضولي كما قلناه،

و رابع: و هو علم عروة برضاء النبي صلي الله عليه و آله باقباض ماله للمشتري حتي يستأذن و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الامانة،

و الا فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا فلا يستحق قبض المال. فلو كان المشتري عالما،

فله ان يستأمنه علي الثمن حتي ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا. و لكن الظاهر هو اول الوجهين «الاخيرين و هو القول الثالث» كما لا يخفي خصوصا بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة علي جهة المعاطاة. (1)

و قد تقدم ان المناط فيه مجرد المراضاة، و وصول كل

من العوضين الي صاحب الآخر و حصوله عنده باقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا، فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضاء المالكين، ثمّ وصل كل من العوضين الي صاحب الآخر و علم برضاء صاحبه كفي في صحة التصرف، و ليس هذا من معاملة الفضولي لأن الفضولي صار آلة في الايصال و العبرة برضاء المالك المقرون به،

______________________________

صلي الله عليه و آله باقباض ماله للمشتري حتي يستأذن، و علم المشتري بكون البيع فضوليا حتي يكون دفعه للثمن بيد البائع علي وجه الامانة. فيتعين البناء علي خروج المعاملة المقرونة برضا المالك عن معاملة الفضولي.

و فيه: اولا: لا وجه لاستظهار فساد الاحتمال الثالث، إذ لا سبيل له سوي دعوي كون المشتري جاهلا و هو غير ثابت، مع انه لو كان جاهلا يمكن ان يكون دفع الثمن علي وجه الاستئمان بان يدفعه علي وجه الرضا المطلق، اي علي جميع التقادير علي انه ان كان مالكا فبما انه مالك، و الا فبما انه امين نعم الشيخ قدس سره لا يحتاج الي اثبات فساده، بل مجرد

الاحتمال الرابع يسقطه عن الاستدلال.

و ثانيا: ان المعاملة المقرونة برضا المالك الفعلي خارجة عن الفضولية لا المقرونة بالرضا التقديري، و المقام من قبيل الثاني.

(1) ثانيهما: ان الظاهر وقوع المعاملة في مورد الرواية بنحو المعاطاة بين رسول الله صلي الله عليه و آله و مشتري الشاة، و يكون عروة آلة محضة في ايصال العوضين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 16

و استدل له ايضا تبعا للشهيد في الدروس (1) بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: قضي امير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها ابن سيدها و ابوه

غائب،

فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال:

وليدتي باعها ابني بغير اذني، فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتي ينفذ البيع لك، فما رآه ابوه قال له أرسل ابني قال: لا و الله لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه، الحديث قال في الدروس و فيها دلالة علي صحة الفضولي (2) و ان الاجازة كاشفة و لا يرد عليها شي ء مما يوهن الاستدلال بها، فضلا عن ان يسقطه، و جميع ما ذكر فيها

______________________________

و يكفي في صحة المعاطاة وصول العوضين الي المالكين مع رضاهما، و ان كان الموصل غير ذي شعور.

و فيه: اولا: ان ظاهر قوله صلي الله عليه و آله بارك الله في صفقة يمينك التبريك في المعاملة الصادرة منه لا علي كونه آلة في ايصال الثمن و المثمن و ثانيا: ان الكافي علي فرض القول به القصد الي انشاء البيع بايصال العوض باي وجه اتفق، و ما هو موجود في المقام هو الرضا بالبيع الصادر من الغير فالصحيح ما ذكرناه.

(1) ثانيها صحيح محمد بن قيس المذكور في المتن «1»

(2) و عن الدروس: ان فيه دلالة علي صحة الفضولي.

الكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في فقه الحديث.

الثانية: في دلالته علي صحة الفضولي.

اما الاولي: فقد يقال انه مشتمل علي احكام لا يمكن الالتزام بها، و لأجل ذلك يرد علمه الي اهله.

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 17

من الموهنات موهونة الا ظهور الرواية في تأثير الاجازة المسبوقة بالرد (1) من جهة ظهور المخاصمة في ذلك

و اطلاق حكم الامام عليه السلام بتعين اخذ الجارية. و انها من المالك بناء علي انه لو لم يرد البيع وجب تقييد الاخذ بصورة اختيار الرد (2)

و مناشدة المشتري للإمام عليه السلام و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده و قوله حتي ترسل ابني (3) الظاهر في انه حبس الولد و لو علي قيمة يوم الولادة و حمل امساكه الوليدة علي حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها علي القيمة ينافيه قوله عليه السلام، فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع الولد.

______________________________

(1) منها: انه يدل علي نفوذ الاجازة بعد الرد، و الاجماع قام علي عدم نفوذها،

و سيأتي الجواب عن ذلك.

(2) و منها: حكمه عليه السلام باخذ الوليدة و ابنها من دون تقييد بعدم الاجازة.

و فيه: انه بيان للحكم في فرض عدم الاجازة.

منها: حكمه عليه السلام باخذ الوليدة و ابنها قبل ان يسمع من المشتري دعواه، و لعله كان يدعي اذن السيد أو رضاه، فكان يتعين تكليفه باقامة البينة، و مع عدمها ان يكلف السيد بالحلف اورد الحلف كما هو الشأن في سائر موارد المخاصمات.

و فيه: انه حيث كان نقل ابي جعفر عليه السلام هذه القضية لبيان ان البيع قابل للاجازة، لم تكن وظيفته عليه السلام بيان جميع الخصوصيات، فلعله لم يكن المشتري مدعيا للاذن أو الوكالة أو الرضا، أو انه انما حكم عليه السلام بذلك بعد تكليفه باقامة البينة.

و منها: حكمه عليه السلام باخذ الولد مع انه حر، إذ الظاهر ان الوطء كان بالشبهة.

و فيه: ان يمكن ان يكون الاخذ لاجل تعلق حقه به من جهة كونه نماء امته، و ان ابيت عن استحقاق القيمة الا علي تقدير عدم الاجازة فقد حكم عليه السلام بذلك قبل الاجازة.

(3)

و منها حكمه باخذ ابن السيد، مع ان غاية الامر كونه غاصبا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 18

و الحاصل ان ظهور الرواية في رد البيع اولا مما لا ينكره المصنف (1)

الا ان الانصاف أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للانكار، فلا بد من تأويل ذلك الظاهر لقيام القرينة و هي الإجماع علي اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.

و الحاصل ان مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية، من جهة اشتمالها علي تصحيح بيع الفضولي بالاجازة بناء علي قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي، كان ظهورها في كون الاجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا للاقتصار علي موردها، لوجه علمه الامام عليه السلام مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوي عدم الاذن للولد،

فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق

______________________________

و فيه: انه لاجل صيرورته سببا لتلك الخسارة و غاصبا للثمن لا مانع من ذلك للتوصل به الي حقه.

و منها: تعليمه عليه السلام اياه الحيلة، مع ان وظيفة الحاكم ليست ذلك.

و فيه: اولا: انه لم يثبت كون ذلك قضاوة، بل لعله كان جوابا عن المسألة و بيانا للحكم الشرعي.

و ثانيا: لم يدل دليل علي عدم جواز تعليم الحيلة.

و أما الثانية: فقد اورد علي الاستدلال به علي صحة بيع الفضولي.

(1) بانه ظاهر في تأثير الاجازة المسبوقة بالرد، و هو خلاف الاجماع و الكلام في ذلك يقع في موردين:

الأول: في ظهوره في ذلك.

الثاني: في انه علي فرض الظهور هل يمنع من الاستدلال به علي صحة الفضولي ام لا؟ اما الأول: فقد استند المصنف قدس سره في دعواه تلك الي

امور:

احدها: اطلاق حكمه عليه السلام بتعين اخذ الجارية و ابنها من المالك، إذ لو لم يكن رادا للبيع وجب تقييد الاخذ بصورة اختيار الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 19

الي صاحبه. اما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الامير عليه السلام في قوله: خذ ابنه حتي ينفذ لك البيع، و قول الباقر عليه السلام في مقام الحكاية، فلما رأي ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه، في ان للمالك ان يجيز العقد الواقع علي ملكه و ينفذه (1) لم يقدح في ذلك ظهور الاجازة الشخصية في وقوعها بعد الرد، فيؤول ما يظهر منه الرد بارادة عدم الجزم بالإجازة و الرد، أو كون حبس الوليدة علي الثمن أو نحو ذلك، و كأنه قد اشتبه مناط الاستدلال علي من لم

______________________________

و فيه: انه مع عدم الاجازة يكون الحكم ذلك ايضا، فلعله كان مرددا في الرد و الاجازة فحكم عليه السلام باخذهما ما لم يجز.

ثانيها: ظهور المخاصمة في ذلك.

و فيه: انها ظاهرة في كراهة البيع لا في الرد الذي هو حل للعقد و رفع له، و مجرد اظهار الكراهة الباطنية ليس ردا، بل يمكن منع ظهورها في ذلك ايضا، إذ لعلها كانت لاجل استحصال ثمن الجارية الذي اخذه ابوه.

ثالثها: مناشدة المشتري للامام عليه السلام، و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده.

و فيه: انه حيث لم يجز البيع و استرد ماله و نماءه الي ان ينفك باداء قيمته طلب منه عليه السلام علاجا ليجيز البيع.

رابعها: قوله حتي ترسل ابني الظاهر في انه حبس الولد و لو علي قيمة يوم الولادة.

و فيه: انه ظاهر في عدم الاجازة لا في الرد، إذ للمالك التصرف في ماله قبل الاجازة حتي علي الكشف.

فتحصل: انه لا

ظهور للرواية في كون الإجازة بعد الرد، فالاستدلال به علي صحة الفضولي لا إشكال فيه.

و أما الثاني: فقد ذهب السيد الفقيه قدس سره الي ان الرواية تكون دليلا علي صحة الاجازة حتي بعد الرد، و لا مانع من العمل بها.

و فيه: انه خلاف الاجماع لا يمكن المصير إليه.

(1) و افاد المصنف قدس سره في وجه صحة الاستدلال به في المقام: بان هذا الخبر المتضمن لقوله عليه السلام حتي ينفذ لك البيع و قوله اجاز بيع ابنه ظاهر في ان حكم الفضولي ذلك، و عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 20

يستدل بها في مسألة الفضولي أو يكون الوجه في الاغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة، فإنها لا تزيد علي الاشعار، و لذا لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي، بل ذكرها في موضع آخر لكن الفقيه في، غني منه بعد العمومات المتقدمة،

و ربما يستدل ايضا بفحوي صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر و العبد الثابتة بالنص (1) و الاجماعات المحكية، فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالاجازة كان تمليك ماله اولي بذلك، مضافا الي ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح لانه يكون منه الولد، كما في بعض الاخبار. و قد اشار الي هذه الفحوي في غاية المراد و استدل بها في الرياض، بل قال: انه لولاها اشكل الحكم من جهة

______________________________

فيتصرف في ظهور صدره في الاجازة بعد الرد ويؤول بارادة عدم الجزم بالاجازة و الرد أو غير ذلك.

و فيه: ان الظاهر من قول الأمير عليه السلام البيع ارادة البيع الخاص الذي اوقعه الابن،

و صريح قول الإمام الباقر عليه السلام ذلك، فهو ظاهر في القضية الشخصية، و حيث انه علي هذا لا يعمل بالخبر فيما تضمنه بحسب

ظاهره، فلا بد من تأويله، و معه يصير مجملا فلا يمكن الاستدلال به.

و دعوي انه بالدلالة المطابقية يدل علي صحة الفضولي في المورد، و بالدلالة الالتزامية يدل علي قابلية كل فضولي للنفوذ بالاجازة، و الاجماع المشار إليه يوجب سقوط الاولي لا الثانية.

مندفعة بتبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية وجودا و حجية. فتدبر فالحق ما ذكرناه.

(1) ثالثها النصوص «1» الواردة في النكاح الدالة علي نفوذ بالاجازة.

و تقريب الاستدلال بها من وجوه:

الأول: بعموم التعليل الوارد في صحة نكاح العبد باجازة المولي- حيث علله عليه السلام بان نكاحه مشروع ذاتا و ليس معصية لله تعالي، بل انما يكون عدم

______________________________

(1) الوسائل باب 24 و 25 و 26 و 27 و 70 من أبواب نكاح العبيد و الاماء و باب 6 و 7 و 13 من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 21

______________________________

نفوذه من باب كونه عصيانا للسيد فإذا اجاز جاز- فانه يدل علي ان كل معاملة لا تكون غير مشروعة بذاتها كبيع الخمر و الخنزير، بل انما لا تكون نافذة لرعاية حق الغير تصح باجازة من اعتبر رضاه، فان كونها معصية لذلك الغير قابلة للزوال بسبب تبدل كراهته بالرضا.

الثاني: ما افاده صاحب الجواهر قدس سره، و هو: ان ما ورد في نكاح الفضولي الدال علي صحته بالاجازة باطلاقه يشمل ما إذا تضمن الصداق بيعا، كما إذا باع شخص مال زيد من عمرو فضولا بمائة دينار و تزوج له هندا بتلك الدنانير، فاطلاق تلك الاخبار يقتضي صحة هذا النكاح، و لازمه صحة البيع ايضا، و يتم في غير هذه الصورة بالاجماع المركب.

و فيه: اولا: ان الاخبار مسوقة لبيان حكم النكاح من هذه الجهة خاصة، و لا نظر لها

الي الجهات الاخر، فلا وجه للتمسك باطلاقها.

و ثانيا: ان النكاح لعدم توقفه علي المهر لان بطلان المهر لا يستلزم بطلان النكاح- لا يلازم امضاؤه في الفرض امضاء البيع و انفاذه.

الثالث: ان جملة من النصوص تدل علي ان النكاح يصح بالاجازة، فإذا صح تمليك البضع بالاجازة صح تمليك ماله بها بالاولوية، اما لأن الأول لا عوض له بخلاف الثاني، أو لأن النكاح مبني علي الاحتياط و احري بشدة الاهتمام، لانه يكون منه الولد. و الكلام فيه يقع في جهات:

الاولي: في ثبوت هذا الحكم في مطلق النكاح.

الثانية: في التعدي عنه الي سائر العقود بحسب القواعد.

الثالثة: في ان الرواية التي اشار إليها المصنف هل تمنع عن هذه الاولوية ام لا؟ اما الاولي: فعن الشيخ في المبسوط و الخلاف: انكاره فيه من الأصل، و عن فخر المحققين ايضا ذلك، و عن أبي حمزة: اختصاصه بتسعة مواضع لوجود النص فيها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 22

______________________________

دون غيرها، و استشكل السيد الفقيه في التعدي عن تلك الموارد المخصوصة، و المشهور بين الأصحاب التعدي، بل نقل الاجماع عليه غير واحد.

و الحق ان: صحة نكاح الفضولي في الجملة مما لا ينبغي التوقف فيه لورود جملة من الأخبار «1» في نكاح الأب لابنه، و الاخ لاخيه، و العم لابن اخيه، و الام لابنها، و نكاح الوصي، و غير ذلك من الموارد، و فيها الصحاح و الموثقات.

و أما التعدي عن تلك الموارد الي مطلق النكاح فالظاهر ذلك، لأن غاية ما ذكر في وجه عدم التعدي: ان موارد النصوص الواردة في المقام ما بين ما يكون العاقد عاقدا لنفسه الا انه منوط برضا الغير، و ما بين ما يكون العاقد وليا شرعيا أو عرفيا، فالتعدي عنهما الي

ما إذا كان العاقد عاقدا لغيره و لم يكن وليا يحتاج الي دليل.

و لكنه فاسد، و ذلك لوجهين:

احدهما: ان من جملة تلك النصوص ما ورد في «2» نكاح الاخ و العم، و هما ليسا عاقدين لأنفسهما، و لا ولاية لهما عرفا ايضا.

ثانيهما ان من جملتها ما ورد في عبد مملوك بين رجلين زوجه احدهما و الآخر لا يعلم و علم به بعد ذلك، قال عليه السلام للذي لم يعلم و لم يأذن: ان يفرق بينهما، و ان شاء تركه علي نكاحه «3». و نحوه ما ورد في جارية مملوكة بين رجلين «4» فانهما يدلان علي توقف نكاح احد الشريكين علي اجازة الآخر من حيث انه تصرف ورد علي ماله، و معلوم انه ليس عاقدا لنفسه و لا ولاية له عرفا و لا شرعا فإذا ثبوت ذلك في مطلق نكاح الفضولي مما لا ينبغي التوقف فيه.

و أما الجهة الثانية: فالحق عدم صحة التعدي الي سائر العقود

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من ابواب عقد النكاح.

(2) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من ابواب عقد النكاح.

(3) الوسائل باب 25 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

(4) الوسائل باب 70 من أبواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 23

الاجماعات المحكية علي المنع و هو حسن الا انها ربما توهن بالنص الوارد (1) في الرد علي العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني لأن المال له عوض و البطلان في الأول لان البضع ليس له عوض،

حيث قال الامام عليه السلام في مقام ردهم و اشتباههم في وجه الفرق سبحان الله ما

اجور هذا الحكم و افسده، فإن النكاح اولي و اجدر ان يحتاط فيه، لانه الفرج و منه يكون الولد، الخبر.

______________________________

لعدم تمامية الوجهين المتقدمين،

اما الاول: فلان في النكاح لا يملك البضع، بل هناك تسلط محض، مع انه لا يجري في الهبة و الصلح في موردها، مضافا الي ان هذه الاولوية ظنية لخفاء المصالح المقتضية لجعل الاحكام.

و أما الثاني: فلأن الشارع الأقدس و ان اهتم بالنكاح- و هو احري بالاحتياط- الا ان ذلك في مقام عمل المكلفين برعاية ما جعل الشارع سببا له، و في موارد الشبهات الحكمية و الموضوعية، و لا ربط لذلك بجعل الشارع، فتوسعة الشارع في اسباب النكاح لا تستلزم توسعته في اسباب البيع، بل الشارع الأقدس اعتبر في سائر العقود ما لم يعتبر في هذا العقد- كالتقابض في الصرف و السلم- و وسع في اسباب النكاح بتشريع عقد التمتع و ملك اليمين و جواز تقديم القبول علي الايجاب و جواز الاقتصار علي السكوت في مقام الاذن و الرضا.

و بالجملة: اهمية النكاح ربما تستدعي التوسعة في اسبابه لئلا يقع الناس في الزنا فتحصل: ان الأظهر عدم التعدي الي سائر العقود.

و أما الجهة الثالثة: فقد افاد المصنف قدس سره:

(1) انها ربما توهن بالنص الوارد في الرد علي العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول و النص المشار إليه هو صحيح العلاء بن سيابة عن مولانا الصادق عليه السلام و فيه: ما اجور هذا الحكم و افسده ان النكاح احري و احري ان يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب كتاب الوكالة حديث 2 و باب 157 من ابواب مقدمات النكاح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 24

و حاصله أن مقتضي

الاحتياط كون النكاح الواقع أولي بالصحة من البيع من حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره، فدل علي ان صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق اولي (1) خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح، فمقتضي حكم الامام عليه السلام ان صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم صحة النكاح الواقع بطريق اولي، و حينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في مسألة الفضولي الي صحة البيع، لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل، في باب الأولوية و إلا لم يتحقق الأولوية كما لا يخفي، فالاستدلال بصحة النكاح علي صحة البيع مطابق لحكم العامة، من كون النكاح أولي بالبطلان، من جهة أن البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

______________________________

(1) و ذكر المصنف قدس سره ما حاصله ان مقتضي الاحتياط كون النكاح الواقع اولي بالصحة من البيع من حيث الاحتياط، فدل علي ان صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق اولي خلافا للعامة، و عليه فلا يجوز التعدي عما دل علي صحة نكاح الفضولي الي صحة البيع.

اقول: بعد التنبيه علي امرين:

الأول: ان الحكم الواقعي عدم الفرق بين النكاح و غيره في مسألة العزل مع عدم بلوغ الخبر الي الوكيل.

الثاني: ان العامة لم يكونوا معللين الفرق بين النكاح و البيع بالاحتياط، بل انما عللوه بوجه استحساني، حيث انه عليه السلام لما سأل الراوي عما يقول العامة قال: و يقولون المال منه عوض لصاحبه و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

ان الامام عليه السلام لما لم يتمكن من بيان الحكم من دون وجه، و لا من بيان بطلان ما ركنوا إليه، راعي جانب الاحتياط و اجاب بان النكاح بما انه مهم في نظر الشارع

و احري بان يحتاط فيه من غيره من العقود فيتعين فيه الاستناد الي حجة شرعية، و لا يعتمد الي القياس و الاستحسان و ما شابهما من الوجوه العليلة، و قد عقبه عليه السلام بقضاء أمير المؤمنين عليه السلام الذي يكون متبعا عندهم لقوله صلي الله عليه و آله: اقضاكم علي عليه السلام، و عليه فهو لا يدل علي ما ذكر المصنف قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 25

بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو ابقاؤه (1) دون ابطاله، مستدلا بأنه يكون منه الولد مع ان الامر في الفروج كالاموال دائر بين محذورين و لا احتياط في البين، و يمكن ان يكون الوجه في ذلك ان ابطال النكاح في مقام الاشكال و الاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين علي تقدير الصحة واقعا،

فيتزوج المرأة و يحصل الزنا بذات البعل بخلاف ابقائه، فإنه علي تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه الا وطي المرأة الخالية عن المانع، و هذا أهون من وطي ذات البعل.

فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا.

و كيف كان، فمقتضي هذه الصحيحة انه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب ذلك التعدي الي الحكم بصحة بيع الفضولي، نعم لو ورد الحكم بصحة البيع امكن الحكم بصحة النكاح، لأن النكاح اولي بعدم الابطال كما هو نص الرواية، ثمّ ان الرواية و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي (2) الا ان المستفاد منها قاعدة كلية هي ان امضاء العقود المالية يستلزم امضاء النكاح من دون العكس الذي هو مبني الاستدلال في مسألة الفضولي هذا.

______________________________

و بما ذكرناه: ظهر عدم تمامية ما افاده السيد الفقيه قدس سره في المقام في الرد علي المصنف قدس سره،

و حاصله: انه عليه السلام بصدد الرد علي العامة الجاعلين حكمة الحكم الاحتياط،

و انه ليس كذلك و الا كان النكاح اولي بان يحتاط فيه، و ان الاحتياط لو كان مقتضيا للصحة في البيع ففي النكاح بالاولوية.

فانه يرد عليه: ما عرفت من ان العامة لم يجعلوا حكمة الحكم الاحتياط.

(1) قوله بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو ابقائه.

و فيه ان الامام عليه السلام لم يحكم بابقاء النكاح لكونه علي طبق الاحتياط، و انما اعترض علي العامة حيث حكموا بصحة بيع المعزول الجاهل بالعزل و بطلان النكاح.

(2) قوله ثمّ ان الرواية و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي و ذلك من جهة اختصاص موردها بما وقع بعنوان الوكالة و لو باعتقاد العاقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 26

ثمّ انه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها، بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة، مثل موثقة جميل عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل دفع الي رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشتري غير الذي امره، قال: هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرطه و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب فإنها ان ابقيت علي ظاهرها من عدم توقف ملك الربح علي الاجازة، كما نسب الي ظاهر الاصحاب وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص، كما في المسالك و غيره، كان فيها استئناس لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلي غيره (1)

و إن حملناه علي صورة رضاء المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح، كما هو الغالب،

و بمقتضي الجمع بين هذه الأخبار و بين ما دل علي اعتبار رضاء المالك في نقل ماله،

و النهي عن

أكل المال بالباطل اندرجت المعاملة في الفضولي و صحتها في خصوص المورد، و ان احتمل كونها للنص الخاص، الا

______________________________

(1) و حاصل ما افاده المصنف في هذه الاخبار: «1» انه ان قلنا بعدم لزوم الاجازة في صحة المعاملة المزبورة كانت هي مما يستأنس به للحكم في المقام لاشتراكهما في عدم لزوم الاذن السابق، و ان قلنا بلزومها في صحتها كانت دليلا علي جريان الفضولي في العقد السابق و صحته في المورد الخاص. و ان احتمل كونها للنص الخاص الا انها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

و في كلا شقي كلامه نظر:

اما الأول: فلأنه إذا دل دليل علي عدم اعتبار الرضا في مورد خاص كيف يستأنس منه لحكم ما يعتبر فيه ذلك قطعا، و انما الكلام في اعتبار سبقه.

و أما الثاني: فلأنه ان بنينا علي صحة ما صدر بالاجازة كان اللازم كون تمام الربح للمالك، إذ تقسيم الربح انما يكون من آثار المضاربة المفروض بطلانها، و البائع اما ان

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 27

انها لا تخلو عن تأييد للمطلب و من هذا القبيل الاخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم و ان الربح لليتيم (1) فإنها ان حملت علي صورة اجازة الولي، كما هو صريح جماعة تبعا للشهيد كان من افراد المسألة (2) و ان عمل باطلاقها، كما عن جماعة ممن تقدمهم، خرجت عن مسألة الفضولي لكن يستأنس لها بالتقريب المتقدم، و ربما احتمل دخولها في المسألة من حيث ان الحكم بالمضي اجازة الهية لاحقة للمعاملة (3) فتأمل.

______________________________

يستحق اجرة لان عمل المسلم محترم، أو لا يستحق لانه عمل من دون امر.

و الحق ان يقال: ان نصوص الباب

محمولة علي صورة الاشتراط لا التقييد، اي اشتراط المالك علي العامل ان لا يشتري الا الجنس الفلاني.

و عليه فإذا تخلف الشرط و اشتري غير الذي امر به فان خسر فيه كان عليه الضمان لمخالفته للمالك، و لانه لا محالة يرد العقد.

و ان ربح فيه فلا محالة لا يفسخ المالك المضاربة فيكون الربح بينهما. و بهذا يظهر ان النصوص موافقة للقاعدة و اجنبية عن المقام.

و ان ابيت عن كون ذلك مما تقتضيه القاعدة فلا مانع من الالتزام به للنصوص الخاصة الواردة في المقام.

(1) قوله و من هذا القبيل الاخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم.

و ما افاده المصنف قدس سره في وجه ادخال المسألة في الفضولي امران.

(2) الاول: انها تحمل علي صورة اجازة الولي.

(3) الثاني: ان الحكم بالمضي اجازة الهية لاحقة للمعاملة.

و يرد علي الاول: انه ليس في النصوص ما يستفاد منه ارادة معاملة غير الولي، بل ظاهر بعضها و صريح آخر معاملة الولي، مع انه ليس فيها ما يشهد باجازة الولي.

و يرد علي الثاني: ان التاجر ان كان مأذونا من قبل الله تعالي لا تكون معاملته فضولية، و الحق اختصاصها بصورة معاملة الولي، و تكون اجنبية عن مسألة الفضولي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 28

و ربما يؤيد المطلب ايضا برواية ابن اشيم (1) الواردة في العبد المأذون، الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة و يعتقه، أو يحجه عن ابيه، فاشتري اباه و اعتقه، ثمّ تنازع مولي المأذون و مولي الأب و ورثة الدافع، و ادعي كل منهم انه اشتراه بماله،

فقال أبو جعفر عليه السلام يرد المملوك رقا لمولاه، و أي الفريقين اقاموا البينة بعد ذلك علي انه اشتراه بماله كان رقا له، الخبر.

بناء علي انه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد مطالبته المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوي الشراء، بالمال و لا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع.

و مما يؤيد المطلب ايضا صحيحة الحلبي (2) عن الرجل يشتري ثوبا و لم يشترط علي صاحبه شيئا، فكرهه ثمّ رده علي صاحبه فأبي ان يقبله الا بوضيعة،

قال: لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد علي صاحبه الأول ما زاد فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا علي صحة بيع الفضولي لنفسه و يمكن التأييد له

______________________________

(1) قوله و ربما يؤيد المطلب ايضا برواية ابن اشيم الواردة في العبد «1».

ما يتوهم ان يكون مؤيدا للمطلب حكمه عليه السلام بكون العبد لورثة الميت إذا اقاموا البينة، و أما بالنسبة الي مولي العبد فالظاهر انه كان ماذونا من قبله، و أما بالنسبة الي مولي الاب فالمعاملة باطلة بلا كلام، و الظاهر من الرواية كون الورثة راضين بالمعاملة و آذنين اياه فيها، و عليه فتخرج عن محل الكلام.

(2) قوله و مما يؤيد المطلب ايضا صحيحة الحلبي «2» عن رجل يشتري ثوبا.

فان الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره الا علي صحة بيع الفضولي.

و فيه: أنه لا ينطبق عليها إذ الحكم بفساد الاقالة في الفرض المستلزم لكون المعاملة الثانية فضولية لازمه الاستجازة من المشتري الأول لا الحكم برد ما زاد و عدم الفرق بين البيع بالازيد و بالمساوي و بالانقص، و لا يبعد دعوي ان الرواية ظاهرة في كراهة الاقالة بالوضعية كما ذهب إليها ابن الجنيد و استحباب رد ما زاد، فتكون اجنبية عن المقام

______________________________

(1) الوسائل باب 25 من أبواب

بيع الحيوان من كتاب التجارة حديث 1.

(2) الوسائل باب 17 من أبواب احكام العقود من كتاب التجارة حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 29

ايضا بموثقة عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام عن السمسار يشتري بالاجر، فيدفع إليه الورق فيشترط عليه انك تأتي بما تشتري، فما شئت اخذته و ما شئت تركته، فيذهب ليشتري، ثمّ يأتي بالمتاع، فيقول خذ ما رضيت ودع ما كرهت، قال لا بأس (1)

الخبر.

بناء علي الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه ليكون الورق عليه قرضا فيبيع علي صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة و يوفيه دينه، و لا ينافي هذا الاحتمال، فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالاجر، لأن توصيفه بذلك باعتبار اصل حرفته و شغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية، و يحتمل ان يكون لصاحب الورق باذنه مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره، و يحتمل ان يكون فضوليا عن صاحب الورق فيتخير ما يريد و يرد ما يكره و ليس في مورد الرواية ظهور في اذن صاحب الورق السمسار، علي وجه ينافي كونه فضوليا، كما لا يخفي، فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه، و حكم الامام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات، افاد ثبوت الحكم علي جميع الاحتمالات.

و ربما يؤيد المطلب بالاخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد بدون اذن مولاه (2) معللا بأنه لم يعص الله، و انما عصي سيده، و حاصله ان المانع من صحة العقد، إذا كان لا يرجي زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو عصيان الله تعالي. و أما المانع الذي يرجي زواله كعصيان السيد، فبزواله يصح العقد، و رضا

المالك من هذا القبيل،

______________________________

(1) قوله بموثقة «1» عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام عن السمسار بناء علي ان الاشتراء من السمسار يكون فضوليا عن صاحب الورق، فيتخير ما يرد و يرد ما يكره.

و لكن الظاهر من الخبر كون الاشتراء لصاحب الورق مع جعل خيار له علي بائع الأمتعة فيلتزم بالبيع فيما رضي و يفسخه فيما كره.

(2) و أما الاخبار الدالة علي عدم فساد نكاح العبد فقد مر الكلام فيها مفصلا فلا نعيد

______________________________

(1) الوسائل باب 20 من أبواب احكام العقود حديث 2 و الراوي عبد الرحمن بن أبي عبد الله لا عبد الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 30

فانه لا يرضي اولا و يرضي ثانيا بخلاف سخط الله عز و جل بفعل فانه يستحيل رضاه.

هذا غاية ما يمكن ان يحتج و يستشهد به للقول بالصحة، و بعضها و ان كان مما يمكن الخدشة فيه، الا ان في بعضها الآخر غني و كفاية.

و احتج للبطلان بالأدلة الأربعة: (1)

اما الكتاب فقوله تعالي: (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد، علي ان غير التجارة عن تراض أو التجارة لاعن تراض غير مبيح، لأكل مال الغير، و إن لحقها الرضا. و من المعلوم ان الفضولي غير داخل في المستثني، و فيه ان دلالته علي الحصر ممنوعة (2) لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ و صريح المحكي عن جماعة من المفسرين، ضرورة عدم كون التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه. و أما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد، فهو

______________________________

ادلة بطلان بيع الفضولي و الجواب عنها.
اشارة

(1) و قد استدل للبطلان بالادلة الاربعة.

اما الكتاب: فقوله تعالي: [وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ]

(لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» بدعوي انه دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد علي ان غير التجارة و التجارة لاعن تراض غير مبيحة لأكل مال الغير و ان لحقها الرضا، و من المعلوم ان الفضولي غير داخل في المستثني.

و قد اجابوا عن الاستدلال به باجوبة.

الأول: انه لا مفهوم له، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في اول مبحث الاكراه و المعاطاة.

(2) و عرفت انه لا يدل علي الحصر لان الاستثناء منقطع غير مفرع و هو لا يفيد الحصر.

الثاني: ان التجارة التي هي اسم للمسبب لا السبب انما تكون تجارة للمالك

______________________________

(1) النساء: 29

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 31

مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة اخري (1) لكونه واردا مورد الغالب كما فيما نحن فيه و في قوله تعالي:) و ربائبكم اللاتي في حجوركم (مع احتمال ان يكون عن تراض خبرا بعد خبر ليكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها (2) و ان كان غلبة توصيف النكرة تؤيد التقييد فيكون المعني إلا أن يكون سبب الاكل تجارة و يكون عن تراض.

و من المعلوم ان السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي انما نشأ عن التراضي،

مع ان الخطاب لملاك الاموال و التجارة في الفضولي، انما يصير تجارة المالك بعد الاجازة، فتجارته عن تراض.

و قد حكي عن المجمع أن مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم، أن معني التراضي بالتجارة امضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد، و لعله يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبرا بعد خبر.

______________________________

بعد الاجازة، فتكون عن تراض و قد مر في اول مبحث الفضولي تمامية ذلك ايضا.

(1) قوله مع

تسليمه مخصوص بما اذا لم يكن للقيد فائدة اخري.

و يرد عليه انه لو سلم سياق التحديد لم يكن مناص من تسليم الدلالة علي المفهوم و لم يكن مورد لحمل القيد علي الغالب.

(2) الثالث: انه يحتمل ان يكون) عن تراض (خبرا بعد خبر، ليكون علي قراءة نصب التجارة لا قيدا لها.

و حاصله: انه يحتمل ان يكون اسم كان مقدرا و هو سبب الاكل، و يكون له خبران:

الأول: تجارة، الثاني:

عن تراض. و لكن لا بنحو الاستقلال بل بنحو الاشتراك، كما في قولنا: الرمان حلو حامض فيكون مفاده سببية التجارة و التراضي، و هي متحققة في بيع الفضولي.

و فيه: انه لا يحتمل ذلك مع التعبير بحرف المجاوزة، إذ السبب لو كان هو المجموع لما كان منبعثا عن التراضي و ان كان خصوص التجارة لزم قيدية التجارة بصدورها عن التراضي، و ان كان غيرهما لزم عدم كون السبب هو التجارة و التراضي و هو خلف، مع انه علي فرض قراءة التجارة بالرفع يتعين التقييد، إذ احتمال كونه خبرا و الاسم هو التجارة،

يدفعه ان لازمه تعريف التجارة فالصحيح هو الأولان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 32

و أما السنة فهي اخبار

منها: النبوي المستفيض (1) و هو قوله صلي الله عليه و آله لحكيم بن حزام لاتبع ما ليس عندك، فان عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه علي تسليمه، لعدم تملكه، فيكون مساوقا للنبوي الآخر لا بيع الا فيما يملك، بعد قوله صلي الله عليه و آله لا طلاق الا فيما يملك و لا عتق الا فيما يملك، و لما ورد في توقيع العسكري الي الصفار لا يجوز بيع ما ليس يملك.

و ما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه، كتب في جواب بعض مسائله

أن الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها أو بامره أو رضا منه، و ما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد في ارض بفم النيل اشتراها رجل، و اهل الأرض يقولون هي ارضنا و اهل الاسناف يقولون هي من ارضنا، فقال: لا تشترها الا برضاء اهلها.

______________________________

(1) و أما السنة فهي اخبار،

منها: النبوي المستفيض، و هو قوله صلي الله عليه و آله لحكيم بن حزام: لاتبع ما ليس عندك «1».

لا يخفي ان اقضية النبوي صلي الله عليه و آله المذكورة في كتب العامة مجتمعة عن عبادة بعينها مروية عن طرقنا برواية عقبة متفرقة علي حسب تفرق الابواب، و عليه فهذا النبوي مروي عن طرقنا و عن طرق العامة، فلا سبيل الي الخدشة في سنده هذا بحسب السند.

مع ان هذا المضمون موجود في جملة من الاخبار: كخبر سليمان بن صالح عن مولانا الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله «2» و خبر الحسين بن زيد عنه عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي الله عليه و آله «3».

و أما من حيث الدلالة: فما قيل أو يمكن ان يقال في الجواب عن الاستدلال به- و ما يساوقه من النبوي الآخر: لا بيع الا فيما يملك، «4» و التوقيع: لا يجوز بيع ما ليس يملك «5» - للبطلان امور.

______________________________

(1) راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.

(2) الوسائل باب 7 من أبواب احكام العقود من كتاب التجارة حديث 2.

(3) نفس المصدر حديث 5.

(4) المستدرك باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 3.

(5) الوسائل باب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4،

ص: 33

و ما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل في رجل اشتري من امراة من آل فلان بعض قطائعهم فكتب إليها كتابا قد قبضت المال و لم تقبضه، فيعطيها المال ام يمنعها، قال: قل يمنعها اشد المنع، فانها باعت ما لم تملكه، و الجواب عن النبوي اولا ان الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للاجماع و النص علي جواز بيع الكلي، و من البيع البيع لنفسه لاعن مالك العين، و حينئذ فإما ان يراد بالبيع مجرد الانشاء،

فيكون دليلا علي عدم جواز بيع الفضولي لنفسه فلا يقع له و لا للمالك بعد اجازته.

و أما ان يراد ما عن التذكرة: من أن يبيع عن نفسه، ثمّ يمضي ليشتريه من مالكه،

قال: لأنه صلي الله عليه و آله ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن ان يبيع الشي ء فيمضي و يشتريه و يسلمه فإن هذا البيع غير جائز، و لا نعلم فيه خلافا للنهي المذكور و للغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها، انتهي.

______________________________

الأول: انها لمعارضتها مع النصوص الكثيرة الدالة علي جواز بيع ما ليس عنده، لاحظ صحيحي عبد الرحمن بن الحجاج عن مولانا الصادق عليه السلام، ففي الأول منهما: عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا قال عليه السلام: ليس به باس،

قلت: انهم يفسدون عندنا، قال عليه السلام: و أي شي ء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا،

يقولون: هذا الي اجل فإذا كان الي غير اجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال عليه السلام: فإذا لم يكن الي اجل كان اجود، ثمّ قال: لا بأس بان يشتري الطعام و ليس هو عند صاحبه حالا و إلي اجل. الحديث، «1» و

قريب منه الآخر «2» تحمل هذه علي التقية لتكذيبه عليه السلام فيهما للعامة القائلين ببطلان بيع ما ليس عنده.

و فيه: ان الجمع بينهما يقتضي تخصيص هذه النصوص ببيع العين الشخصية من جهة اختصاص تلك النصوص ببيع الكلي، أو حملها علي بيع كل ما خرج عن السلطنة و ان كان المبيع كان المبيع كليا كما لو باع الكلي في ذمة الغير.

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود حديث 1.

(2) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 34

و هذا المعني يرجع الي المراد من روايتي خالد و يحيي: الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه، و يكون بطلان البيع بمعني عدم وقوع البيع للبائع، بمجرد انتقاله إليه بالشراء،

فلا ينافي اهليته لتعقب الاجازة من المالك. و بعبارة اخري: نهي المخاطب عن البيع دليل علي عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدل علي الغائه بالنسبة الي المالك حتي لا تنفعه باجازة المالك، في وقوعه له، و هذا المعني اظهر من الاول، و نحن نقول به كما سيجي ء، و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الأدلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا اجاز (1)

______________________________

و لعل الثاني اظهر، و تكذيبه عليه السلام للعامة يمكن ان يكون في تطبيق بيع ما ليس عنده علي بيع الكلي في ذمة نفسه لا في اصل الحديث.

(1) الثاني: ما افاده المصنف قدس سره بقوله: و ثانيا سلمنا دلالة النبوي علي المنع، لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الادلة الدالة علي تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا اجاز.

و فيه: انه بناء علي ما استظهره المصنف قدس سره من

ان المراد من البيع البيع لنفسه لاعن مالك العين، تكون النسبة عموما من وجه لأخصية النبوي من هذه الجهة، فلا وجه لتقدم تلك.

الثالث: أن الظاهر البدوي من النبوي النهي عن بيع ما ليس حاضرا عنده، سواء أ كان مملوكا له ام لا، قدر علي تسليمه ام لا، كليا ام شخصيا، و حيث انه لا يمكن الالتزام به تعين حمله اما علي النهي عن بيع ما ليس مملوكا له، أو علي النهي عن بيع ما لا يقدر علي تسليمه، و ان لم يكن الثاني اقرب لا كلام في عدم اقربية الأول.

و أما النبوي الآخر و التوقيع، فيحتمل ان يكون يملك فيهما مبنيا للمفعول، فلا ربط لهما بما نحن فيه.

الرابع: ان المنفي البيع لغير المالك، فتختص هذه النصوص بالمسألة الآتية، و هي ما لو باع الغاصب لنفسه، و لا ربط لها بهذه المسألة و هي البيع للمالك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 35

و بما ذكرناه من الجوابين، يظهر الجواب عن دلالة قوله لا بيع إلا في ملك، فإن الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه، و ان النفي راجع الي نفي الصحة في حقه، لا في حق المالك، مع ان العموم لو سلم وجب تخصيصه بما دل علي وقوع البيع للمالك إذا اجاز.

و أما الروايتان: (1) فدلالتهما علي ما حملنا عليه السابقين اوضح، و ليس فيهما ما يدل، و لو بالعموم علي عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا اجاز و أما الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع، فإنما هو في مقابلة عدم رضا اهل الأرض (2) و الضيعة رأسا علي ما يقتضيه السؤال فيهما، و توضيحه ان النهي في مثل المقام و ان كان

يقتضي الفساد، الا انه بمعني عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه.

______________________________

الخامس: ان النهي في هذه النصوص لم يتعلق بانشاء البيع، إذ البيع اسم للمنشأ و المسبب لا الإنشاء كما تقدم، مع انه لا يعتبر صدور الانشاء من المالك قطعا، بل المتعلق هو حقيقة البيع، و هي بالاجازة تنتسب الي المالك، فيكون بيع ما عنده.

و بعبارة اخري: ان الروايات علي فرض دلالتها علي عدم صحة بيع الفضولي تدل علي عدم وقوع البيع للفضولي، و لا نظر لها الي وقوعه للمالك إذا اجاز، إذ المنفي فيها وقوع البيع لنفسه، فينتفي هذا، و هو لا يلازم عدم وقوع البيع و لو للمالك، إذ سلب الاخص لا يستلزم سلب الاعم، فإذا كان وقوع البيع للمالك مع اجازته مسكوتا عنه في هذه الاخبار فيرجع فيه الي الادلة المتقدمة الدالة علي الوقوع.

(1) و منها روايتا يحيي و خالد الآتيتان، «1» و يظهر الجواب عنهما مما ذكرناه في النبوي.

و منها صحيح محمد بن مسلم «2» و التوقيع الشريف «3» المذكوران في المتن.

و اجاب عنهما المصنف قدس سره بقوله.

(2) و أما الحصر في صحيحة محمد بن مسلم و التوقيع فانما هو في مقابلة عدم رضا.

اهل الارض.

محصل ما افاده الماتن في الجواب عنهما، توضيحه انه لا يستفاد من الخبرين

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من ابواب احكام العقود.

(2) الوسائل باب 1 من ابواب عقد البيع حديث 3.

(3) نفس المصدر حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 36

و من المعلوم ان عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه، و لذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا.

و لذا عد في الشرائع من شروط المتعاقدين، اعني شروط الصحة كون العاقد مالكا أو قائما مقامه، و ان ابيت

الا عن ظهور الروايتين في لغوية عقد الفضولي رأسا وجب تخصيصها بما تقدم من ادلة الصحة.

و أما رواية القاسم بن فضل فلا دلالة فيها، إلا علي عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي، لأنه باع ما لا يملك، و هذا حق لا ينافي صحة الفضولي.

______________________________

الا النهي عن الشراء الفاقد للرضا رأسا، و هذا لا يدل علي فساد عقد الفضولي غير الفاقد له بلحاظ الاجازة، و لا يدل علي صحته ايضا، فالنهي فيهما لا يدل الا علي بطلان العقد الفاقد للرضا، بمعني عدم ترتب الاثر المقصود و نحن نقول به. و أما في البيع الملحوق بالرضا فيرجع الي العمومات الدالة علي الصحة.

و بهذا البيان يظهر ان ما افاده في التوضيح ليس جوابا آخر كما افاده السيد الفقيه.

و المحقق النائيني قدس سره قال: ان دلالة خبر الحميري علي صحة الفضولي اظهر، فان مقابلة الرضا بالأمر ظاهرة، في كفاية الاجازة اللاحقة، فان الرضا المقابل للشراء عن المالك أو بامره هو الرضا اللاحق لا المقارن، فانه متحقق حين الأمر.

و فيه: ان يمكن ان يكون المراد من الرضا ما هو ظاهره، و هي الصفة النفسانية غير المبرزة التي عرفت كفايتها في الخروج عن الفضولية فراجع.

فالحق ان يقال: ان مقتضي اطلاق الخبرين النهي عن الاشتراء الا بالرضا، تقدم أو تأخر، فيدلان علي صحة الفضولي لكونه داخلا في المستثني، مع ان المراد بالاشتراء حقيقته، و هو انما يكون اشتراء للمالك بعد الاجازة، فيشمله الخبر ان كان المراد بالرضا فيهما المقارن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 37

و أما توقيع الصفار (1) فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك، بمعني وقوعه للبائع علي جهة الوجوب و اللزوم. و يؤيد تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة بوجوب

البيع فيما يملك، فلا دلالة علي عدم وقوعه لمالكه إذا اجاز. و بالجملة فالانصاف انه لا دلالة في تلك الاخبار باسرها علي عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا اجاز، و لا تعرض فيها الا لنفي وقوعه للعاقد.

الثالث: الاجماع علي البطلان (2)

ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا بأن الصحة مذهب قوم من اصحابنا، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم، و ادعاه ابن زهرة ايضا في الغنية، و ادعي الحلي في باب المضاربة: عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشتري بعين المغصوب.

و الجواب عدم الظن بالاجماع بل الظن بعدمه، بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين، و المفيد، و المرتضي، و الشيخ بنفسه في النهاية، التي هي آخر مصنفاته علي ما قيل، و اتباعهم علي الصحة. و اتباع المتأخرين عليه عدا فخر الدين، و بعض متأخري المتأخرين.

______________________________

(1) قوله و أما توقيع الصفار «1» فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك.

و فيه ان الجواز عبارة عن الصحة- و عدمه عبارة عن الفساد.

فالحق في الجواب مضافا الي ما تقدم.

ان عدم الجواز لم يضف الي العقد من حيث هو بل إليه من حيث انه ممن لا يملك فإذا اضيف الي من يملك بالاجازة لم يكن مصداقا لما حكم عليه بالفساد.

(2) الثالث: الاجماع، و قد ادعاه غير واحد من الاساطين.

و الجواب عنه- مضافا الي معارضته بما ادعي من الاجماع علي الصحة-: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 38

الرابع: ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه (1)

فإن الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف. ففي التوقيع المروي في الاحتجاج: لا يجوز لأحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه. و لا ريب ان بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

و الجواب (2) ان العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرفا فيه

______________________________

(1) الرابع: ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير الا

بإذنه «1».

و قد اجاب المصنف قدس سره عن هذا الوجه بوجوه:

(2) الاول: ان العقد علي مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه ليس تصرفا فيه.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه و ان فرض كون العقد علة تامة لحصول الآثار عرفا، لم يكن مجرد العقد تصرفا في العين و قبيحا، فلا وجه للتقييد في كلامه،

و مرجعه الي عدم كون التصرف الاعتباري غير المماس بالعين تصرفا عرفا في العين بل هو تصرف في لسان العاقد.

و فيه: انه لو فرضنا كون الانشاء مخرجا للمال عن ملك صاحبه قهرا عليه كان ذلك تصرفا فيه و قبيحا لكونه ظلما، بل من اقبح افراده، نعم مجرد العقد غير المؤثر في حصول النقل و الانتقال عرفا و شرعا لا يعد تصرفا فيه لا خارجا و لا اعتبارا.

ثانيهما: ما افاده السيد الفقيه في تعليقته، و هو: ان الفضولي انما يقصد النقل و الانتقال جدا مطلقا لا هزلا معلقا علي الاجازة، و يصدق التصرف عليه عرفا.

و فيه: ان العقد غير المؤثر عرفا و شرعا و ان قصد به الجد لا يعد تصرفا لا خارجا و لا اعتبارا، اما الأول فواضح، و أما الثاني فلفرض عدم التأثير، و مجرد تأثيره في اعتباره لا يكفي في صدق التصرف عرفا أو شرعا. فما افاده المصنف قدس سره تام.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 39

نعم لو فرض كون العقد علة تامة و لو عرفا لحصول الآثار، كما في بيع المالك أو الغاصب المستقل، كان حكم العقد جوازا و منعا حكم معلوله المترتب عليه، ثمّ لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه مثل

الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره (1) مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الأذن في هذا من المقال أو الحال بناء علي أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي (2) مع أن تحريمه لا يدل علي الفساد (3) مع أنه لو دل لدل علي بطلان البيع بمعني عدم ترتب الأثر عليه و عدم استقلاله في ذلك (4)

و لا ينكره القائل بالصحة خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة، و مما ذكرنا ظهر الجواب عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري بناء علي أن العقد المقرون في هذا القصد قبيح محرم، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد،

و قد يستدل للمنع بوجوه اخر ضعيفة

أقواها أن

______________________________

(1) الثاني: انه لو فرض كونه تصرفا فما استقل العقل بجوازه مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره.

و فيه: ان الجواز في المثالين انما يكون من جهة عدم صدق التصرف عليهما أو السيرة علي الجواز، و الا فمع صدق التصرف لا سبيل الي دعوي استقلال العقل بجواز التصرف.

(2) الثالث: انه قد يفرض الكلام فيما لو علم الاذن في هذا من المقال أو الحال.

و فيه: اولا: ما تقدم من خروجه بذلك عن الفضولية، و ثانيا ان المستدل يمكن ان يكون ملتزما بالصحة في خصوص هذا المورد، و الفساد في سائر الموارد.

(3) الرابع: ان تحريمه لا يدل علي الفساد.

و هذا الجواب ايضا متين، و قد مر في اول الجزء الاول من هذا الشرح تحقيق القول في ذلك.

(4) الخامس: انه لو دل علي الفساد لدل علي بطلان البيع، بمعني عدم ترتب الاثر عليه و عدم استقلاله في ذلك، و القائل بالصحة لا ينكر ذلك.

و فيه: ان البناء علي الفساد سواء كان من جهة كون

السبب تصرفا و مبغوضا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 40

القدرة علي التسليم معتبرة في صحة البيع و الفضولي غير قادر و إن الفضولي غير قاصد حقيقة الي مدلول اللفظ كالمكره، كما صرح في المسالك و يضعف الأول مضافا إلي أن الفضولي قد يكون قادرا علي رضا المالك بأن هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا، بل يكفي تحققه في المالك فحينئذ، يشترط في صحة العقد مع الإجازة قدرة المجيز علي تسليمه و قدرة المشتري علي تسلمه علي ما سيجي ء و يضعف الثاني بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره لا أزيد منه بدليل الاجماع علي صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق فإن دعوي عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع كما تري.

المسألة الثانية: أن يسبقه منع المالك (1)

و المشهور أيضا صحته، و حكي عن فخر الدين إن بعض المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك، و يلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي: ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر. بعد تضعيف السند علي انه ان نكح بعد منع مولاه و كراهته، فإنه يقع باطلا.

و الظاهر انه لا يفرق بين النكاح و غيره، و يظهر من المحقق الثاني حيث حمل فساد بيع الغاصب نظرا الي القرينة الدالة علي عدم الرضا: و هي الغصب، و كيف كان، فهذا القول

______________________________

للشارع فلا سببية له، ام كان من جهة كان المسبب منهيا عنه و مبغوضا، ينافي مع هذا الجواب، إذ لو الغي الشارع سببية عقد الفضولي و كان كالعدم كيف يحكم بالصحة مع اجازة المالك، كما انه إذا الغي الشارع المسبب من جهة مبغوضيته فلا شي ء حتي يجيزه المالك.

فتحصل: ان الحق في الجواب

هو الأول و الثالث.

بيع الفضولي للمالك مع سبق المنع

(1) قوله المسألة الثانية: ان يسبقه منع المالك.

و المشهور ايضا صحته، و عن فخر الدين: ان بعض المجوزين للفضولي اعتبر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 41

لا وجه له ظاهرا عدا تخيل ان المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة المختصة بغير المقام، و إن العقد إذا وقع منهيا عنه، فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد فلا ينفع الإجازة اللاحقة (1) بناء علي أنه لا يعتبر في الرد سوي عدم الرضا الباطني بالعقد، علي ما يقتضيه حكم بعضهم بأنه إذا حلف الموكل علي نفي الاذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد لأن الحلف عليه امارة عدم الرضا، هذا،

______________________________

عدم سبق نهي المالك، و هو الظاهر من المحقق الثاني.

و ملخص القول في المقام: ان صحة بيع الفضولي، اما ان تكون علي القاعدة، أو تكون للاخبار الخاصة.

اما علي الأول: فلا تتوقف الصحة الا علي العقد و استناده الي المالك الموجودين في المقام، و لا يضر النهي السابق، و ذلك لان ما قيل في وجه مضريته امور.

(1) احدها: ان العقد إذا كان منهيا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد، فلا ينفع الاجازة اللاحقة.

و فيه: ان الكراهة النفسانية و ان ابرزت ليست ردا، فانه عبارة عن حل العقد و فسخه، كما ان النهي- الذي هو تسبيب الي اعدام الشي ء بعدم ايجاده- غير الرد.

ثانيها: ان الكراهة المتخللة بين اركان العقد كالايجاب و القبول مانعة عن تحقق المعاهدة و المعاقدة، و حيث ان منها الاجازة فالكراهة المتخللة بينها و بين العقد مانعة عن تحققها، و المفروض في المقام وجودها.

و فيه: ان الكراهة المتخللة لا تمنع عن

ذلك، و لذا بنينا علي صحة عقد المكره إذا لحقه الرضا.

ثالثها: ان المالك إذا نهي عن ايقاع المعاملة علي ماله نهيا عاما شاملا لزمان العقد كان ذلك في قوة ان يقول: لا أرضي ان توقع العقد علي مالي و لو اوقعته كان مردود أو باطلا،

فيكون ذلك انشاء للرد، غاية الأمر الانشاء متقدم علي العقد، و المنشأ متأخر عنه، فلا تنفع الاجازة بعد ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 42

و لكن الاقوي عدم الفرق لعدم انحصار المستند، حينئذ في رواية العروة، و كفاية العمومات مضافا الي ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (1) و جريان فحوي ادلة نكاح العبد بدون اذن مولاه مع ظهور المنع فيها و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد مع ان رواية اجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد (2) حينئذ جريان المؤيدات المتقدمة له،

______________________________

و فيه: اولا: ان النهي ليس الا التسبيب الي عدم ايجاد العقد، و أما انشاء الرد بعد وجوده فليس ذلك مربوطا بالنهي.

و ثانيا: ان ذلك من قبيل ايجاب ما لم يجب، و سيأتي عدم العبرة به.

و ثالثا: ان وجه عدم نافعية الاجازة بعد الرد هو الاجماع و المتيقن منه ما إذا كان انشاؤه بعد العقد.

فتحصل: ان الأظهر هي الصحة علي القول بصحة الفضولي علي القاعدة.

و أما علي الثاني: فالنصوص التي سلمنا دلالتها علي صحة الفضولي انما هي صحيحة محمد بن قيس، «1» و نصوص نكاح العبد المتضمنة للتعلل للصحة بانه لم يعص الله و انما عصي سيده (2).

(1) اما صحيح قيس فقد افاد المصنف قدس سره في وجه شموله للمقام: انه بترك الاستفصال يشمله.

و فيه: ان ظهور قوله في مقام المخاصمة وليدتي باعها ابني بغير اذني في

صورة عدم النهي لا ينكر، و الا كان يقول باعها مع نهيي فهو لا يشمل المقام.

و أما نصوص النكاح: ففي المكاسب.

(2) رواية اجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد.

و فيه: ان عصيان العبد لا يتوقف علي العمل مع النهي عنه، بل بما ان العبد لا بد و ان تكون اعماله من اذن مولاه فإذا فعل بلا اذن منه كان خارجا عن رسم العبودية و يعد

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 43

من بيع مال اليتيم و المغصوب (1) و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح في منعه عما عداه. و أما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما، فلم يدل دليل علي كونه فسخا لا ينفع بعده الاجازة، و ما ذكره في حلف الموكل غير مسلم، و لو سلم فمن جهة ظهور الاقدام علي الحلف (2) علي ما انكره في رد البيع و عدم تسليمه له، و مما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، و ان كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا يقدح في صحته إذا لحقه الاجازة.

المسألة الثالثة: ان يبيع الفضولي لنفسه (3)
اشارة

و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب، و قد يتفق من غيره بزعم ملكية، المبيع كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة

______________________________

عاصيا بذلك، فالمراد من معصية السيد ايجاد العقد بلا اذن منه كما هو صريح الرواية.

و دعوي ان اطلاقها يشمل المقام.

مندفعة بانها انما وردت لبيان ان عصيان السيد من حيث هو لا يمنع عن صحة العقد بالاجازة، و أما ان نهيه هل يمنع عن تلك ام لا فالنصوص ساكتة عنه.

فالأظهر انه علي القول بالصحة في المسألة

السابقة بواسطة الأخبار الخاصة لا سبيل الي البناء عليها في المقام.

(1) قوله من بيع مال اليتيم و المغصوب اما في بيع مال اليتيم فالمنع غير موجود سابقا لو سلم شمول نصوصه لبيع غير الولي- و أما المغصوب فلم ينقل سابقا دليلا يدل علي صحة بيعه.

(2) قوله فمن جهة ظهور الاقدام علي الحلف.

هذا اجتهاد في مقابل نص الفقهاء فانه قده نقل عنهم البناء علي الانفساخ من جهة كون الحلف امارة عدم الرضا.

بيع الفضولي لنفسه

(3) المسألة الثالثة: ان يبيع لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 44

و الاقوي فيه الصحة وفاقا للمشهور (1) للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم،

و فحوي الصحة في النكاح و اكثر ما تقدم من المؤيدات مع ظهور صحيحه ابن قيس المتقدمة، و لا وجه للفرق بينه و بين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك، الا وجوه تظهر من كلمات جماعة بعضها مختص علي بيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة.

منها إطلاق ما تقدم من النبويين: لاتبع ما ليس عندك. و لا بيع إلا في ملك (2)

بناء علي اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه، و الجواب عنها يعرف مما تقدم من أن

______________________________

و كثيرا ما يتفق في غيره كما في البيوع المبنية علي الامارات و الاصول الظاهرية من اليد و اصالة الصحة و نحوهما.

و كيف كان: ففي المسألة اقوال:

(1) احدها: الصحة و هو المشهور و اختاره المصنف.

ثانيها: التفصيل بين الغاصب و غيره، كما عن ابن ادريس.

ثالثها: التفصيل في الغاصب بين علم المشتري و جهله كما عن العلامة و غيره.

ان بنينا علي صحة بيع الفضولي بواسطة الاخبار الخاصة فلا وجه للبناء علي الصحة في المقام، فان عمدة المستند علي هذا صحيح

ابن قيس و نصوص نكاح العبد،

و شي ء منهما لا يشمل المقام.

اما الأول: فلأنه لو كان الابن بائعا للوليدة لنفسه كان التنبيه عليه اولي لأنه ادخل في الانكار.

و أما الثانية: فلأن موردها و ان كان النكاح لنفسه لكن الاجازة فيها لنفسه لا لمولاه،

و أما ان بنينا علي الصحة بواسطة العمومات فهي تقتضي الصحة في المقام ايضا بلا فرق،

و قد ذكروا في وجه الفرق و انه لا يمكن الحكم بالصحة في المقام امورا:

(2) الاول: نصوص بيع ما ليس عنده «1» بناء علي ان موردها بيع الفضولي لنفسه،

و قد مر الجواب عنها.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه و باب 7 من أبواب احكام العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 45

مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبايعه الغير المالك بلا تعرض فيها، لوقوعه و عدمه بالنسبة إلي المالك إذا أجاز.

و منها بناء المسألة علي ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك، و هذا غالبا مفقود في المغصوب. (1) و قد تقدم عن المحقق الكركي ان الغصب قرينة عدم الرضا.

و فيه اولا: ان الكلام في الاعم من بيع الغاصب.

و ثانيا: ان الغصب امارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا، فقد يرضي المالك ببيع الغاصب لتوقع الاجازة و تملك الثمن. فليس في الغصب دلالة علي عدم الرضا باصل البيع، بل الغاصب و غيره من هذه الجهة سواء.

و ثالثا: قد عرفت ان سبق منع المالك غير مؤثر.

و منها ان الفضولي إذا قصد الي بيع مال الغير لنفسه، فلم يقصد حقيقة المعاوضة (2) إذ لا يعقل دخول احد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر.

فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة، فحقيقته يرجع الي اعطاء المبيع واخذ الثمن لنفسه،

و

هذا ليس بيعا.

و الجواب من ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب ان قصد المعاوضة الحقيقية مبني علي جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا (3) و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي

______________________________

(1) الثاني: انه غالبا يكون منع المالك من البيع موجودا في المغصوب.

و يعتبر عدم سبق المنع.

و فيه- مضافا الي ما عرفت من عدم اعتباره- ان المنع غير موجود في غير المغصوب، بل و فيه ايضا إذ الغصب امارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا.

(2) الثالث: أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فهو غير قاصد لحقيقة المعاوضة التي هي عبارة عن دخول العوض في كيس من خرج المعوض عن كيسه، فقصد هذا المعني لا يلائم مع قصد وقوع البيع لنفسه، فما يقصده هذا الفضولي ليس بيعا.

(3) و اجاب عنه المصنف قدس سره بان البائع في هذا المورد يجعل نفسه مالكا حقيقيا، و هذا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 46

هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقية، نظير المجاز الادعائي في الأصول، نعم لو باع لنفسه من دون بناء علي ملكية المثمن و لا اعتقاد له، كان المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للممالك، لعدم تحقق معني المعاوضة و لذا ذكروا أنه لو اشتري بماله لغيره شيئا بطل و لم يقع له و لا لغيره، و المراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه و قد تخيل بعض المحققين أن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام و هو ما لو باع مال غيره لنفسه لأنه عكسه و قد عرفت أن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد لتملك المثمن لأن المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز

______________________________

الجعل و ان

كان لا حقيقة له لكن المعاوضة المبنية علي هذا الأمر الادعائي حقيقية نظير المجاز الادعائي في الاصول.

و اورد عليه بايرادين:

الاول: ما افاده السيد في التعليقة، و هو: انه لو كان الملاك ذلك لزم البناء علي الصحة فيما إذا احرز هذا البناء، إذ مع عدمه لا وجه له، و لم ينقل التفصيل عن احد.

و فيه: ان المصنف لا يدعي ان المصحح هو التنزيل حال العقد، بل يدعي ان الغاصب يجعل نفسه مالكا عدوانا، و انما يبني بالسرقة و الغصب علي ان الاضافة الملكية منسوبة إليه باعها ام لم يبعها، فإذا باع فهو يبيع ما يراه ملكا له بعد سرقة الاضافة، و أما غير الغاصب فبنائه علي مالكية نفسه واضح.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره: من انه ان ادعي ان الغاصب يقصد المعاملة للمالك الواقعي ثمّ يدعي انه هو هو لاجل تملك العوض فيكون له قصدان: قصد كبروي و هو قصد وقوع المعاملة للمالك الواقعي، و قصد صغروي و هو قصد انه المالك الواقعي.

فيرد عليه: ان الوجدان يكذب ان يكون للغاصب قصد ان، و انما له قصد واحد للمعاملة في حق نفسه كالمالك، و ان ادعي انه يقصد وقوع المعاوضة لنفسه و كان مصححة دعواه الملكية، فيرد عليه: ان ادعائه كونه مالكا لا يصحح القصد الي المعاوضة الحقيقية، فان المعاوضة المبنية علي الادعاء لا تكون حقيقية، و كيف يكون حقيقيا ما اساسه الادعاء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 47

و منها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه (1) فإن تعلقت اجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد لان معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته، و ان تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا إمضاء

لنقل الفضولي،

فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشئ.

______________________________

الظاهر ان مراده الثاني، و يمكن ان يدفع هذا الايراد بان المراد بالمعاوضة الحقيقية هو اعتبار البائع نفسه ملكية المشتري للمعوض بازاء ملكيته للثمن، فطرفاها امران اعتباريان، و عليه فلا مانع من ابتناء هذه المعاوضة علي الادعاء و بناء البائع علي كونه مالكا.

و قد اجاب عن الاشكال السيد الفقيه قدس سره: بان حقيقة البيع ليست الا مبادلة مال بمال من غير نظر الي كونه لنفسه أو لغيره، و هذا المعني موجود في بيع الغاصب، و قصد كونه لنفسه خارج عن حقيقته و لا ينافيه ايضا.

و فيه: - مضافا الي تصريحه قدس سره في اول كتاب البيع بان البيع ليس مبادلة بل تمليك و تملك بعوض-: ان حقيقة المبادلة لا تتم الا بلحاظ شي ء آخر، و هو في المقام الملكية،

و قصد المبادلة في الملكية التي هي صفة اضافية قائمة بالمال و صاحبه يستدعي قصد انتقال المال عن ملك مالكه و دخول عوضه في ملك صاحب هذا المال، و هذا ينافي مع قصد وقوع البيع لنفسه.

و الحق ما تقدم في اول هذا الجزء من ان البيع ليس من المعاوضة بالمعني المتقدم كي يرد الاشكال المزبور، بل حقيقته اعطاء شي ء لا مجانا- فراجع ما حققناه- و عليه فلا يرد هذا المحذور.

(1) الرابع ان الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فان تعلقت اجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد، لان معناها صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته، و ان تعلقت بغير المقصود كانت عقدا مستأنفا فيكون النقل من المنشئ غير مجاز و المجاز غير منشئ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 48

و قد اجاب عن هذا المحقق القمي رحمهم الله

في بعض اجوبة مسائله بأن الاجازة في هذه الصورة مصححة للبيع لا بمعني لحوق الاجازة لنفس العقد، كما في الفضولي المعهود، بل بمعني تبديل رضي الغاصب و بيعه لنفسه برضي المالك و وقوع البيع عنه (1) و قال نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثمّ ملكه، و قد صرح في موضع آخر بأن حاصل الاجازة يرجع الي ان العقد الذي قصد الي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي فيكون عقدا جديدا كما هو احد الاقوال في الاجازة. (2) و فيه أن الإجازة علي هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري، لأن المفروض عدم رضاء المشتري ثانيا بالتبديل المذكور، لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز، فالمشتري انما رضي بذلك الايجاب المغاير لمؤدي الإجازة. فإذا التزم يكون مرجع الإجازة الي تبديل عقد بعقد و بعدم الحاجة إلي قبول المشتري ثانيا فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري و هذا خلاف الإجماع و العقل (3).

______________________________

و اجابوا عنه باجوبة:

منها: ما عن المحقق القمي قدس سره و ما نقل عنه امران.

(1) احدهما: ان مرجع الاجازة في المقام الي تبديل رضا الغاضب بالبيع لنفسه برضا المالك بالبيع لنفسه، و ظاهره التصرف في الايجاب برضا المالك بالبيع لنفسه، و ظاهره التصرف في الايجاب فقط.

و اورد عليه بعدم تطابقه حينئذ لقبول المشتري، لان قبوله انما تعلق بايجاب البائع لا بمضمون الاجازة.

و لكن للتامل في ذلك من جهة عدم الدليل علي اعتبار التطابق في هذه الموارد مجالا واسعا.

(2) ثانيهما: ان مرجع الاجازة في المقام الي التصرف

في طرفي العقد معا، و مفادها:

ان العقد الذي قصد الي كونه واقعا علي المال المعين لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد بدلته بكونه علي هذا الملك بعينه لنفسي، فيكون عقدا جديدا.

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بان هذا مخالف للاجماع و العقل. و لم يذكر وجه مخالفته للعقل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 49

و أما القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم و إنما حكي كاشف الرموز عن شيخه و هو المحقق أن الاجازة من مالك المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع و هو قائم مقام إيجاب البائع و ينضم إليه القبول المقدم من المشتري، و هذا لا يجري فيما نحن فيه لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه، فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملك مبيع منه فإذا بني علي كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر فالاكتفاء عنه بمجرد اجازة البائع الراجعة الي تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضاء البائع و انشائه عن رضاء المشتري و انشائه، و هذا ما ذكرنا انه خلاف الاجماع و العقل

______________________________

و ذكروا في وجهه امورا:

الأول: ان تبديل قصد وقوعه لنفسه و رضاه به بقصد وقوعه لغيره مستلزم لانقلاب ما وقع عليه عما وقع، و هو محال.

و فيه: ان المراد ان العقد الواقع المضاف الي الغاصب ملغاة هذه الخصوصية منه،

بمعني انها لا تؤثر، و بالاجازة يضاف الي المالك و يكون بذلك مؤثرا، فلا يلزم الانقلاب.

الثاني: ان المالك لا سلطنة له علي المشتري، فكيف يبدل قبوله.

و فيه: ان عدم سلطنة المالك علي المشتري شرعي لا عقلي، مع ان تبديل قبوله ليس من شئون سلطنته عليه

بل علي ماله، فان المشتري انما ملك ماله للبائع لا مجانا، بل بازاء مال المالك فللمالك من حيث سلطنته علي ماله ان يجيز بدلية ماله لمال المشتري بان يسقط خصوصية البائع في طرفيته لمال المشتري بازاء ماله. فتدبر.

الثالث: ان لازم ما ذكر اتحاد الايجاب و القبول، مع انه لا يعقل ذلك.

و فيه: ان المحقق لا يدعي كون الاجازة عقدا و انما ادعي كونها بمنزلة العقد الجديد،

اي تكون تصرفا في الايجاب و القبول باسقاط الخصوصيتين غير القابلتين للاجازة.

فالانصاف ان ما افاده المحقق القمي قدس سره غير مناف للعقل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 50

فالاولي في الجواب منع مغايرة ما وقع لما اجيز.

و توضيحه ان البائع الفضولي انما قصد تمليك المثمن للمشتري بازاء الثمن. (1)

و أما كون الثمن مالا له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه الي ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمعني المعاوضة و المبادلة و حيث أن البائع يملك المثمن بانيا علي تملكه له و تسلطه عليه، عدوانا أو اعتقادا، لزم من ذلك بنائه علي تملك الثمن و التسلط عليه، و هذا معني قصد بيعه لنفسه، و حيث ان المثمن ملك لمالكه واقعا. فإذا اجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه،

فعلم من ذلك ان قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الايجاب حتي تردد الامر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين، بل مفهوم الايجاب هو تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض إلا باقتضاء المعاوضة لذلك،

و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير (2) فقال للبائع الأصيل تملكت منك أو ملكت «بالتخفيف» هذا الثوب بهذه الدراهم. فإن مفهوم هذا الانشاء هو

تملك الفضولي للثوب، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم علي وجه ينتقل الثوب إليه، فلا بد من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.

______________________________

(1) و منها ما افاده المصنف قدس سره و هو ان ايجاب البائع الغاصب يتضمن امرين:

احدهما تمليك المشتري المال بعوض.

الثاني: دخول العوض في ملكه.

و الثاني خارج عن مضمون الايجاب، نعم مقتضي طبع المعاوضة دخوله في ملك مالك المبيع، و حيث ان المبيع ملك للمجيز واقعا فيدخل العوض في ملكه كذلك في فرض الاجازة، و حيث انه مالك ادعاء و اعتقادا فيكون بانيا علي تملكه العوض، و عليه فلا مانع من تعلق الاجازة بما هو مضمون الايجاب.

(2) ثمّ اورد علي نفسه بانه لا يتم فيما لو كان الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير و قال للبائع تملكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم إذ مفهومه شي ء واحد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 51

و بالجملة فنسبة المتكلم الفضولي بتملك المثمن الي نفسه بقوله ملكت أو تملكت كايقاع المتكلم الاصلي التمليك علي المخاطب الفضولي بقوله ملكتك هذا الثوب بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك، و بهذا استشكل العلامة رحمهم الله في التذكرة حيث قال: لو باع الفضولي مع جهل الآخر، فاشكال من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد، و لا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته،

لانه حينئذ انما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعم من كونه اصليا أو نائبا. و لذا يجوز مخاطبته و اسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا و ليس الا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا، فإذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره علي الوجه الأعم عن كونه نائبا أو اصليا.

اما الفضولي فهو اجنبي عن المالك

لا يمكن فيه ذلك الاعتبار، و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الاشكال في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه مع انه لا يخفي مخالفته للفتاوي و اكثر النصوص المتقدمة في المسألة، كما اعترف به اخيرا، و اخري بأن الاجازة انما تتعلق بنفس مبادلة العوضين و ان كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها، و فيه ان حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها في الأشكال أعني قول المشتري الغاصب تملكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم، ليس إلا إنشاء تملكه للمبيع فإجازة هذا الانشاء لا يحصل بها تملك المالك الأصلي له، بل يتوقف علي نقل مستأنف فالأنسب في التفصي أن يقال أن نسبة الملك الي الفضولي العاقد لنفسه في قوله، تملكت منك أو قول غيره له ملكتك ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا (1).

______________________________

و هو تملك الفضولي للثوب، و لا يكون ذلك منحلا الي شيئين كي تتعلق الاجازة باحدهما دون الآخر.

(1) ثمّ تفصي عن الاشكال بان نسبة الملك الي الفضولي ليست بما هو هو، بل بما هو مالك، فحيثية المالكية ماخوذة فيه، و من المعلوم ان كل محمول مترتب علي المتحيث بحيثية في الحقيقة مترتب علي تلك الحيثية، فيكون المنسوب إليه الملك هو المالك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 52

و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء علي مالكيته للثمن التزمنا بلغويته،

ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بازاء مال غيره، فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون الا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادعائيا، فلو لم يكن احدهما و عقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة، فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه تملكت

منك كذا بكذا، فالمنسوب إليه التملك انما هو المتكلم لا من حيث هو، بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا و حيث ان الثابت للشي ء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن، الا ان الفضولي لما بني علي انه المالك المسلط علي الثمن اسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن الي نفسه، فالاجازة الحاصلة من المالك متعلقة بانشاء الفضولي و هو التملك المسند إلي مالك الثمن و هو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك انتقال الثمن إليه هذا مع انه ربما يلتزم صحة ان يكون الاجازة لعقد الفضولي، موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد و تبعه غير واحد من اجلاء تلامذته، و ذكر بعضهم في ذلك وجهين:

______________________________

و الاجازة تتعلق بهذا المضمون، غاية الأمر ان الفضولي لما بني علي انه المالك اسند ملك العوض الي نفسه.

و فيه اولا: كون هذه الحيثية حيثية تقييدية غير ثابت، بل الظاهر كونها حيثية تعليلية، إذ المالك انما يبيع أو يشتري لنفسه لا للمالك.

و ثانيا: ان الحيثية التقييدية المفروضة هي كونه مالكا ادعاء لا حقيقة، و ايقاع العقد للمالك الادعائي غير قابل للتأثير بالاجازة، و وقوعه للمالك الحقيقي بالاجازة موجب لكون المجاز غير منشأ، و المنشأ غير مجاز.

و الحق في المقام يقتضي ان يقال: ان بيع الفضولي لنفسه علي اقسام:

الأول: ان يكون داعيه من البيع التصرف في الثمن و الا يوقعه لمالكه، و في هذا القسم لا كلام في انه لو اجازه المالك صح و وقع له، و يكون المنشأ مجازا.

الثاني: ان يبيع لنفسه من غير بناء علي مالكيته للمبيع و يقصد خروج المعوض

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 53

احدهما: ان قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك المال له ضمنا حتي انه علي فرض صحه ذلك البيع و الشراء تملكه قبل انتقاله الي غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال اعتق عبدك عني، أو قال بع مالي

عنك أو اشتر لك بمالي كذا، فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء، و نقول في المقام ايضا، إذا اجاز المالك صح البيع و الشراء و صحته تتضمن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء، فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الأذن السابق قاضية بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه و لا مانع منه.

الثاني: أنه لا دليل علي اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه بل يكفي ان يكون مأذونا في بيعه لنفسه، أو الشراء، به فلو قال بع هذا لنفسك أو اشتر لك بهذا، ملك الثمن في الصورة الاولي بانتقال المبيع عن مالكه الي المشتري، و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية، و يتفرع عليه انه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك الي مالكه دون العاقد.

و في كلا الوجهين نظر:

اما الاول: فلأن صحة الاذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما تقدم في بعض فروع المعاطاة مع ان قياس الاجازة علي الاذن قياس مع الفارق،

لأن الأذن

______________________________

عن ملك مالكه و دخول عوضه في ملكه، و هذا القسم علي مسلك المصنف قدس سره و موافقيه من ان البيع هو المعاوضة يكون باطلا و غير قابل للتأثير بالاجازة، و لكن علي المسلك الحق من كون البيع هو

الاعطاء لا مجانا قابل للصحة بالاجازة، فان اجازه علي ما وقع وقع للبائع، و ان اجازه لنفسه صح و يكون قصد وقوعه لنفسه ملغي ولغوا.

الثالث: ان يكون البيع لنفسه بعد البناء علي مالكية نفسه، و هذا القسم هو الذي يكون موردا لكلام المصنف و قد عرفت ما في تصحيحه و وقوعه للمالك مع الاجازة،

و لكن يمكن تصحيح ذلك بوجه آخر و هو: ان انشاء الغاصب علي هذا النحو بالمطابقة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 54

في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع بخلاف الاجازة، فإنها لا يتعلق الا بما وقع سابقا و المفروض انه لم يقع الا مبادلة مال الغير بمال آخر، نعم لما بني هو علي ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه فالاجازة من المالك ان رجعت الي نفس المبادلة افادت دخول البدل في ملك المجيز، و ان رجعت الي المبادلة منضمة الي بناء العاقد علي تملك المال،

فهي و ان افادت دخول البدل في ملك العاقد الا ان مرجع هذا الي اجازة ما بني عليه العاقد من التملك و امضائه له إذ بعد امضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل الا ان من المعلوم عدم الدليل علي تأثير الاجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقه شرعا بل الدليل علي عدمه (1) لان هذا مما لا يؤثر فيه الاذن لان الاذن في التملك لا يؤثر التملك فكيف اجازته.

______________________________

يدل علي تملكه للعوض، و بالدلالة الالتزامية يدل علي المبادلة بالمعني المذكور، اي دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض، فيصح للمالك اجازة هذا المدلول الالتزامي فيقع له، كما له اجازة المدلول المطابقي

فيقع للغاصب.

الرابع: ان يكون البيع لنفسه مع قصده انشاء التملك بنفس انشاء البيع، بمعني انه بانشاء البيع ينشأ امرين مترتبين: احدهما: التملك، ثانيهما: انشاء البيع لنفسه. و بعبارة اخري: ينشأ البيع لنفسه مترتبا عليه، و في هذا القسم لو اجاز المالك التملك يقع البيع لا للمالك كما لو اذن المالك للبيع لنفسه بهذا النحو، و لعل هذا هو مراد كاشف الغطاء قدس سره مما نقله عنه المصنف قدس سره.

و عليه فلا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره.

(1) بان الاجازة لا دليل علي تأثيرها في بناء الغاصب علي الملكية في تحقق متعلقه شرعا، بل الدليل علي عدمه، لان هذا مما لا يؤثر فيه الاذن، إذ الاذن في التملك لا يؤثر التملك فكيف اجازته، لان ايراده مبتن علي ان يكون التملك بالبناء المجرد علي الملكية من دون انشاء للتمليك، و قد عرفت انه يمكن ان يكون مراده التملك بنفس البيع و لحوق الاجازة له لا بأس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 55

و أما الثاني: فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة، و لذا صرح العلامة رحمهم الله في غير موضع من كتبه تارة بأنه لا يتصور، و أخري بأنه لا يعقل ان يشتري الانسان لنفسه بمال غيره شيئا.

بل ادعي بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن

اشتر لنفسك به طعاما، و قد صرح به الشيخ و المحقق و غيرهما.

نعم سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب ان ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما أن الغاصب مسلط علي الثمن، و أن لم يملكه فإذا اشتري به شيئا ملكه و ظاهر هذا امكان ان لا يملك

الثمن و يملك المثمن المشتري «بصيغة المجهول» الا ان يحمل ذلك منهم علي التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا، كما نسبه الفخر رحمه الله إلي الأصحاب، أو آنا ما قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا للشراء. و كيف كان فالأولي في التفصي عن الاشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا، ثمّ ان مما ذكرنا من ان نسبة ملك العوض حقيقة انما هو الي مالك المعوض، لكنه بحسب بناء الطرفين علي مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر اندفاع اشكال آخر (1) في صحة البيع لنفسه مختص بصورة علم المشتري، و هو ان المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا،

______________________________

(1) قوله يظهر اندفاع اشكال آخر في صحة البيع لنفسه في صحة بيع الفضولي لنفسه اشكال آخر، و هو انما يكون من جهتين:

الاولي: ان المشتري العالم بكون البائع غاصبا كيف يملكه الثمن بازاء تمليكه مال الغير الثانية: انه لو سلط المشتري العالم الفضولي علي الثمن ليس له الرجوع علي البائع بالثمن لورد المالك البيع علي ما حكم به الاصحاب، و هذا يكشف عن اختصاص الغاصب بالثمن فلا يكون البيع المزبور قابلا للاجازة لكونه بيعا بلا ثمن، إذ لو كان هذا ثمنه كان اللازم ان يرد الي المشتري برد البيع.

اما الاشكال من الجهة الاولي: فالجواب عنه هو الجواب عن الاشكال: بان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 56

فقد حكم الأصحاب علي ما حكي عنهم، بأن المالك لو رد فليس للمشتري الرجوع علي البائع بالثمن. و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و الا كان ردها موجبا لرجوع كل عوض الي مالكه، و حينئذ فإذا اجاز المالك لم يملك الثمن لسبق اختصاص الغاصب به فيكون البيع بلا ثمن، و

لعل هذا هو الوجه في اشكال العلامة في التذكرة حيث قال بعد الاشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري.

أن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل، انتهي.

أقول: هذا الأشكال بناء علي تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس للمشتري استرداد الثمن مع رد المالك و بقائه، و بعد تسليم ان الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط علي تقديري الرد و الاجازة، لا التسليط المراعي بعدم اجازة البيع: (1) انما يتوجه علي القول بالنقل، حيث ان تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله الي مالك المبيع بالاجازة فلا يبقي مورد للاجازة. و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه (2) اشكال اصلا

______________________________

الغاصب كيف يقصد المعاوضة، الذي مر.

و به يظهر ان ما ذكره المصنف قدس سره من انه بما ذكرناه اندفع هذا الاشكال متين.

و لا يرد عليه ما افاده المحقق الايرواني قدس سره بقوله: لم اعرف وجه ارتباط لما ذكره بهذا الاشكال، كي يحصل به الجواب عنه.

و أما الاشكال من الجهة الثانية: فيمكن الجواب عنه: بان هذا الحكم لم يفت الاصحاب جميعا به. بل في المسألة قولان آخران: احدهما: الضمان مطلقا كما افتوا به جميعا في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد، ثانيهما: الضمان مع بقاء العين.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين آخرين.

(1) احدهما: ان التسليط المذكور انما يكون تسليطا مجانيا في صورة الرد خاصة لا مطلقا.

و فيه: ان هذا يكون تمليكا معلقا، و هو غير نافذ.

(2) ثانيهما: ان هذا الاشكال لو تم فانما هو علي القول بالنقل، و لا يتم علي القول بالكشف،

فانه علي هذا المسلك تكشف الاجازة عن كونه تسليطا علي مال الغير.

و فيه: ان الكشف الذي يمكن الالتزام به هو الكشف الحكمي لا

الحقيقي، فقبل الاجازة لا يكون المال منتقلا عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 57

لان الرد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له علي مال نفسه، و الاجازة كاشفة عن كونه تسليطا له علي ما يملكه غيره بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالاقباض، و لذا لو لم يقبضه الثمن حتي اجاز المالك أو رده لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك، و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك فانتظر.

ثمّ اعلم ان الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره، انما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز و هو الذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه و أما الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع و اجاز سواء باع لنفسه أو المالك فلا دخل له بما نحن فيه، لأن الكلام هنا في وقوع البيع للمالك، و هناك في وقوعه للعاقد إذا ملك. و من هنا يعلم ان ما ذكره في الرياض،

من ان بيع الفضولي لنفسه باطل (1) و نسب الي التذكرة نفي الخلاف فيه في غير محله،

الا ان يريد ما ذكرناه و هو خلاف ظاهر كلامه،

بقي هنا امران
اشارة

______________________________

(1) قوله و من هنا يعلم ان ما ذكره في الرياض من ان بيع الفضولي لنفسه باطل مراده من ضم فتوي المشهور في بيع الفضولي لنفسه بالصحة بعد الاجازة الي نسبة نفي الخلاف في البطلان الي العلامة يستنتج تمامية ما اخترناه من وقوعه للعاقد الفضولي إذا ملك و اجاز- لكنه خلاف ظاهر كلماتهم و كيف كان فهناك مسألتان،

احداهما ان العاقد الفضولي لنفسه إذا صار مالكا و اجاز و هي هذه المسألة.

ثانيتهما إذا باع الفضولي مال

الغير لنفسه فاجازه المالك و الثانية محل الكلام،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 58

الأول: انه لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي، بين كون مال الغير (1) عينا أو دينا في ذمة الغير،

و منه جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير، ثمّ ان تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي. (2) اما باضافة الذمة الي الغير، بأن يقول بعت كرا من طعام في ذمة فلان بكذا، أو بعت هذا بكذا في ذمة فلان، و حكمه انه لو اجاز فلان يقع العقد له و ان رد بطل رأسا.

و أما بقصده العقد له فإنه إذا قصده في العقد تعين كونه صاحب الذمة، لما عرفت من استحالة دخول احد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر، الا علي احتمال ضعيف تقدم عن بعض، فكما ان تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي باضافته الي ذمة شخص خاص، و حينئذ فإن أجاز من قصد

______________________________

لو كان مال الغير في ذمته لا عينا

(1) قوله لا فرق علي القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا أو دينار

بعد ما لا كلام في عدم الفرق في الفضولي بين كون مال الغير عينا أو في ذمة الغير في الجملة وقع الكلام في جهات:

الاولي: فيما به يتشخص ما في الذمة.

(2) المصنف قدس سره افاد ان تشخيصه انما يكون باضافة الذمة الي الغير، و مقتضي اطلاق كلامه كصريح المحقق النائيني قدس سره عدم الفرق بين الاضافة إليه لفظا أو قصدا، أو بقصد العقد له لفظا أو قصدا، و ذكر في وجه كفاية الثاني: ان تعيين من يقع له العقد بعد استحالة دخول احد العوضين في كيس من خرج عنه الآخر يكون تعيينا لمن في ذمته الثمن.

و

لكن يرد عليه انه بما ان الكلي ما لم يضف الي ذمة شخص لا يقبل اعتبار الملكية له عند العقلاء فمجرد قصد من يقع له العقد مع عدم قصد من في ذمته الثمن لا يكفي و لا يغني عن اضافة الكلي إليه، فلا بد من الاضافة المزبورة، فالتشخيص انما يكون بالاضافة خاصة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 59

مالكيته وقع العقد، و إن رد فمقتضي القاعدة بطلان العقد واقعا، لأن مقتضي رد العقد بقاء كل عوض علي ملك صاحبه، إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الاصلي،

و من وقع له العقد، فلا معني لخروجه عن ملك مالكه و تردده بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج الي اجازة و وقع له الا ان الطرف الآخر لو لم يصدقه علي هذا القصد، و حلف علي نفي العلم (1) حكم له علي الفضولي لوقوع العقد له ظاهرا، كما عن المحقق و فخر الإسلام و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد الثاني.

و قد يظهر من اطلاق بعض الكلمات كالقواعد، و المبسوط وقوع العقد له واقعا، و قد نسب ذلك الي جماعة في بعض فروع المضاربة، و حيث عرفت ان قصد البيع للغير أو اضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي الي ذمة ذلك الغير، كما ان اضافة الكلي إليه

______________________________

(1) الجهة الثانية: انه لم يصدق الطرف الآخر قصد الفضولي البيع أو الشراء لغيره، ففي المسألة اقوال:

الأول: ما عن جمع من الاساطين، و هو الحكم بوقوع العقد للفضولي ظاهرا.

الثاني: الحكم بوقوعه له واقعا.

الثالث: الحكم بعدم الوقوع.

و مجمل القول في المقام: انه تارة يكذب كل منهما الآخر- كما لو ادعي البائع ان المشتري قصد الشراء

لنفسه في ذمته و هو ايضا قصد ذلك، و ادعي المشتري انه قصد الشراء لغيره و البائع ايضا قصد ذلك- و اخري يدعي مدعي الفضولية انه قصد غير ما قصده طرفه و تخيل انه ايضا قاصد لذلك و الاصيل ينكر ذلك و يدعي انه قصد عين ما قصده و هو الشراء مثلا لنفسه.

اما الصورة الاولي: فهي من قبيل التداعي فلا بد من اعمال قواعد ذلك الباب و أما الصورة الثانية: فحيث ان المدعي هو من يدعي الفضولية لمخالفة قوله لظاهر العقد و اصالة الصحة، إذ علي ما يدعيه يكون العقد باطلا، و علي قول طرفه يكون صحيحا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 60

يوجب صرف البيع أو الشراء إليه، و ان لم يقصده أو لم يضفه إليه، ظهر من ذلك التنافي بين اضافة البيع الي غيره و اضافة الكلي الي نفسه أو قصده من غير اضافة،

و كذا بين اضافة البيع الي نفسه و اضافة الكلي الي غيره، فلو جمع بين المتنافيين (1) بأن قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان.

ففي الأول: يحتمل البطلان: (2) لأنه في حكم شراء شي ء للغير بعين ماله،

و يحتمل الغاء احد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو للغير.

و في الثاني: يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير بعد اجازته، لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء علي التملك في ذمة الغير اعتقادا،

و يحتمل الصحة بالغاء قيد ذمة الغير، لأن تقييد الشراء أولا بكونه لنفسه يوجب الغاء ما ينافيه من اضافة الذمة الي الغير، و المسألة تحتاج الي تأمل. ثمّ انه قال في التذكرة: لو اشتري فضوليا،

______________________________

فمقتضي القاعدة هو اقامة البينة و إذا لم

يتمكن منها يحلف المنكر فان حلف برأ و حكم ببطلان العقد، و ان لم يحلف ورد الحلف فان تمكن المدعي من الحلف علي العلم بالقصد و حلف فيحكم له، و ان لم يتمكن من الحلف علي العلم حكم له ايضا. و تمام الكلام في كتاب القضاء.

(1) الجهة الثالثة: لو جمع بين المتنافيين، بان قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان و اجاز من اضيف إليه.

(2) ففي الاول احتمل المصنف قدس سره البطلان، لانه في حكم شراء للغير بعين ماله، و احتمل الغاء احد القيدين.

و جزم المحقق النائيني قدس سره بالصحة و الغاء قيد لفلان، لان وقوع العقد للغير انما يكون لو اضاف إليه و لم يلحقه بما ينافيه. و الا فيقع لنفسه كما هو مقتضي اطلاق العقد،

و جزم السيد قدس سره بالبطلان علي مسلك المصنف قدس سره من كون البيع هو المعاوضة.

و حق القول فيه بنحو يظهر الحق و ما في سائر الاقوال: انه بناء علي. المختار من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 61

فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان و الوقف علي الاجازة، الا ان ابا حنيفة قال: يقع للمشتري لكل حال، و ان كان في الذمة لغيره و اطلق اللفظ قال علماؤنا يقف علي الاجازة فإن اجاز صح و لزمه اداء الثمن، و ان رد نفد عن المباشر (1) و به قال الشافعي في القديم و احمد، و انما يصح الشراء لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره، و انما وقف علي الاجازة لأنه عقد الشراء له، فإن اجازه لزمه و ان رده لزم من اشتراه، و لا فرق بين ان ينقد من مال

الغير او لا، و قال أبو حنيفة: يقع عن المباشر و هو جديد للشافعي، انتهي.

و ظاهره الاتفاق علي وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا، كما يشعر به تعليله بقوله لانه تصرف في ذمته لا في مال الغير، لكن اشرنا سابقا اجمالا الي ان تطبيق هذا علي القواعد مشكل

______________________________

كون البيع هو الاعطاء لا مجانا، يصح البيع المذكور و يقع للغير و تشتغل ذمة نفسه بالدرهم، نعم تعتبر اجازة ذلك الغير، إذ دخول شي ء في ملكه بلا رضاه مناف لتسلط الناس علي انفسهم.

و أما بناء علي كونه هو المعاوضة- كما اختاره المصنف- رحمه الله و غيره- فيمكن تصحيحه بالنحو الذي صحح البيع لنفسه بمال الغير بدعوي البناء علي مالكيته له فإذا اجاز المالك يقع له، فانه يقال في المقام انه يشتري لغيره بدرهم في ذمة نفسه، بعد البناء علي مالكية لما في ذمته و تسلطه عليه، ففي الحقيقة يشتري لمن هو مسلط علي ما في ذمته و هو نفسه فيصح البيع و يلغي قيد وقوع البيع للغير، و بذلك يظهر ما في كلمات الاساطين، هذا كله في الأول،

و به يظهر الحال في الثاني، إذ علي المختار يقع لنفسه إذا اجاز ذلك الغير البيع علي ما وقع، و ان أجازه لنفسه صح له و يلغي قيد وقوعه لنفسه، و علي مسلك المصنف قدس سره يقع للمجيز بالتقريب المتقدم، و لا وجه لما احتمله من الصحة بالغاء قيد ذمة الغير، فانه يلزم منه وقوع ما لم يقصد كما هو واضح.

الجهة الرابعة: لو جمع بين المتنافيين ورد العقد من اضيف إليه بطل العقد، و عن العلامة قدس سره في التذكرة

(1) و ان كان في الذمة لغيره، و اطلق الي آخر

ما نقله المصنف قدس سره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 62

لانه ان جعل المال في ذمته بالاصالة فيكون ما في مثل هذا. اما البطلان لو عمل بالنية بناء علي انه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير قهرا. اما صحته و وقوعه لنفسه لو الغي النية، بناء علي انصراف المعاملة الي مالك العين قهرا، و ان نوي خلافه. و ان جعل المال في ذمته لا من حيث الاصالة بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا، ففيه مع الاشكال في صحة هذا لو لم يرجع الي الشراء في ذمة الغير ان اللازم من هذا ان الغير إذا رد هذه المعاملة، و هذه النيابة يقع فاسدة من اصلها الا انها تقع للمباشر، نعم إذا عجز المباشر من اثبات ذلك علي البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة: كما مرددة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد و يمكن تنزيل العبارة علي الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.

______________________________

و هذا الكلام حيث انه بظاهره لا ينطبق علي القواعد تصدي القوم لتصحيحه.

و قد ذكر المحقق النائيني قدس سره له توجيهين احدهما: ان يكون مراده شراء العاقد لنفسه مع كون المال في ذمته، و يكون قصده للغير من باب جعل تولية العقد للغير، و حينئذ فان اجاز الغير التولية يكون العقد له و تكون اجازته من قبيل القبول، و ان رد يقع للعاقد.

و فيه: ان ظاهر كلامه انه لو اجاز ينتقل المال من مالكه الي المجيز لا منه الي العاقد و منه الي المجيز.

ثانيهما: ان يكون مراده وقوع البيع للغير في ذمته، و يكون جعل المال في ذمته نظير الضمان عن الغير بناء علي مذهب الجمهور من عدم انتقال الضمان

من ذمة المضمون عنه الي ذمة الضامن فيكون كل منها ضامنا بنحو الطولية، ففي المقام يكون المباشر هو المتعهد للمال و هو الملزم به اولا، و لكن إذا اجاز من قصد العقد له ينصرف عن المباشر إليه، و إذا رد يبقي في ذمته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 63

الثاني: الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من اقسام بيع الفضولي، بين البيع العقدي و المعاطاة (1)

بناء علي افادتها للملك، إذ لا فارق بينها و بين العقد، فإن التقابض بين الفضوليين أو فضولي و اصيل إذا وقع بنية التمليك فاجازه المالك فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الاجازة، فعموم مثل قوله تعالي: احل الله البيع شامل له، و يؤيده رواية عروة البارقي، حيث ان الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة،

______________________________

و فيه: اولا: ان الغير إذا لم يجز لا معني لكون الضامن ملزما و لا لوقوع البيع له.

و ثانيا: يلزم انه لو لم يؤد الغير المال بعد اجازة البيع ان يجب علي العاقد ان يؤديه،

و هو كما تري.

فالصحيح في توجيه كلام العلامة قدس سره ان يقال: ان مراده ان يشتري شيئا بمن من الحنطة مثلا و يلتزم هو بادائه، اما من مال زيد فيكون الشراء له، أو من ماله فيكون الشراء لنفسه، و ينحل هذا الشراء الي شرائين طوليين، فان اجاز الغير يقع له، و ان رد يقع للعاقد.

و مثل هذا التعليق لا يوجب البطلان، لان المتيقن من معقد الاجماع غير هذا المورد الذي ينشأ شراء ان.

الفضولي في المعاطاة

(1) الثاني: قال المصنف قدس سره الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من اقسام البيع الفضولي بين البيع العقدي و المعاطاة.

في المسألة وجوه: و بعضها اقوال ثالثها التفصيل بين القول بالاباحة، فلا يجري الفضولي في المعاطاة و القول بالملك فيجري رابعها التفصيل بين كون

الفضولي علي خلاف القاعدة فلا يجري مطلقا، و كونه علي طبقها فيجري خامسها: التفصيل بين كون المعاطاة علي خلاف القاعدة فلا يجري و بين كونها علي طبقها ما يجري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 64

و توهم الاشكال فيه من حيث ان الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه اثر (1) في غير محله إذ قد لا يحتاج الي اقباض مال الغير: كما لو اشتري الفضولي لغيره في الذمة مع انه قد يقع الاقباض مقرونا برضا المالك (2) بناء علي ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي

______________________________

و حق القول في المقام يقتضي البحث في مقامين:

الأول: بناء علي القول بافادة المعاطاة الملك.

الثاني: بناء علي القول بافادتها الاباحة.

اما الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: بناء علي كون الفضولي علي طبق القاعدة.

الثاني: بناء علي استفادته من النصوص الخاصة.

اما المورد الاول: فان قلنا بان افادة المعاطاة الملك انما تكون علي خلاف لقاعدة يتعين البناء علي عدم جريان الفضولي فيها، إذا المتيقن منه تعاطي المالكين، و ان قلنا بان افادتها الملك انما تكون علي القاعدة فمقتضي العمومات هو البناء علي الجريان.

و قد استدل لعدم الجريان بوجوه:

(1) الاول: ان الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه تصرفا في مال الغير فلا يترتب عليه اثر.

و فيه: أولا ان النهي النفسي عن المعاملة لا يدل علي فسادها كما حققناه في اول الجزء الاول من هذا الشرح.

و ثانيا: انه قد لا يحتاج الي اقباض مال الغير لما تقدم في مبحث المعاطاة من كفاية العطاء من جانب واحد و الاخذ من الآخر.

و اجاب عنه المصنف بجوابين آخرين:

(2) احدهما: انه قد يقع الاقباض مقرنا برضا المالك.

و فيه: ما تقدم منا- تبعا له قده- من خروج المعاملة بذلك عن الفضولية، اللهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 65

مع ان النهي لا يدل علي الفساد مع انه لو دل لدل علي عدم ترتب الاثر المقصود و هو استقلال الاقباض في السببية فلا ينافي كونه جزء سبب (1) و ربما يستدل علي ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الاباحة أو التمليك و هما من وظائف المالك و لا يتصور صدورها من غيره، و لذا ذكر الشهيد الثاني ان المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول و ذكران قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين، و لا أثر له الا إذ صدر من المالك أو باذنه. و فيه ان اعتبار الاقباض

و القبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها انما هو لحصول انشاء التمليك أو الاباحة، فهو عندهم من الاسباب الفعلية، كما صرح الشهيد في قواعده و المعاطاة عندهم عقد فعلي، و لذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطي، و حينئذ فلا مانع من ان يقصد الفضولي باقباضه المعني القائم بنفسه المقصود من قوله ملكتك

______________________________

الا ان يقال ان جواز التصرف منوط برضا المالك بالتصرف بالقبض و الاقباض، و الرضا المخرج للمعاملة عن الفضولية هو الرضا بانتقال ماله عن ملكه واحدهما غير الآخر

(1) ثانيهما: انه لو دل النهي علي الفساد لدل علي عدم ترتب الاثر المقصود و هو استقلال الاقباض في السببية، فلا ينافي كونه جزء السبب.

و فيه: انه لو دل النهي علي الفساد لزم منه الغاء المنهي عنه في نظر الشارع الاقدس، و كأنه لم يتحقق،

فلا محالة لا يصلح لكونه جزء السبب.

و ان شئت قلت: ان تأثير اعطاء مال الغير و اقباضه انما يكون علي سبيل جزء المؤثر لا العلية التامة، فلو دل النهي علي الفساد لاقتضي الغاء هذا الاثر لاما ليس له في نفسه، فالصحيح هو الوجهان الاولان.

الثاني: ما افاده صاحب المقابيس، و هو: ان المعاطاة منوطة بالتراضي مع قصد التمليك أو الاباحة، و هما من وظائف المالك.

و فيه: اولا: ان هذا الوجه لو تم لاقتضي عدم جريان الفضولي في غيرها ايضا،

و الكلام في المقام بعد جريانه فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 66

و اعتبار مقارنة الرضا من المالك للانشاء الفعلي دون القولي مع اتحاد ادلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حل مال الغير لا يخلو عن تحكم، و ما ذكره الشهيد الثاني لا يجدي فيما نحن فيه لانا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد

الموجود في قوله لعدم الدليل، و لو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي ايضا الا ان يقال ان مقتضي الدليل ذلك خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول.

لكنك قد عرفت ان العقد الفضولي ليس علي خلاف القاعدة.

نعم لو قلنا أن المعاطاة لا يعتبر فيها قبض، و لو اتفق معها بل السبب المستقل هو تراضي المالكين بملكية كل منها لمال صاحبه مطلقا، أو مع وصولهما، أو وصول احدهما، لم يعقل وقوعها من الفضولي.

نعم الواقع منه ايصال المال و المفروض انه لا مدخل له في المعاملة، فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا، و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقة لكن الانصاف ان هذا المعني غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة، و انما قصدهم الي العقد الفعلي،

هذا كله علي القول بالملك. و أما علي القول بالاباحة، فيمكن القول

______________________________

و ثانيا: ان التمليك الانشائي ليس من وظائف المالك خاصة، و الاثر و ان كان مترتبا علي رضا المالك الا ان المفروض في المقام تحققه بالاجارة.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و حاصله: ان الاجازة لا بد و ان تتعلق بامر مستمر باق كي ينتسب بها الي المالك، و هذا في العقد القولي موجود، إذ حاصل المصدر ينفك عن الانشاء القولي و يستمر بعده فيستند بالاجازة الي المالك، و أما في العقد الفعلي- اي الاعطاء- فليس حاصل مصدره امرا مستمرا باقيا، بل هو العطاء، و هو لا ينفك عن الاعطاء، و باجازة المالك لا ينقلب الفعل عما وقع عليه.

و فيه: ما تقدم في مبحث المعاطاة من ان الفعل كالقول مصداق للبيع حقيقة بلا فرق بينهما، و عليه فينفك حاصل المصدر فيه عن المصدر كما في الانشاء القولي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 67

ببطلان الفضولي لان افادة المعاملة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة (1)

فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين مع ان حصول الاباحة قبل الاجازة غير ممكن (2) و الآثار الاخر مثل بيع المال علي القول بجواز مثل هذا التصرف إذا وقعت في غير زمان الاباحة الفعلية لم تؤثر اثرا، فإذا اجاز حدث الاباحة من حين الاجازة، اللهم الا ان يقال بكفاية وقوعها مع الاباحة الواقعية إذا كشف عنها الاجازة، فافهم.

______________________________

و تتعلق الاجازة به. فالأظهر جريان الفضولي فيها.

و أما المورد الثاني: فان كان مدرك صحة الفضولي عموم التعليل في نصوص النكاح فهو يقتضي جريانه في المعاطاة لعموم العلة، و ان كان غيره فهو مختص بغير المعاطاة لعدم الاطلاق له، و ترك الاستفصال في صحيح

«1» محمد بن قيس لا يفيد بعد عدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، و قوله عليه السلام بارك الله في صفقة يمينك في رواية البارقي «2» لا ظهور له في وقوع المعاملة معاطاة، فان صفقة اليمين كناية عن البيع من دون رعاية ان يكون الانشاء بصفقة اليمين.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف قدس سره لعدم جريان الفضولي فيها علي القول بالاباحة بوجهين:

احدهما:

(1) ان افادة المعاطاة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة، فيقتصر فيها علي صورة تعاطي المالكين.

الثاني:

(2) ان حصول الاباحة قبل الاجازة غير ممكن.

و الحق: انه لو قلنا بالاباحة، من باب ان المعاطاة مفيدة للملك: غاية الأمر يشترط فيه التصرف، أو التلف و قبله يحكم بالاباحة الشرعية لدليل خاص، فالفضولي يجري في المعاطاة لما تقدم، نعم لا يحكم بالاباحة ما لم يجز.

و أما لو قلنا بانها مفيدة للاباحة، و تكون الاباحة شرعية، فدليله الأول متين

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 68

القول في الإجازة و الرد
أما الكلام في الإجازة،
اشارة

فيقع تارة في حكمها و شروطها و أخري في المجيز و ثالثة في المجاز.

اما حكمها
اشارة

فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم علي توقفها علي الاجازة (1) في كونها كاشفة بمعني انه يحكم بعد الاجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتي كأن الاجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة، بمعني ترتب آثار العقد من حينها حتي كان العقد وقع حال الاجازة علي قولين: فالأكثر علي الأول و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة

______________________________

و لا يتم الثاني، إذ نسبة الاباحة الي ما قبل الاجازة و ما بعدها علي حد سواء بعد فرض ان المالك قاصد للملك، فحصولها قبلها لا مانع منه.

و أما إذا قلنا بالاباحة المالكية المنشأة بالفعل فيمكن الاستدلال بادلة نفوذ المعاطاة من قبيل) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (لجريان الفضولي فيها لاستناد العقد الي المالك بعد الاجازة القول في الإجازة

اما الكلام في الاجازة فكما في المتن يقع تارة في حكمها و شروطها، و اخري في المجيز و ثالثة في المجاز.

(1) اما حكمها: فالمنسوب الي المشهور هو: القول بالكشف، بل قيل: انه لم ينقل القول بالنقل عن احد الي زمان المحقق آقا جمال قده،

و أما المتأخرون عنه فالمشهور بينهم هو النقل، و عن جماعة: التوقف في المسألة.

ثمّ ان الكشف يتصور له معان:

احدها: الكشف الحقيقي الصرف، و هو الظاهر من جامع المقاصد و الجواهر.

ثانيها: الكشف عن امر مقارن للعقد، و هو اما الرضا التقديري كما عن المحقق الرشتي قدس سره، أو تعقب العقد بالرضا فانه وصف مقارن للعقد كما عن جماعة من الأعلام، و اما امر مجهول عندنا بان يكون الشرط لتاثير العقد امرا واقعيا مقارنا له لا نعرفه الا انه يكون ذلك الأمر ملازما للإجازة الاستقبالية.

ثالثها: الكشف

عن الاثر لكون الإجازة من قبيل الشرط المتأخر، و هو الظاهر من كل من يقول بالشرط المتأخر، و نسب ذلك الي المشهور.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 69

بأن العقد سبب تام في الملك (1) لعموم قوله تعالي:) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و تمامه في الفضولي انما يعلم بالاجازة، فإذا اجاز تبين كونه تاما فوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة. بل به مع شي ء آخر و بأن الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه و ليس إلا نقل العوضين من حينه.

______________________________

رابعها: الكشف الانقلابي بان تكون الإجازة المتأخرة موجبة لحدوث التأثير في العقد و جاعلة اياه سببا تاما و هو الذي احتمله المصنف قدس سره في آخر كلامه.

خامسها: الكشف الحكمي بمعني ترتيب آثار الملكية من قبل لا حصول نفس الملكية، و هو المنسوب الي المحقق شريف العلماء استاذ الشيخ قدس سره.

سادسها: الكشف بان تكون الإجازة بوجودها الدهري المجتمع مع شروطها في وعاء الدهر، إذ الطوليات الزمانية عرضيات في عالم الدهر شرطا.

و في المقام قول آخر اختاره المحقق الايرواني قدس سره و الاستاذ الأعظم و نسب الي المحقق الخراساني، و هو النقل في المكية و الكشف في المملوك، بان يكون اعتبار الملكية بعد الإجازة، و المعتبر قبلها، و ستعرف توضيحه. هذه هي الأقوال في المسألة.

و أما الادلة: فقد استدلوا للكشف بوجوه، و كل واحد منها استدل به للقول بنحو من الكشف:

(1) الوجه الاول: ما عن جامع المقاصد و هو: العقد سبب تام، إذ المأخوذ موضوعا لوجوب الوفاء هو العقد، قال الله تعالي:) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و لا يكون شي ء آخر دخيلا فيه و الا لأخذ في الموضوع، غاية الأمر خرج عن هذا العموم العقد الصادر من

غير المالك إذا لم يجزه المالك، فالعقد الذي اجازه المالك يكون باقيا تحت العموم فلا مناص عن الالتزام بتأثيره خاصة من دون توقف علي شي ء آخر.

نعم الكاشف عن ثبوت الموضوع هو الإجازة، إذ ما لم يجز حيث يمكن عدم الإجازة فيحتمل عدم تحقق الموضوع. هذا هو مدرك المعني الأول من الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 70

و عن فخر الدين في الايضاح الاحتجاج لهم بانها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود (1) لان العقد حالها عدم انتهي و يرد علي الوجه الأول أنه ان أريد بكون العقد سببا تاما كونه علة تامة للنقل إذا صدر عن رضاء المالك فهو مسلم الا ان بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب و لا يتبين كونه تاما إذ الاجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا غاية الأمر ان لازم صحة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضاء المقارن، فيكون لها مدخل في تمامية السبب كالرضا المقارن، فلا معني لحصول الأثر قبلها، و منه يظهر فساد تقرير الدليل

______________________________

و فيه: اولا: ما تقدم من ان خطاب) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (متوجه الي المالكين، و مفاده وجوب وفاء كل مالك بعقده، و العقد الصادر من الفضولي انما يكون عقدا للمالك بالإجازة، فالموضوع يتحقق من حين الإجازة.

و ثانيا: انه قد دل الدليل من الإجماع و النص علي اعتبار رضا المالك و دخله في ترتب الأثر، و هو يقيد العموم فتأمل.

(1) الثاني: ما عن فخر الدين في الايضاح، و هو: انه إذا لم تكن الاجازة كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود، إذ العقد حالها عدم، و حيث ان هذا الوجه بظاهره بين الفساد من جهة ان القائل بالنقل يري ان العقد جزء العلة لا تمامها، و

معلوم ان بعض اجزاء العلة كثيرا ما يتقدم علي المعلول زمانا كما في التدريجيات- اي الأجزاء المتدرجة في الوجود- فقد تصدي المحقق النائيني قدس سره لتوجيه و وجهه: بان مراده ان المنشأ لا يتخلف عن الانشاء، و اسم المصدر لا يعقل انفكاكه عن المصدر.

و لكن يرد عليه: ان المنشأ هو الملكية في اعتبار المتبايعين، و الذي يكون محل الكلام هو الملكية في اعتبار الشارع الأقدس.

الثالث: ما عن المحقق الرشتي قدس سره، و هو ان الشرط لتاثير العقد هو الرضا التقديري من المالك، و الإجازة تكشف عنه ككاشفية شاهد الحال. هذا هو مدرك الوجه الأول من المعني الثاني له.

و فيه: اولا: ان الرضا التقديري لا يكفي في تأثير العقد لعدم انتسابه إليه بذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 71

بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط و كلها حاصلة الا رضا المالك، فإذا حصل بالاجازة عمل السبب عمله، فإنه إذا اعترف ان رضا المالك من جملة الشروط،

فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله و دعوي) صاحب الجواهر (ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبب علي السبب كغسل الجمعة يوم الخميس، و اعطاء الفطرة قبل وقته، فضلا عن تقدم المشروط علي الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة، و كغسل العشاءين لصوم اليوم الماضي علي القول به مدفوعة، بأنه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره، و تكثير الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي، فهي كدعوي ان التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما لان النقيض الشرعي غير العقلي فجميع ما ورد مما يوهم ذلك انه لا بد فيه من التزام ان المتأخر

ليس سببا أو شرطا، بل السبب و الشرط الأمر المنتزع من ذلك لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه، بأن يقال ان الشرط تعقب الاجازة و لحوقها بالعقد. و هذا امر مقارن علي تقدير الإجازة لمخالفته الأدلة.

اللهم الا ان يكون مراده بالشرط، ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه علي لحوقه، و هذا مع انه لا يستحق اطلاق الشرط عليه غير صادق علي الرضا،

لأن المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، لأنه لا يحل لغيره بدون طيب النفس، و انه لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير و انقطاع سلطنة المالك، و مما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام) صاحب الفصول (بل التزم به غير واحد من المعاصرين، من أن معني شرطية الاجازة (1)

مع كونها كاشفة شرطية الوصف المنتزع منها و هو كونها لاحقة للعقد في المستقبل،

فالعلة التامة العقد الملحوق بالاجازة و هذه صفة مقارنة للعقد،

______________________________

و ثانيا: ان الإجازة لا تكشف عن ذلك، كيف و الحالات الموجبة لاختلاف المالك من حيث الرضا و الكراهة مختلفة، فيمكن ان لا يكون حين العقد راضيا، و يصير كذلك بعده

(1) الرابع: ما عن صاحب الفضول و اخيه المحقق، و هو انه حيث لا يمكن ان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 72

و ان كان نفس الاجازة متأخرة عنه، و قد التزم بعضهم مما يتفرع علي هذا من أنه إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد، و فيه ما لا يخفي من المخالفة للادلة، و يرد علي الوجه الثاني اولا ان الاجازة و ان كانت رضا بمضمون العقد

______________________________

تكون الإجازة المتأخرة شرطا لامتناع تأخر الشرط الذي هو من اجزاء

العلة التامة التي يمتنع تأخرها عن المعلول، فلا مناص عن الالتزام بان الشرط الوصف الانتزاعي منه كالتعقب. هذا هو مدرك الوجه الثاني من المعني الثاني.

و فيه: اولا: ان لازم الوجه المذكور لو تم ليس هو البناء علي كون الشرط هو الوصف الانتزاعي، بل تحقق المعلول بعد الإجازة كما هو ظاهر الأدلة.

و ثانيا: انه لا يكون العقد بذاته منشئا لانتزاعه، و ان ابيت عن ذلك و قلت بان عنوان التعقب كعنواني السابق و الملحوق ينتزع من نفس العقد- كما انهما ينتزعان منه- لكن لا كلام في ان هذا العنوان مع عنوان لاحقية الإجازة متضائفان، و المتضائفان متكافئان في القوة و الفعلية، فمع عدم فعلية الثاني لعدم تحقق منشئه لا يصير الأول فعليا.

و أما الوجه الثالث من المعني الثاني: فلم ار ما استدل به عليه،

و يرده: انه خلاف ظاهر الأدلة و رجم بالغيب، مع ان ذلك الأمر حيث انه ليس من الأمور المتأصلة: إذ الصادر من الفضولي ليس الا العقد، فلا مناص عن الالتزام بكونه امرا انتزاعيا، و عليه فان كان منشؤه نفس العقد لزم ترتيب آثاره و لو لم تتحقق الإجازة،

و ان كان المنشأ هو الاجازة عاد المحذور المتقدم في سابقه.

الخامس: ما استدل به علي الكشف الانقلابي و هو: كون الإجازة من المالك محدثة للتاثير في العقد و جاعلة اياه سببا تاما.

و حاصله، انه فرق بين الإجازة و غيرها من الشروط كالقبض، فان الإجازة انما تكون انفاذا للعقد السابق، فهي ليست دخيلة في حصول الملكية، بل متممة للعقد الذي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 73

______________________________

هو السبب للملكية نظير انفاذ الحاكم حكم مجتهد آخر، فالعقد الي حين الإجازة لم يكن سببا و بها انقلب و صار سببا تاما،

و لازمه تأثيره في الملك بعد ما لم يكن بنحو الانقلاب.

و فيه: اولا: انه لا يعقل انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و ثانيا: ان الإجازة بهذا المعني لم يدل دليل علي نفوذها شرعا، إذ اعتبار الإجازة في سببية العقد، اما ان يكون لأجل اعتبار استناد العقد الي المالك، أو يكون لأجل اعتبار رضا المالك في نقل ماله عن ملكه، و علي الأول: لا يستند العقد الي المالك الي حين الإجازة لا انها توجب استناد ما وقع من اول وقوعه إليه، بل من حين الإجازة كما تقدم،

فمن حين الإجازة يتم السبب للملكية فكيف يحكم بحصول الملك قبل تمامية السبب، و كذلك الامر علي الثاني: إذ الرضا انما يوجد حين الإجازة لا قبلها، فلا حلية للتصرف قبلها و لا ملك.

السادس: ما استدل به علي الكشف الحكمي، و هو وجهان:

احدهما: ما استدل به علي الانقلاب بضميمة انه حيث لا يعقل الانقلاب فبدلالة الاقتضاء يبني علي ارادة معاملة العقد الملحوق بالإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة، فإذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الي المشتري و ان كان اصل الملك قبل الإجازة للمالك و وقع النماء في ملكه.

و يرد عليه ما تقدم.

ثانيهما: ان الكشف الحكمي سار في اغلب ابواب الفقه كباب الخمس و الزكاة و نحوهما.

و حاصله: ان كل ما يكون موضوعا لحكم بواسطة الأمر المتأخر- بحيث كان الأمر السابق بمنزلة المادة، و ذلك الأمر بمنزلة الصورة- فمقتضي القاعدة ترتيب آثار الموضوع من اول تحققه، لانه ينكشف تحقق الموضوع من الاول الأمر، مثلا عنوان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 74

______________________________

فاضل المئونة موضوع لوجوب الخمس، و ذاته يتحقق اول زمان ظهور الربح، و لكن اتصافه بهذا

العنوان انما يكون بعد انقضاء السنة، فبعد انقضاء السنة ينكشف تعلق الخمس من اول السنة. و في المقام العقد انما يكون موضوعا لوجوب الوفاء بواسطة الإجازة المتأخرة، فلا بد من البناء علي ترتيب الآثار مهما امكن.

و فيه: انه إذا كان الأمر المتأخر بمنزلة الصورة فلا بد من الالتزام بالنقل، إذ حقيقة الشي ء انما تكون بصورته.

و أما كون الإجازة شرطا بوجودها الدهري، فهو مندفع بان شرط الزماني لا بد و ان يكون زمانيا، فلم يبق من معاني الكشف الا المعني الثالث، و هو الكشف عن الأثر.

فقد استدل له: بان الإجازة متعلقة بالعقد، و هي رضا بمضمونه، و ليس الا النقل من حينه،

و هذا الوجه قد استدل به للقول الأخير الذي هو برزخ بين النقل و الكشف و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موارد:

الأول: في امكان كل من القولين أي المعني الثالث و القول الاخير.

الثاني: في تمامية هذا الوجه.

الثالث: في انه علي فرض التمامية، هل يثبت به الأول، أو الثاني؟ اما الأول: فغاية ما قيل في وجه امتناع الأول: انه يستلزم القول بالشرط المتأخر،

و الشرط لا يتأخر، و الا لزم تأثير المعدوم في الموجود أو عدم التأثير، و الأول محال، و الثاني خلف و الجواب عن ذلك في الاصول، و قد اشبعنا الكلام فيه في زبدة الاصول.

و اجماله: ان الشرط بنفسه ليس دخيلا في المصلحة و الحكم، بل التقيد به دخيل فيهما، و هو بوجوده الخارجي طرف لما يكون دخيلا في الموضوع و هو التقيد به، و التقيد عبارة عن اضافة خاصة حاصلة للشي ء إذا لوحظ مع غيره، و تلك الاضافة تحصل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 75

______________________________

إذا لوحظ مع المتأخر، كما تحصل إذا لوحظ مع

المقارن، و علي التقديرين هو مقارن له،

مثلا في العرفيات الحمامي انما يرضي بالتصرف في الحمام و صرف الماء لمن يعطي الفلوس فيما بعد خروجه، فمن علم من حاله انه يعطيه بعد الخروج- بما انه بالفعل مقيد بهذا و يتصف به- يجوز له التصرف فيه.

و بالجملة: حصول امر اعتباري اضافي من جهة تحقق المتأخر في ظرفه واضح، و دخل العناوين الاعتبارية الاضافية في المصالح و الأحكام في غاية الوضوح، فلا محذور في الشرط المتأخر اصلا.

و أما القول الثاني: و هو كون اعتبار الملكية بعد الإجازة و المعتبر سابقا. توضيحه:

ان اعتبار الملكية و حصول الملكية كما يمكن اجتماعهما بحسب الزمان، كذلك يمكن افتراقهما بان يكون الاعتبار فعلا و المعتبر في زمان لاحق، أو في زمان سابق. إذ الاعتبار خفيف المئونة و يكون نظير التصور و اللحاظ، و يصح تعلقه بامر متأخر أو متقدم إذا كان هناك مصحح له و لم يترتب عليه محذور، و لذا بنينا علي صحة اعتبار ملك المعدوم و الملك للمعدوم، و لا يتوقف الاعتبار الا علي اثر مصحح له، ففي المقام تعتبر الملكية بعد تحقق الإجازة لمن انتقل عنه و بعد الإجازة لمن انتقلت إليه.

فقد قيل في وجه عدم امكانه امور:

الأول انه يلزم كون المال ملكا لمالكين في زمان واحد، و هذا غير معقول.

و فيه: انه حيث يكون زمان الاعتبار متعددا فلا محذور في اجتماع ملكيتين في زمان واحد.

و ان شئت قلت: ان الاعتبار خفيف المئونة، فيمكن اعتبار شي ء واحد لشخصين مع تعدد زمان الاعتبار.

الثاني انه بناء علي مسلك العدلية من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد، اعتبار كون العين لمن انتقلت عنه الي حين الإجازة لا محالة يكون لمصلحة داعية الي ذلك

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 4، ص: 76

الا ان مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتي يتعلق الاجازة و الرضا بذلك النقل المقيد يكونه في ذلك الحال، بل هو نفس النقل (1) مجردا عن ملاحظة وقوعه في زمان، و انما الزمان من ضروريات انشائه، فإن قول العاقد بعت ليس نقلت من هذا الحين و ان كان النقل المنشئ به واقعا في ذلك الحين، فالزمان ظرف للنقل لا قيد له، فكما ان انشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان

______________________________

و معه كيف يمكن اعتبار ملكيتها لمن انتقلت إليه في ذلك الزمان بعد كون المصلحة من الأمور الواقعية.

و فيه: ان الأحكام الوضعية تابعة لمصالح في الاعتبارات لا في المعتبر، فلا يلزم الاجتماع.

الثالث: انه يلزم التعارض بين الآثار، مثلا إذا كان للعين منافع و استوفاها الغير مقتضي الاعتبار الأول كون عوضها لمن انتقلت عنه فيكون ضامنا له، و مقتضي الاعتبار الثاني كونه لمن انتقلت إليه و كونه ضامنا، و هكذا.

و فيه: ان الآثار غير الباقية لا كلام فيها، و الباقية مترتبة علي الاعتبار الثاني و هو الميزان: و في المثال يحكم بكونه ضامنا للثاني فتحصل: ان الأظهر معقوليتهما معا.

و أما المورد الثاني: فمحصل الدليل المشار إليه: ان العاقد الفضولي كغيره من العاقدين يقصد النقل من زمان العقد و ينشأ ذلك، و الإجازة من المالك تتعلق بتمام ما انشأه الفضولي لا بعضه، و دليل صحة بيع الفضولي انما يدل علي صحة عقد الفضولي الذي اجازه المالك و وقوعه، فتكون النتيجة هو الكشف.

و اورد عليه المصنف قدس سره بايرادات:

(1) الأول: ان مضمون العقد ليس هو النقل من حينه بل اصل النقل، و انما يحكم بوقوعه من ذلك الحين فيما إذا كان العاقد

هو المالك من جهة وقوع الانشاء الذي هو العلة في ذلك الحين، و المعلول لا يتخلف عن علته.

و بعبارة اخري: مضمون العقد هو النقل غير المقيد بالزمان، و انما الزمان ظرف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 77

يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (1) فكذلك، اجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة، و كما أن الشارع إذا أمضي نفس العقد وقع النقل من زمانه، فكذلك إذا امضي إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة و لأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضي القبول وقوع الملك من زمان الايجاب، مع انه ليس الا رضا بمضمون الايجاب، فلو كان مضمون الايجاب النقل من حينه، و كان القبول رضا بذلك كان معني امضاء الشارع للعقد الحكم بترتب الاثر من حين الايجاب لان الموجب ينقل من حينه و القابل يتقبل ذلك و يرضي به.

و دعوي ان العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه مدفوعة بأن سببيته للملك ليست الا بمعني امضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركبا من نقل في زمان و رضاء، بذلك النقل كان مقتضي العقد الملك بعد الايجاب، و لأجل ما ذكرنا ايضا لا يكون فسخ العقد الا انحلاله من زمانه (2) من زمان العقد، فإن الفسخ نظير الاجازة و الرد لا يتعلق الا بمضمون العقد، و هو النقل من حينه، فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد علي وجه القيدية

______________________________

له لا قيد، و استشهد لذلك بامرين احدهما:

(1) ان القبول حاله حال الإجازة في كونه رضا بمضمون الايجاب، مع انه لم يقل احد بالكشف فيه.

ثانيهما:

(2) ان الفسخ للعقد انما يكون نظير الإجازة متعلقا بمضمون العقد، فلو كان زمان وقوع العقد ماخوذا في العقد

علي وجه القيدية لكان فسخه موجبا للحكم بعدم ترتب الآثار من حين العقد، مع انه لم يقل به احد.

و لكن يرد عليه قده: ان العاقد الملتفت بحسب الطبع إذا لم ينشأ النقل في زمان متأخر لا محالة يكون قاصدا الي النقل من حين العقد، و انما لا يذكره في الانشاء اعتمادا علي ما يقتضيه اطلاق العقد، كيف و لو كان قاصدا لمجرد النقل المهمل من حيث الزمان لم يكن وجه لوقوعه من حين العقد، و مجرد وقوع الانشاء في زمان لا يكفي في وقوع المنشأ من ذلك الحين، فان الانشاء سبب لوقوع مضمونه، و المفروض انه النقل علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 78

لكان رده و حله موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد و السر في جميع ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل الا ظرفا، فجميع ما يتعلق بالعقد من الارضاء و الرد و الفسخ انما يتعلق بنفس المضمون دون المقيد بذلك الزمان.

و الحاصل انه لا إشكال في حصول الاجازة بقول المالك (1) رضيت بكون مالي لزيد بازاء، ماله أو رضيت بانتقال مالي الي زيد و غير ذلك من الالفاظ التي لا تعرض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه، كيف و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها اجازة منها و نحو ذلك.

و من المعلوم ان الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي و بتقرير آخر ان الاجازة من المالك قائمة مقام رضاه، و اذنه المقرون بانشاء الفضولي أو مقام نفس انشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد الا بعد الاجازة، فهي اما شرط أو جزء سبب للملك، بعبارة اخري المؤثر هو العقد المرضي به و المقيد من حيث انه مقيد لا

يوجد الا بعد القيد و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيد المجردة عن القيد،

______________________________

سبيل الإهمال لا من حينه، فيتوقف وقوعه من حينه علي مرجح يقتضيه، مع انه يفرض الكلام فيما إذا انشأ النقل من حين العقد.

و أما ما ذكره من الشاهدين فيرد علي الأول منهما: انه ان قلنا بان القبول انشاء للتملك فالفرق بينه و بين الإجازة واضح، و ان قلنا انه رضا بمضمون الايجاب فلا محذور في الايجاب، الا انه بناء علي اعتبار الموالاة بين الايجاب و القبول قليل الفائدة، اي لا فرق بين وقوعه من حين الايجاب أو من حين القبول غالبا.

و أما الشاهد الثاني فيرد عليه: ان الفسخ هو حل العقد بقاء لا من حين تحقق العقد.

(1) قوله و الحاصل انه لا إشكال في حصول الاجازة بقول المالك رضيت هذا ليس حاصلا لما تقدم بل هو جواب آخر، ه لصحمو:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 79

و ثانيا انا لو سلمنا عدم كون الاجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه علي المشروط و لا جزء سبب، و إنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق و جاعلة له سببا تاما حتي كأنه وقع مؤثرا فيتفرع عليه ان مجرد رضا المالك بنتيجة العقد اعني محض الملكية من غير التفات الي وقوع عقد سابق ليس باجازة لان معني اجازة العقد جعله جائزا نافذا ماضيا لكن نقول لم يدل دليل علي امضاء الشارع لإجازة المالك علي هذا الوجه (1) لأن وجوب الوفاء بالعقد تكليف بتوجه إلي العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد و النذر.

و من المعلوم ان المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته الا بعد الاجازة فلا يجب الوفاء الا بعدها.

و من المعلوم ان الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي

فما لم يجب الوفاء فلا ملك و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود بدعوي أن الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد و قس علي ذلك ما لو كان دليل الملك عموم احل الله البيع فإن الملك ملزوم لحلية التصرف فقبل الاجازة لا يحل التصرف خصوصا إذا علم عدم رضا المالك باطنا أو تردده في الفسخ و الإمضاء.

______________________________

انه لو سلم كون انشاء الفضولي متعلقا بالنقل من حينه، الا ان الإجازة ليست متعرضة لإنشاء الفضولي و انما هي عبارة عن الرضا بالنقل و المبادلة، فتكون مؤثرة في النقل من حينها.

و فيه: ان الرضا بالمبادلة ما لم يكن رضا بما انشأه الفضولي لا يكون كافيا، و انما يبني علي كفاية الكاشف عن الرضا، من قبيل: رضيت بكون مالي لزيد بازاء ماله، من جهة كونه رضا بما انشأه الفضول بالالتزام، و الا لم يكن كافيا.

(1) الايراد الثاني: انه لو سلم كون العقد انشاء للنقل من حينه، و الاجازة متعلقة بهذا، الا انه لا دليل علي صحة هذا العقد المجاز بهذا النحو، فان خطابات الامضاء من قبيل) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «2» انما تتوجه الي العاقدين، و المالك انما يصير

______________________________

(1) المائدة، آية 2.

(2) البقرة، 275.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 80

و ثالثا: سلمنا دلالة الدليل علي امضاء الشارع لإجازة المالك علي طبق مفهومها اللغوي و العرفي اعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا بتقريب ان يقال ان معني الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤداه العرفي فإذا صار العقد بالاجازة كانه وقع مؤثرا ماضيا كان مقتضي العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه فيجب شرعا العمل به علي هذا الوجه،

لكن نقول بعد الاغماض عن ان مجرد كون الاجازة بمعني جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب كون مقتضي العقد و مؤداه العرفي ترتب الاثر من حين العقد كما ان كون مفهوم القبول رضاء بمفهوم الايجاب و امضاء له لا يوجب ذلك حتي يكون مقتضي الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الايجاب فتأمل.

إذ هذا المعني علي حقيقة غير معقول لان العقد الموجود علي صفة عدم التأثير (1) يستحيل لحوق صفة التأثير له

______________________________

عاقدا من حين الإجازة، فتلك الخطابات تتوجه إليه من حين الإجازة، فالأحكام التكليفية انما تكون ثابتة من حينها، و قبلها لا يجب الوفاء بالعقد و لا يحل التصرف له، و الملكية انما تكون منتزعة منها فكيف يمكن الحكم بتحققها من قبل الإجازة، و الأمر الانتزاعي لا يتقدم علي منشأ انتزاعه.

و فيه: ان هذا الوجه يصلح ردا للكشف عن الأثر، و لا يصلح جوابا عمن يلتزم بكون اعتبار الملكية انما يكون من حين الإجازة، الا ان المعتبر هو امر من حين العقد، الا علي مسلكه قده من انتزاعية الأحكام الوضعية عن الأحكام التكليفية. و أما بناء علي كونها مجعولات بالاستقلال- كما حققناه في محله- فلا يتم هذا الجواب، فان الحكم التكليفي و ان كان من حين الإجازة، الا انه لا مانع من الالتزام بثبوت الحكم الوضعي بالنحو المتقدم من حين العقد. فتدبر.

(1) الايراد الثالث: انه لو سلم جميع الامور المشار إليها- من كون العقد انشاء للنقل من حينه- و من ان الإجازة انفاذ لذلك- و الادلة تدل علي صحة هذا لعقد المجاز الا انه لعدم معقولية ذلك فانه يستلزم انقلاب العقد عما وقع عليه من عدم التأثير الي التأثير و هو محال- فلا بد من

صرف الدليل عن ظاهره و حمله علي الكشف الحكمي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 81

لاستحالة خروج الشي ء عما وقع عليه، فإذا دل الدليل الشرعي علي امضاء الاجازة علي هذا الوجه الغير المعقول، فلا بد من صرفه بدلالة الاقضاء الي ارادة معاملة العقد بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة،

فإذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الي المشتري و ان كان اصل الملك قبل الاجازة للمالك و وقع النماء في ملكه.

و الحاصل انه يعامل بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه بالنسبة الي ما امكن من الآثار، و هذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات، و سيأتي الثمرة بينه و بين الكشف الحقيقي و لم اعرف من قال بهذا الوجه من الكشف الا الأستاذ شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته و الا فظاهر كلام القائلين بالكشف ان الانتقال في زمان العقد، و لذا عنون العلامة رحمهم الله: في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله و في زمان الانتقال اشكال فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال، و قد تحصل مما ذكرنا ان كاشفية الاجازة علي وجوه ثلاثة، قال بكل منها قائل:

احدها: و هو المشهور الكشف الحقيقي و التزام كون الاجازة فيها شرطا متأخرا.

و لذا اعترضهم جمال المحققين في حاشيته علي الروضة بأن الشرط لا يتأخر.

______________________________

و فيه: ان انقلاب العقد عن كونه غير مؤثر الي صيرورته مؤثرا امر لا بد منه حتي علي القول بالنقل، فان ذلك من لوازم دخل الإجازة في تأثيره، و انما الخلاف في ان اثر هذا العقد المجاز هل هو النقل من حين الإجازة- كما يقول به القائل بالنقل- أو من

حين العقد علي نحو كون الاعتبار لاحقا، و المعتبر سابقا.

فتحصل مما ذكرناه: تمامية هذا الوجه.

و بما ذكرناه ظهر الكلام في المورد الثالث، و انه انما يدل علي الكشف بالمعني الذي اختاره المحقق الخراساني و تبعه جمع من الأساطين، و خلاصة الكلام: ان ادلة الامضاء انما تدل علي إمضاء العقد المجاز بما له من المدلول، و هو ما ذكرناه.

هذا كله فيما تقتضيه القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 82

و الثاني: الكشف الحقيقي و التزام كون الشرط تعقب العقد بالاجازة لا نفس الاجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد.

الثالث: الكشف الحكمي و هو اجراء احكام الكشف بقدر الامكان مع عدم تحقق الملك في الواقع الا بعد الاجازة، و قد تبين من تضاعيف كلماتنا ان الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل، ثمّ بعده الكشف الحكمي. و أما الكشف الحقيقي مع كون نفس الاجازة من الشروط فاتمامه بالقواعد في غاية الاشكال، و لذا استشكل فيه العلامة في القواعد، و لم يرجحه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد بل عن الايضاح اختيار خلافه تبعا للمحكي عن كاشف الرموز و قواه في مجمع البرهان و تبعهم كاشف اللثام في النكاح، هذا بحسب القواعد و العمومات. و أما الاخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف (1) كما صرح به في الدروس. و كذا الاخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور (2)

______________________________

(1) قوله اما الاخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف.

لاحظ صحيح محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال قضي في وليدة باعها ابن سيدها و ابوه غائب فاشتراه رجل فولدت منه غلاما ثمّ قدم

سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال عليه السلام: خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلما اخذ البيع الابن قال ابوه ارسل ابني فقال لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني، فلما رأي ذلك سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «1»

و دلالة هذا الخبر علي الكشف واضحة من جهة الحكم بعدم ضمان قيمة الولد في صورة الاجازة مع انه علي النقل كان اللازم الحكم بالضمان الا ان المصنف.

(2) قال لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعني المشهور.

و لكن يمكن ان يقال انه بضميمة قاعدة من اتلف ظاهر في الكشف الحقيقي، فانه لو كانت الوليدة الي حين الإجازة باقية علي ملك مالكها كان الحكم بالضمان منافيا لتلك القاعدة، فبعين البرهان الذي ذكره لاستفادة الكشف من خير ابي عبيدة يستفاد

______________________________

(1) الوسائل باب 88 من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 83

فيحتمل الكشف الحكمي. نعم صحيحة ابي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي اجاز فمات للزوجة الغير المدركة حتي تدرك و تحلف ظاهر في قول الكشف، إذ لو كان مال الميت قبل اجازة الزوجة باقية علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس علي اموالهم، (1) فإطلاق الحكم بالعزل منضما الي عموم الناس مسلطون علي أموالهم يفيد أن العزل لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثة في الواقع فكأنه احتياط في الأموال، قد غلبه الشارع علي اصالة عدم الاجازة كعزل نصيب الحمل و جعله اكثر ما يحتمل.

______________________________

الكشف الحقيقي من هذا الصحيح، و حيث عرفت ان المعقول من الكشف هو الكشف في المعتبر، و الصحيح قابل للحمل

عليه، فيحمل عليه.

و يشهد له ايضا خبر ابي عبيدة «1» الوارد في تزويج الصغيرين فضولا، الآمر بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي اجاز فمات للزوجة غير المدركة حتي تحلف بعد الادراك، فقد افاد المصنف قدس سره في وجه دلالته علي الكشف.

(1) ان مال الميت لو كان قبل الإجازة باقيا علي ملك سائر الورثة كان العزل مخالف القاعدة تسلط الناس علي اموالهم، «2» فهو بضميمة قاعدة السلطنة يدل علي الكشف.

و اورد عليه السيد و تبعه المحقق الايرواني قدس سره: بانه لا محيص عن مخالفة احدي القاعدتين، اما قاعدة السلطنة ان قلنا بالنقل، أو عموم دليل الاستصحاب ان قلنا بالكشف، فترجيح احدي القاعدتين علي الأخري بلا مرجح.

و فيه: ان مخالفة عموم دليل الاستصحاب لا محيص عنها علي القولين، إذ لو قلنا بالنقل و انها ترث بعد الإجازة كان العزل منافيا لأصالة عدم الإجازة.

و يمكن ان يذكر وجه آخر لدلالته علي الكشف، و هو: انه لو قلنا بالنقل فإن بنينا علي انتقال المال كلا الورثة و ان الزوجة تتلقي نصيبها من سائر الورثة لزم مخالفة

______________________________

(1) الوسائل، باب 11، من ابواب ميراث الأزواج حديث 1.

(2) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 84

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل (1) فنقول:

______________________________

قاعدة الارث المقتضية لتلقي النصيب من الميت، و ان بنينا علي بقاء مقدار نصيبها علي ملك الميت لزم مخالفة قاعدة ما تركه الميت فلوارثه «1» و هذا بخلاف ما لو بنينا علي الكشف كما هو واضح.

فتحصل: ان القول بالكشف في المعتبر هو الذي تقتضيه القواعد و الأدلة، الخاصة،

فعليه الفتوي.

الثمرة علي القول بالكشف أو النقل

(1) بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته و النقل و تنقيح

القول في المقام بالبحث في مقامات:

الأول: في تصرف كل منهما في ما انتقل إليه.

الثاني: في تصرف كل منهما فيما انتقل عنه.

الثالث: في سائر الآثار من النماء و غيره.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موارد.

: (1) في الحكم التكليفي: (2) في الحكم الوضعي: (3) في الآثار الاخر المترتبة علي الملك.

و ليعلم ان الكلام في المقام يقع في تصرف الأصيل، و أما تصرف المالك الذي وقع العقد علي ماله فضولا فسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالي.

اما المورد الأول: فعلي القول بالكشف الحقيقي باحتمالاته- من شرطية التعقب،

أو شرطية اللحاظ، أو شرطية الإجازة نفسها بنحو الشرط المتأخر، أو الكشف المحض- يجوز التصرف ان اجاز المالك لفرض وقوعه في ملكه.

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1 ص 406.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 85

اما الثمرة علي الكشف الحقيقي. بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و لحوقها له، فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بانشاء الفضولي إذا علم اجازة المالك فيما بعد. (1)

و أما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي مع كون نفس الاجازة شرطا يظهر في مثل ما إذا وطي المشتري الجارية قبل اجازة مالكها فأجاز، فإن الوطي علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه، (2) و لو

______________________________

(1) و ما افاده المصنف قدس سره من الفرق في جواز التصرف بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و الحكم بجواز التصرف علي الثاني دون الاول، ان اراد شرطيتها علي سبيل الانقلاب فهو حق كما ستعرف، الا انه لا يلائم مع ما افاده بعد سطرين.

(2) من جواز الوطء واقعا علي الكشف

الحقيقي مطلقا كما لا يخفي.

و ان اراد شرطيتها علي نحو الشرط المتأخر فهو غير صحيح، إذ جواز التصرف من آثار الملك، و المفروض حصوله من حين العقد علي هذا المسلك ايضا،

و علي القول بالنقل، و الكشف الانقلابي، و الكشف الذي اخترناه، و الكشف الحكمي لا يجوز لفرض عدم حصول الملك قبل الإجازة، و تحقق الملك بعد الإجازة و لو من حين العقد بنحو الانقلاب أو النحو المعقول لا يوجب انقلاب التصرف الذي وقع غير جائز عن ما وقع عليه هذا في الحكم الواقعي،

و أما في الظاهر فان علم بالإجازة جاز التصرف ظاهرا- علي فرض جوازه واقعا- و ان لم يعلم به لم يجز لأصالة عدم تحقق الإجازة، بناء علي ما هو الحق من جريان الاستصحاب في الامور الاستقبالية.

و أما المورد الثاني: فعلي القول بالكشف بالنحو الذي اخترناه، فبيعه يكون من قبيل من باع شيئا ثمّ ملك، و كذلك ما شابهه، و أما الطلاق فلا ينبغي الأشكال في فساده لعدم علقة الزوجية حينه، و كذلك الكلام علي الكشف بمعني الانقلاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 86

اولدها صارت ام ولد علي الكشف الحقيقي و الحكمي، لان مقتضي جعل العقد الواقع ماضيا ترتب حكم وقوع الوطي في الملك، و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك، و ان حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك و لو نقل المالك أم الولد

______________________________

و أما علي الكشف الحكمي فلا بد من البناء علي نفوذ تصرفاته بعد الإجازة و ان وقعت غير نافذة حين وقوعها، و أما علي سائر وجوه الكشف فلا ريب في نفوذها، كما لا ريب في عدم النفوذ علي القول بالنقل.

و أما المورد الثالث: فلو اولد المشتري

الجارية قبل اجازة مالكها، فعلي القول بالكشف الحقيقي بنحو الكشف المحض، أو الكشف عن مقارنة الشرط، أو الكشف عن الأثر، صارت ام ولد لوقوع الوطء في ملكه،

و علي القول بالنقل لا يتحقق الاستيلاد بلا كلام.

و أما علي الكشف الانقلابي، و الكشف الذي اخترناه فالأظهر عدم تحقق

الاستيلاد، إذ الإجازة علي القولين توجب الملكية حقيقة في الزمان الذي لم يكن الملك موجودا، و هذا لا يوجب انقلاب الوطء- و عليه فلا يتحقق الاستيلاد.

و أما علي الكشف الحكمي فالظاهر هو البناء علي تحقق الاستيلاد، فان الوطء و ان وقع في ملك الغير، الا انه حيث دل الدليل علي ترتيب جميع آثار الملك و من جملتها الآثار المترتبة علي وقوع الوطء في الملك من عدم جواز بيع الام و حرمة الولد، فيجب ترتيبها، و علي هذا فلا وجه لأحتمال عدم تحقق الاستيلاد علي الكشف الحكمي كما في المتن.

و اوضح اشكالا من ذلك البناء علي تحقق الاستيلاد علي الكشف الحقيقي بوجوهه لما عرفت.

و أما المقام الثاني: و هو تصرف كل منهما فيما انتقل عنه،

فالكلام فيه يقع في موردين:

الاول: في تصرف المجيز.

الثاني: في تصرف الأصيل.

و محل الكلام التصرف المخرج عن الملك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 87

عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل علي الكشف الحقيقي (1) لانكشاف وقوعه في ملك الغير (2) مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد. و بقي صحيحا علي الكشف الحكمي و علي المجيز قيمتها لأنه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه. و مقتضي صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلقه بنقل لازم و ضابط الكشف الحكمي الحكم بعد الاجازة بترتيب آثار ملكية المشتري من حين العقد،

فإن ترتب شي ء من آثار ملكية المالك قبل اجازته كإتلاف النماء، و نقله و لم يناف الاجازة جمع بينه و بين مقتضي الاجازة بالرجوع الي البدل و ان نافي الاجازة كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق فات محلها مع احتمال الرجوع الي البدل و سيجي ء،

______________________________

اما المورد الاول: فمن حيث الحكم التكليفي لا كلام في الجواز علي جميع الأقوال- و ستعرف وجهه- و أما من حيث الحكم الوضعي- فالأقوال فيه اربعة:

الأول: النفوذ مطلقا، اختاره جمع منهم السيد و المحقق النائيني قدس سره.

الثاني: عدم النفوذ علي الكشف مطلقا، ذهب إليه جمع منهم المحقق الايرواني الثالث: النفوذ مع بقاء قابلية عقد الفضولي لأن يجاز فيجمع بينهما بان علي المجيز القيمة.

(1) الرابع: ما في المكاسب، و هو بطلان النقل علي الكشف الحقيقي، و صحته علي الكشف الحكمي مع البناء علي عدم قابليته للإجازة إذا كان التصرف من قبيل اتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق، و بقاء لقابلية و الحكم بصحة الإجازة ان كان بنحو لا ينافيها كإتلاف النماء و نقله.

و قد افاد في وجه بطلان النقل علي الكشف الحقيقي

(2) انه بالاجازة ينكشف وقوع النقل في ملك الغير، و في وجه صحته علي الكشف الحكمي و نفوذ الإجازة مع رجوع المشتري الي المجيز بالقيمة ان لم يكن التصرف بالإتلاف بانه مقتضي الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه، و صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، و في وجه عدم ماضيا من حين وقوعه، و صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، و في وجه عدم صحة الإجازة علي الكشف الحكمي ان كان التصرف بالإتلاف بانه بفوت محل الاجازة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 88

______________________________

و في كلامه قده

مواقع للنظر:

اما ما افاده اولا: فلأن العقد الصادر من الفضولي لا يكون مؤثرا وحده في لزوم التزام المالك بمفاده، فهو بعد في سعة من ذلك، فلو نقله بعقد لازم شمله ادلة ذلك العقد و يجب الوفاء به، و بعده لا يبقي مورد للإجازة لخروجه عن ملكه، و تلك الإجازة الواقعة في غير ملكه لا تصلح ان تؤثر في نقل المال قبل ذلك النقل عن ملكه كي يصير نقلا لمال الغير.

و بالجملة: الإجازة المؤثرة هي ما تكون صادرة ممن بيده زمام المال، فإذا فرض خروجه عن ملكه بعقد لازم قبلها فلا يبقي لها محل، و معه لما اثرت شيئا.

و أما ما افاده ثانيا: فلأنه إذا فرضنا صحة الإجازة كان اللازم ترتيب جميع آثار ملك الاصيل من حين العقد و من جملتها فساد العقد الواقع عليه من المجيز قبل الإجازة،

فالفرق حينئذ بين الكشف الحقيقي و الحكمي في غير محله.

و أما ما افاده ثالثا: فلأنه لم يظهر لنا الفرق بين العتق الذي هو اتلاف للمال شرعا، و بين النقل و اخراجه عن ملكه، حيث حكم في الأول بفوات محل الإجازة دون الثاني.

و بالجملة: فوات محل الإجازة انما يدور مدار الخروج عن الملك المشترك بين الموردين، و خروجه عن المالية غير دخيل في ذلك.

فتحصل: ان الاظهر هو نفوذ النقل مع فوات محل الإجازة، ثمّ عدم النفوذ علي القول بالكشف الحقيقي و الحكمي.

و لا يخفي انه بحسب ما رتبنا المطالب و عناوينها المناسب هو البحث في المورد الثاني و لكن لما قدم المصنف المباحث المربوطة بالمقام الثالث و لذلك تسهيلا للطالب نقدم البحث فيه، و بعده نرجع الي المبحث في المورد الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 89

ثمّ انهم ذكر و

الثمرة بين الكشف و النقل مواضع.

منها النماء فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين، و علي النقل لمن انتقلت عنه (1) و للشهيد الثاني في الروضة عبارة (2) توجيه المراد منها، كما فعله بعض اولي من توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر.

______________________________

و أما المقام الثالث: فمحل الكلام امران:

الأول: النماء.

الثاني: فسخ الأصيل

(1) اما الاول: ففي المكاسب: فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقلت إليه العين، و علي النقل لمن انتقلت عنه.

و لكن: ما افاده يتم علي النقل، لأن النماء تجدد في ملك من انتقلت عنه، و كذا يتم

علي الكشف غير الكشف الانقلابي و الكشف الذي بنينا عليه لتجدده في ملك من انتقلت إليه، و لا يتم علي هذين المسلكين لأن العين باقية علي ملك من انتقلت عنه الي حين الإجازة، فالنماء تجدد في ملكه، و الإجازة توجب انقلاب العقد الموجب لانقلاب الملكية أو اعتبار الملكية السابقة و هذا لا يوجب انقلاب وقوع النماء، لأن اعتبار الملكية وارد علي وقوع النماء لا ان النماء وارد عليه.

(2) قوله و للشهيد الثاني قدس سره في الروضة عبارة هي هذه: و تظهر الفائدة في النماء، فان جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد و الإجازة الحاصل من البيع للمشتري و نماء الثمن المعين للبائع، و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز.

و قد وجه مراده بعض: بان مفروض كلامه الفضولي من الطرفين، و مراده من المالك المجيز هو الجنس.

و وجه آخر حكمه بكون النماءين للمالك المجيز: بان نماء ماله له لتجدده في ملكه، و نماء المال الذي انتقل إليه انما يكون له لأن صاحبه سلطه عليه. و المصنف استحسن التوجيه الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 90

و منها ان فسخ

الاصيل لإنشائه قبل اجازة الآخر مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف (1) بمعني انه لو جعلناها ناقلة. كان فسخ الاصيل كفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت كاشفة، فإن العقد تام من طرف الاصيل (2) غاية الامر تسلط الآخر علي فسخه، و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه،

بل قبل تحقق شرط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة، فلا يرد ما اعترضه بعض من منع جواز الابطال علي القول بالنقل (3) معللا بأن ترتب الاثر علي جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من احكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه، و فيه ان عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط

______________________________

(1) و أما الفسخ: فقد يقال: ان فسخ الاصيل قبل الاجازة مبطل له علي القول بالنقل دون الكشف.

(2) و استدل له: بان الفسخ علي الاول يكون كفسخ الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه، و علي الثاني يكون فسخا بعد تمامية العقد من ناحيته.

و اورد عليه بايرادين:

احدهما: ما نقله المصنف قدس سره عن بعض و تبعه جمع من المحشين، و هو

(3) انه لا دليل علي جواز الرجوع عن الانشاء قبل استكمال اجزاء ما هو مؤثر في حصول النقل، و انما الدليل و هو الإجماع مختص بالرجوع المتخلل بين اجزاء العقد التي هي الايجاب و القبول.

و فيه: انه يمكن ان يستدل له بدليل السلطنة «1» بعد فرض كونه باقيا علي ملكه.

و دعوي انه تصرف في العقد لا المال فلا يشمله دليل السلطنة.

مندفعة بان نتيجة عدم ثبوت هذا الحق له بما انها خروج المال عن ملكه مع عدم

رضاه فهو ينافي السلطنة المطلقة الثابتة للمالك.

و بالجملة: مقتضي عموم دليل السلطنة كما يكون جواز نقله عن ملكه، كذلك يكون جواز رفع اليد عن التزامه ما دام لم يخرج عن ملكه.

______________________________

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 91

فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب،

فالاولي في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ باطلاقات صحة العقود و لزومها، و لا يخلو عن اشكال. (1)

و منها جواز تصرف الاصيل فيما انتقل عنه بناء علي النقل (2) و ان قلنا بأن فسخه غير مبطل لإنشائه، فلو باع جارية من فضولي جاز له وطأها و أن استولدها صارت ام ولد لانها ملكه

______________________________

و هذا البيان يجري علي القول بالكشف الانقلابي و الكشف المختار كما هو واضح، و لا يجري علي سائر وجوه الكشف.

ثانيهما: ان مقتضي عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود «1» عدم جواز رفع اليد عنه

(1) قال المصنف قدس سره و لا يخلو عن اشكال.

و الظاهر ان منشأ اشكاله ما سيذكره بعد اسطر من عدم تمامية موضوع وجوب الوفاء علي القول بالنقل قبل الإجازة.

فالحق انه علي القول بشمول ادلة لزوم العقد لإنشاء الأصيل ليس له فسخه، و علي القول بعدم الشمول- كما اخترناه- فعلي القول بالنقل و الكشف الانقلابي و الكشف المختار يكون فسخه نافذا لعموم دليل السلطنة، و علي ساير وجوه الكشف لا يكون كذلك لعدم الموضوع لدليل السلطنة و عدم الدليل علي جواز الفسخ و مقتضي الاستصحاب بقاء ما التزم به بعد الفسخ.

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه يقع من جهتين:

الأولي: في ان العقد من قبله هل يكون لازما ام لا؟ الثانية: في حكم تصرفاته علي كل

من القولين.

اما الجهة الاولي: ففيها اقوال:

الأول: اللزوم مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك، ذهب إليه جمع من الأساطين.

(2) الثالث: ما في المكاسب- و هو اللزوم علي القول بالكشف، و عدمه علي القول

______________________________

(1) المائدة، 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 92

و كذا لو زوجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير، فلو حصل الاجازة في المثالين لغت لعدم بقاء المحل قابلا.

و الحاصل أن الفسخ القولي و إن قلنا أنه غير مبطل لإنشاء الأصيل إلا أن له فعل ما ينافي انتقال المال عنه علي وجه يفوت محل الاجازة، فينفسخ العقد بنفسه بذلك و ربما احتمل عدم جواز التصرف علي هذا القول أيضا. لعله لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حق الاصيل و ان لم يجب في الطرف الآخر و هو الذي يظهر من المحقق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث قال: لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرف في العين لامكان الاجازة سيما علي القول بالكشف، انتهي.

و فيه ان الاجازة علي القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا أو شطرا فما لم يتحقق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء علي أحد المتعاقدين لأن المأمور بالوفاء هو العقد المقيد الذي لا يوجد الا بعد القيد و هذا كله علي النقل.

و أما علي القول بالكشف: فلا يجوز التصرف فيه علي ما يستفاد من كلمات جماعة كالعلامة و السيد العميدي و المحقق الثاني و ظاهر غيرهم، و ربما اعترض عليه بعدم المانع له من التصرف، لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له،

______________________________

بالنقل. و ليعلم ان كلامه في هذه المسألة مبتن علي الكشف الانقلابي.

و ملخص ما افاده في مقام الفرق بينهما: انه علي القول

بالنقل: الإجازة دخيلة شرطا أو شطرا في تأثير العقد، و يكون الموضوع لوجوب الوفاء العقد المقيد بالإجازة،

فقبل الإجازة لا يكون موضوع وجوب الوفاء متحققا لعدم تحقق شرطه و قيده.

و أما علي القول بالكشف: فالاجازة و ان كانت مؤثرة في الملكية و تكون سببا لصيرورة العقد سببا تاما للملك بنفسه، الا ان موضوع وجوب الوفاء هو العقد بلا ضم شي ء آخر إليه. و بعبارة اخري: تكون الإجازة علي هذا المسلك دخيلة في حصول الملك، الا انه حيث تكون هي بعنوان الامضاء و الإنفاذ فلا تكون دخيلة في موضوعيته لوجوب الوفاء، و علي هذا بني التفكيك بين الآثار المترتبة علي الملك و وجوب الوفاء بالعقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 93

و لذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا. نعم إذا حصل الاجازة كشفت عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال الي المجيز، فيأخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه، قال: نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف، انتهي. (1)

اقول مقتضي عموم وجوب الوفاء وجوبه علي الاصيل و لزوم العقد و حرمة نقضه من جانبه و وجوب الوفاء عليه ليس مراعي باجازة المالك، بل مقتضي العموم وجوبه حتي مع العلم بعدم اجازة المالك

______________________________

بمعني لزومه عليه و بهذا البيان يظهر اندفاع ما اورده السيد قده و تبعه غيره.

و لكن يرد عليه قده: ان الإجازة حتي علي الانقلاب انما توجب انتساب العقد الي المالك، و قبلها لا يكون هناك التزام من المالك بل من الفضولي، و علي ذلك فبما ان حقيقة العقد ربط احد الالتزامين بالآخر، و من المعلوم ان الأصيل انما يربط التزامه بالتزام المالك لا الفضولي، فقبل الإجازة لا يكون هناك عقد كي يجب الوفاء به

علي الأصيل، و بعبارة اخري: ان الفضولي ان اشتري للمالك، فالبائع الأصيل يربط التزامه بالتزام المالك،

فمع عدم الإجازة و عدم تحقق الالتزام منه لا يكون العقد متحققا، و ان اشتري لنفسه فالبائع و ان ربط التزامه بالتزامه الا انه يربط بما انه مالك، ففي الحقيقة يربط التزامه بالتزام المالك، فما لم يلتزم المالك لا يكون العقد متحققا، و معه لا معني لوجوب الوفاء به.

مع انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا صدق العقد علي التزام كل منهما و ان لم يكن مرتبطا بالآخر، الا ان التزام الأصيل بكون ماله لغيره ليس مطلقا بل يكون علي تقدير خاص و هو التزام طرفه بكون ماله له، فالالتزام فعلي الا ان الملتزم به معلق، و عليه فإذا علم بعدم الإجازة أو شك فيها و اجري استصحاب العدم لا يجب عليه الوفاء بالتزامه.

(1) فما نقله المصنف قدس سره من بعض معاصريه من التفصيل بين صورة العلم بالاجازة و

غيرها هو الصحيح علي هذا المسلك، و لا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 94

و من هنا يظهر انه لا فائدة في اصالة عدم الاجازة لكن ما ذكره البعض المعاصر صحيح علي مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالاجازة لعدم احراز الشرط مع الشك، فلا يجب الوفاء به علي احد من المتعاقدين و أما علي المشهور في معني الكشف من كون نفس الاجازة المتأخرة شرطا لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما، فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد. و قد تحقق، فيجب علي الاصيل الالتزام به و عدم نقضه الي ان ينقض فإن رد المالك فسخ العقد من طرف الاصيل كما ان

اجازته امضاء له من طرف الفضولي.

و الحاصل انه إذا تحقق العقد، فمقتضي العموم علي القول بالكشف المبني علي كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي ء شرطا أو شطرا حرمة نقضه علي الاصيل مطلقا، فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة بمعني عدم اجتماعه مع صحة العقد فهو غير جائز

______________________________

مع انه لو اغمض عن ذلك كله و سلم ما افاده لما كان وجه للفرق بين النقل و الكشف، إذ الإجازة علي النقل حينئذ دخيلة في حصول الملك لا في وجوب الوفاء كما لا يخفي.

و بما ذكرناه ظهر أن ما افاده المحقق النائيني قدس سره من وجوب الوفاء مطلقا- من جهة ان وجوب الوفاء متفرع علي العقد لا الملك، و المفروض في باب الفضولي ان العقد تام و لو لم يكن مؤثرا، و لا ينافي وجوب الالتزام علي شخص عدم وجوبه علي الآخر، فان التزام احدهما غير منوط بالتزام الآخر، لأن مقتضي مقابلة الجمع بالجمع في الآية الشريفة التوزيع، فكل واحد ملتزم بالوفاء بالعقد من طرفه غير تام للإيرادين الأولين اللذين اوردناهما علي الشيخ قدس سره.

فتحصل: ان الأظهر عدم لزوم العقد علي الأصيل،: فله فسخ العقد قبل الإجازة.

ثمّ ان المنسوب الي بعض الأعلام من تلامذة الشيخ قدس سره الايراد عليه:

بان تمسكه بعموم) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 95

و من هنا تبين فساد توهم ان العمل بمقتضي العقد كما يوجب حرمة تصرف الاصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لان مقتضي العقد مبادلة المالين فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه ينافي مقتضي العقد اعني المبادلة توضيح

الفساد ان الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم علي نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطي عنه، و هذا لا يدل الا علي حرمة التصرف في ماله حيث التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل. و أما دخول البدل في ملكه فليس مما التزمه علي نفسه، بل مما جعله لنفسه و مقتضي الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم علي نفسه. و أما قيد كونه بإزاء مال فهو خارج عن الالتزام علي نفسه، و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة فعلا و تركا الي ما يقتضيه الاصل، و هي اصالة عدم الانتقال، و دعوي ان الالتزام المذكور أنما هو علي تقدير الإجازة و دخول البدل في ملكه، فالالتزام معلق علي تقدير لم يعلم تحققه،

فهو كالنذر المعلق علي شرط حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه

______________________________

و يمكن توجيهه بانه لو سلم عموم العقد لالتزام الأصيل، لكن لا يجب الوفاء به لو فرضنا عدم الإجازة الي الابد اجماعا فهو خارج عن العموم فلو شك في الاجازة و عدمها يكون التمسك به تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

فلا يرد عليه ما افاده المحقق الأصفهاني كما يظهر لمن راجعه.

و أما الجهة الثانية: فعلي القول باللزوم لا تكون تصرفاته المخرجة للمال عن ملكه نافذة، لأنه مقتضي لزوم العقد عليه، و أما التصرفات غير المخرجة فحكمها حكم التصرفات المخرجة علي المختار. اما بناء علي المختار من عدم اللزوم عليه.

فعلي القول بالنقل و الكشف الانقلابي. و الكشف الذي اخترناه تكون تصرفاته باجمعها جائزة تكليفا و وضعا لكونها واقعة في ملكه، و المفروض عدم المنع عنها من قبل لزوم العقد، و الاجازة المتأخرة حتي علي

الكشف الصحيح لا توجب وقوعها في غير ملكه لورود الاعتبار عليها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 96

فكما أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا، فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الاجازة لا يعد نقضا، لما التزمه إذ لم يلتزمه في الحقيقة الا معلقا مدفوعة بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالاشكال أن الفرق بينهما أن الالتزام هنا غير معلق علي الإجازة، و إنما التزم بالمبادلة متوقعا للاجازة فيجب عليه الوقاء به و يحرم عليه نقضه الي ان يحصل ما يتوقعه من الاجازة أو ينقض التزامه برد المالك، و لأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الأصيل علي نفسه دون غيرها، قال في القواعد في باب النكاح، و لو تولي الفضولي احد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة، فإن كان زوجا حرمت عليه الخامسة و الاخت و الام و البنت الا إذا فسخت علي اشكال في الأم. و في الطلاق نظر لترتبه علي عقد لازم، فلا يبيح المصاهرة و إن كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ و الطلاق هنا معتبر، انتهي.

و عن كشف اللثام نفي الاشكال.

و قد صرح ايضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الاصيل، و فرعوا عليه تحريم المصاهرة. و أما مثل النظر الي المزوجة فضولا و إلي امها مثلا و غيره مما لا يعد تركه نقضا لما التزم العاقد علي نفسه فهو باق تحت الاصول، لأن ذلك من لوازم علاقة الزوجية الغير الثابتة، بل المنفية بالاصل فحرمة نقض العاقد لما عقد علي نفسه لا يتوقف علي ثبوت نتيجة العقد. اعني علاقة الملك أو الزوجية بل ثبوت النتيجة تابع

لثبوت حرمة النقض من الطرفين.

______________________________

و هذا لا إشكال فيه، فلا يبقي محل للإجازة في التصرفات المخرجة عن الملك.

و أما علي ساير وجوه الكشف، فجواز التصرف واقعا و عدمه يدوران مدار الإجازة و عدمها، إذ علي فرض الإجازة يكشف ذلك عن وقوعها في ملك الغير فلا يكون جائزا تكليفا و وضعا، و علي فرض عدمها يجوز هذا في الحكم الواقعي،

و أما الظاهري فالجواز و عدمه يدوران مدار العلم بالإجازة- و عدمه إذ علي الأول لا يجوز، و علي الثاني يجوز لأصالة عدمها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 97

ثمّ ان بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات اخر لا بأس بذكرها للتنبه بها،

و بما يمكن ان يقال عليها، منها: (1) ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين بموته قبل اجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره، مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل،

______________________________

ثمرات ذكرها بعض متأخري المتأخرين

و قد ذكر بعض متأخري المتأخرين ثمرات اخر لا بأس بذكرها للتنبه بها و بما يمكن ان يقال عليها:

(1) منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتعاملين بموته قبل اجازة الآخر و ما شاكل، فيصح حينئذ علي الكشف دون النقل، و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف مثلا، و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة- شرائط المعاملة علي اقسام:

الأول: شرائط معروضها المتعاملان كالحياة و الإسلام في بعض الموارد.

الثاني: شرائط معروضها العوضان، كالملكية.

الثالث: شرائط العقد.

فالكلام يقع في مواضع:

الاول: فيما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين أو تجددت بعد العقد قبل الإجازة.

الثاني: فيما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف و نحوه أو تجددت.

الثالث: فيما لو ارتفعت شرائط العقد قبل الإجازة أو تجددت.

اما الموضع الأول: فالكلام فيه يقع

في موردين.

الأول: في الانسلاخ، فقد يقال انه علي الكشف يصح العقد لعدم المانع و العمومات تشمله، و علي النقل لا يصح لامتناع ترتب الاثر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 98

______________________________

و اعترض عليه بايرادين.

الأول: ما افاده صاحب الجواهر من انه علي الكشف ايضا يمكن ان يقال بالبطلان نظرا الي اعتبار استمرار القابلية، و لم يذكر هو في وجه هذا الاعتبار شيئا و لذا رده الشيخ بعدم الدليل عليه.

و قد ذكر السيد في وجهه: ان ادلة صحة عقد الفضولي قاصرة عن الشمول لهذه الصورة.

و لكن ما افاده يتم علي القول بكون صحة الفضولي علي خلاف القاعدة، و لا يتم علي القول بكونها علي القاعدة كما هو المختار، إذ الدليل حينئذ هو العمومات.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه علي النقل ايضا يصح، إذ المال ينتقل الي الوارث علي نحو كان للمورث، فسواء مات الاصيل أو من له الإجازة يبقي العقد علي حاله.

و فيه: انه بناء علي النقل يكون المال لورثة الاصيل، و انتقاله منهم الي المالك المجيز يحتاج الي الدليل، و بقاء التزام المورث الذي هو سبب النقل مما لم يدل عليه دليل. اما علي الكشف فالاجازة تكشف عن النقل في حال حياته و لا محذور فيه.

هذا في الموت، و أما في الكفر فثبوت الثمرة اوضح، فانه إذا فرضنا المبيع مصحفا و المشتري كان مسلما فكفر علي النقل، بما انه يلزم انتقال المصحف الي الكافر لا يصح، و علي الكشف يصير مالكا له حين ما كان مسلما و لا محذور فيه.

المورد الثاني: في تجدد القابلية بعد العقد، و هذا ينحصر مورده بالكفر كما لو كان المشتري للمصحف حين العقد كافرا فاسلم و اجاز مالك المصحف

بيعه، فعلي الكشف لا يصح لعدم قابليته للمالكية له في ذلك الزمان، و علي النقل من جهة الاثر- اي الملكية- لا مانع من صحة العقد، و سيأتي تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف قدس سره للمسألة بنحو الكلية و هي انه هل يعتبر واجدية العقد لجميع شروط الصحة ام لا؟.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 99

و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه الي غير ذلك (1) و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الاجازة بعد انعدامها حال العقد كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الاجازة، و فيما قارن العقد فقد الشروط، ثمّ حصلت و بالعكس، و ربما يعترض علي الأول بامكان دعوي ظهور الادلة في اعتبار استمرار القابلية الي حين الاجازة علي الكشف، فيكشف الاجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا الي حين الاجازة.

و فيه انه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية (2) و لا استمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة الي حينها، كما لو وقعت بيوع متعددة علي ماله، فإنهم صرحوا بأن اجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا،

و كما يشعر بعض اخبار المسألة المتقدمة حيث ان ظاهر بعضها و صريح الاخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الاجازة

______________________________

(1) الموضع الثاني: في ما لو انسلخت قابلية المنقول أو تجددت فالكلام فيه ايضا يقع في موردين:

الأول: في الانسلاخ، فقد يقال: انه علي الكشف يصح، و علي النقل لا يصح، إذ علي الكشف يكون الانتقال في زمان قابل له، و علي النقل في زمان لا يكون قابلا لذلك.

و اورد عليه صاحب الجواهر قدس سره: بانه علي الكشف ايضا يعتبر رضا المالك، و الفرض انتفاء

مالكيته بانتفاء قابلية العين لها.

و اجاب عنه لمصنف قدس سره باجوبة:

(2) الاول انه لا وجه لاستمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة الي حينها كما لو وقعت بيوع متعددة علي ماله، فانهم صرحوا بان اجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا.

و فيه: ان صاحب الجواهر يمكن له ان يدعي بالفرق بين المقام و المثال، إذ في المثال عدم لبقاء التملك للبدل انما يكون للتصرف، و هو يؤكد القابلية، و هذا بخلاف المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 100

مضافا الي فحوي خبر (1) تزويج الصغيرين الذي يصلح ردا لما ذكر في الثمرة الثانية اعني خروج المنقول عن قابلية تعلق انشاء عقد أو اجازة به، لتلف و شبهه،

فإن موت احد الزوجين كتلف احد العوضين في فوات احد ركني العقد، مضافا الي اطلاق رواية عروة (2) حيث لم يستفصل النبي صلي الله عليه و آله عن موت الشاة أو ذبحه و اتلافه. نعم ما ذكره اخيرا من تجدد القابلية بعد العقد حال الاجازة لا يصلح ثمرة للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا علي القولين، و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط. و بالجملة فباب المناقشة و ان كان واسعا الا ان الارجح في النظر ما ذكرناه

______________________________

و لا يخفي ان جواب المصنف قدس سره انما يكون بالنظر الي ايراده من حيث عدم استمرار تملكه للبدل لا بالنظر الي عدم استمرار ملكيته لماله لو لا الإجازة،

فايراد السيد قده عليه بانه في المثال يكون المال باقيا علي ملكه لو لا الإجازة فالقياس مع الفارق، غير مربوط بكلام المصنف قدس سره كما هو واضح. فتدبر فانه دقيق.

(1) الثاني: فحوي خبر تزويج الصغيرين «1»

فان موت احد الزوجين كتلف احد العوضين في فوات احد

ركني العقد.

و فيه: أن المفروض موت الزوج، فليس هناك وطء و لا ولد، بل غاية ما هناك انتقال المال بعنوان الارث، فلا اولوية

(2) الثالث: اطلاق رواية عروة «2»

حيث لم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها و اتلافها.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم تماميته سندا.

و ثانيا: ان عدم الاستفصال يمكن ان يكون لعلمه صلي الله عليه و آله ببقاء الشاة.

بل الحق في الجواب عن الجواهر دفع احتمال اعتبار الاستمرار بالعمومات.

و عن المحقق النائيني قدس سره الايراد علي هذه الثمرة: بانه علي الكشف ايضا بما انه يكون من تلف المبيع قبل القبض و هو من مال بائعه، يكون العقد منفسخا

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب ميراث الأزواج حديث 1.

(2) المستدرك باب 18 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 101

و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات (1) و معرفة مجلس الصرف و السلم و الايمان و النذور المتعلقة بمال البائع أو المشتري و تظهر الثمرة الثمرة أيضا في العقود المترتبة علي الثمن أو المثمن، و سيأتي أن شاء الله تعالي.

______________________________

و فيه: اولا: ان هذه القاعدة انما تخصيص بالبيع، و فيه ايضا يختص بالمبيع، ففي الفضولي في غير البيع، و في البيع إذا كان التالف هو الثمن، لا يجري هذا الكلام.

و ثانيا: انه يمكن فرض القبض بان يكون المشتري عالما برضا المالك بقبض ماله فاقبضه الفضولي فعلي الكشف يكون القبض قبض المالك فلا يكون التلف قبل القبض.

و أما الكلام في تجدد القابلية كما لو صار الخمر خلا فسيأتي عند تعرض المصنف له.

الموضع الثالث: في شرائط العقد: و حيث ان المدار علي ثبوتها حال الانشاء خاصة- بل لا معني

لبقائها بعده- فلا فرق بين القول بالنقل أو الكشف.

ثمرات ذكرها بعض

(1) قوله و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات و حق الشفعة و احتساب مبدأ الخيارات.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع:

الأول: في تعلق الخيارات، كما إذا كان المبيع صحيحا حين العقد و صار معيبا حين الإجازة أو انعكس، و كذا إذا اختلف القيمة بحسب الزمانين، و كذا بالنسبة الي خيار المجلس.

و مخلص القول فيه: ان الخيارات علي قسمين احدهما: ما يكون ثابتا بدليل خاص.

ثانيهما: ما يكون ثابتا علي القاعدة و من باب الشرط الضمني.

اما الأول: فلا بد من ملاحظة الدليل، فان كان المأخوذ فيه تحقق النقل و الانتقال كان علي الكشف ثابتا من حين العقد، و علي النقل من حين الإجازة، و ان كان موضوعه

البيع و العقد فحيث انه يتم العقد بالإجازة فلا يكون ثابتا من حين العقد علي القولين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 102

______________________________

و ان كان موضوعه انشاء البيع كان ثابتا من حين العقد علي المسلكين.

و أما الثاني: فالظاهر ثبوت الثمرة، و انه علي الكشف يكون الميزان هو لحاظ العقد، و علي النقل يكون المدار علي زمان الإجازة، و ذلك كما في خيار الغبن، إذ ثبوته انما يكون من باب الشرط الضمني، اي التساوي بين البدلين من حيث القيمة، و لا ريب في ان ما عليه بناء العقلاء انما هو التساوي في زمان حصول النقل و الانتقال لا قبله و لا بعده كما لا يخفي. و تمام الكلام في ذلك في مبحث الخيارات.

الثاني: في حق الشفعة، كما إذا باع الفضولي حصة احد الشريكين، ثمّ باع الشريك الآخر حصته بنفسه، ثمّ بعد ذلك اجاز الشريك بيع الفضولي.

و الحق في المقام ثبوت الثمرة، إذ موضوع هذا

الحق انما هو الشريك، فعلي القول بالكشف يكون هذا الحق ثابتا للأصيل الذي باع حصته، لانه حين البيع كان هو المالك، و علي النقل يكون ثابتا للمشتري من الاصيل، لانه حين النقل مالك و شريك.

الثالث: في احتساب مبدأ الخيار الذي يكون موضوعه النقل و الانتقال كخيار الحيوان، فانه علي النقل يكون مبدأ الاحتساب من حين الإجازة، و علي الكشف يكون المبدأ العقد. و لكن فيه كلاما سيأتي في الخيارات.

الرابع: في معرفة مجلس الصرف و السلم الذي يعتبر ان يكون القبض فيه، فقد يقال انه علي الكشف يكون مجلس البيع حال صدور العقد، و علي النقل يكون حال الإجازة لتمامية البيع حالها دون الأول.

و لكن يمكن ان يقال: ان الميزان هو العقد مطلقا، إذ متعلق هذا الحكم القبض قبل التفرق- اي قبل زوال الاجتماع علي المعاملة- و معلوم ان الاجتماع علي المعاملة انما هو حال العقد كان العاقد ان اصيلين أو فضوليين، أو احدهما فضوليا و الآخر اصيلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 103

و ينبغي التنبيه علي امور:
الأول: ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، ليس في مفهومها اللغوي (1)

و معني الاجازة وضعا أو انصرافا، بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك و ادلة، وجوب الوفاء بالعقود و غيرهما من الأدلة الخارجية، فلو قصد المجيز الامضاء من حين الاجازة علي القول بالكشف أو الامضاء من حين العقد علي القول بالنقل. ففي صحتها وجهان:

______________________________

و علي كل حال تلك الحال هي المناط، قلنا بالنقل أو الكشف، إذ لا ربط للنقل و الانتقال فيه كي يختلف علي المسلكين. و تمام الكلام في محله.

الخامس: في اليمين و النذر، كما لو نذر التصدق بدراهم ان كان مالكا يوم الجمعة لكذا، و ثبوت الثمرة حينئذ واضح لا يحتاج الي بيان،

ثمّ انه تظهر الثمرة في باب الخمس

و الزكاة، كما لو اشتري شيئا عن غير مالكه قبل انتهاء السنة فاجاز مالكه بعده، إذ علي النقل يكون الربح من السنة الثانية، و علي الكشف يكون من الاولي.

أو اشتري زرعا قبل انعقاد الحب فاجاز مالكه بعده، إذ علي النقل تجب الزكاة علي مالكه المجيز، و علي الكشف تجب علي المشتري.

التنبيه الأول من تنبيهات الإجازة

و ينبغي التنبيه علي امور:

(1) قوله الاول: ان الخلاف في كون الاجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي كان النزاع في مفهومها اللغوي بان ادعي جمع ان الإجازة بمعني الإنفاذ و مقتضاه نفوذ العقد من حينه، و ادعي آخرون انها بمعني الرضا بمضمون العقد و مقتضاه حصول النقل من حينها، كان لازم الإجازة علي خلاف مقتضاها بطلان العقد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 104

______________________________

و عدم صحته، لانه حينئذ لم يقصد معني الإجازة و قصد شيئا آخر.

و ان كان في معني الإجازة اطلاقا أو انصرافا، بان ادعي جمع ان اطلاقها أو انصرافها يقتضي احد الامرين، كان اللازم صحة العقد علي نحو ما قصد، إذ اقتضاء اطلاق الإجازة أو انصرافه شيئا كاقتضاء اطلاق العقد شيئا لا ينافي تقييدها بما ينافي مقتضي ارسالها أو انصرافها.

و ان كان النزاع في حكمها الشرعي، بحسب ملاحظة الأدلة، فان قصد الالتزام بمضمون العقد من حين الإجازة علي القول بالكشف، أو قصد الالتزام به من حين العقد علي القول بالنقل، فهل تصح ام لا؟ لا إشكال في عدم صحتها علي نحو ما قصد، إذ اقتضائها لأحد الأمرين حسب الفرض انما يكون بحسب الجعل الشرعي، و عليه فلا وجه للقول بالصحة علي نحو ما قصد لأن قصد المكلف لا يغير الحكم الشرعي.

انما الكلام في صحتها و عدم افتقار العقد الي

اجازة اخري علي طبق ما اعتقده المجيز من احد القولين،

و ملخص القول فيها انه تارة: يجيز العقد علي ما هو عليه و لكن يعتقد ان الحكم الشرعي هو الكشف، بحيث يكون الداعي و المحرك له هو هذا الاعتقاد و لو لاه لما كان يجيز، و كان في الواقع هو النقل أو بالعكس، لا إشكال في الصحة في هذا الفرض لأنه من باب تخلف الداعي.

و اخري: يجيز بهذا النحو، و هو علي قسمين:

الأول: ان يجيز العقد و يشترط النقل من حين الإجازة علي القول بالكشف، و من حين العقد علي القول بالنقل.

الثاني: ان يجيز العقد هكذا لا انه يجيزه علي ما هو عليه و يشترط ذلك.

اما في الأول: فالصحة و الفساد مبنيان علي ان الشرط الفاسد هل يكون مفسدا ام لا؟ فعلي الأول تبطل، و علي الثاني تصح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 105

الثاني: انه يشترط في الاجازة ان يكون باللفظ الدال عليه علي وجه الصراحة العرفية،

كقوله امضيت و اجزت و انفذت و رضيت و شبه ذلك. و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية و ليس ببعيد، إذا اتكل عليه عرفا. و الظاهر ان الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف كالتصرف في الثمن، و منه اجازة البيع الواقع عليه، كما سيجي ء و كتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا كما صرح به العلامة رحمه الله و ربما يحكي عن بعض اعتبار اللفظ بل نسب الي صريح جماعة. و ظاهر آخرين و في النسبة نظر و استدل عليه بعضهم من انه كالبيع في استقرار الملك و هو يشبه المصادرة و يمكن ان يوجه بان الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع و شبهه يقتضي اعتبار اللفظ.

و من المعلوم ان النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الاجازة، و فيه نظر

بل لو لا شبهة الاجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق، كما يستظهر من كثير من الفتاوي و النصوص. فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من الرضا، فلا يدل عليه فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ الي عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا، و حكي عن آخرين انه إذا انكر الموكل الاذن فيما اوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت، لأن الحلف يدل علي كراهتها، و ذكر بعض انه يكفي في اجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها.

و من المعلوم أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلي إجازتها، بل المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا و ان لم يفد القطع دفعا للحرج عليها و علينا، ثمّ ان الظاهر ان كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا، كأكل الثمن و تمكين الزوجة اكتفي به من جهة الرضا المدلول عليه به لا من جهة سببية الفعل تعبدا. و قد صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح و لم يعبروا بالاجازة. و قد ورد فيمن زوجت نفسها في حال السكر أنها إذا اقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضاء منها و عرفت أيضا استدلالهم علي كون الاجازة كاشفة بأن العقد مستجمع للشرائط عدا رضا المالك، فإذا حصل، عمل السبب التام عمله. و بالجملة فدعوي الاجماع في المسألة دونها خرط القتاد، و حينئذ فالعمومات المتمسك بها

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 106

لصحة الفضولي السالمة عن ورود مخصص عليها (1) عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في حل ماله و انتقاله الي الغير و رفع سلطنته عنه اقوي حجة في المقام،

______________________________

و أما

في الثاني: فقد يتوهم الصحة من جهة ان المجاز مضمون العقد لا حكمه،

و المفروض اجازته، و يكون قصد ترتب حكم آخر علي العقد غير ما رتب عليه شرعا لغوا لا أثر له، و يكون نظير ما لو تزوج و قصد عدم الانفاق عليها، فانه تتحقق الزوجية و يترتب عليها وجوب الانفاق،

لكنه فاسد، فان حكم العقد ان كان غير ما هو مضمونه كما في المثال تم ما ذكر،

فان مضمون العقد لا يختلف من ناحية حكمه، فقصد ترتب حكم آخر يكون لغوا، و ان كان من انحاء تعين مضمون العقد كما في المقام لا محالة يكون قصد الخلاف موجبا لعدم تحققه، فالأظهر هو البطلان، فان ما يمكن تحققه لم يقصد و لم ينشأ، و ما انشأ و قصد لا يمكن ان يتحقق.

كفاية الرضا الباطني في الإجازة

الثاني: في انه هل يكفي الرضا الباطني في الإجازة، ام يعتبر الانشاء، ام يعتبر كون الانشاء باللفظ الصريح؟ وجوه و اقوال.

و تنقيح القول في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأولي: في انه هل يكفي في الإجازة مجرد الرضا الباطني ام لا.

الثانية: في انه علي فرض عدم الكفاية هل يكفي الانشاء القلبي كما عن المحقق الخراساني قدس سره، ام لا؟ الثالثة: في انه علي فرض عدم كفاية ذلك هل يكفي الفعل ام يعتبر القول.

الرابعة: في انه علي فرض اعتبار القول هل يكفي الكناية ام يعتبر ان يكون علي وجه الصراحة؟ اما الأولي: فقد استدل المصنف قدس سره لكفاية الرضا الباطني بوجوه:

(1) الاول: العمومات المتقدمة المتمسك بها لصحة عقد الفضولي السالمة عن ورود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 107

مضافا الي ما ورد في عدة اخبار، من ان سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده اقرار منه له

عليه، (1) و ما دل علي ان قول المولي لعبده، المتزوج بغير اذنه طلق،

يدل علي الرضا بالنكاح، فيصير اجازة، (2) و علي ان المانع من لزوم نكاح العبد بدون اذن مولاه معصية المولي (3) التي يرتفع بالرضا

______________________________

مخصص عليها عدا ما دل علي اعتبار رضا المالك في ماله و انتقاله الي الغير و رفع سلطنته عنه «1»

و اورد عليه جمع من المحققين: بان العمومات انما تدل علي وجوب وفاء كل مكلف بعقده، و عقد الفضولي لا يكون عقدا للمالك بمجرد رضاه، بل يحتاج الي انشاء الإجازة.

و لكن قد عرفت في اول مبحث الفضولي ان الاستناد المعتبر انما هو الاستناد بمعني انه عقده و بيعه، و هذا المعني كما يتحقق بالإمضاء و الإنفاذ و اظهار الرضا يتحقق بالرضا به فراجع ما ذكرناه.

(1) الثاني: ما ورد في عدة من الاخبار من ان سكوت المولي بعد علمه بتزويج عبده اقرار منه عليه «2»

و الجواب عن ذلك: بان السكوت في امثال المقام امضاء عرفي قد تقدم ما فيه،

نعم، الايراد عليه بان في نكاح العبد خصوصية- حيث ان العقد لنفسه و انما المفقود اذن المولي و رضاه فيكفي مجرد الرضا بخلاف ساير اقسام عقد الفضولي تام.

و بذلك يظهر الجواب عن الوجه الثالث

(2) و هو ما دل علي قول المولي لعبده طلق يدل علي الرضا بالنكاح «3» فيصير اجازة.

و ما دل علي ان المانع من لزوم نكاح العبد معصية السيد «4» التي ترتفع بالرضا.

______________________________

(1) سورة النساء آية 29- الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 1.

(2) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(3) الوسائل- باب 27- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(4) الوسائل- باب 24-

من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 108

و ما دل علي ان التصرف من ذي الخيار رضا منه (1) و غير ذلك. بقي في المقام انه إذا قلنا بعدم اعتبار انشاء الإجازة باللفظ و كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدال عليه، فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا للعقد أو سابقا، فإذا

فرضنا انه علم رضا المالك بقول أو فعل يدل علي رضاه ببيع ماله كفي في اللزوم،

لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق اولي.

و الظاهر ان الاصحاب لا يلتزمون بذلك، فمقتضي ذلك ان لا يصح الاجازة الا بما لو وقع قبل العقد كان اذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضولي، و يؤيد ذلك انه لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرد الكراهة فسخا، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك، لأن الكراهة الحاصلة حينه و بعده و لو آنا ما، يكفي في الفسخ، بل يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا، إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا، و إن كان مجرد الرضا إجازة.

______________________________

(1) الرابع: ما دل علي التصرف من ذي الخيار رضا منه «1».

و فيه: ان ذلك قابل للحمل علي التعبد، أو علي ان هذا الفعل كاشف عن الرضا و اسقاط الحق. و علي كل حال يكون اجنبيا عن المقام، فالعمدة هي العمومات.

و أما الجهة الثانية: فعلي القول بعدم كفاية الرضا الباطني، الأظهر ما عن المحقق الخراساني قدس سره من كفاية الانشاء القلبي، إذ به يحصل الاستناد و الانتساب، و ما دل علي ان الحالات النفسانية غير البارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في باب العقود و الإيقاعات انما هو في المؤثر و هو العقد دون الشروط، و لا

ريب في ان الرضا الباطني شرط كما عرفت.

و أما الجهة الثالثة: فالأظهر كفاية الفعل في الانشاء، إذ لو سلم انه يتوقف الاستناد علي الانشاء و ابرازه، لا دليل علي اعتبار اللفظ فيه.

و دعوي ان الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع يقتضي اعتبار اللفظ،

و الإجازة منها،

مندفعة بانه في تلك النواقل ايضا بنينا علي كفاية الفعل راجع مبحث المعاطاة.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 109

الثالث: من شروط الاجازة ان لا يسبقها الرد (1)

إذ مع الرد، ينفسخ العقد فلا يبقي ما يلحقه الاجازة، و الدليل عليه بعد ظهور الاجماع بل (2) التصريح به في كلام بعض مشايخنا أن الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد (3) و إلا لم يكن مكلفا بالوفاء بالعقد لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين أو من قام مقامهما. و قد تقرر ان من شروط الصيغة ان لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معني المعاهدة،

______________________________

و أما الجهة الرابعة: فلوا غمضنا عن جميع ذلك، فالأظهر كفاية الكناية، و لا يعتبر ان يكون باللفظ الصريح.

و دعوي ان انشاء اللازم و ايجاده في الانشاء القولي ليس ايجادا للملزم عرفا،

و كون الملزم مقصودا و داعيا من ايجاد اللازم لا أثر له، لأن الدواعي لا أثر لها في باب المعاملات- التي استند إليها المحقق النائيني قدس سره في عدم وقوع العقد بالكنايات قد عرفت ما فيها في مبحث خصوصيات الفاظ العقد- فراجع ما ذكرناه هناك.

اعتبار عدم سبق الرد

(1) قوله الثالث: من شروط الاجازة ان لا يسبقها الرد.

و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بوجوه:

(2) الاول: الاجماع.

و فيه: ان الإجماع المنقول- سيما مع معلومية مدرك المجمعين- ليس بحجة.

و ثانيا: انه لا

وجه لدعواه بعد افتاء جمع من الفقهاء ببطلان عقد الفضولي رأسا.

(3) الثاني: ان الاجازة انما تجعل المجيز احد طرفي العقد، و بها يصير مكلفا بوجوب الوفاء بالعقد، فالرد المتخلل بينها و بين العقد الصادر من الأصيل و الفضولي يكون ردا متخللا بين اجزاء العقد، و قد تقرر في محله انه يعتبر ان لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد. و فيه: اولا: ان ما هو المسلم في تلك المسألة انما هو مضرية رد من صدر منه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 110

هذا مع ان مقتضي سلطنة الناس علي اموالهم (1) تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه، فلا يبقي ما يلحقه الاجازة، فتأمل.

______________________________

الالتزام و التعهد قبل تحقق الالتزام من صاحبه، كما لورد الموجب بعد الايجاب قبل قبول القابل. و أما لورد صاحبه ذلك، كما لورد القابل قبل ان يقبل ثمّ قبل فليس الحكم مسلما بينهم، و المقام من قبيل الثاني لا الأول، فان المجيز انما يرد قبل ان يصدر الالتزام منه، و الملتزم انما هو غيره كما هو واضح.

و ثانيا: انه فرق بين الرد المتخلل بين الايجاب و القبول، و الرد المتخلل بين العقد و الإجازة، و بعبارة اخري: ليست الإجازة في جميع الأحكام كالقبول أو الايجاب، و لذا تري ان الفصل الطويل بين الايجاب و القبول يضر، و الفصل بينهما و بين الإجازة لا يضر كما هو واضح.

(1) الثالث: ان مقتضي ما دل علي سلطنة الناس علي اموالهم «1» تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه فلا يبقي ما تلحقه الاجازة و فيه ان العلاقة المتصورة بالاضافة الي المال لا تخلو من الملكية و الحقية و شي ء منهما

لا يكون في المقام، اما الأولي: فواضح، و أما الثانية: فلأن العقد قبل الإجازة لا يوجب كون الأصيل ذي حق، و لذا بنينا علي عدم حرمة بيع الفضولي.

و بالجملة: لا يحدث بواسطة عقد الفضولي ادني مرتبة من الملك و الحق، و عليه فلا وجه للتمسك بقاعدة السلطنة.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من انه و ان لم تحصل العلاقة شرعا لكنها تحصل له عرفا، فالرد يبطل هذه العلقة.

فيه: ان العلقة التي عرفت انها اما الملكية أو الحقية لا تحصل و لو عرفا.

و اجاب السيد الفقيه قده عن هذا الوجه بجوابين آخرين:

احدهما: ان قاعدة السلطنة متعارضة، لان مقتضاها جواز ان يجيز بعد الرد، لأنه مقتضي سلطنته علي ماله

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 111

نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد (1)

اللهم إلا أن يقال: ان الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف (2) بل لا بد من انشاء الفسخ و دعوي ان الفسخ هنا ليس بأولي من الفسخ في العقود اللازمة. و قد صرحوا بحصوله بالفعل، يدفعها ان الفعل الذي يحصل به الفسخ، هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطي و العتق و نحوهما، لا مثل اخذ المبيع.

و بالجملة فالظاهر هنا و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالاجازة الواقعة عقيب الفسخ، فإن سلم ظهور الرواية في خلافه، فليطرح أو يأول.

______________________________

و فيه: انه بعد تسليم تأثير الرد في حل العقد لا يبقي موضوع للإجازة كي توثر فيه.

ثانيهما: انه قد مر من المصنف قدس سره ان قاعدة السلطنة انما تثبت نفوذ التصرفات الثابتة بالشرع كالبيع و الهبة و نحوهما لا جميع ما اراده المالك، إذ ليست مشرعة،

فلا تصلح لاثبات مؤثرية الرد في حل العقد.

و فيه: انه لو سلم حصول العلقة للأصيل بالإضافة الي المال لا إشكال في صلاحية قاعدة السلطنة للدلالة علي جواز رفعها، فان ذلك من مصاديق تسلط الانسان علي رفع مزاحمة الغير، و لا يحتاج الي دليل آخر. فتدبر- فالصحيح ما ذكرناه- فالأظهر صحة الإجازة بعد الرد.

(1) قوله نعم الصحيحة الواردة «1» في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الاجازة و قد تقدم في اول هذا البحث عند ذكر ادلة صحة عقد الفضولي التي منها هذه الصحيحة انه لا ظهور لها في ذلك بل هي تلائم مع عدم الرد فراجع فانه ليس فيها سوي اخذ المبيع، و هو يمكن ان يكون استحصالا للثمن لا لغرض رد البيع- و الظاهر انه الي ذلك نظر المصنف قدس سره حيث قال

(2) اللهم الا ان يقال ان الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 112

الرابع: الإجازة اثر من آثار سلطنة المالك علي ماله (1)
اشارة

فموضوعها المالك،

فقولنا له ان يجيز مثل قولنا له ان يبيع، و الكل راجع الي ان له ان يتصرف، فلو مات المالك لم يورث الاجازة و انما يورث المال الذي عقد عليها الفضولي، فله الاجازة بناء علي ما سيجي ء من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد، فيمن باع مال ابيه فبان ميتا و الفرق بين ارث الاجازة وارث المال يظهر بالتأمل.

______________________________

الإجازة لا تورث

(1) قوله الرابع الاجازة اثر من آثار سلطنة المالك علي ماله يقع الكلام في موردين:

(1-) في اصل المطلب.

(2-) في الفرق بين ارث الإجازة وارث المال.

اما الأول: فما افاده الذي حاصله: ان ثبوت الإجازة للمالك و تأثيرها منه ليس من قبيل الحقوق القابلة للنقل و الاسقاط كحق الخيار، بل هو من قبيل الحكم الشرعي تام،

لأن الإجازة من التصرفات التي ثبت جوازها للمالك، و هو من الأحكام الشرعية، و يترتب علي ذلك انه لا تورث الإجازة لعدم كونها مما تركه الميت. نعم لمن انتقل إليه المال اجازة بيع الفضولي بناء علي جواز المغايرة بين المالك حال العقد و المالك حال الإجازة إلا ان ما ذكره من انها من آثار سلطنة المالك لا يخلو عن مسامحة، فانها من آثار الملك.

و أما السلطنة التي هي عبارة عن القدرة علي التصرفات فهي متقومة بجواز التصرفات لا انه من آثارها.

و أما الثاني: فالفرق بين ارث الإجازة وارث المال يظهر في موارد:

منها: ما إذا كان المبيع مما يحرم منه الزوجة كالعقار علي اشهر القولين، فانه علي القول بارث الإجازة ترثها الزوجة، و علي القول بالعدم لا ترث، و ليس لها الإجازة، و المفروض عدم كونها مالكة للمبيع، فلا حق لها فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 113

الخامس: اجازة البيع ليست اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع (1)

و لو اجزاهما صريحا أو فهم اجازتهما من اجازة البيع مضت الاجازة، لأن مرجع اجازة القبض

______________________________

و منها: انه علي القول بانها مما ترثه الورثة، يأتي فيها النزاع الموجود في حق الخيار الموروث مع تعداد الورثة من انه هل يرث كل من الورثة الإجازة في مقدار ماله من العين، أو يرث كل منهم الإجازة في تمام العين بنحو العام الاستغراقي- بمعني نفوذ اجازة كل واحد منهم- أو

يرث المجموع الإجازة- بمعني انها شي ء واحد يرثه الجميع- فلا بد في الصحة من امضاء الجميع.

و منها: ما لو أوصي بمال معين للفقراء مثلا بنحو يكون ملكا لهم بالموت، ثمّ وقع عقد الفضولي علي هذا المال و مات المالك قبل الإجازة، فعلي القول بارث الإجازة ينتقل هذا الحق، فلهم الإجازة بخلافه علي القول بالعدم. فتأمل.

اجازة البيع ليست اجازة لقبض الثمن

(1) قوله الخامس: اجازة البيع ليست اجازة القبض الثمن و لا لإقباض المبيع.

الكلام في هذا التنبيه يقع في جهات:

الاولي: في قابلية القبض و الإقباض للإجازة و عدمها.

و فيها وجوه و اقوال.

ثالثها: ما في المكاسب، و هو جريان الفضولية في قبض الثمن المعين دون الكلي.

رابعها: عكس ذلك، اختاره السيد قدس سره.

و قد استدل لعدم الجريان مطلقا بوجهين.

الأول: ان حقيقة الإجازة انفاذ الشي ء و لا مورد للنفوذ الا التصرفات المعاملية،

فالأفعال و الأقوال الاخر لا تكون موردا لها و منها القبض و الإقباض.

و فيها: ان حقيقة الإجازة اظهار الرضا بما وقع، و هي توجب انتسابه الي المجيز، و هذا لا فرق فيه بين المعاملات و غيرها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 114

الي إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، و مرجع إجازة الاقباض إلي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع، فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة علي قبض المبيع، لكن ما ذكرنا انما يصح في قبض الثمن المعين. و أما قبض الكلي و تشخصه به فوقوعه من الفضولي علي وجه تصححه الاجازة يحتاج الي دليل معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض و الاقباض، و اتمام الدليل علي ذلك لا يخلو عن صعوبة (1).

______________________________

الثاني: ما نسب الي المحقق الخراساني، و اوضحه المحقق الأصفهاني قدس سره، و هو: ان الإجازة لا بد و

ان تتعلق بما له بقاء و استمرار كالامور الاعتبارية الانتزاعية من اسباب خاصة، و أما الأفعال الخارجية فليس لها بقاء كي تنسب بالإجازة الي المالك، و هي لا تصلح لأن توجب انتسابها في زمانها الي المجيز لعدم معقولية الانتساب مع عدم ما به الانتساب، و صيرورتها منتسبة من حين الإجازة بعد ما لم تكن كذلك يستلزم انقلاب الشي ء عما وقع عليه.

و فيه: ان الإجازة كما عرفت عبارة عن اظهار الرضا بما صدر، و الرضا كما يتعلق بالأمر الاعتباري، كذلك يتعلق بالفعل الخارجي. و كما يتعلق بالأمر المقارن و المتأخر كذلك يتعلق بالامر المتقدم، و هي توجب صيرورة الفعل المتقدم مرضيا به من حين الإجازة، و هذا غير انقلاب الشي ء عما وقع عليه، مع ان المراد بالقبض ليس هو الا كون الشي ء تحت الاستيلاء و السلطنة و هذا امر له بقاء و استمرار.

فظهر بما ذكرناه مدرك القول الثاني.

(1) و استدل المصنف لما اختاره و اوضحه: بان قبض الثمن الشخصي قابل الإجازة من جهة ان مرجع اجازته الي اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، ففي الحقيقة لا يكون القبض عنده قابلا للاجازة، و انما تكون الإجازة و الرضا به رضا باثره، و هو اسقاط الضمان. و كذلك الاقباض، فان مرجع اجازته الي حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع، و أما قبض الثمن الكلي و تشخصه به فهو لا يكون قابلا للإجازة،

فانه حيث لم يتعين الكلي في المقبوض بيد الفضولي فليس هناك ضمان المعاوضة علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 115

______________________________

المشتري، بل الثمن باق علي كليته، و المفروض ان القبض من حيث هو غير قابل لتعلق الإجازة به، فلا وجه لجريان الفضولية فيه و تصحيحه بالإجازة.

و فيه: -

مضافا الي ما عرفت من ضعف المبني- يرد علي ما افاد في قبض الثمن الشخصي: ان ضمان المشتري للثمن قبل القبض انما يكون حكما شرعيا ثابتا علي خلاف القاعدة، و هو الحكم بانفساخ المعاملة بالتلف لاحقا ماليا كي يكون قابلا للإسقاط.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من ان ذلك انما يكون من جهة الشرط الضمني إذ كل من البائع و المشتري يشترط علي صاحبه بالارتكاز قبض الثمن أو المثمن و ليس مقصودهم مجرد التبديل، لو تم و ان لزم منه كون ذلك من الحقوق، الا انه لا يتم، فان لازم ذلك ثبوت الخيار لا انفساخ العقد كما هو ظاهر الخبر «1»

و استدل السيد لما ذهب إليه: بان الفضولية انما تجري في التصرفات المعاملية لا في الأفعال الخارجية، و القبض في المعين من الأفعال الخارجية و في الكلي من التصرفات المعاملية، فان ذلك يكون من باب الوفاء، و هو في اللب مبادلة بين الكلي و الفرد المتشخص- و قد عرفت ما فيه- فالأظهر قابليتهما للإجازة.

الجهة الثانية: انه هل يأتي في القبض نزاع الكشف و النقل ام لا؟ وجهان: اظهرهما الثاني، لأن ذلك النزاع في العقد انما يكون من جهة ان وراء العقد شي ء و هو الملكية، و يمكن البناء علي تحققها من الأول، و هذا بخلاف القبض، إذ ليس ورائه شي ء، فالقبض كالعقد نفسه فكما انه يصير عقد المالك من حين الإجازة علي المسلكين كذلك القبض،

فآثار قبض المالك تترتب عليه من حين الإجازة،

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 116

و عن المختلف انه حكي عن الشيخ: انه لو اجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري بالثمن. ثمّ ضعفه بعدم استلزم إجازة

العقد لإجازة القبض، و علي أي حال فلو كان اجازة العقد دون القبض لغوا، كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق، كان اجازة العقد اجازة للقبض صونا للاجازة عن اللغوية (1).

______________________________

فلو تلف بعدها لا يكون من تلف المبيع قبل القبض، فلا يكون البائع ضامنا بخلاف ما لو كان تالفا قبلها، فانه حينئذ لا موضوع للإجازة، إذ بالتلف ينفسخ العقد فلا يكون شي ء باقيا كي تلحقه الإجازة الجهة الثالثة: لو كانت اجازة العقد دون القبض لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرق، ففي المكاسب.

(1) كانت اجازت العقد اجازة للقبض صونا للاجازة عن اللغوية.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ما عن جمع من المحشين منهم السيد قدس سره، و هو: ان ذلك- اي الذي ذكره- راجع الي مقام الأثبات، و ثبوت الدلالة علي اجازة القبض، و هذا انما يكون بعد الفراغ عن مقام الثبوت، و قابلية القبض للفضولية و ان يصح بالإجازة، و المصنف قدس سره يري عدم قابليته لها في الكلي.

و فيه: اولا: ان المصنف يلتزم بعدم قابليته لها، و انما لم يقم عنده دليل علي صحة القبض بنفسه بالإجازة، و عليه فالدليل الدال علي صحة عقد بيع الصرف المشروط بالقبض يكفي في صحة مثل هذا القبض بالإجازة، بخلاف القبض الذي لا تكون صحة العقد منوطة به.

و ثانيا: ان عدم قابلية القبض للإجازة اما ان يكون من جهة انه لا يكون من التصرفات المعاملية كما افاده السيد قده، أو يكون من جهة عدم قابلية للانتساب الي المجيز كما عن المحقق الخراساني قدس سره، و شي ء منهما لا مورد له في هذا القبض،

اما الأول: فلأنه دخيل في صحة العقد و في ترتب

الآثار الوضعية و الأمر الاعتباري، فهو من التصرفات المعاملية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 117

و لو قال اجزت العقد دون القبض، ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان (1)

______________________________

و أما الثاني: فلعدم اعتبار الانتساب فيه، إذ الشرط انما هو قبض المتعاملين بالمعاملة الصحيحة، فإذا صحت المعاملة بالإجازة كفي قبض الفضولي في الصحة، و لا يخفي ان مرجع هذا الي عدم الاحتياج الي اجازة القبض، و ان الإجازة محققة لموضوع القبض لا موجبة لصحته و نفوذه.

الايراد الثاني: ان اجازة القبض انما توجب انتساب القبض الي المجيز من حين الإجازة بعد التفرق، و هو لا يكفي في صحة المعاملة، فان الشرط هو القبض قبل التفرق،

و الجواب عنه هو الجواب الثاني عن الايراد الأول.

الايراد الثالث: ما افاده جمع منهم السيد و المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه انما يتم إذا كان المجيز عالما بان البيع بدون القبض باطل، و الا فلا يحمل علي كونه اجازة للقبض.

و فيه: انه إذا كان بصدد اجازة العقد بجميع ما تتوقف صحة العقد عليه كفي في كونه اجازة له، مضافا الي ما عرفت من كفاية اجازة العقد في صحة القبض فراجع.

فتحصل: ان الأظهر الاكتفاء باجازة العقد في مثل هذه العقود المتوقفة صحتها علي القبض.

الجهة الرابعة: لو قال: اجزت العقد دون القبض، ففي المكاسب

(1) ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان:

الحق ان يقال: بناء علي ان العبرة بقبض المتبايعين، و انه لا يلزم انتسابه الي المالكين، يتعين البناء علي الصحة لفرض اجازة العقد و عدم كون قبضه موضوع الاثر كي يلزم اجازته و يضر رده،

و أما بناء علي لزوم اجازة القبض فالظاهر ان اجازة العقد اجازة للقبض للغوية اجازته دونه، ورد القبض

رد للعقد، إذ لا ينفك الشرط عن المشروط

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 118

السادس: الاجازة ليست علي الفور

للعمومات، و لصحيحة محمد بن قيس (1) و أكثر المؤيدات المذكورة بعدها و لو لم يجز المالك، و لم يرد حتي لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه علي القول بالكشف، فالاقوي (2)

تداركه بالخيار أو اجبار المالك علي احد الآخرين

______________________________

و عليه فإذا تقدمت الاجازة لغي الرد لكونه ردا بعد الإجازة، و إذا تقدم الرد لم يفد الإجازة بناء علي اعتبار ان لا تكون مسبوقة بالرد، و الا صحت.

الإجازة ليست علي الفور

(1) السادس: هل الاجازة علي الفور فمع التأخير تسقط ام لا؟ فيه وجهان اقواهما الثاني: لإطلاق الأدلة، و صحيح محمد بن قيس المتقدم «1».

و عليه، فلو لم يجز المالك و لا رد،

فهل يتعين اجبار المالك باحد الأمرين- كما اختاره السيد قده- ام يتعين ثبوت الخيار- كما ذهب إليه جمع-

(2) ام يثبت الامران بنحو التخيير- كما اختاره المصنف قدس سره- وجوه؟ و ليعلم ان محل الكلام انما هو فيما إذا لم يجز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه و فيما انتقل إليه، و أما إذا جاز له التصرف فيما انتقل عنه اما لعدم لزوم العقد عليه أو لجوازه،

حتي بناء علي لزوم العقد، لا مورد لشي ء من هذه الوجوه، إذ لا يلزم ضرر عليه من عدم الإجازة و الرد.

و ايضا الظاهر أن محل الكلام ما لو لم يكن الأصيل عالما بكون طرفه فضوليا،

أو كان مطمئنا بانه يجيز المالك أو يرد، و أما إذا كان عالما به و لم يكن مطمئنا بشي ء منهما،

فمن حيث انه مقدم علي الضرر لا يجري شي ء من الوجوه.

و كيف كان: فالأظهر من تلك الوجوه هو الثاني، إذا الإجبار

انما يكون لأحد امرين: اما الامتناع عن الحق من جهة ان السلطان ولي الممتنع، أو للامتناع عن امتثال

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 119

السابع: هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا ام لا وجهان:

(1) الاقوي التفصيل، فلو اوقع العقد علي صفقة فأجاز المالك بيع بعضها، فالاقوي الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز احدهما و ضرر التبعض علي المشتري يجبر بالخيار

______________________________

التكليف اللزومي من جهة لزوم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «1»

و لا دليل عليه في غير الموردين.

و من الواضح ان عقد الفضولي لا يوجب حدوث حق للأصيل علي المالك- كما تقدم- و لا وجوب الإجازة أو الرد عليه، فالاجبار لا مورد له، و قاعدة «2» نفي الضرر لا تصلح لإثبات جوازه لكونها نافية للحكم لا مثبتة، فهي توجب نفي لزوم العقد علي الأصيل. فالمتعين هو ثبوت الخيار للأصيل.

اعتبار مطابقة الإجازة للعقد

(1) السابع: هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا ام لا، ام بفصل بين المطابقة من حيث الجزء، و المطابقة من حيث الشرط؟ اقوال.

و تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الأول: في عدم المطابقة من حيث الجزء، بان يكون الشي ء المحذوف أو المضاف جزء.

الثاني: في عدم المطابقة من حيث الشرط، و أما في صورة الاختلاف من حيث المباينة كما لو وقع العقد علي فرس فاجاز في الحمار فلا اشكال في عدم الصحة.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: فيما إذا كان محذوفا،

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب الأمر و النهي و ما يناسبهما و غيره من الأبواب.

(2) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار- حديث 5- 4- 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 120

______________________________

و ملخص القول فيه: ان المعقود عليه ان

كان مركبا من اجزاء يكون كل جزء منه موضوعا مستقلا بنظر اهل العرف في البيع و الشراء- بنحو لا يرون المعاملة علي المجموع الا معاملة علي كل واحد مستقلا، كما لو عقد علي عشرة جينة فاجاز بيع بعضها- لا ينبغي التأمل في الصحة، لأن المجاز مما عقد عليه، و لا سبيل الي اجراء خيار تبعض الصفقة هنا، لأن مورده ما إذا كان بيع كل جزء مشروطا بانضمام الجزء الآخر ضمنا و ارتكازا كي يوجب التبعض تخلف الشرط، فيثبت خياره لعدم الدليل عليه بالخصوص.

و ان لم يكن كل جزء موضوعا مستقلا، كما إذا وقع العقد علي حيوان خاص فاجاز نصفه،

فعن المحقق النائيني: صحة المجاز، مستدلا بان حكم الإجازة حكم البيع ابتداء،

فكما يجوز للمالك بيع بعض ماله ابتداء، فكذلك يجوز له اجازة بعضه.

و فيه: ان الفرق بين الإجازة و البيع واضح، فان الإجازة انما تحتاج الي عقد واقع و التزام معاملي قبلها بخلاف البيع، و عليه فان كان الالتزام العقدي منحلا الي التزامات عديدة حسب تعدد اجزاء المبيع صح البيع فيما اجيز لكون المجاز معقودا عليه، و الا فلا.

فالميزان هو ذلك.

و به يظهر ان قياس المقام بمسألة التبعيض في باب الخيارات كما عن السيد في غير محله، و لكن الظاهر هو الانحلال في جميع الموارد، غاية الأمر الي التزامات ضمنية لا استقلالية، و عليه فيصح البيع فيما اجيز. نعم يثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة.

المورد الثاني: ما إذا كان الجزء مضافا و الضابطة فيه انه ان انحلت الإجازة الي اجازات متعددة و التزامات عديدة فيكون احد الالتزامين متعلقا بالعقد و الآخر بالزائد،

صح العقد المجاز لكونه عقدا اجيز، و الا فلا، فان المجاز حينئذ غير معقود عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 121

و لو اوقع العقد علي شرط فأجازه المالك مجردا عن الشرط فالاقوي عدم الجواز بناء علي عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط (1) و ان كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء. (2) و لذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط، و لو انعكس الامر بأن عقد الفضولي مجردا عن الشرط و اجاز المالك مشروطا

______________________________

و ما عقد عليه لم تتعلق به الإجازة، و الظاهر هو الانحلال في جميع الموارد الا إذا كانت من قبيل اجازة الحصة الخاصة، كأن يجيز العقد الواقع علي المجموع خاصة بهذا القيد، فانه حينئذ ما تعلقت الإجازة به لا يكون معقودا عليه كما لا يخفي.

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه تارة: في الشرط المحذوف، و اخري: في المضاف.

اما الجهة الأولي: فلا ينبغي الأشكال في الصحة بناء علي ما هو الثابت في محله من ان الشرط انما هو التزام في التزام، لا ان الالتزام العقدي معلق عليه بحيث لا التزام بدونه، فان الإجازة حينئذ تكون متعلقة بالالتزام العقدي،

فما افاده المصنف قدس سره في وجه عدم الصحة

(1) من عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط.

ضعيف لما عرفت من ان الشرط التزام مستقل في ضمن الالتزام العقدي.

(2) و اضعف منه تفصيله قدس سره بين الشرط و الجزء بالالتزام بالتبعيض من حيث الجزء دون الشرط، لما عرفت من ان قبول العقد للتبعيض من حيث الشرط اولي من قبوله التبعيض من حيث الجزء، مضافا الي ان كل جزء شرط لاعتبار وصف الاجتماع فيه.

و هل يثبت الخيار للأصيل ام لا؟ وجهان، و الحق ان يقال: ان الشرط ان كان للمالك علي الأصيل- كما لو اوقع الفضولي العقد مع اشتراط ان يخيط الأصيل ثوب المالك

فاجاز المالك العقد بدون الشرط- فلا خيار له، لأن مرجع ذلك الي اسقاط المالك حقه، و لا إشكال في ذلك، و كذلك ان كان للأصيل علي المالك مع رضا الأصيل بذلك بعد الإجازة، و أما ان كان للأصيل علي المالك و لم يرض الأصيل بذلك، فالظاهر ثبوت خيار تخلف الشرط له، و هو واضح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 122

ففي صحة الاجازة مع الشرط إذا رضي به الاصيل فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول (1) إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز العقد فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا تقدم علي الايجاب «ليرد الايجاب» عليه أيضا أو بطلانها لأنه إذا لغي الشرط لغي المشروط لكون المجموع التزاما واحدا وجوه أقواها الأخير. (2)

و أما القول في المجيز
اشارة

فاستقصاؤه يتم ببيان امور. (3)

الأول: يشترط في المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف (4) بالبلوغ و العقل

______________________________

(1) و أما الجهة الثانية: فالشرط المضاف لا يجب الوفاء به لكونه من قبيل الشرط الابتدائي، و كون الإجازة بمنزلة الايجاب أو القبول لا يوجب اسراء احكامهما إليها،

مضافا الي ان الشرط المذكور في ضمن احدهما وحده لا يفيد، و أما المشروط فان كانت الإجازة مع الشرط التزاما بالعقد منضما الي الالتزام الشرطي صح، لكون العقد مجازا و ضم اللغو إليها لا يمنع عن تأثيرها في صحة العقد، و ان كانت التزاما واحدا متعلقا بالمشروط لم يصح،

و الظاهر هو الأول، لأن الواقع انما هو العقد المجرد، و المجيز يريد ضم الشرط إليه،

فلا محالة يجيز المالك ذلك الواقع بضم الشرط إليه، فالتقييد انما يكون للإجازة بالشرط،

و حيث ان الشرط- كما تقدم- انما يكون هو الالتزام في ضمن الالتزام، و في المقام يكون هو الالتزام المقرون بالإجازة، فلغويته لا تلازم لغوية الإجازة. فما في المكاسب.

(2) من تقوية البطلان في غير محله.

اعتبار كون المجيز جائز التصرف حال الإجازة

(3) و أما القول في المجيز فاستقصاؤه يتم ببيان امور:

(4) الاول: يشترط في المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف بالبلوغ و العقل و الرشد بلا اشكال، فان الإجازة تصرف معاملي في المال، فإذا كان المجيز غير جائز التصرف لم يجز له ذلك، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، إذ علي الكشف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 123

و الرشد، و لو اجاز المريض بني نفوذها علي نفوذ منجزات المريض (1) و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل

الثاني: هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز، حين (2) العقد

فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة

______________________________

انما يكون الأثر من قبل، و الا فالاجازة هي التي تؤثر في ذلك.

و دعوي انه علي القول بان المؤثر في النقل ليس هو وجود الإجازة،

بل العنوان المنتزع من وجودها المقارن مع العقد كعنوان التعقيب، يشكل اعتبار ما عدا ما يوجب سلب العبارة فيها لعدم كونها تصرفا ماليا حينئذ،

مندفعة بانه علي هذا المسلك ايضا لا يكون التعقيب بمطلق الإجازة شرطا، بل الشرط هو التعقيب بالإجازة المستجمعة لسائر شرائط تأثير العقد، لأنه المتيقن من نفوذ عقد الفضولي الملحوق بالإجازة

(1) قوله: و لو اجاز المريض بني نفوذها علي نفوذ منجزات المريض..

و ربما يورد عليه: بان منجزات المريض مختصة بالتصرفات المعاملية دون شرائط تأثيرها، فلو كان عقد الصرف في حال الصحة، و كان القبض في حال المرض، لا تكون هذه المعاملة من المنجزات، و الإجازة شرط لتأثير عقد الفضولي، فلا يضر وقوعها في حال المرض و لا يوجب دخولها في المنجزات.

و لكن يدفعه ان للإجازة حيثيتين: احداهما: حيثية الرضا. الثانية: حيثية الانتساب الي المالك. و هي من الحيثية الثانية بنفسها تصرف معاملي و موجبة لصيرورة التصرف تصرف المالك، فالحق ان الإجازة في حال المرض من المنجزات لا من قبيل شرائط تأثير العقد.

عدم اشتراط كون العقد له مجيز في الحال

(2) الثاني: اختلفوا في انه هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين

العقد ام لا؟ و ما يحتمل ان يكون محل الكلام بين الأعلام في بادئ النظر امور:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 124

و لا ينفعه اجازته إذا بلغ أو اجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع ام لا يشترط قولان: اولهما للعلامة في ظاهر القواعد. و استدل له بأن العقد و الحال هذه ممتنعة، فإذا امتنع في زمان امتنع دائما (1)

______________________________

احدها: انه هل يعتبر وجود ذات المجيز حين العقد ام لا يعتبر ذلك و إلي هذا نظر البيضاوي في ايراده علي العلامة قدس سره:

بانه لا يتم علي مذهب الخاصة من وجود الامام عليه السلام في و لكن يمكن دفع ايراده: اولا: بالنقض بانه لا يتم علي مذهبهم ايضا من وجود خليفة المسلمين في كل عصر.

و ثانيا: انه في نكاح الصغار يكون الولي منحصرا بالأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه. هكذا قيل.

ثانيها: انه هل يعتبر ان يكون مجيز فعلي حين العقد بان يكون متمكنا من الإجازة ام لا يعتبر؟ ثالثها: انه هل يعتبر ان يكون المجيز جائز التصرف حين العقد شرعا ام لا يعتبر ذلك؟ فلو فرضنا ان بيع مال الصغير لم تكن فيه مصلحة حين البيع ثمّ حدثت المصلحة فيه بعد هل للولي ان يجيزه من جهة انه و ان لم يكن التصرف جائزا له حين البيع لعدم المصلحة الا انه يجوز له حين الإجازة، ام لا؟ و الظاهر ان محل النزاع هو الأخير دون الأولين،

اما الثاني منهما فلوضوح عدم اعتبار مجيز فعلي، و لذا لو كان المالك نائما أو غائبا لم يتوهم احد من القائلين بصحة الفضولي فساده و عدم جواز الإجازة بعد الحضور و اليقظة.

و أما الأول: فلعدم ملائمته مع ما مثلوا له ببيع مال اليتيم، فمورد النزاع هو الثالث.

و كيف كان: فقد استدل لاعتباره بوجهين:

(1) الاول: ان صحة العقد و الحال هذه ممتنعة، فإذا امتنعت في زمان امتنعت دائما،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 125

______________________________

و قد ذكروا في توضيح هذا الوجه امرين:

احدهما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: ان بناء هذا علي امرين: احدهما:

القول بالكشف في الإجازة، الثاني: ان العام إذا خصص بخروج فرد منه في زمان لم يرجع إليه في ذلك الفرد فيما عدا ذلك الزمان، فيقال حينئذ ان العقد إذا

لم يكن له من يصح باجازته حال العقد امتنع دخوله تحت خطاب) اوفوا (فإذا امتنع شمول) اوفوا (له في هذه الحال لم يؤثر من مبدأ وقوعه، فإذا لم يؤثر من مبدأ وقوعه لم يؤثر أبدا، لأن الفرد إذا خرج عن العام في زمان خرج عنه رأسا، و لم يرجع إليه ثانيا بعد خروجه عنه اولا.

و فيه: ان الكبري الكلية المشار إليها انما هو فيما إذا خرج فرد عن تحت العام في الأثناء لا فيما إذا خرج عنه من الأول كما في المقام. و تمام الكلام في محله.

الثاني: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و حاصله: ان عقد الفضولي انما يفترق عن العقود الفاسدة بكونه قابلا للتاثير بالإجازة، فلا بد و ان يكون جامعا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير الا الي عدم الإجازة، فإذا لم يمكن الإجازة حال العقد يكون العقد غير واجد لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، لان منها الإمكان من ناحية امكان الإجازة، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحة التأهلية فعلا، و إذا امتنعت الصحة التأهلية في زمان امتنعت دائما، لأن ما به يتفاوت حاله بتفاوت الزمان هي الصحة الفعلية التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية لا الصحة التأهلية.

و فيه: ان المراد من الامتناع ان كان هو الامتناع الذاتي فالصغري ممنوعة، و ان كان المراد الامتناع العرضي أي الامتناع لعدم وجود اجزاء المؤثر فالكبري ممنوعة فان الامتناع حينئذ يدور مدار فقد بعض ما يعتبر فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 126

و بلزوم الضرر علي المشتري (1) لامتناع تصرفه في العين لامكان عدم الاجازة،

و لعدم تحقق المقتضي و لا في الثمن لامكان تحقق الاجازة، فيكون قد خرج عن ملكه و يضعف الأول مضافا

الي ما قيل من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه عادة منع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه دائما سواء قلنا بالنقل ام بالكشف.

و أما الضرر، فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة، هذا كله مضافا الي الاخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا، الشاملة لصورة وجود ولي النكاح و اهماله الاجازة الي بلوغهم و صورة عدم وجود الولي بناء علي عدم ولاية الحاكم علي الصغير في النكاح و انحصار الولي في الأب و الجد و الوصي علي خلاف فيه، و كيف كان فالاقوي عدم الاشتراط وفاقا للمحكي عن ابن المتوج البحراني و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم، بل لم يرجحه غير العلامة رحمهم الله

______________________________

و ان شئت قلت: ان عقد الفضولي الذي تمتنع اجازته حين العقد و يمكن تلك فيما بعد، يكون صحيحا بالصحة التأهلية، لأنه يمكن تأثيره فيما بعد بلحوق الإجازة، و ليس معني الصحة التأهلية الا ذلك.

(1) الوجه الثاني: لزوم الضرر علي المشتري لامتناع تصرفه في العين لإمكان عدم الإجازة،

هذا علي الكشف و لعدم تحقق المقتضي هذا علي النقل، و لا في الثمن لإمكان تحقق الإجازة فيكون قد خرج عن ملكه.

و فيه: - مضافا الي النقض بجميع موارد عقد الفضولي كما تقدم- تقريبه في التنبيه السادس من تنبيهات الإجازة.

و الجواب عنه هو ما ذكرناه في ذلك التنبيه، و هو: تدارك الضرر بعدم لزوم الوفاء علي الأصيل.

فالحق عدم اعتبار هذا الشرط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 127

ثمّ اعلم ان العلامة في القواعد مثل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

و حكي عن بعض العامة و هو البيضاوي علي ما قيل الايراد عليه بانه لا يتم علي مذهب الامامية

من وجود الامامية من وجود الامام) ع (في كل عصر و عن المصنف قدس سره انه اجاب بأن الامام غير متمكن من الوصول إليه و انتصر للمورد بأن نائب الامام و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدل موجود بل للفساق الولاية علي الطفل في مصالحه مع عدم العدول لكن الانتصار في غير محله إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الامام يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد و العدول ايضا، فان اريد وجود ذات المجيز فالاولي منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الامام عليه السلام و ان اريد وجوده مع تمكنه من الاجازة فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول اذا لم يطلعوا علي العقد.

فالاولي ما فعله فخر الدين و المحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان علي خلاف المصلحة فيرجع الكلام ايضا الي اشتراط امكان فعلية الاجازة من المجيز لا وجود ذات من شأنه الاجازة فإنه فرض غير واقع في الأموال.

الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد (1)
اشارة

سواء كان عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أو للمانع و عدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد. و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما و المانع كما لو باع الراهن بدن اذن المرتهن، ثمّ فك الرهن

فالكلام يقع في مسائل:
اشارة

______________________________

عدم اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد

(1) الثالث: هل يشترط في المجيز كون المجيز الفعلي نافذ التصرف حين العقد،

ام لا يعتبر ذلك، ام هناك تفصيل؟ وجوه:

و قبل الشروع في المطلب ينبغي تقديم امور:

الأول: انه بناء علي كون البحث في الأمر السابق في اعتبار وجود المجيز، الفرق بينه و بين هذا واضح، و أما بناء علي كون البحث فيه في انه هل يعتبر وجود مجيز جائز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 128

______________________________

جائز التصرف شرعا حين العقد أم لا، فالفرق بين الأمرين ان البحث هناك كان في اعتبار وجود مجيز جائز التصرف حين العقد و عدمه، و في المقام في انه هل يعتبر كون المجيز الفعلي نافد التصرف حال العقد ام لا.

و بعبارة اخري: انه لو فرضنا اعتبار وجود مجيز جائز التصرف حال العقد، و كان موجودا حينه و لم يجز و كان المجيز الفعلي غيره، كما لو بيع مال الصغير مع وجود المصلحة و اهمل الولي و لم يجز حتي بلغ فاجاز نفسه، فان المجيز الفعلي لا يكون نافذ التصرف حين العقد و ان كان مجيز نافذ التصرف موجودا حينه، هل يكفي ذلك ام لا؟ الثاني: انه ربما يورد علي المصنف قدس سره حيث جعل الصغر و السفه و الجنون من باب عدم المقتضي، مع انها اما موانع، أو أن البلوغ و الرشد و العقل شرائط التأثير، فان المقتضي

للسلطنة علي التصرف في المال اضافته الي المتصرف، أو اذن من له الاضافة فهذه الأمور اجنبية عن المقتضي.

و لكن يمكن دفعه: بان نظره الشريف الي ان عدم نفوذ التصرف تارة: يكون لقصور من ناحية المتصرف، و اخري: يكون من جهة سلطنة الغير ايضا علي المال، و عبر عن الأول بعدم المقتضي، و عن الثاني بوجود المانع، و عليه فيصح ان يقال: ان عدم المقتضي اما لعدم الملك أو لجنون المالك أو سفاهته أو صغره، و به يظهر الفرق بين هذه الأمور و بين حق الرهن المتعلق بالمال.

الثالث: ان السيد قدس سره و غيره اوردوا علي المصنف قدس سره في جعله المسألة الثالثة و هي ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه كذلك من مسائل هذا العنوان، مع انها اجنبية عنه.

و يمكن دفعه: بان المراد من عدم الجواز في العنوان عدم الجواز الفعلي لا عدم الجواز الواقعي، فالمجيز ربما لا يكون جائز التصرف واقعا كما في الأولي و الثانية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 129

الأولي: ان يكون المالك حال العقد هو المالك حال الاجازة

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر (1) و الاقوي صحة الاجازة بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن فإنه لا حاجة الي الاجازة كما صرح به في التذكرة.

______________________________

و اخري لا يكون جائز التصرف فعلا كما في الثالثة.

الرابع: ان المصنف قدس سره جعل المسألة الأولي اعم مما كان عدم الجواز لمانع كالرهن،

أو لعدم المقتضي بالتفسير الثاني من جهة وحدة ملاك البحث، كما انه جعل المسألة الثانية- و هي عدم الملك حال العقد- مسألتين لتعدد الجهة من حيث الإجازة و عدمها.

إذا عرفت هذه الأمور

تعرف ان ما سلكه المصنف قدس سره في عنوان هذا البحث و تشقيقه الشقوق هو الصحيح.

و كيف كان: فالكلام يقع في مسائل:

لو كان المالك حين العقد غير جائز التصرف

(1) المسألة الاولي: ان يكون المالك حال العقد، هو المالك حال الاجازة، لكن

المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر، فهل يصح البيع بالإجازة ام لا؟ و الكلام في هذا المسألة يقع في جهات:

الأولي: في صحة بيع ما هو متعلق حق الغير.

الثانية: في عتقه.

الثالثة: في احتياج صحة البيع الي الإجازة بعد ارتفاع الحجر و عدمه.

الرابعة: في جريان نزاع الكشف و النقل في رافع الحجر و عدمه.

الخامسة: في بيع الصبي و المجنون و السفيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 130

______________________________

اما الجهة الأولي: فقد استدل علي فساد البيع: بان البيع تصرف في ما هو متعلق حق الغير فلا يجوز، و النهي عن المعاملة يدل علي الفساد.

و فيه: ان البيع ليس تصرفا في العين، مع انه لو كان حراما لم يكن وجه لفساده، إذ النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد، و قد تقدم تقريب كلا الجوابين.

و أما الجهة الثانية: فقد ذهب المحقق النائيني قدس سره الي انه ملزم علي العتق، فلا بد اما من لزوم اداء الدين و فك الرهانة علي الراهن، و أما من استسعاء العبد في فكاك رقبته بفك الرهانة.

و استدل له: بان الإجازة انما تؤثر فيما يؤثر الرد فيه، ورد الحر الي الرق غير ممكن،

و بان تأثير العتق من الراهن- حيث انه مالك للعين- لا اشكال فيه، خصوصا مع كون العتق مبنيا علي التغليب.

و يرد علي الأول: ان الرد المقابل للاجازة رد العقد لارد نتيجته، فعدم امكان رد الحر الي الرق غير عدم امكان رد العتق نفسه.

و

بعبارة اخري: إذا كان العتق مراعي بالإجازة، فلو اجازه يتحقق و تترتب عليه الحرية، و لو رده لا يصير حرا كي يلزم منه رجوعه الي الرق.

و يرد علي الوجه الثاني: ان كون العتق منيبا علي التغليب معناه انه لو انعتق مقدار من العبد يتعين عتق الباقي، لا انه لو تعلق العتق المراعي به يكون ملزما عليه. فتدبر.

فالأظهر عدم الفرق بين العتق و البيع في ذلك.

اما الجهة الثالثة: فالأظهر عدم الاحتياج الي الإجازة، إذ الاحتياج إليها انما هو لتحقيق الاستناد المتحقق في المقام بدونها.

و أما الجهة الرابعة: فقد يقال: انه لا يجري نزاع الكشف و النقل في مثل فك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 131

______________________________

الرهانة و اسقاط المرتهن و نحوهما من جهة ان حق المرتهن إذا كان مانعا عن تأثير العقد فحكم الفك و الاسقاط حكم القبض في باب الصرف و السلم، لأن عدم المانع من اجزاء العلة، فملكية المشتري كما تتوقف علي القبض في البابين، كذلك تتوقف ملكية مشتري العين المرهونة علي خروج العين عن كونها مخرجا للدين، فلا تتحقق الملكية قبل ذلك.

و فيه: ان الكشف بالمعني الذي ذكرنا في الإجازة انه غير معقول لا يكون في الفك و الاسقاط لما ذكرناه،

مضافا الي ان لازمه خروج العين عن كونها وثيقة، و أما بالمعني المعقول في الإجازة، فيمكن البناء عليه في المقام ايضا، و الدليل عليه حينئذ هو العمومات بال تقريب المتقدم هناك.

و يؤيد ذلك بل يدل عليه، انه لو باع العين المرهونة غير المالك ثمّ بعد فك الرهن اجاز المالك ذلك العقد، لا شبهة في انه يلتزم بالكشف فيها من يلتزم بالكشف في الإجازة مطلقا.

و أما الجهة الخامسة: فلو باع المالك فاجازه الولي لا كلام، و

لو صار بنفسه جائز التصرف فاجاز يكون من صغريات ما تقدم في الأمر الأول.

و الكلام في المقام انما هو فيما لو باع بنفسه، فان بنينا علي انه مسلوب العبارة لا كلام في البطلان و الا فلو صار كذلك فاجاز صح البيع لكونه عقدا اجازه المالك،

و لا يتوهم في المقام عدم الاحتياج الي الإجازة- كما ذكرناه في بيع المرهون فانه يدفعه ان العقد في حال الانشاء و ان كان مستندا الي المالك تكوينا الا ان الشارع الأقدس الغي هذا الاستناد، فيحتاج الي الإجازة تحقيقا للاستناد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 132

الثانية: ان يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره (1)
اشارة

لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول، و هو: ما لو باع شيئا،

ثمّ ملكه، و هذه تتصور علي صور، لأن غير المالك اما ان يبيع لنفسه أو للمالك، و الملك اما ان ينتقل إليه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالارث ثمّ البائع الذي يشتري الملك، اما ان يجيز العقد الأول و أما ان لا يجيزه، فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له، و المهم هنا التعرض، لبيان ما لو باع لنفسه،

ثمّ اشتراه من المالك و اجاز و ما لو باع و اشتري و لم يجز و يعلم حكم غير هما منهما.

اما المسألة الأولي: فقد اختلفوا فيها (2) فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر: فيما إذا باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه، انه صح البيع و الرهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشيخ صح البيع و الرهن. و فيه اشكال لأن العين مملوكة و إذا ادي العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها الي اجازة مستأنفة، كما لو باع مال غيره، ثمّ اشتراه انتهي.

بل يظهر مما حكاه عن

الشيخ عدم الحاجة الي الاجازة الا ان يقول الشيخ بتعلق الزكاة بالعين كتعلق الدين بالرهن، فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم، و لم يحتج الي اجازة مستأنفة. و بهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في تعليق الارشاد، و هو البطلان

______________________________

من باع شيئا ثمّ ملك

(1) قوله الثانية: يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره.

لكن المعنون في كلمات الأصحاب المسألة الاولي و هي ما لو باع شيئا ثمّ ملكه،

و هذه تتصور علي صور الا ان المهم منها اثنتان.

(2) احداهما: ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه و اجاز، و الاقوال فيها ثلاثة:

الأول: البطلان اختاره صاحب المقابيس قدس سره.

الثاني: الصحة مع الإجازة، اختاره المحقق و الشيخ قدس سره و جمع آخرون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 133

و مال إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه، و الاقوي هو الاول للأصل (1)

و العمومات السليمة عما يرد عليه ما عدا امور لفّقها بعض من قارب عصرنا مما يرجع أكثرها إلي ما ذكر في الايضاح و جامع المقاصد.

الأول: انه قد باع مال الغير لنفسه و قد مر الاشكال فيه، (2) و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك.

و فيه انه قد سبق ان الاقوي صحته (3) و ربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الاجازة لما قصده المتعاقدان (4).

______________________________

الثالث: الصحة بدون التوقف علي الإجازة، نسب ذلك الي المصنف قدس سره، و في النسبة ما لا يخفي، فان منشأها افتاؤه بصحة بيع النصاب في الزكاة ايضا ان اغترم حصة الفقراء، مع انه يمكن ان يكون ذلك من جهة ذهابه قده الي ان تعلق الزكاة بالعين من قبيل حق الرهانة أو الجناية، و يمكن ان

يكون للنص الخاص «1».

(1) و كيف كان: فقد استدل المصنف للصحة- مضافا الي العمومات- بالاصل:

و فيه انه ان اراد بالأصل هو اصالة البراءة، فيرد عليه: ان الأصل في المعاملات هو الفساد.

و ان اراد به اصالة البراءة، فيرد عليه: انه قدس سره بني علي عدم الرجوع إليها عند الشك في جزئية شي ء أو شرطيته للأسباب في باب المعاملات- كما تقدم منه في مقدمة الكتاب- فلا محالة يكون مراده به القاعدة المستفادة من العمومات، و لكن علي المختار لا بأس بالاستدلال به ايضا فمقتضي العمومات و الأصل هي الصحة.

و قد استدل للبطلان بامور:

(2) الاولي: انه قد باع مال الغير لنفسه، و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك من الأجوبة عن ذلك الاشكال.

(3) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بان الاقوي صحته

(4) قال و ربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب ما تحب فيه الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 134

______________________________

مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاوضان.

توضيح المقام: ان عمدة الأشكال في تلك المسألة انما هي امران.

احدهما: انه بناء علي اعتبار دخول العوض في كيس من خرج عن كيسه المعوض، و بالعكس الفضولي البائع مال الغير لنفسه غير قاصد لحقيقة المعاوضة و البيع.

الثاني: مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

اما الاشكال الأول: فلو تم ما ذكروه جوابا عنه في تلك المسألة من ان الفضولي انما يبيع للمالك و يبني علي انه هو المالك، جري ذلك في المقام.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره في المقام من ان مبني هذا الجواب علي ان الغاصب سارق الاضافة و يري نفسه المالك و هذا لا يجري في المقام لأنه لم يسرق الاضافة و لم يغصب المال، و

عليه فليس له قصد المعاوضة، ثمّ قال الا ان يقال ان قصد البيع لنفسه حيث يقع ممن يطمئن بتملك المبيع، فكأنه يري نفسه صاحب المال بالمشارفة فيبيع ما يملكه فعلا بلحاظ ملكه فيما بعد. يرد عليه:

اولا: ان الجواب المذكور لا يختص ببيع الغاصب، بل هو جار في كل من يبيع مال الغير لنفسه، و لا فرق عليه بين ان يملكه فيما بعد و عدمه.

و ثانيا: انه لو لم يكن قاصدا لذلك لم يفد ما افادة اخيرا، فان من يطمئن بانه سيملك لا يري نفسه مالكا بالفعل، فلا يقدر علي قصد المعاوضة الا بالبناء علي المالكية فيرجع الي ما تقدم.

و أما الاشكال الثاني: فأجابوا عنه هناك: بانه بعد فرض كون البائع قاصدا للبيع للمالك، و بانيا علي انه هو المالك، الإجازة من المالك تتعلق بالأول دون الثاني، فلا يلزم مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان، و هذا الجواب لا يجري في المقام، فان البائع انما يبيعه للمالك و حين الإجازة يجيز وقوع العقد لنفسه غير المالك حين العقد، فمن وقع له العقد غير من يجيز المجيز وقوع العقد له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 135

الثاني: انا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضي المالك و القدرة علي التسليم، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز (1) لأنه البائع حقيقة و الفرض هنا عدم اجازته و عدم وقوع البيع عنه، و فيه ان الثابت هو اعتبار رضاء من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد ام لا لأن الداعي علي اعتبار الرضا سلطنة الناس علي اموالهم و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب انفسهم، و قبح التصرف فيها بغير رضاهم. و هذا المعني لا يقتضي ازيد مما

ذكرنا. و أما القدرة علي التسليم فلا نضايق من اعتبارها في المالك حين العقد، و لا يكتفي بحصولها فيمن هو مالك حين الاجازة، و هذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع المذكور لأن الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها

______________________________

فتحصل: ان ما افاده المحقق صاحب المقابيس هو الصحيح علي هذا المسلك،

و لكن ما ذكرناه هناك في وجه التصحيح و دفع هذا الاشكال- من انه لو باع لنفسه مع عدم البناء علي المالكية فاجازه المالك صح و وقع للغاصب، و لو باع لنفسه مع البناء عليها،

فحيث ان انشاءه بالمطابقة يدل علي تملك المعوض، و بالالتزام يدل علي المبادلة المذكورة، فيصح للمالك اجازة هذا المدلول الالتزامي فيقع له، كماله اجازة المدلول المطابقي فيقع للغاصب- يجري في المقام كما لا يخفي. فالأظهر عدم تمامية هذا الوجه.

(1) الثاني: ان بيع الفضولي لا بد و ان يكون واجد الجميع ما يعتبر في صحة البيع سوي الإجازة، بحيث لو لحقته الإجازة صح فعلا، و حيث ان من جملة شرائط صحة البيع التي باجتماعها يصير البيع صحيحا بالصحة التأهلية- و لا ينتظر في ترتب الأثر عليه سوي الإجازة- كون من يراد وقوع البيع له قادرا علي التسليم و امكان الرضا منه- كما في عقد الفضولي في سائر المقامات و المقام ليس كذلك- فان من يراد وقوع البيع له هو الفضولي، و هو حين العقد غير واجد للقدرة المؤثرة في النقل- اي قدرة من بيده امر المال و كذلك رضاه- فهذا البيع الفضولي غير صحيح بالصحة التأهلية، فلا يمكن تصحيحه بالإجازة. هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه. هذا الأمر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 136

الثالث: ان الاجازة حيث صحت كاشفة (1)

علي الاصح مطلقا لعموم الدليل الدال عليه، و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه، و فيه منع كون الاجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد، (2)

حتي فيما لو كان المجيز غير المالك حين العقد، فإن مقدار كشف الاجازة تابع لصحة البيع، فإذا ثبت بمقتضي العمومات ان العقد الذي اوقعه البائع لنفسه عقد صدر من اهل العقد في المحل القابل للعقد عليه، و لا مانع من وقوعه الا عدم رضاء مالكه، فكما ان مالكه الأول إذا رضي يقع البيع له، فكذلك مالكه الثاني

______________________________

و الجواب عنه: ان المراد من اعتبار الرضا في المالك ان كان هو اعتبار رضا من يلتزم بالمعاملة و يصير مخاطبا بخطاب) أَوْفُوا (ففي المقام موجود، فان حال الإجازة هو حال انفاذ المعاملة.

و ان كان المراد منه اعتبار رضا المالك في حال العقد، فيرد عليه: انه غير معتبر قطعا لأنه في اغلب موارد بيع الفضولي لا يكون ذلك موجودا اما للكراهة أو للغفلة أو لغيرهما، و لم يتوهم احد فساد المعاملة من هذه الناحية. و علي اي تقدير لا دليل عليه.

و ان كان المراد منه اعتبار رضا من هو مالك حال العقد، فهو اول الدعوي، و لا دليل عليه.

و أما القدرة علي التسليم فظاهر كلام المصنف قدس سره تسليم اعتبار قدرة المالك حال العقد، و هو ايضا لا دليل عليه، بل الدليل من القاعدة و غيرها انما يقتضي اعتبار قدرة من هو ملتزم بالمعاملة، و تنتسب هي إليه. و حيث ان حال الإجازة حال الالتزام بها و انفاذها، و المفروض وجودها حينها، فلا حالة منتظرة لصحة البيع، و لو سلم اعتبار قدرة المالك حال العقد،

فيرده ما افاده الشيخ قدس سره من: ان الكلام بعد فرض استجماع العقد لجميع الشرائط.

(1) الثالث: ان الاجازة كاشفة في موارد صحتها، و الالتزام به في المقام مستلزم لخروج المال عن ملك بائعه قبل الدخول في ملكه.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره بما حاصله: انا نلتزم في المقام بخروج المال عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 137

إذا رضي يقع البيع له و لا دليل علي اعتبار كون الرضا المتأخر ممن هو مالك حال العقد، و حينئذ فإذا ثبت بالدليل فلا محيص عن القول بأن الاجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في اول ازمنة قابليته، إذ لا يمكن الكشف فيه علي وجه أخر، فلا يلزم من التزام هذا المعني علي الكشف محال عقلي و لا شرعي حتي يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحة. فإن كان لا بد من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة أو في القول بأن الواجب في الكشف عقلا أو شرعا ان يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد. و قد عرفت ان لا كلام في مقتضي الصحة، و لذا لم يصدر من المستدل علي البطلان، و انه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الاجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها، و لا يتوهم ان هذا نظير ما لو خصص المالك الاجازة بزمان متأخر عن العقد، إذ

______________________________

ملك المجيز من اول ازمنة قابليته، لأنه لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها، و عليه فإذا صدر العقد و رضي المالك الفعلي به و اجازه يقع البيع له، و لازمه خروج المال عن ملكه من اول ازمنة قابليته للتاثير.

الذي يلوح من صدر كلامه

و يصرح به في آخره: انه قدس سره ظن ان صاحب المقابيس لا كلام له في وجود المقتضي للصحة، و انما كلامه في وجود المانع، فأجاب عنه: بان المانع انما يمنع عن التأثير في الملكية من حين العقد، و لا يمنع عن التأثير في لملكية من بعد حصول الملك للبائع.

و لكن الظاهر من كلامه قدس سره انه لا مقتضي للصحة، و حاصل ما افاده: ان دليل صحة بيع الفضولي و القول بالكشف دليل واحد، و هو ان العقد انما هو نقل من حينه، و الإجازة تتعلق بهذا، و الإمضاء الشرعي متعلق بذلك ايضا، و حينئذ ففي المقام لا يمكن شمول العمومات و ادلة الامضاء للعقد، فلا مقتضي للصحة، و ذلك لأنه ان التزمنا بشمولها له و صيرورته ملكا للمشتري من حين العقد لزم خروج الملك عن ملكه قبل دخوله فيه، و ان التزمنا بشمولها له و الانتقال إليه من بعد صيرورته مالكا لزم الالتزام بالتبعيض في مضمون العقد، مع انه امر واحد و التزام فارد متعلق بنقل المال من حينه الي الابد و لا يتعدد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 138

التخصيص انما يقدح مع القابلية، كما ان تعميم الاجازة لما قبل ملك المجيز بناء علي ما سبق في دليل الكشف من ان معني الاجازة امضاء العقد من حين الوقوع،

أو امضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية تأثيرها، الا من زمان ملك المجيز للمبيع.

الرابع: ان العقد الأول، انما صح و ترتب عليه اثره باجازة الفضولي، و هي متوقفة علي صحة العقد الثاني المتوقفة علي بقاء ملك مالكه الاصلي، فيكون صحة الأول مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك و المشتري معا في

زمان واحد، و

هو محال لتضادهما (1) فوجود الثاني يقتضي عدم الاول و هو موجب

______________________________

بتعدد الزمان كي يقال بتعلق الامضاء ببعضه دون بعض، بل هو امر واحد اما يمضيه الشارع من الأول أو لا يمضيه، فلا يقع الي الأبد. و في باب الصرف و السلم دل الدليل الخاص علي حصول النقل و الانتقال من بعد القبض، و هو في المقام مفقود فعلي هذا المسلك في الكشف لا مناص عن البناء علي البطلان في المقام.

نعم بناء علي ما سلكه المصنف قدس سره من ان العقد لا يكون مفاده سوي التمليك، و الإجازة متعلقة بذلك، و الإمضاء متعلق به ايضا، و لم يؤخذ الزمان فيه ابدا و انما يبني علي الكشف للنصوص الخاصة، صح البناء علي الصحة في المقام للعمومات كما انه بناء علي ما اخترناه في الكشف من الالتزام بالكشف الانقلابي بالنحو المعقول كما تقدم لا يلزم ذلك، إذ المال من حين العقد الي شراء البائع و انتقاله إليه ملك لمالكه الأول، و من ذاك الوقت الي زمان الإجازة ملك للمجيز، و بعد الإجازة يصير ملكية المشتري الاول من حين العقد فالخروج انما يكون من حين الاجازة فلا يلزم الخروج قبل الدخول، و أما الخارج فهو القطعة ما بعد الدخول، لأنه مقتضي شمول العمومات و خطاب) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (.

(1) الرابع ان صحة العقد الأول تتوقف علي صحة الثاني كي يصير المال ملكا للمجيز فيجيز،

و صحة الثاني تستلزم ملكية المالك الأصلي الي حين العقد الثاني، فعلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 139

لعدم الثاني أيضا فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد و هو محال، فإن قلت:

مثل هذا لازم في كل عقد فضولي لأن صحته موقوفة علي الاجازة المتأخرة المتوقفة

علي بقاء ملك المالك و المستلزمة لملك المشتري كذلك فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم اما بطلان عقد الفضولي مطلقا، أو بطلان القول بالكشف فلا اختصاص لهذا الايراد بما نحن فيه.

قلنا: يكفي في الاجازة ملك المالك ظاهرا و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لأنها في الحقيقة رفع اليد و اسقاط للحق، و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني.

اقول: قد عرفت ان القائل بالصحة ملتزم بكون الاثر المترتب علي العقد الأول بعد اجازة العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد لا من حين العقد. و حينئذ فتوقف اجازة العقد الأول علي صحة العقد الثاني مسلم، و توقف صحة العقد الثاني علي بقاء الملك علي ملك مالكه الأصلي الي زمان العقد مسلم ايضا.

فقوله صحة الأول يستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان ممنوع بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الاصلي، نعم انما يلزم ما ذكره من المحال، إذا ادعي وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك حين العقد،

و لكن هذا امر تقدم دعواه في الوجه الثالث. و قد تقدم منعه، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر، كما لا يخفي، نعم يبقي في المقام (1) الاشكال الوارد في مطلق الفضولي

______________________________

الكشف يلزم اجتماع المالكين- اي المشتري الأول و المالك الأصلي- قبل العقد الثاني و بعد الأول علي مال واحد في زمان واحد، و هو من اجتماع الضدين، و يلزمه اجتماع النقيضين، إذ لازم وجود احد الضدين عدم الآخر. و الجواب عن ذلك بعد الالتزام بالكشف من حين العقد الثاني واضح.

(1) انما الكلام في المقام في الإشكال العام الذي اوردوه علي القول بالكشف) و يذكر ذلك

في المقام لمناسبة غير خفية (و هو: ان صحة الإجازة تتوقف علي كون المجيز،

مالكا، لأن اجازة غير المالك كالعدم، و المفروض انها توجب ملكية المشتري قبلها، فيلزم بعد العقد و قبل الإجازة اجتماع مالكين علي مال واحد، و المصنف قدس سره يسلم الأشكال علي القول بالكشف بنحو الشرط المتأخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 140

علي القول بالكشف و هو كون الملك حال الاجازة للمجيز و المشتري معا،

و هذا اشكال آخر تعرض لاندفاعه اخيرا، غير الاشكال الذي استنتجه من المقدمات المذكورة، و هو لزوم كون الملك للمالك الاصلي و للمشتري. نعم يلزم من ضم هذا الاشكال العام الي ما يلزم في المسألة علي القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد قبل العقد الثاني. لوجوب التزام ملكية المالك الاصلي حتي يصح العقد الثاني، و مالكية المشتري له، لأن الاجازة تكشف عن ذلك و ملكية العاقد له لأن ملك المشتري لا بد ان يكون عن ملكه، و الا لم ينفع اجازته في ملكه من حين العقد لأن إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير الي غيره. ثمّ ان ما اجاب به عن الاشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني، لان الاجازة إذا وقعت فإن كشفت عن ملك المشتري قبلها كشفت عما يبطلها، لأن الاجازة لا تكون الا من المالك الواقعي و المالك الظاهري انما يجدي اجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الاجازة (1) و لذا لو تبين في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع اجازته، لأن المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.

______________________________

الحق ان يقال في الجواب عن ذلك: انه لم يدل دليل علي لزوم اتصال ملك المجيز بزمان

الإجازة بما هي اجازة، بما هي اجازة، بل اللازم اتصال الملك بزمان التصرف الناقل مع كون زمام ذلك بيد المجيز كي يكون النقل عن ملكه باجازته و امضائه، و عليه ففي المقام بما ان زمان التصرف الناقل هو زمان العقد علي الكشف، فالمعتبر اعتبار اتصال ملكيته بذلك الزمان و هو متحقق علي الفرض. هذا علي الكشف بالمعني المشهور.

و أما علي الكشف المختار فالأشكال غير وارد اصلا لفرض اتصال ملكيته بالإجازة كما لا يخفي، مع انه يمكن ان يقال بكفاية كونه ملكا له ان لم يجز، و ان لزم من الإجازة كونه ملكا لغيره، و نظيرها في ذلك الإقرار علي ما في اليد بانه للغير، فانه لو لا الإقرار علي ان ما في يده للغير يكون له و ان كان بالإقرار يكون لغيره، فايراد المصنف علي صاحب المقابيس بقوله.

(1) لمالك الظاهري انما يجدي اجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الإجازة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 141

ثمّ ان ما ذكره في الفرق بين الاجازة و العقد الثاني من كفاية الملك الظاهري في الأول دون الثاني تحكم صرف، خصوصا مع تعليله بأن الاجازة رفع لليد و اسقاط للحق، فليت شعري ان اسقاط الحق كيف يجدي و ينفع مع عدم الحق واقعا، مع ان الاجازة رفع لليد من الملك ايضا بالبديهة، و التحقيق ان الاشكال انما نشأ من الاشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة علي الوجه المشهور، من كونها شرطا متأخرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.

الخامس: ان الاجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الاول (1) و عن كون المال ملك المشتري الأول، فقد وقع العقد الثاني علي ماله، فلا بد من اجازته،

كما لو بيع

المبيع من شخص آخر فاجاز المالك البيع الأول، فلا بد من اجازة المشتري البيع الثاني، حتي يصح و يلزم، فعلي هذا يلزم توقف اجازة كل من الشخصين علي اجازة الآخر و توقف صحة كل من العقدين علي اجازة المشتري الغير الفضولي، و هو من الاعاجيب، بل من المستحيل، لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن و تملك

______________________________

غير وارد إذ الظاهر ان ما ذكرناه مراد صاحب المقابيس من قوله يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا فلا يرد عليه ما افاده المصنف قدس سره:

(1) الخامس: ان الإجازة لما كشف عن صحة العقد الأول لزم منه كون المال حين العقد الثاني ملكا للمشتري الأول، فصحة الثاني، تتوقف علي اجازته، و هي تتوقف علي صحة الأول المتوقفة علي اجازة المشتري الأول فيلزم توقف اجازة كل من الشخصين علي اجازة الآخر، و ايضا يلزم توقف صحة كل من العقدين علي اجازة المشتري غير الفضولي، و هو محال، فان لازمه عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن، و تملك المشتري الأول المبيع بلا عوض، اما عدم تملكه المثمن فلفرض انتقاله عنه بالبيع، و أما عدم تملكه الثمن فلأن العقد الأول ينتقل ثمنه الي المالك الثاني و الثمن في العقد الثاني ينتقل الي المشتري الاول لوقوعه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 142

المشتري الأول المبيع بلا عوض ان اتحد الثمان و دون تمامه ان زاد الأول و مع زيادة ان نقص لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له، و قد كان المبيع له ايضا بما بذله من الثمن و هو ظاهر.

و الجواب عن ذلك ما تقدم في سابقه من ابتنائه علي وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك من حين

العقد و هو ممنوع. (1)

و الحاصل ان منشأ الوجوه الاخيرة شي ء واحد و المحال علي تقديره مسلم بتقريرات مختلفة، قد نبه عليه في الايضاح و جامع المقاصد.

______________________________

في ملكه، فيلزم انتقال المثمن و الثمن في العقد الثاني الي المشتري الأول.

اما كون اللازم الأول محالا فلأن حقيقة البيع هي المعاوضة، و مقتضاها تملك الثمن علي تقدير البيع، و تملك المثمن علي تقدير عدم البيع، فعدم تملك شي ء منهما مستلزم لارتفاع النقيضين.

و أما كون الثاني محالا فلأن مقتضي المعاوضة ان يتملك المشتري بعوض بعينه،

و لا يعقل تحققها و تخلف مقتضاها عنها.

(1) و اجاب المصنف قدس سره عن هذا الإيراد: بانه يرد علي القول بالكشف من حين العقد

و لو التزمنا بالكشف من حين العقد الثاني فلا يلزم محذور اصلا.

و اجاب السيد المحشي قدس سره عن لزوم توقف كل من الاجازتين علي الأخري و صحة العقد الثاني علي اجازة المشتري الأول: بان بيع مال الغير انما يكون موقوفا علي اجازته إذا كان ذلك المال ماله، مع قطع النظر عن هذا البيع، و في المقام انما تحدث الملكية من الأول بشرط هذا البيع و الإجازة، و مثل هذا لا يعقل ان يكون موقوفا علي الإجازة فصحة العقد الثاني، و اجازة المشتري الثاني لا تتوقفان علي اجازة المشتري الأول.

و فيه: ان جميع ما ذكر دليلا علي توقف صحة البيع الواقع علي مال الغير علي اجازته يدل علي توقفها عليها في المقام.

فالحق ان يقال: ان هذا المحذور انما يلزم علي القول بالكشف المشهور، و أما علي الكشف المختار فان بنينا علي الكشف من حين العقد الثاني كما مر فالامر واضح

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 143

السادس: ان من المعلوم انه يكفي في اجازة المالك

و فسخه فعل ما هو من لوازمها، و لو باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني، فقد نقل المال عن نفسه و تملك الثمن و هو لا يجامع صحة العقد الاول (1) فإنها تقتضي تملك المالك للثمن الأول و حيث وقع الثاني يكون فسخا له و ان لم يعلم بوقوعه، فلا يجدي الاجازة المتأخرة.

و بالجملة حكم عقد الفضولي قبل الاجازة، كسائر العقود الجائزة بل اولي منها فكما أن التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي.

و الجواب ان فسخ عقد الفضولي هو انشاء رده.

و أما الفعل المنافي لمضيه كتزويج المعقودة (2) فضولا نفسها من آخر، و بيع المالك ماله المبيع فضولا من آخر، فليس فسخا له خصوصا مع عدم التفاته الي وقوع عقد الفضولي

______________________________

و أما ان قلنا بكشفها عن الملكية من حين العقد الأول، فحيث ان العقد الثاني واقع في ملك المالك الأصلي فيصح بلا توقف علي شي ء و ينتقل ثمنه إليه، فإذا اجاز المشتري العقد الأول الذي اوقعه فضولا لزم منه اعتبار الملكية من حين العقد الأول بنحو النقل في الملكية و الكشف في المملوك، و هذا لا يلزم الكشف عن وقوع العقد الثاني في ملك المالك بالفعل، فان هذا الاعتبار وارد علي العقد. فتدبر فانه دقيق.

(1) السادس: ان العقد الأول انما يصح بالإجازة، و من شرائطها عدم مسبوقيتها بالرد،

و العقد الثاني يستلزم الرد، فانه لا يجامع العقد الثاني صحة الأول المقتضية لتملك المالك للثمن الأول، فلا محالة يكون الثاني فسخا للأول و ان لم يعلم بوقوعه، فلا تجدي الإجازة المتأخرة.

(2) و اجاب عنه المصنف قدس سره بان الرد و الفسخ تارة: يكون بانشائه قولا لو فعلا،

و اخري: يكون بفعل ما يفوت محل الإجازة.

و الثاني

علي قسمين: احدهما: ما يفوت محلها فيترتب عليه انحلال العقد رأسا.

ثانيهما: ما يفوت محلها بالنسبة الي الفاعل فلا مانع من بقاء العقد بالإضافة الي غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 144

غاية ما في الباب ان الفعل المنافي لمضي العقد مفوت لمحل الاجازة، فإذا فرض وقوعه صحيحا فات محل الاجازة، و يخرج العقد عن قابلية الاجازة، اما مطلقا،

كما في مثال التزويج أو بالنسبة الي من فات محل الاجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع، فإن محل الاجازة انما فات بالنسبة الي الأول، فللمالك الثاني ان يجيز، نعم لو فسخ المالك الأول نفس العقد بانشاء الفسخ بطل العقد من حينه اجماعا، و لعموم تسلط الناس علي اموالهم بقطع علاقة الغير عنها.

فالحاصل انه ان اريد من كون البيع الثاني فسخا انه ابطال لأثر العقد في الجملة فهو مسلم، و لا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة الي المالك الثاني فيكون له الاجازة، و ان اريد انه إبطال العقد رأسا فهو ممنوع، إذ لا دليل علي كونه كذلك، و تسمية مثل ذلك الفعل ردا في بعض الأحيان من حيث أنه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة الي فاعله بحيث يكون الاجازة منه بعده لغوا، نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا، لم يبعد كونه

كالانشاء بالقول، لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب

______________________________

و في المقام بما انه لم ينشأ الرد كما هو المفروض، و البيع ليس كالعتق موجبا لعدم بقاء المحل رأسا كي ينحل العقد رأسا، بل هو موجب لفوت محلها بالإضافة الي المالك لخروج المال عن ملكه و أما الفضولي الذي اشتراه فمحل الاجازة بالاضافة إليه باق فلا مانع من شمول ادلة النفوذ

له، و لا يقاس ذلك بتصرف ذي الخيار من جهة انه ينحل هناك العقد بمجرد فعل ما ينافيه، فانه هناك لو لم ينحل لم يجز التصرف لعدم كونه ملكه، و هذا بخلاف المقام كما هو واضح.

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره من: انه إذا كان فعل مفوتا لمحل الإجازة، بالإضافة الي المتصرف كان مفوتا لمحلها بالإضافة الي غيره ايضا، إذ البيع عبارة عن تبديل طرفي الاضافة مع اعتبار تعلق الاضافة بشخص خاص، فمن كان مالكا حين العقد من جهة فوت محل الإجازة بالاضافة إليه ليس له الاجازة و الفضولي الذي اشتري المال لم يكن احد طرفي الاجازة فليس له ذلك ايضا كما ليس له الرد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 145

إذ المقصود ان مجرد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد، و لذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد علي حاله من قابلية لحوق الاجازة.

و أما الالتزام في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرد الفعل المنافي فلأن صحة التصرف المنافي تتوقف علي فسخ العقد،

و إلا وقع في ملك الغير (1) بخلاف ما نحن فيه، فإن تصرف المالك في ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، لوقوعه في ملكه، فلا يتوقف علي فسخه، غاية الامر انه إذا تصرف فات محل الاجازة.

و من ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله اخيرا.

و بالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة، بل اولي فإن قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث علي المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق فضلا عن دعوي الاولوية و سيجي ء مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد

______________________________

يرد عليه: ان مآل هذا الي انه لا تطابق بين

ما وقع عليه العقد و ما تعلقت به الإجازة، و هذا هو الأشكال الثاني، و الجواب عنه قد تقدم، و الكلام في المقام في هذا المحذور المذكور من حيث هو.

و ما اورده المحقق الايرواني قدس سره عليه بان: البيع لشي ء انشاء لرد كل عقد وقع عليه علي سبيل الإجمال و ان لم يلتفت الي العقد و لم يعلم به، فكل فعل للمنافي فهو انشاء للرد فلا وجه للتفصيل بين انشاء الرد و فعل ما ينافيه.

يمكن دفعه: بان انشاء الرد انما هو كسائر الأنشاءات متقوم بالقصد و بدونه لا يتحقق، فما افاده الشيخ قدس سره متين.

(1) نعم ما ذكره اخيرا في وجه كون الفعل المنافي موجبا لانفساخ العقد في البيع الخياري

يمكن ان يورد عليه: بانه إذا لم يكن الفعل في نفسه مستلزما لإنشاء الرد لم يرد الا بذلك، لأنه، لا محذور في الالتزام بوقوعه في ملك الغير، و اصالة الصحة في الفعل لا تصلح لاثبات تحقق قصد الرد. فتدبر،

مضافا الي انه قد تقدم عدم قدح الرد في تأثير الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 146

) السابع (: الاخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلي الله عليه و آله عن بيع ما ليس عندك (1) فإن النهي فيها اما لفساد البيع مطلقا بالنسبة الي المخاطب و إلي المالك فيكون دليلا علي

فساد العقد الفضولي، و أما لبيان فساده بالنسبة الي المخاطب خاصة كما استظهرناه سابقا فيكون دالا علي عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقا و لو ملكه فأجاز، بل الظاهر ارادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع، و الا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج الي البيان

______________________________

السابع: النصوص الخاصة، و هي طائفتان:

(1) الأولي: الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي

النبي صلي الله عليه و آله عن بيع ما ليس عندك، و قد تقدم «1» في اوائل بيع الفضولي انها بحسب السند لا كلام فيها.

و تقريب دلالتها: انها تدل علي فساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة الي المالك و المخاطب، أو بالنسبة الي خصوص المخاطب. و باطلاقها تدل علي عدم وقوع البيع للبائع و لو صار مالكا و اجاز.

بل الظاهر منها ارادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع و الا فعدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج الي البيان.

و اجاب عنها المصنف قدس سره: بعد نقل الروايات الخاصة بانها تدل علي عدم ترتب الأثر المقصود من البيع علي هذا البيع، و هذا لا ينافي ترتب الأثر عليه إذا لحقه الإجازة.

و فيه: ان مقتضي اطلاقها عدم ترتب الأثر عليه و ان اجاز و اجابوا عنها باجوبة اخر احسنها جوابان- و قد تقدما- احدهما: ان الظاهر البدوي من النبوي النهي عن بيع ما ليس حاضرا عنده، سواء كان مملوكا له ام لا، قدر علي تسليمه ام لا، كليا ام شخصيا و حيث انه لا يمكن الالتزام به تعين حمله اما علي النهي عن بيع ما ليس مملوكا له. أو علي النهي عن بيع ما لا يقدر علي تسليمه، و ان لم يكن الثاني اقرب لا كلام في عدم اقربية الأول.

______________________________

(1) راجع ص 33.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 147

الي البيان، و خصوص رواية يحيي بن الحجاج المصححة إليه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها اربحك كذا و كذا، قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه قبل ان تستوجبها أو تشتريها.

و رواية خالد بن الحجاج

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني و يقول:

اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك؟ قلت:

بلي، قال: لا بأس به، انما يحلل الكلام و يحرم، الكلام بناء علي ان المراد بالكلام عقد البيع فيحلل نفيا و يحرم اثباتا، كما فهمه في الوافي، أو يحلل إذا وقع بعد الاشتراء و يحرم إذا وقع قبله أو ان الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان بعنوان العقد الملزم. و يحلل إذا كان علي وجه المساومة و المراضاة.

و صحيحة ابن مسلم قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو نسية، فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

و صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه السلام في رجل امر رجلا ليشتري له متاعا فيشتريه منه، قال لا بأس بذلك، انما البيع بعد ما يشتريه.

و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام يجيئوني الرجل فيطلب مني بيع الحرير و ليس عندي شي ء، فيقاولني و أقاوله في الربح و الاجل،

حتي يجتمع علي شي ء، ثمّ اذهب لاشتري الحرير فادعوه إليه، فقال: أ رأيت ان وجد مبيعا هو أحب إليه مما عندك أ تستطيع أن تصرف إليه عنه و تدعه، قلت نعم قال: لا بأس و غيرها من الروايات

______________________________

الطائفة الثانية النصوص الخاصة، كصحيح يحيي بن الحجاج «1» خبر خالد بن الحجاج «2» صحيح محمد بن مسلم «3» و صحيح منصور «4» و صحيح معاوية «5» المذكورة جميعا في الكتاب

______________________________

(1) الوسائل باب 8 من ابواب العقود حديث 8.

(2) نفس المصدر ح

6.

(3) المصدر ح 7.

(4) نفس المصدر حديث 13.

(5) نفس المصدر حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 148

و لا يخفي ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها و من حيث التعليل في بعضها الآخر، في عدم صحة البيع قبل الاشتراء، و انه يشترط في البيع الثاني تملك البائع له و استقلاله، فيه، و لا يكون قد سبق منه و من المشتري الزام و التزام سابق لذلك المال و الجواب عن العمومات انها انما تدل علي عدم ترتب الاثر المقصود من البيع و هو النقل و الانتقال المنجز علي بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتب الأثر علي هذا البيع لا من طرف البائع بأن يتصرف في الثمن و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع، و منه يظهر الجواب عن الاخبار (1) فإنها لا تدل خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام و لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها الا علي ان الممنوع منه هو الالزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء، فكذا بعده من دون حاجة الي اجازة و هي المسألة الآتية اعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة الي الاجازة و سيأتي ان الاقوي فيها البطلان،

و ما قيل من ان تسليم البائع للمبيع، بعد اشترائه من المشتري الأول مفروض في مورد الروايات و هي اجازة فعلية مدفوع بأن التسليم إذا وقع باعتقاد البيع السابق و كونه من مقتضيات لزوم العقد و انه مما لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه إذا امتنع فهذا لا يعد إجازة و لا يترتب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي، لأن المعتبر في الإجازة قولا و فعلا ما يكون عن سلطنة و

استقلال، لأن ما يدل علي اعتبار طيب النفس في صيرورة

______________________________

(1) و المصنف قدس سره اجاب عنها اولا بما حاصلة: انها تدل علي المنع عن الإلزام

و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع قبل الاشتراء، فكذا بعده من دون حاجة الي الإجازة،

و هذا لا ينافي الصحة مع الإجازة. ثمّ رجع عن ذلك و التزم بدلالتها علي الفساد من جهة ان عدم ترتب الأثر المقصود علي عقد الا مع انضمام بعض الأمور اللاحقة كالقبض و الإجازة لا يقتضي النهي عنه بقول مطلق، بل لا بد من النهي عنه مقيدا بتجرده عن ذلك القيد. فاطلاق النهي يقتضي الفساد حتي مع الإجازة.

و الحق في المقام ان يقال: ان الصحاح الثلاثة الأخيرة ظاهرة في ارادة بيع الكلي،

و تدل علي انه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ثمّ اشتراء بعض افراده و تسليمه الي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 149

مال الغير حلالا لغيره يدل علي عدم كفاية ذلك، نعم يمكن ان يقال: ان مقتضي تعليل نفي البأس في رواية خالد المتقدمة، بأن المشتري إن شاء أخذ و ان شاء ترك ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه علي الاصيل. و هذا محقق فيما نحن فيه بناء علي ما تقدم، من انه ليس للأصيل في عقد الفضولي المعاملة قبل اجازة المالك اورده لكن الطاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم إرادة اللزوم من الطرفين.

و الحاصل ان دلالة الروايات عموما و خصوصا علي النهي عن البيع قبل الملك مما لا مساغ لإنكاره، و دلالة النهي علي الفساد أيضا مما لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة، إلا أنا نقول أن المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار في مقابل الصحة

التي هي امضاء الشارع، لما يقصد عرفا من انشاء البيع مثلا لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي ء قبل تملكه، علي الوجه الذي يقصده اهل المعاملة، كأن يترتب عليه بعد البيع النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع في الثمن و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من مالكه و تسليمه، و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله علي تسليمه، ففساد البيع بمعني عدم ترتب جميع ذلك عليه و هو لا ينافي قابلية العقد للحقوق الإجازة من مالكه حين العقد

______________________________

المشتري الأول، و قد اتفق النص و الفتوي خلافا للعامة علي جواز ذلك، فيتعين حملها علي التقية- كما يظهر من بعض النصوص المجوزة- أو الكراهة.

و ما ذكره بعض الاساطين و امضاه المصنف في آخر هذا الفرع من الحكم في موردها و ان كان يحمل علي التقية الا ان ذلك لا ينافي الأخذ بمقتضي عموم مفهوم التعليل و هو يقتضي البطلان في بيع الشخصي.

يرد عليه: ان عموم التعليل لا يقبل التبعيض بان يحمل علي التقية أو الكراهة في بعض موارده و هو الكلي، و الأخذ بظاهره في مورده الآخر، لا سيما و ان مورد وروده الكلي، إذ بقائه في غير مورد الأخبار و القائه في موردها بعيد جدا. فهذه النصوص ساقطة.

و أما خبر خالد بن الحجاج: فقد مر الكلام فيه في مبحث المعاطاة و عرفت انه قاصر سندا و دلالة.

اما الأول: فلدوران الراوي بين ابن بختج و ابن الحجاج و الأول مجهول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 150

أو ممن يملكه بعد العقد و لا يجب علي القول بدلالة النهي علي الفساد،

وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر اصلا، كما يستفاد من وجه دلالة النهي علي الفساد فإن حاصله دعوي

دلالة النهي علي إرشاد المخاطب و بيان ان مقصوده من الفعل. المنهي عنه و هو الملك و السلطنة من الطرفين لا يترتب عليه، فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين لا أنه لغو من جميع الجهات، فافهم.

اللهم الا أن يقال: أن ترتب جميع مقاصد المتعاقدين علي عقد بمجرد إنشائه، مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع، مقيدا بانضمام بعض الأمور اللاحقة، كالقبض في الهبة و نحوها، و الاجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقول مطلق، إذ معني صحة المعاملة شرعا ان يترتب عليها المدلول المقصود من انشائه و لو مع شرط لاحق، و عدم بناء المتعاملين علي مراعاة ذلك الشرط،

لا يوجب النهي عنه الا مقيد بتجرده عن لحوق ذلك الشرط فقصدهم ترتب

الملك المنجز علي البيع قبل التملك بحيث يسلمون الثمن و يطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد. فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك

______________________________

و أما الثاني: فلأن الظاهر منه ثبوت البأس في صورة الزام المواعد بقبول السلعة، و وجهه عدم تحقق البيع في مفروض السؤال و يكون قوله عليه السلام انما يحلل الكلام و يحرم الكلام بيانا لذلك، لأن المراد بالكلام الالتزام البيعي، و المراد بالمحللية و المحرمية المنسوبة إليه محللية الايجاب للمبيع علي المشتري و الثمن علي البائع، و محرمية المبيع علي البائع و الثمن علي المشتري. و تمام الكلام في محله.

و أما صحيح يحيي: فالظاهر منه عدم لزوم البيع قبل الاشتراء. توضيح ذلك ان ايجاب البيع عبارة عن اقرار و اثباته علي الوجه الذي لا يبقي مجال لحله و فسخه من الطرفين بنحو يكون الاشتراء مقدمة للوفاء لا لتتميم المعاملة- قبل استيجابها اي جعل البيع لازما علي نفسه- أو الاشتراء- اي التملك

المجامع مع الخيار- و النهي عنه ارشاد الي عدم تحققه، فيدل علي عدم لزوم البيع قبل ان يملك. و هذا مما لا كلام فيه.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي الفساد لا يدل عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 151

الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع، و عدم ترتب اثر الانشاء المقصود منه عليه مطلقا حتي مع الاجازة. و أما صحته بالنسبة الي المالك إذا اجاز، فلأن النهي راجع الي وقوع البيع المذكور للبائع، فلا تعرض فيه لحال المالك إذا اجاز،

فيرجع فيه الي مسألة الفضولي. نعم قد (1) يخدش فيها ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها في بيع الكلي، و انه لا يجوز بيع الكلي في الذمة، ثمّ اشتراء بعض افراده و تسليمه الي المشتري الأول، و المذهب جواز ذلك و ان نسب الخلاف فيه الي بعض العبائر، فيقوي في النفس انها و ما ورد في سياقها في بيع الشخصي أيضا كروايتي يحيي و خالد المتقدمتين أريد بها الكراهة، أو وردت في مقام التقية، لأن المنع عن بيع الكلي حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع مذهب جماعة من العامة، كما صرح به في بعض الاخبار مستندين في ذلك الي النهي عن بيع ما ليس عندك. لكن الاعتماد علي هذا التوهين في رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع الشخصي و عموم مفهوم التعليل في الاخبار الواردة في بيع الكلي خلاف الانصاف إذ غاية الامر حمل الحكم في مورد تلك الاخبار و هو بيع الكلي قبل التلك علي التقية، و هو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا فتدبر.

______________________________

(1) قوله نعم قد يخدش فيها ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها في بيع

الكلي هذا استدراك عما ذكره بقوله فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك الروايات.

و الفرض انه ربما يخدش في تلك الروايات و حاصلها ان دلالتها علي المنع متوقف علي امور- شمولها لبيع الشخصي و دلالتها علي التحريم و الارشاد الي الفساد و ظهورها في كونها في مقام بيان الحكم الواقعي.

و حيث ان اكثر الروايات واردة في بيع الكلي و انه لا يجوز بيع الكلي في ذمته ثمّ اشتراء بعض

افراده و تسليمه الي المشتري فهي لا تشمل ما هو موضوع البحث.

و خبرا يحيي و خالد و ان كانا في بيع الشخصي لما فيهما من اشتر لي هذا الثوب،

من جهة وحدة سياقهما مع الروايات الخاصة الآخر يحملان علي التقية أو الكراهة،

و تقدم ما هو الحق عندنا فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 152

فالاقوي العمل بالروايات و الفتوي بالمنع عن البيع المذكور، و مما يؤيد المنع مضافا الي ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوي الاتفاق رواية الحسن بن زياد (1) الطائي الواردة في نكاح العبد بغير اذن مولاه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

اني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي، ثمّ اعتقني بعد فأجدد النكاح؟ فقال: علموا انك تزوجت؟ قلت: نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا، قال:

ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك، الخبر.

فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق علي ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج الي الاستفصال عن ان المولي سكت ام لا،

للزوم العقد علي كل تقدير.

______________________________

(1) قوله و مما يؤيد المنع مضافا الي … رواية الحسن «1» بن زياد

الطائي الوارد في نكاح العبد هذا الخبر من حيث السند لا كلام لنا فيه فانه و ان كان الحسن مجهول الحال،

الا ان الراوي عنه ابان الذي هو من اصحاب الاجماع و أما من حيث الدلالة فقد افيد في وجهها انها صريحة في ان علة البقاء هو اقرار المولي المستفاد من سكوته فلو كان الانعتاق وحده أو مع الاجازة بعده مسوغا للبقاء لم يكن هناك حاجة الي الاستفصال المذكور للزوم العقد علي كل تقدير و فيه اولا ان في اعمال العبد خصوصية ليست في غيره، و هي عدم استقلاله في التصرف و اندكاك سلطانه في سلطان مولاه- و لذا لو باع مال غيره توقف صحته علي اجازة مولاه أو اذنه، فعدم الصحة في المقام بمجرد الانعتاق أو مع الاجازة لا يلازم عدم الصحة في البيع و ثانيا انه يمكن ان يكون نظره عليه السلام و غرضه تصحيح الزواج من الاول لأعمية نفعه و اتمية فائدته- أو يقال ان المعلول يستند الي اسبق العلل فاستفصل عن وجود علة سابقة.

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 153

ثمّ ان الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات، (1) و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشتري المشتري غير مترقب لإجازة المالك و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا، و هذا هو الذي ذكره العلامة رحمهم الله في التذكرة، نافيا للخلاف في فساده، قال: لا يجوز ان يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلمها. و به قال الشافعي و أحمد، و لا نعلم فيه خلافا لقول النبي عليه السلام لاتبع ما ليس عندك و لاشتمالها علي الغرر،

فإن صاحبها قد لا يبيعها و هو غير مالك لها، و لا قادر علي تسليمها، اما لو اشتري موصوفا في الذمة سواء كان حالا أو مؤجلا فإنه جائز اجماعا، انتهي.

و حكي عن المختلف ايضا الاجماع علي المنع ايضا، و استدلاله بالغرر و عدم القدرة علي التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة مجيز، بل وقع علي وجه يلزم علي البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه، فحينئذ لو تبايعا علي ان يكون العقد موقوفا علي الاجازة، فاتفقت الاجازة من المالك أو من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الاخبار و لا في معقد الاتفاق و لو تبايعا علي ان يكون اللزوم موقوفا علي تملك البائع دون اجازته، فظاهر عبارة الدروس انه من البيع المنهي عنه في الاخبار المذكورة حيث قال: و كذا لو باع ملك غيره، ثمّ انتقل إليه فاجاز و لو اراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده، و قد نهي عنه، انتهي.

لكن الانصاف ظهورها في الصورة الاولي و هي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل

______________________________

صور بيع من باع شيئا ثمّ ملكه

(1) قال المصنف ان الواجب علي كل تقدير هو الاقتصار علي مورد الروايات

و تنقيح القول في المقام: ان البائع ربما يبيع لنفسه، و ربما لمالكه، و ثالثة يبيع للاجنبي.

اما الصورة الأولي: فتارة: يبيع منجزا بحيث يري نفسه ملزما في ذلك فيشتري المبيع من مالكه مقدمة للوفاء بعقده. و اخري: يبيع علي ان يكون العقد موقفا علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 154

و الانتقال و عدم الوقوف علي شي ء (1) و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك حيث علل المنع بالغرر و عدم القدرة علي التسليم، و اصرح منه كلامه المحكي عن المختلف

في فصل النقد و النسية و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلي البائع فاجازه. فالظاهر ايضا الصحة لخروجه عن مورد الاخبار.

نعم قد يشكل فيه من حيث أن الإجازة لا متعلق لها، لأن العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصلي، و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه، و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة، و هي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه فتأمل

______________________________

الإجازة، و ثالثة يبيع علي ان يكون اللزوم موقوفا علي التملك.

(1) و المصنف ادعي: ان المتيقن من النصوص هو الفرض الأول، و ان الأخيرين باقيان تحت العمومات المقتضية للصحة. و استظهر من تعليل العلامة قدس سره للفساد بالغرر و عدم القدرة علي التسليم: ان ما هو مفتي به عند الأصحاب هو هذا الفرض.

و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره، بما حاصله يرجع الي امرين احدهما: ان الأخبار مطلقة، و المراد من التعليق ان كان هو التعليق البنائي فقد تقدم ان البناء القلبي لا يؤثر في الصحة و الفساد في باب المعاملات، و ان كان هو التعليق في المنشأ فقد اجمعوا علي بطلانه.

ثانيهما: انه ليس لتعليق اللزوم علي التملك معني محصل في المقام، لأنه عبارة عن جعل الخيار، و هو انما يكون مقابلا للالتزام العقدي من المالك، و ليس العقد منسوبا الي البائع في المقام. و الاسم المصدري غير الحاصل لا معني لجعل الخيار فيه.

و لكن ظاهر المصنف قدس سره اختيار الشق الأول و ادعائه ان مقتضي العمومات هي الصحة مع الإجازة في جميع الفروض، غاية الأمر في الفرض الأول، و هو البيع المنجز، و الملزم عرفا ورد النهي عنه بالخصوص، و حيث انه ارشاد

الي الفساد فيدل علي فساده.

و وجه استظهاره: ان متعلق النهي في بعضها مواجبة البيع و اقراره المساوق لكونه منجزا، و قوله عليه السلام: انما البيع بعد ما يملكه في بعضها الآخر، ظاهر في ذلك فان البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 155

______________________________

ظاهر في التمليك بالحمل الشائع المساوق للمنجز، إذ مع الملكية لا تمليك بالفعل لاتحاد الوجود و الإيجاد و بهذا يندفع كلا الايرادين: اما الأول: فواضح، و أما الثاني: فلأن المراد باللزوم المعلق علي التمليك ليس هو لزوم العقد شرعا، بل لزومه عرفا.

و له قده اختيار الشق الثاني. و دعوي الإجماع علي مبطلية التعليق، مندفعة بانها تم في غير القيود التي تكون صحة العقد متوقفة عليها. فراجع ما ذكرناه.

و اورد المحقق الايرواني قدس سره علي ما استظهره من تعليل العلامة قدس سره: بان الشراء مترقبا أو غير مترقب لا أثر له في رفع الغرر و حصوله و لا في القدرة و عدمها، فان توطين النفس علي رفع اليد عن البيع عند عدم الاجازة كتوطين النفس علي الالتزام بالمبيع المجهول علي أي وجه كان في عدم رفعه للغرر.

و فيه: ان البيع مترقبا للاجازة لوجب القطع بعدم الانتقال عن ملكه ما لم يدخل بدله في ملكه، بخلاف ما إذا كان البيع منجزا فلا غرر في الأول، كما ان البائع بعد تملكه يكون شرعا قادرا علي تسليمه.

فتحصل: ان ما ذكره المصنف قدس سره تام، و ان كان ما افاده من الفساد في الفرض الأول حتي مع الإجازة بعد التملك غير تام كما تقدم.

و أما الصورة الثانية: قد ذهب المصنف قدس سره الي انها غير مشمولة لنصوص المنع، و هو كذلك ثمّ اورد علي الحكم بالصحة فيها من جهة ان

الإجازة لا متعلق لها لأن العقد كان انشاء للبيع عن المالك الأصلي، و لا معني لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه.

فأجاب عنه: بانه يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الأشكال في عكس المسألة: بان يكون البيع للمالك بما انه مالك بنحو تكون الحيثية تقييدية لا تعليلية.

و لكنه يمكن ان يورد عليه: بانه في عكس المسألة علي مبني المصنف قدس سره- من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 156

و لو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا عليه عدوانا، فإن اجاز المالك فلا كلام في الصحة بناء علي المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك، و ان ملكه الثالث و اجازه أو ملكه البائع فأجازه فالظاهر انه داخل في المسألة السابقة.

______________________________

ان حقيقة البيع هي المعاوضة- لا يتصور بيع الغاصب لنفسه الا بايقاع البيع للمالك بما انه مالك و ادعاء انه المالك فلذا التزموا بذلك و أما في المسألة فيمكن قصد كل من شخص المالك و ذاته و عنوان المالك و كل منهما يجتمع مع قصد المبادلة فوقوع البيع للمالك بعد الشراء و اجازته يتوقف علي اثبات كون البيع لعنوان المالك، و حيث لا سبيل إليه فلا وجه للحكم بالصحة.

و أما بناء علي ما ذكرناه من ان البيع ليس معاوضة بل حقيقته الاعطاء لا مجانا،

فيمكن تصحيح هذه المعاملة للمالك الأول باجازة المالك الثاني، و تصحيحها للثاني بالتقريب الذي ذكرناه في عكسها. فراجع.

(1) و أما الصورة الثالثة: ففيها فرضان الاول: ان يكون ذلك الغير موكلا اياه في هذا البيع أو تحت ولايته.

الثاني: ان يكون اجنبيا عنه.

اما الفرض الأول: فالظاهر اتحاده مع الصورة الأولي من حيث الحكم و المدرك، إذ البيع للنفس ثمّ الاشتراء اعم من البيع بالمباشرة أو التسبيب- هكذا

قيل و لكن الانصاف ان دعوي اختصاص نصوص المنع بالأولي و عدم شمولها لهذا المورد قريبة جدا، فحكم الفرضين واحد و هو انه لو باع بانيا علي مالكيته علي تقدير كون البيع معاوضة حقيقة أو بدونه- علي تقدير عدمه- فان اجاز المالك صح للمالك علي الأول، و لذلك الغير علي الثاني.

و ان ملكه الثالث فاجاز صح له، و ان ملكه البائع فاجازه صح له علي التقدير الأول، و للبائع علي الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 157

ثمّ انه قد ظهر مما ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الاخري و هي ما لو لم يجز البائع بعد تملكه، فإن الظاهر بطلان البيع الأول (1) لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقينا، (2) مضافا إلي قاعدة تسلط الناس علي أموالهم، و عدم صيرورتها حلالا من دون طيب النفس (3) فإن المفروض ان البائع بعد ما صار مالكا لم يطب نفسه بكون ماله للمشتري الأول، و التزامه قبل تملكه بكون هذا المال المعين للمشتري ليس التزاما الا بكون مال غيره له.

______________________________

حكم ما إذا لم يجز البائع بعد تملكه

الثانية: ما لو لم يجز المالك علي تقدير تملكه قال المصنف

(1) الظاهر بطلان البيع الاول.

(2) و قد استدل له: بالاخبار المتقدمة بدعوي شمولها لهذه المسألة يقينا «1»

(3) إذ المفروض ان المالك بعد ما صار مالكا لم يرض بكون ماله للمشتري الاول،

و التزامه القبلي لم يكن الا التزاما يكون مال غيره له.

و لكن يرد عليه: ان ما ذكره من شمول الأخبار لهذه المسألة يقينا، من غير ان يفصل بين كون البيع منجزا ام معلقا علي تملك البائع أو اجازته، ينافي ما ذكره قبل اسطر من دعوي اختصاصها بالفرض الأول، اللهم الا ان يقال: ان مفروض كلامه في المقام هو البيع منجزا.

الصحيح

ان يستدل له: بانه مع عدم الإجازة لا دليل علي صحته، لأن العمومات مختصة بالبيع المستند الي المالك، و في المقام لا يكون مستندا إليه، إذ المراد من الاستناد الي المالك ليس قيام الانشاء به،

بل المراد اضافة البيع الي المالك بما هو مالك، و هذا العقد قبل التملك لم يكن مضافا إليه لعدم التملك، و بعده لا يستند إليه لعدم الإجازة.

______________________________

(1) النساء آية 30- الوسائل- باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 158

اللهم الا أن يقال ان مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط علي كل عاقد و شارط هو اللزوم علي البائع بمجرد انتقال إليه (1) و ان كان قبل ذلك اجنبيا لا حكم لوفائه و نقضه، و لعله لأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الايضاح: بناء علي صحة الفضولي صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف علي الاجازة قيل: و يلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك. و قد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكية في المعتبر، لكن يضعفه ان البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك، فيستصحب (2) و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلي حكم العام فتأمل. مضافا إلي معارضة العموم المذكور.

______________________________

و بعبارة اخري: الاضافة الي المالك امر قصدي لا قهري، فكيف يلتزم بها بمجرد التملك.

(1) و قد استدل لعدم الحاجة الي الاجازة: بما دل علي وجوب الوفاء بالعقود «1».

بتقريب: ان العقد صادر من هذا الشخص، و المانع عن لزوم الوفاء به قبل التملك هو كون المبيع مال الغير، إذ لا معني للوفاء بالالتزام بمال الغير، و بعد زوال المانع و صيرورته ملكا له لا مانع من توجه الأمر بالوفاء

إليه.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(2) احدهما: ان دليل الوفاء قبل الملك لم يكن شاملا له، فيستصحب بعده، و المقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع الي حكم العام.

و فيه: ان عدم شمول العام له بالتقريب الذي ذكرناه لم يكن من جهة خروج بعض الأفراد في بعض الأزمان، بل كان من جهة عدم تمامية موضوع العام في نفسه، إذ لا وفاء للالتزام بمال الغير.

فالبائع قبل التملك غير داخل في موضوع العام، فيكون نظير من لم يكن مشمولا لدليل وجوب اكرام العالم لعدم كونه عالما، ثمّ صار كذلك،

______________________________

(1) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 159

بعموم سلطنة الناس علي اموالهم و عدم حلها لغيرهم إلا عن طيب النفس (1) و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون اذن مولاه، و ان عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولي الذي هو بمنزلة الاجازة، ثمّ لو سلم عدم التوقف علي الاجازة، فانما هو فيما إذ باع الفضولي لنفسه. اما لو باع فضولا للمالك أو لثالث ثمّ ملك هو

______________________________

فهل يتوهم فيه كونه موردا لاستصحاب عدم وجوب الاكرام،

مع انه لو سلم كونه مشمولا لدليل العام في نفسه و خروجه بدليل مخصص بما انه يكون خارجا عنه من الأول لا من الوسط لا يكون موردا الاستصحاب حكم الخاص،

مضافا الي ذلك كله ما حققناه في محله من كون المرجع عموم العام في جميع الموارد لا استصحاب حكم الخاص. و تمام الكلام في محله.

(1) الثاني: معارضة العموم المذكور بعموم ما دل علي «1» سلطنة الناس علي اموالهم،

و «2» عدم حلها لغيرهم الا عن طيب النفس.

و قد يورد عليه: بان هذا يتم لو

قلنا بدخوله في ملكه و خروجه عن ملكه من دون رضاه،

و أما إذا قلنا بدخوله في ملك المشتري الأول بمجرد اشتراء البائع- من جهة ان البيع الأول مقتض لدخول المال في ملك المشتري و كونه ملكا للغير مانعا، فإذا زال المانع اثر المقتضي اثره- فلا يدخل في ملكه بخروجه عن ملك مالك الاصلي.

فالصحيح ان يجاب عنه: بان العقد قبل التملك غير مستند الي المالك الفعلي، و بعده لا إجازة منه كي يستند إليه، و مع عدم الاستناد لا يكون مشمولا للعمومات.

فالأظهر عدم الصحة ما لم يجز.

______________________________

(1) البحار ج 1- ص 154 الطبع القديم- و ج ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل- باب 3- من باب ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 160

فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة الي البائع اشكل، (1) و لو باع وكالة عن المالك، فبان انعزاله بموت الموكل فلا اشكال في عدم وقوع البيع له بدون الاجازة و لا معها، نعم يقع للوارث مع اجازته.

المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف، فبان كونه جائز التصرف،
اشارة

و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه اما عدم الولاية، فانكشف كونه وليا. و أما ان يبيع لنفسه فالصور أربع:

الاولي: ان يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع، فلا ينبغي الاشكال في اللزوم حتي علي القول ببطلان الفضولي، (2)

______________________________

(1) قوله فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشرط بالنسبة الي البائع اشكل.

وجه الاشكلية عدم الاضافة إليه من جهة عدم قصد البيع لنفسه.

و فيه انه لا يتم مسلكه قده من كون البائع لغير المالك انما يبيع لعنوان المالك فانه إذا باع لهذا العنوان ثمّ انطبق عليه ذلك العنوان كان بعينه من باع لنفسه ثمّ ملك.

لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف

المسألة الثالثة: ما لو باع معتقدا

لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف، و عدم

جواز التصرف المنكشف خلافه اما لعدم الولاية أو لعدم الملك، و علي كل منهما اما ان يبيع عن المالك أو عن نفسه، فالصور اربع:

الأولي:

ان يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا،

(2) و اختار المصنف قدس سره في هذه الصورة صحة البيع و عدم توقفها علي الاجازة و تبعه غيره.

و الوجه في ذلك ان المفروض كونه وليا فلا يكون فضوليا، و سائر الشرائط من قبيل المصلحة موجودة، فالعقد صادر من اهله واقع في محله فتشمله ادلة النفوذ و ان لم يكن البائع عالما به.

و دعوي ان العلم بالولاية جزء الموضوع،

مندفعة بكون ذلك خلاف ظاهر الادلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 161

لكن الظاهر من المحكي عن القاضي: انه إذا اذن السيد لعبده (1) في التجارة، فباع و اشتري و هو لا يعلم باذن سيده، و لا علم به احد لم يكن مأذونا في التجارة و لا يجوز شي ء مما فعله، فإن علم بعد ذلك و اشتري و باع جازما فعله بعد الاذن و لم يجز ما فعله قبل ذلك، فإن أمر السيد قوما ان يبايعوا العبد و العبد لا يعلم باذنه له كان بيعه و شراؤه منهم جائزا، و جري ذلك مجري الاذن. الظاهر فإن اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز، انتهي.

و عن المختلف الايراد عليه بانه لو اذن المولي و لا يعلم العبد، ثمّ باع العبد،

صح لأنه صادف الاذن و لا يؤثر فيه اعلام المولي بعض المعاملين، انتهي و هو حسن.

______________________________

من جهة ان الأحكام تدور مدار موضوعتها واقعا، و اناطتها بالعلم تحتاج الي دليل مفقود.

(1) قوله لكن الظاهر من المحكي عن القاضي انه إذا اذن السيد العبد يحتمل ان يكون، نظر

القاضي قدس سره الي ان حقيقة الاذن الذي هو الاعلام و اظهار الرضا و الرخصة انما تكون إذا كان بحضرته من يظهر له، و الا فلا يعقل الاظهار و الاراءة فمع عدم اطلاع الغير لا يكون اذن، و عليه فما ذكر من خصوص المعاملين في كلامه من باب المثال و يشهد له قوله في ذيل كلامه فان اشتري العبد بعد ذلك من غيرهم و باع جاز و علي هذا فلا مورد لإيراد المختلف عليه كما لا يخفي نعم يرد عليه ما ذكرناه في اوائل عقد الفضولي من كفاية الرضا و طيب النفس الواقعي في الخروج عن الفضولية.

و اورد السيد قده علي ما اختاره المصنف: بان العقد و ان صدر عمن كان نافذ التصرف الا ان المفروض عدم علمه بذلك، فلعله لو كان عالما بانه ولي ما كان راضيا بهذا البيع الخاص، و مجرد موافقته للمصلحة لا يوجب لزومه علي الولي، إذ يمكن ان يكون هناك فرد آخر من البيع مثله في الصلاح، فيكون الاختيار في التعيين إليه، فلا فرق بين هذه الصورة و بين ما لو بان كونه مالكا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 162

الثانية: ان يبيع لنفسه و انكشف كونه وليا. (1)

فالظاهر ايضا صحة العقد لما عرفت من ان قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع و لا يقدح. و في توقفه علي اجازته للمولي عليه وجه، لأن قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع علي الوجه المأذون (2) فتأمل.

______________________________

و بالجملة يعتبر القصد الي النقل و الرضا بعنوان انه مال المولي عليه، و المفروض عدمه في الفرض.

و فيه: ان الدليل «1» انما دل علي نفوذ تصرفات الولي في مال المولي عليه بما فيه صلاحه، و

لم يدل دليل علي لزوم قصد عنوان المولي عليه بهذا العنوان، و القطع بعدم رضاه بالمعاملة لو التفت الي الولاية لا يضر إذا كان راضيا بالفعل- فضلا عن احتماله- فإنه من قبيل تخلف الداعي.

فالأظهر هي الصحة و عدم التوقف علي الإجازة.

لو باع لنفسه و انكشف كونه وليا

(1) الصورة الثانية: ان يبيع لنفسه و ينكشف كونه وليا و ملخص القول فيها: انه بناء علي ما افاده المصنف قدس سره في بيع الغاصب لنفسه من انه انما يبيع للمالك بما هو مالك تحقيقا للمعاوضة لا بد من البناء علي الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، اما الصحة فلأن البيع واقع للمالك، و أما عدم الوقوف علي الإجازة فلصدوره عن رضا من له الولاية علي مثل هذا البيع فلا حاجة الي الإجازة.

(2) و ما ذكره قدس سره في وجه الاحتجاج إليها من عدم الوقوع علي الوجه المأذون فيه،

يرد عليه: ان غرضه ان كان عدم كونه مأذونا فيه تكليفا فيرده: ما تقدم من عدم كون بيع الفضولي لنفسه أو لغيره حراما. و ان كان غرضه عدم كونه مأذونا فيه وصفا،

فيرده: ان المفروض كونه وليا، و لعله الي هذا اشار بقوله فتأمل و أما بناء علي ما ذكرناه من الالتزام بها في الموضوعات الشخصية

______________________________

(1) الوسائل- باب 15- من ابواب عقد البيع و شروطه- و باب 88- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 163

الثالثة: أن يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكا (1) و قد مثله الأكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته، فبان ميتا. و المشهور الصحة بل ربما استفيد من كلام العلامة في القواعد و الإرشاد في باب الهبة الاجماع، و لم نعثر علي مخالف صريح الا ان الشهيد رحمهم الله

ذكر في قواعده انه لو قيل بالبطلان أمكن و قد سبقه في احتمال ذلك العلامة و ولده في النهاية و الايضاح، لأنه انما قصد نقل المال عن الاب لا عنه (2) و لانه و ان كان منجزا في الصورة الا أنه معلق و التقدير ان مات مورثي فقد بعتك فلانه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاد ان المبيع لغيره، انتهي.

______________________________

لأن الفرد الخارجي غير قابل للتعدد، فتقييده ممتنع، فالأب إذا كان هو الذي بيع عنه فهو ملحوظ بخصوصته، و توصيفه بانه المالك حيثية تعليلية، و الحيثية لا أثر لها لاتّحاد المنشأ و المجاز.

لو باع عن المالك فانكشف كونه مالكا

(1) الصورة الثالثة: ان يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكا.

و الكلام فيها يقع في جهتين:

الأولي: في انه هل يصح ام لا؟ الثانية: في انه علي فرض الصحة هل يتوقف علي الإجازة ام لا؟ اما الجهة الأولي: فعن العلامة و ولده و الشهيد و غيرهم: القول بالبطلان فيما لو باع مال ابيه بظن حياته فبان ميتا و استدل له بامرين:

(2) الاول: ما توضيحه: ان البيع للاب بظن حياته بحسب الطبع انما يكون بيعا للأب، و حيثية الملكية تكون تعليلية لا تقييدية، فمن قصد البيع له لم يكن مالكا ليقع له و لو باجازته. و بهذا البيان يظهران ما اورده المصنف قدس سره عليه: بقوله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 164

اقول: أما قصد نقل الملك عن الاب فلا يقدح في وقوعه لأنه، انما قصد نقل الملك عن الأب من حيث أنه مالك باعتقاده ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك (1)

لكن أخطأ في اعتقاده ان المالك ابوه

______________________________

(1) ففي الحقيقة انما قصد النقل عن المالك.

و بعبارة اخري ان بيعه عن الاب انما يكون عنه من حيث انه

مالك باعتقاده،

ففي الحقيقة انما قصد البيع عن المالك كما ذكروه فيما لو باع ملك غيره باعتقاد انه ملكه،

غير وارد.

ثمّ ان المحقق النائيني قدس سره اورد علي المصنف قدس سره: بان الحيثية لا يمكن الالتزام بها في الموضوعات الشخصية، لأن الفرد الخارجي غير قابل للتعدد، فتقييده ممتنع، فالأب إذا كان هو الذي بيع عنه فهو ملحوظ بخصوصيته، و توصيفه بانه المالك حيثية تعليلية،

و الحيثية التعليلية لا أثر لها لاتّحاد المنشأ و المجاز.

و فيه: ان الأفعال الخارجية المتعلقة بالموضوعات الشخصية علي قسمين:

الأول: الأفعال الحقيقية غير المتقومة بالقصد كالأكل.

الثاني: الأفعال الاعتبارية المتقومة به كالبيع و الائتمام.

و القسم الأول يتم فيه ما ذكره من جهة ان تلك الأفعال لا تتعلق بالعناوين، مثلا الضرب لا يتعلق بالعنوان فهو اما ان يقع و أما لا، و لا يعقل وقوعه علي تقدير دون تقدير و لا يتم في القسم الثاني لأن الأفعال التي تكون من هذا القبيل تتعلق بالعناوين الكلية.

ففي المقام يتصور وقوع البيع عن الأب علي وجهين.

الأول: وقوعه عن المالك، بحيث تكون الحيثية تقييدية.

الثاني: وقوعه عنه بنحو تكون الحيثية تعليلية.

فما افاده المصنف قدس سره لا يرد عليه ذلك، فالصحيح ان يورد عليه بما ذكرناه.

نعم هذا الايراد وارد عليه علي مسلكه قدس سره، حيث انه في كتاب الصلاة في مبحث الجماعة في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 165

و قد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة اي ما لو باع ملك غيره باعتقاد انه ملكه، نعم من ابطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده هنا لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه، و لذا نقول نحن كما سيجي ء باشتراط الاجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب

النفس حال العقد، و أما ما ذكر من انه في معني التعليق ففيه مع مخالفته لمقتضي الدليل الأول كما لا يخفي (1) منع كونه في معني التعليق، لأنه إذا فرض انه يبيع مال ابيه لنفسه كما هو ظاهر هذا الدليل، فهو انما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع الغاصب مبني علي دعوي السلطنة و الاستقلال علي المال، لا علي تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالارث عن مورثه، لأن ذلك لا يجامع مع ظن الحياة اللهم الا ان يراد ان القصد الحقيقي الي النقل معلق علي تملك الناقل و بدونه، فالقصد صوري علي ما تقدم من المسالك من ان الفضولي و المكره قاصدان الي اللفظ دون مدلوله، لكن فيه حينئذ أن هذا القصد الصوري كاف، و لذا قلنا بصحة عقد الفضولي و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره اخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد معللا بعلمه بكون المبيع لغيره.

______________________________

مسألة من اقتدي بشخص فبان غيره ذهب الي هذا المبني، و نحن اوردنا عليه بعين هذا الايراد- راجع الجزء السادس من فقه الصادق الثاني: انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا ان البيع يكون عن المالك بما هو مالك بحيث يعم نفسه، فحيث انه يعتقد انطباقه علي ابيه فقصد الاطلاق في حكم التعليق، اي عن والدي أو عني ان مات هو، و حيث انه يعتقد كونه حيا فقصد الاطلاق في عقده يعد عبثا و منافيا للقصد الجدي في المعاملة.

(1) و بهذا البيان ظهر اندفاع ما ذكره المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره و غيره، من: ان هذا الدليل لا يجتمع مع الدليل الأول من جهة ان اساس الأول وقوع البيع عن

الأب، و اساس هذا وقوعه عن نفسه.

و الحق في الجواب عن هذا الوجه: ان هذا النحو من التعليق- اي المعنوي منه- لا يضر بصحة العقد، كما ان عدم القصد الجدي بهذه الكيفية غير مضر- كما تقدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 166

و كيف كان فلا ينبغي الاشكال في صحة العقد الا أن ظاهر المحكي من غير واحد لزوم العقد و عدم الحاجة إلي إجازة مستأنفة، لأن المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه، و لأن قصده إلي نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرد القصد الي نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه و ان لم يشعر به فهو اولي من الاذن في ذلك فضلا عن اجازته، و الا توجه عدم وقوع العقد له، لكن الاقوي وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة، لا لما ذكره في جامع المقاصد: من انه لم يقصد الي البيع الناقل للملك (1) الآن بل مع اجازة المالك لاندفاعه بما ذكره بقوله الا ان يقال: ان قصده الي اصل البيع كاف

______________________________

في اول مسألة بيع الفضولي- فالصحيح هو الوجه الأول.

فالمتحصل: انه ان كان البيع عن المالك- اي عن الأب بما انه مالك بحيث يكون المقصود هو المالك بحيث يعم نفسه- صح البيع، و ان كان عن الأب كما هو كذلك بحسب الطبع، فالبيع باطل لا يمكن تصحيحه.

و أما الجهة الثانية: فالمحكي عن غير واحد: لزوم العقد و عدم الحاجة الي اجازة مستأنفة و عن المحقق و الشهيد الثانيين وقوفه علي الإجازة.

و قد استدل للتوقف علي الإجازة بوجهين:

(1) الاول ما عن جامع المقاصد من: انه لم يقصد الي البيع الناقل للملك الآن بل مع اجازة المالك.

و توضيحه: ان

العاقل الملتفت الي كون المال للغير و انه لا ينتقل عن ملكه قهرا لا محالة يكون قصده للنقل مقيدا بالإجازة، و حيث ان العقود تابعة للقصود فلا بد و ان تقع الإجازة حتي يقع النقل علي الوجه المقصود.

و فيه: اولا: ان محل الكلام هو قصد البيع عن المالك لاعن شخص الغير و الا بطل البيع كما تقدم، و عليه، و ان سلم كون النقل موقوفا علي الإجازة، الا انه من جهة انطباق عنوان المالك علي نفسه واقعا يقع النقل عنه بقصده فلا حاجة الي اجازته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 167

و توضيحه ان انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد اجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد، حتي يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه، و انما هو من الاحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقف علي الامور المتأخرة و عدمه، مع ان عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف (1) بل قصد النقل بعد الاجازة ربما يحتمل قدحه،

فالدليل علي اشتراط تعقب الاجازة في اللزوم و هو عموم تسلط الناس علي اموالهم و عدم حلها لغيرهم الا بطيب انفسهم،

و حرمة اكل المال الا بالتجارة عن تراض.

______________________________

و بعبارة اخري: بما انه يبيع عن المالك عن قصد إليه، و المفروض انه هو المالك،

فلا حاجة الي الإجازة.

و لعله إليه يرجع ما ذكره المحقق الثاني بقوله: الا ان يقال ان قصده الي اصل البيع كاف.

و ثانيا: ان حقيقة البيع و هي النقل في نظر الناقل لا النقل في نظر الشارع،

فالالتفات الي انه لا ينتقل عن ملك الغير ماله قهرا غير مناف لقصد النقل الذي به قوام البيع.

و بالجملة: الانتقال شرعا من آثار البيع، و لا يلزم قصده حتي يقال

انه يكون موقوفا علي الاجازة.

و إلي هذا نظر الشيخ قدس سره فيما ذكره في مقام الجواب.

و أما ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) مع ان عدم القصد المذكور لا يقدح بناء علي الكشف،

الذي حاصله: ان عدم امكان قصد النقل فعلا يناسب القول بالنقل، فان الانتقال انما يكون من حين الإجازة، بخلاف القول بالكشف فان الانتقال فعلي، فيمكن قصده حال النقل،

فيرد عليه: ان المدعي هو وقوف النقل علي الإجازة لا تأخره عنها، و هذا لا فرق فيه بين القول بالنقل و الكشف، فانه علي الكشف ايضا يكون النقل موقوفا علي الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 168

و بالجملة فاكثر أدلة اشتراط الاجازة في الفضولي جارية هنا. (1) و أما ما ذكرناه من ان قصد نقل ملك نفسه ان حصل اغني عن الاجازة و الا فسد العقد،

ففيه انه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد الي نقل المال المعين و قصد كونه ماله «مال نفسه» أو مال غيره مع خطئه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع. و لذا بنينا علي صحة العقد بقصد مال نفسه، مع كونه مالا لغيره.

و أما أدلة اعتبار التراضي و طيب النفس، فهي دالة علي اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان انه ماله (2) لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في الواقع، فإن حكم طيب النفس و الرضا لا يترتب علي ذلك، فلو اذن في التصرف في مال معتقد انه لغيره و المأذون يعلم انه له لم يجز له التصرف بذلك الاذن و لو فرضنا انه اعتق عبدا عن غيره فبان انه له لم ينعتق. و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره، فبانت

زوجته، لأن القصد المقارن إلي طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما، فلا تنفع الاجازة و لو غره الغاصب. فقال: هذا عبدي اعتقه عنك فاعتقه عن نفسه فبان كونه له، فالأقوي أيضا عدم النفوذ وفاقا للمحكي عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد مع حكمه بصحة البيع هنا، و وقوفه علي الاجازة،

لأن العتق لا يقبل الوقوف فإذا لم يحصل القصد الي فك ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة بخلاف البيع. فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق و صحة البيع مع الاجازة كما يتوهم.

______________________________

(1) الوجه الثاني: ما افاده المصنف قدس سره و هو: ان اكثر ادلة اشتراط الاجازة في بيع الفضولي جارية هنا، و مراده بها ادلة اعتبار التراضي و طيب النفس «1» كما يصرح به بعد ذلك بقوله.

(2) و أما ادلة اعتبار التراضي و طيب النفس فهي دالة علي اعتبار رضا المالك و تقريب ما افاده: انها تدل علي اعتبار رضا المالك في التصرف في ماله بما هو ماله

لا ذات ما هو ماله، و لذا لو قدم الي غيره طعاما بتخيل انه لغيره لم يجز له التصرف فيه لو علم بانه له، و في المقام بما ان البائع انما رضي بنقل مال معين اتفق كونه ملكا له في الواقع، و لم يرض بنقله بما هو ماله، فيحتاج الي الاجازة لذلك

______________________________

(1) النساء آية 30- الوسائل باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 169

نعم ينبغي ايراد التناقض علي من حكم هناك بعدم النفوذ و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة الي الاجازة، فإن القصد الي انشاء يتعلق بمعين، هو مال المنشئ في الواقع، من غير علمه به ان كان يكفي

في طيب النفس و الرضا المعتبر في جميع إنشاءات الناس المتعلق بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق و ان اعتبر في طيب النفس المتعلق باخراج الاموال عن الملك العلم بكونه مالا له، و لم يكف مجرد مصادفة الواقع وجب الحكم بعدم لزوم البيع،

فالحق ان القصد الي الانشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعني قابليته للتأثير، و لا يحتاج الي العلم بكونه مالا له لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج عن ماله بمجرد الانشاء، ثمّ ان كان ذلك الانشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الاجازة، كما في العقود و الا وقع الانشاء باطلا كما في الايقاعات.

______________________________

و فيه: انه ان كان البيع عن شخص من يتخيل كونه مالكا لزم بطلان البيع و عدم امكان تصحيحه و لو بالإجازة،

و ان كان عن المالك بنحو يعم نفسه فالرضا بنقل ماله بعنوان انه ماله موجود، فاما يكون باطلا أو يكون لازما غير متوقف علي الاجازة و بعبارة اخري: انه لا ريب في كونه راضيا ببيع مال نفسه،

فان كان البيع بيعا عن الأب بشخصه بطل البيع لعدم المورد للإجازة و ان كان بيعا عن المالك الواقعي و ان كان منطبقا علي نفسه، و معه لا حاجة الي الاجازة لصدور العقد عنه مباشرة و عن الرضا، و هو اولي من اذنه و اجازته.

و لعله الي هذا يرجع ما استدل به لعدم الاحتياج الي الإجازة بما نقله المصنف في ما قبل اسطر بقوله:

و لأن قصده الي نقل مال نفسه ان حصل هنا بمجرد القصد …

فلا يرد عليه ما ذكره المصنف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 170

ثمّ انه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الاجازة ان هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا

من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث الحدوث لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا و تبعه بعض من عاصرناه: معللا بقاعدة نفي الضرر (1)

إذ فيه أن الخيار فرع الانتقال. و قد تقدم توقفه علي طيب النفس، و ما ذكراه من الضرر المترتب علي لزوم البيع ليس لأمر راجع الي العوض و المعوض،

و انما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه، (2) إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين ان يجهل اصل الانتقال، كما يتفق في الفضولي أو يعلمه و يجهل تعلقه بماله.

و من المعلوم ان هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي علي الاجازة،

إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوي هذا الضرر (3)

______________________________

(1) و قد يقال: ان هذا الحق للمالك من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث البقاء لا من باب الإجازة، فيكون متزلزلا من حيث الحدوث معللا بقاعدة نفي الضرر «1».

و اجاب عن ذلك المصنف قدس سره بما حاصله يرجع الي امرين.

(2) احدهما: انه لا يصح الرجوع الي قاعدة نفي الضرر التي هي من الادلة الثانوية بعد كون اعتبار الرضا و طيب النفس مما تقتضيه الأدلة الأولية.

و بعبارة اخري: ان مقتضي الأدلة الأولية توقف الانتقال علي الرضا، فمع فقده لا يتحقق الانتقال، و مع عدمه كيف يحكم بثبوت الخيار الذي هو فرع الانتقال.

(3) الثاني: ان الضرر المترتب علي المعاملة تارة يكون ضررا ماليا كما في موارد خياري العيب و الغبن،

و اخري يكون ضررا سلطانيا، اي يكون موجبا للنقص في سلطانه علي ماله،

و في الأول يتدارك الضرر بالخيار، و أما في الثاني فالتحفظ عليه انما يكون بالتحفظ علي سلطانه، فهذا الضرر يوجب رفع الصحة لا اللزوم.

______________________________

(1) الوسائل

باب 17 من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 171

ثمّ ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي (1) بل يجي ء علي القول بالبطلان، الا ان يستند في بطلانه بما تقدم من قبح التصرف في مال الغير، فيتجه عنده حينئذ البطلان.

______________________________

و بهذا البيان يظهر ان ما اورده المحقق النائيني قدس سره علي المصنف بان الصحة ليست امرا مجعولا حتي ترتفع بها بل هي منتزعة من تحقق الشرائط، فلو دل دليل علي اعتبار قيد في ناحية الأسباب أو المسببات فنفس هذا الدليل كاف لإثبات هذا القيد، و الا فلا يمكن اثبات قيد بقاعدة الضرر و نحوها لأنها حاكمة علي الأحكام الثابتة، و لا يمكن اثبات حكم بها لو لا جعله لزم منه الضرر،

في غير محله، فان دليل نفي الضرر يرفع امضاء الشارع للعقد الذي يلزم منه هذا الضرر و لا محذور في ذلك.

(1) قوله ثمّ ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة علي القول بصحة الفضولي.

محصل ما ذكره: ان الأدلة الأربعة التي اقاموها علي بطلان بيع الفضولي من الكتاب «1» و السنة و الإجماع و العقل، غير الأخير منها لا تشمل هذا العقد لأنه صدر ممن بيده امر المال. نعم لو قلنا بفساد عقد الفضولي من باب حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير، يتجه البطلان في المقام.

و اورد عليه المحقق النائيني: بان حكم العقل بقبح التصرف فيما هو مال الغير واقعا بمناط واقعي، و حكمه بقبح التصرف فيما علم انه مال الغير طريقي، فالحكم الشرعي المستكشف من الأول من باب الملازمة حكم واقعي، و الحكم الشرعي المستفاد من الثاني طريقي فإذا انكشف مخالفة الاعتقاد للواقع لا يكون الا تجريا.

و

فيه: ان مورد استثناء المصنف قدس سره هو حكم العقل بقبح التصرف، و قال: انه لو- كان المدرك هو هذا الحكم من العقل اتجه الحكم بالفساد هنا فان موضوع حكم العقل بالقبح ليس هو الواقع، بل ما اعتقد انه مال الغير، و كون الحكم المستفاد من هذا الحكم في بعض الموارد واقعيا و في آخر طريقيا اجنبي عن ما هو محل استثنائه

______________________________

(1) النساء: 29- الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 172

الرابعة: ان يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له (1) و الاقوي هنا ايضا الصحة و لو علي القول ببطلان الفضولي و الوقوف علي الاجازة بمثل ما مر في الثالثة و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة (2) و لذا قوي اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة.

______________________________

لو باع لنفسه فانكشف انه له

(1) الصورة الرابعة: ان يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له فتارة:

يبني علي انه ماله كان في اعتبار العقلاء ايضا كذلك كما في ثمن الخمر، ام لم يكن كما في المال المكسوب من القمار،

و اخري: لا يبني علي ذلك بل يبيع بان يخرج المثمن عن ملك ذلك الغير و يدخل ثمنه في ملكه.

اما في الصورة الأولي:

فالأظهر الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، فانه باعه عن الرضا بعنوان انه ماله،

فالعقد تام من حيث الأركان حتي الرضا بالانتقال بعنوان انه ماله.

فما افاده المصنف قدس سره بقوله.

(2) و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة متين بل هو وجه وجيه.

و أما في الصورة الثانية:

فدعوي اعتبار الاجازة بناء علي اعتبار رضا البائع بانتقال ماله بعنوان انه ماله في البيع،

في محلها، لأنه انما رضي بانتقال ما يعتقد انه مال

الغير و لم يرض بانتقال ماله بهذا العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 173

و أما القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان امور:
الأول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك، (1)

فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء و لا احراز سائر الشروط بالنسبة

______________________________

القول في المجاز

و أما القول في المجاز: فتمام الكلام فيه ببيان امور:

(1) قوله الاول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك.

الشروط المعتبرة في انشاء العقد لا كلام فيها و أما غيرها من الشروط من شرائط المتعاقدين و العوضين، فهي علي اقسام:

الأول: ما يعتبر حال العقد، ككون العاقد ممن يصح منه المعاقدة و المعاهدة، اما عقلا ككونه حيا، أو شرعا ككونه عاقلا.

الثاني: ما يعتبر فيمن زمام امر العقد بيده كان هو المالك أو ولي التصرف كالقدرة علي التسليم، فان دليل اعتبارها انما يدل علي ذلك، و لذا لو كان مجري الصيغة غير قادر علي التسليم و كان البيع للصبي غير القادر و لكن كان وليه قادرا صح البيع.

الثالث: ما يعتبر في المالك، ككون المالك للمصحف مسلما.

اما القسم الأول: فهو يعتبر وجوده حين الإجازة و لا يخفي وجهه و أما القسم الثاني ملا يعتبر بل يعتبر وجوده حين الاجازة حتي علي الكشف، فانه انما يكون في الملكية لا في انتساب العقد الي المجيز- و هو يعتبر وجوده حين يعتبر صيرورة العقد عقد من بيده زمام العقد و هو انما يكون من حين الاجازة و أما القسم الثالث فعلي القول بالكشف وجوده حين من العقد لانه اول زمان حصول الملكية و علي القول بالنقل لا يعتبر ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 174

الي الاصيل فقط علي الكشف للزومه عليه (1) بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت (2)

و لو علي القول بالنقل عليها، و ذلك لأن العقد اما تمام السبب أو جزئه

(3) و علي أي حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده، و لهذا لا يجوز الايجاب في حال جهل القابل بالعوضين بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا، لأن الاجازة علي القول بالنقل اشبه بالشرط، و لو سلم كونها جزءا فهو جزء للمؤثر لا للعقد، فيكون جميع ما دل من النص و الاجماع علي اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في انشاء النقل و الانتقال بالعقد،

______________________________

(1) قوله للزومه عليه: علة للمنفي

(2) قوله لتوقف تأثيره: كذلك

(3) و استدل المصنف قده لاعتبار الشروط فيه بما محصله: ان العقد الانشائي اما تمام السبب أو جزءه، و علي كل تقدير ما ثبت اعتباره في العقد يعتبر فيه لنفس دليل الاعتبار بل ما دل دليله علي اعتباره في العقد التام دون جزئه يعتبر فيه ايضا،

لأن الإجازة ليست جزء العقد بل هي شرط تأثيره، و تمام العقد انما هو ما وقع بين الفضولي و الأصيل، و لو سلم كونها جزء فانما هي جزء السبب المملك لا جزء البيع الانشائي، و ظاهر الأدلة اعتبار ذلك في البيع الانشائي لا السبب الملك.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ما تقدم عند بيان ما هو الحق عندنا-: ان غاية ما يثبت بذلك، اعتبار العلم بالعوضين حين العقد،

اما انه هل يعتبر كون المجري للصيغة كذلك ام يعتبر كون المجيز كذلك فلا يثبت بذلك، فلا بد من الرجوع في ذلك الي وجه آخر،

و الظاهر هو الأول، فان المجيز انما ينفذ العقد الواقع الصحيح و ينسبه الي نفسه،

فلا بد و ان يكون العقد مع قطع النظر عن ذلك صحيحا، و من جملة ما يعتبر في الصحة العلم بالعوضين.

و بهذا يظهر الفرق بين الأذن و الإجازة، فان

العقد في الأول من حين تحققه يستند

الي الأذن، فيكفي كونه عالما بالعوضين، بخلاف صورة الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 175

نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الاثر الشرعي علي العقد من غير ظهور في اعتباره في اصل الانشاء (1) امكن القول بكفاية وجوده حين الاجازة.

و لعل من هذا القبيل القدرة علي التسليم، و اسلام مشتري المصحف و العبد المسلم،

ثمّ هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة ام لا؟ (2) لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطها حتي علي القول بالنقل، نعم علي القول بكونها بيعا مستأنفا يقوي الاشتراط. و أما شروط العوضين،

فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل، و أما شروط العوضين، فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل، و أما بناء الكشف فوجهان و اعتبارها عليه ايضا غير بعيد.

______________________________

(1) قوله نعم لو دل دليل علي اعتبار شرط في ترتب الاثر الشرعي مراده بذلك ما دل اعتبار شرط في المالك- و عليه- فيرد عليه ما تقدم من انه لا بد من التفصيل بين القول بالنقل أو الكشف فراجع.

(2) قوله هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة ام لا يقع الكلام في موردين:

الأول: في انه هل يعتبر وجود الشرائط حين الإجازة ام لا؟ و الحق ان شروط العقد لا معني لاعتبارها حين الإجازة الا علي القول بانها بيع مستانف- اي ايجاب متأخر- أو قبول و أما غيرها من الشروط فما كان منها معتبرا فيمن بيده زمام العقد يعتبر وجوده حينها، لأنه حين الإجازة يستند العقد الي المجيز و يصير العقد عقده،

و ما كان منها معتبرا في حال العقد لا يعتبر وجوده حين الإجازة.

و ما كان منها معتبرا في المالك

يفصل بين القول بالكشف و النقل. و علي الأول لا يعتبر و علي الثاني يعتبر كما تقدم.

المورد الثاني في انه هل يعتبر استمرار وجود الشرائط من حين العقد الي حين الإجازة، ام لا؟ الأظهر عدم الاعتبار، و يظهر وجهه مما قدمناه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 176

الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل (1)

من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة كالأذن

السابق، فيجوز تعلقه بغير المعين إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل و من أن الاجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد، لأن المعاهدة الحقيقية إنما تحصل من المالكين بعد الإجازة، فيشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل (2).

______________________________

يعتبر كون المجاز معلوما تفصيلا

(1) قوله الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل تنقيح القول بالبحث في مقامين:

الاول: في انه هل يعتبر العلم التفصيلي بالمجاز من حيث العوضين و نوع العقد من البيع و الهبة و غيرهما ام لا يعتبر ذلك؟ الثاني: في انه هل يعتبر العلم بوقوع العقد ام يكفي احتمال وقوعه؟ اما المقام الأول: فقد استدل لاعتبار العلم بوجوه:

(2) الاول ما في المتن، و هو: ان الاجازة احد ركني العقد، إذ المعاهدة الحقيقة انما تحصل من المالكين بعد الإجازة، فتشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل.

و فيه: ان دليل اعتبار العلم بالعوضين و نوع العقد لو دل علي اعتباره في البيع و العقد و قلنا ان ظاهره اعتبار ذلك في البيع و العقد الانشائي- الذي هو السبب للمعاقدة الحقيقية- فلا وجه لاعتباره في الإجازة، لأن مجرد الشباهة بالقبول لا يوجب الالحاق في الحكم، و الا

فالإذن السابق ايضا كذلك، مع انه لا يعتبر فيه ذلك.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الاجازة لا معني لتعلقها بالعقد علي نحو الاطلاق لوقوع عقد الفضولي علي شي ء خاص، و هو لو كان مجهولا عند المجيز فلا تشملها الأدلة الدالة علي نفوذ الإجازة، بل حكمها حكم تعلق الوكالة. بالامر المبهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 177

______________________________

التي لا اعتبار بها عند العقلاء.

و فيه: اولا: انه يمكن الاطلاق في الإجازة، بمعني تعلقها بما وقع اياما كان، و ليس ذلك من قبيل الأمر المبهم الذي لا واقع له.

و ثانيا: انه لو سلم عدم كون تعلقها بالعقد علي نحو الاطلاق غاية الأمر كونها من قبيل اجازة المجهول، و هي كالأذن في المجهول لا إشكال فيها.

و بالجملة: ان الأذن في المبهم لعدم كون المبهم مما له واقع لا يصح، و كذلك اجازته،

و أما الاذن في المجهول فالأظهر عدم المحذور فيه، و كذلك الإجازة المتعلقة به.

الثالث: ما افاده المحقق النائيني قدس سره ايضا، و هو: ان الاجازة مع عدم العلم بالمجاز تندرج في عموم نهي النبي صلي الله عليه و آله عن الغرر.

و فيه: اولا: ان الغرر المنفي مختص بالبيع «1».

و ثانيا: انه علي فرض العموم لا إشكال في عدم كون التوكيل و الاذن مشمولين للمنفي، إذ لا ريب في عدم وجوب ذكر جميع الخصوصيات و التعيين من جميع الجهات فيهما، و كذلك الاجازة.

الرابع: ان البيع انما ينتسب الي المجيز من حين الإجازة، ففي الحقيقة هي تكون معاملة و بيعا، فيعتبر ان لا تكون غررية.

و فيه: ان المنفي هو البيع الغرري، و هو ظاهر في الانشائي منه كما تقدم،

فالأظهر انه لا يعتبر العلم بالمجاز.

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من

ابواب آداب التجارة حديث 3- و المستدرك باب 31 من ابواب آداب التجارة حديث- 1 و سنن بيهقي ج 5 ص 338- و سنن الترمذي ج 3- ص 532- و اخرجه مسلم- و ابو داود- في كتاب البيوع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 178

و من هنا يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد و لا يكفي مجرد احتماله فيجيزه علي تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه، لأن الاجازة و ان لم تكن من العقود حتي يشملها معاقد اجماعهم علي عدم جواز التعليق فيها الا انها في معناها (1) و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق لا يكون الا في حق العاقد فتأمل.

الثالث: المجاز اما العقد الواقع علي نفس مال الغير و أما العقد الواقع علي عوضه، (2)
اشارة

و علي كل منهما اما ان يكون المجاز اول عقد وقع علي المال أو عوضه أو آخره أو عقدا بين سابق و لاحق واقعين علي مورده أو بدله، أو بالاختلاف

______________________________

و أما المقام الثاني: فقد استدل لاعتبار العلم بوجهين:

(1) الاول: ما في المكاسب و هو: ان الاجازة، و ان لم تكن من العقود واحد ركني العقد،

الا انها في معناها فالتعليق مبطل لها.

و فيه: ان مدرك مبطلية التعليق هو الإجماع، و المتيقن منه التعليق في البيع الانشائي، و لا يشمل البيع الحقيقي و ما في معني البيع:

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان بها يتحقق الاستناد، و هي من الايقاعات، و الإيقاع لا يقبل التعليق.

و فيه: ان الايقاع كالعقد قابل للتعليق بان يكون المعلق هو المنشأ لا الإنشاء، و لا دليل علي بطلانه به، مع انه لو سلم ذلك فانما هو في التعليق علي غير القيود التي يتوقف عليها، و الا فلا دليل علي البطلان، و المقام من هذا القبيل لتوقف الإجازة علي

صدور العقد. فالأظهر عدم اعتبار العلم به، فيكفي مجرد احتماله، فيجيزه علي تقدير وقوعه.

حكم العقود المترتبة

(2) قوله الثالث: المجاز اما العقد الواقع علي نفس مال الغير، و أما العقد الواقع علي عوضه الأصحاب حكموا بان اجازة العقد الواقع علي مال الغير توجب صحته و صحة ما بعده من العقود، و اجازة العقد الواقع علي بدله توجب صحته و صحة ما قبله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 179

و يجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثمّ باعه المشتري بكتاب، ثمّ باعه الثالث بدينار و باع البائع الفرس بدرهم، و باع الثالث الدينار بجارية، و باع بائع الفرس الدرهم برغيف، ثمّ بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل

______________________________

و محل كلامهم انما هو العقود الطولية من حيث الترتب الانتقالي لا الزماني، فلو باع العين شخص واحد من متعدد فضولا كانت العقود عرضية من حيث الصحة لا طولية و خارجة عما هو محل الكلام، و تعاقبها اما ان يكون بوقوعها من اشخاص متعددة و أما بتعاقبها علي اثمان عديدة.

و المراد من العوض في كلماتهم- علي ما صرح به المصنف قدس سره- هو الثمن الكلي. و بعبارة اخري: ان محل البحث هي صورة ترامي الأثمان لا ورود العقود علي العوض الشخصي.

و العقود المتعددة اما واقعة علي مال الغير أو علي عوضه، بان يكون العوض في كل عقد معوضا في الآخر، و علي كل تقدير ربما يكون العاقد هو المشتري في كل طبقة أو غيره، و لا كلام في ان للمالك اجازة اي منها شاء،

انما الكلام في انه إذا اجاز عقدا هل يوجب ذلك صحة غيره ام لا.؟ و تنقيح القول فيه: ان المجاز اما اول عقد واقع علي مال المالك،

أو آخر عقد واقع عليه،

أو وسط واقع بين سابق و لاحق واقعين علي مورد عقد الوسط و المراد من المورد اعم من الثمن و المثمن في العقد الوسط، و ايضا المراد من الوقوع علي المورد اعم من كون المورد في ذلك العقد ثمنا أو مثمنا أو واردين علي بدل مورده، أو كون السابق واردا علي مورده و اللاحق واردا علي بدل مورده، أو بالعكس. فهذه ست صور للعقود الواردة علي المعوض و أما الواقعة علي العوض فهي ايضا كذلك، لأن المجاز اما ان يكون اول عقد واقع عليه، أو آخر عقد، أو وسط بين سابق و لاحق واردين علي مورده، أو بدل مورده، أو يكون السابق علي المورد و اللاحق علي بدله، أو بالعكس فمجموع الصور اثنتا عشرة، ست للفرض الأول، و ست للفرض الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 180

و قد جميع المصنف الجميع في المثال. و جامعية هذا المثال لجميع الصور تظهر من التصوير التالي، تأمل تعرف.

______________________________

) صور العقود الواقعة علي المعوض () صور العقود الواقعة علي العوض (بيع العبد بفرس بيع الفرس بدرهم بيع الفرس بدرهم بيع العبد بفرس بيع العبد بكتاب بيع الدرهم برغيف بيع الدرهم بحمار بيع العبد بدينار بيع الدينار بجارية بيع الرغيف بعسل 1- اول عقد واقع علي المعوض: بيع 1- اول عقد واقع علي العبد بفرس العوض: بيع الفرس بدرهم.

2- آخر عقد واقع عليه: بيع العبد بدينار 2- آخر عقد واقع عليه: بيع الرغيف بعسل.

3- الوسط الواقع عليه- الواقع بين 3- الوسط الواقع بين واقعين علي الواقعين علي مورده-: بيع العبد بكتاب مورده بيع الدرهم برغيف الواقع بين بيع الواقع بين بيعه بفرس و بيعه بدينار. الفرس بدرهم،

و بيع الدرهم بحمار.

4- الوسط الواقع بين واقعين علي 4- الوسط الواقع بين سابق واقع بدل مورده، بيع العبد بكتاب، الواقع بين علي بدل مورده، و لاحق واقع علي بيع الفرس الذي هو بدل للعبد في العقد مورده بيع الدرهم برغيف الواقع بين بيع الأول بدرهم، و بين بيع الدينار الذي هو العبد بفرس، و بيع الدرهم بحمار.

البدل للعبد في العقد الآخر بجارية.

6- 5- و بذلك ظهر الواقع بين 5- الوسط الواقع بين واقعين علي المختلفين. بدل مورده، بيع الدرهم بحمار الواقع بين بيع العبد بفرس، و بيع الرغيف بعسل.

6- الوسط الواقع بين سابق واقع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 181

______________________________

علي مورده و هو بيع الدرهم برغيف،

و لا حق واقع علي بدل مورده و هو بيع الرغيف بعسل، و هو ايضا بيع الدرهم بحمار.

هذا كله في تطبيق المثال الذي ذكره المصنف علي جميع الصور.

ثمّ يقع الكلام في بيان حكم العقود المترتبة، فالضابط: ان الإجازة كما توجب صحة المجاز، توجب صحة ما قبله مما يتوقف عليه و ما بعده مما يكون من احكامه. و بعبارة اخري: توجب صحة ما يكون في سلسلة علله و معلوله.

توضيح ذلك بنحو يظهر حكم جميع الصور، يقتضي البحث في مواضع:

الأول: في العقود الواقعة علي شخص مال المالك و ما سبقه و لحقه من العقود الواقعة علي العوض، و بيان انه لو اجاز المالك العقد الواقع علي ماله اي عقد يصح بهذه الإجازة، و مثال الجامع لذلك: بيع العبد بفرس، ثمّ بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع العبد بكتاب،

ثمّ بيع الكتاب بالحنطة، ثمّ بيع العبد بدينار، ثمّ بيع الدينار بجارية.

الثاني: في العقود الواقعة علي الثمن الشخصي، و هو الثمن الواقع عوضا في البيع الأول،

و هو الفرس و ما سبقه و لحقه من العقود الواقعة علي عوضه، و مثال ذلك: بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع الدرهم بعسل، ثمّ بيع الفرس بحمار، ثمّ بيع الحمار بجارية، ثمّ بيع الفرس بالدار، ثمّ بيع الدار بالكتاب.

الثالث: في العقود الواقعة علي الثمن الكلي و ما سبقه و لحقه من العقود، و مثال ذلك: بيع العبد بفرس، ثمّ بيع صاحب الفرس العبد بكتاب، ثمّ بيع الفرس بدرهم، ثمّ بيع صاحب الدرهم الفرس بدينار، ثمّ بيع الدرهم برغيف، ثمّ بيع صاحب الرغيف الدرهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 182

اما اجازة العقد الواقع علي مال المالك اعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده (1) اعني العبد بالدينار بناء علي الكشف. و أما بناء علي النقل فيبني علي ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه و هي فسخ بالنسبة الي ما قبله مما ورد علي مورده أعني بيع العبد بالفرس بالنسبة الي المجيز.

اما بالنسبة الي من ملك بالاجازة و هو المشتري بالكتاب، فقابلته للاجازة مبنية علي مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد، هذا حال العقود السابقة و اللاحقة علي مورده أعني مال المجيز

______________________________

بحمار، ثمّ بيع الرغيف بعسل.

و في هذه المواضع تارة: يجيز المالك اول العقود، و اخري: آخرها، و ثالثة: الوسط منها. فإذا بينا حكم اجازة الوسط و تبين حكمه و ما سبقه و لحقه يظهر حكم اجازة العقد الأول و الآخر.

فاقول مستعينا بالله تعالي: انه في الموضع الأول قال المصنف

(1) فهي ملزمة له و لما بعده مما وقع علي مورده توضيحه انه لو اجاز العقد الوسط منها و هو بيع العبد بكتاب، يكون ذلك فسخا بالنسبة الي ما

قبله سواء أ كان واقعا علي نفس مال المالك و هو بيع العبد بفرس، أو واقعا علي عوضه في ذلك العقد و هو بيع الفرس بدرهم، بمعني انه يفوت بذلك محل الإجازة بالنسبة الي المالك للخروج عن تحت سلطنته و عدم توقف صحة المجاز عليهما.

نعم لمن انتقل إليه العبد اجازة بيع العبد بفرس، بناء عدم اعتبار كون المجيز حال العقد مالكا علي القول بالنقل، و مطلقا بناء علي القول بالكشف، و له اجازة بيع الفرس بدرهم بعد ذلك لانتقال الفرس إليه، و لو اجاز أو لا بيع الفرس يلزم بيع العبد بلزومه لتوقفه عليه، و لو لم يجز من انتقل إليه المال بيعه و لا بيع عوضه، فلمالك الفرس حينئذ اجازة بيعه بدرهم.

و أما بالقياس الي ما بعده من العقود سواء كان واقعا علي نفس هذا المال- و هو بيع العبد بدينار- أو عوضه في العقد اللاحق- و هو بيع الدينار بجارية- فعلي القول

بالكشف تلزم تلك العقود بهذه الإجازة لوقوعها في ملك مالكها، و أما بناء علي القول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 183

و أما العقود الواقعة علي عوض مال المجيز (1) فالسابقة علي هذا العقد و هو بيع الفرس بالدرهم، يتوقف لزومها علي اجازة المالك الاصلي للعوض و هو الفرس و اللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد. و أما اجازة العقد الواقع علي العوض أعني بيع الدرهم برغيف، فهي ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء وقعت علي نفس مال المالك اعني بيع العبد بالفرس، أو علي عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم، و للعقود اللاحقة له إذا وقعت علي المعوض و هو بيع الدرهم بالحمار. اما الواقعة علي هذا البدل المجاز اعني

بيع الرغيف بالعسل، فحكمها حكم العقود الواقعة علي المعوض ابتداء.

______________________________

بالنقل فيبتني علي المسألة المتقدمة- و هي عدم اشتراط الملكية حين العقد- و أما الواقع علي عوض هذا المجاز- و هو بيع الكتاب بحنطة- فلا يلزم بلزوم هذا العقد، لأن لزوم هذا يصير سببا لدخول الكتاب في ملكه، فله اجازة العقد الواقع علي كتابه.

فالقول بان العقود اللاحقة تلزم بلزوم هذا العقد باطلاقه غير تام.

(1) و أما الموضوع الثاني: فالحكم فيه هو الحكم في الموضع الاول، الا في مورد واحد.

توضيح ذلك: انه إذا تعلقت الإجازة بالعقد الوسط- و هو بيع الفرس بحمار- فبالنسبة الي العقود السابقة الواقعة علي نفس الثمن- و هو بيع الفرس بدرهم- و علي بدله- و هو بيع الدرهم بالعسل- يكون فسخا بالتقريب المتقدم.

و أما العقود اللاحقة الواقعة علي نفس الثمن- و هو بيع الفرس بالدار- و علي عوضه في العقد اللاحق- و هو بيع الدار بكتاب- فتصح بصحة هذا العقد علي القول بالكشف، أو علي القول بعدم اشتراط الملكية بناء علي النقل.

و أما ما وقع علي عوضه في المجاز- و هو بيع الحمار بجارية- فلا يصح باجازة ذلك لما تقدم.

هذا فيما يشترك فيه الموضعان،

و أما ما يختص به هذا الموضع، و هو ان الإجازة في هذا توجب صحة ما تقدمه الواقع علي نفس مال المالك اولا و هو بيع العبد بفرس، و الا لم يصر الفرس ملكا له حتي يجيز العقد الواقع عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 184

و ملخص ما ذكرناه انه لو ترتبت عقود متعددة علي مال المجيز، فإن وقعت من اشخاص متعددة كان اجازة وسط منها فسخا لما قبله، و اجازة لما بعده، علي الكشف،

و إن وقعت من شخص واحد انعكس

الأمر، و لعل هذا هو المراد من المحكي عن الايضاح و الدروس في حكم ترتب العقود: من انه إذا اجاز عقدا علي المبيع صح و ما بعده، و في الثمن ينعكس، فإن العقود المترتبة علي المبيع لا يكون إلا من أشخاص متعددة.

______________________________

فطهر انه لا وجه للقول بانها توجب فسخ العقود اللاحقة.

و أما الموضع الثالث: فلو اجاز العقد الوسط- و هو بيع الدرهم برغيف فبالنسبة الي ما بعده من العقود يفصل بين ما وقع علي ما انتقل عنه، و ما وقع علي ما انتقل إليه، فالبيع الواقع علي ما انتقل إليه- و هو بيع الرغيف بعسل- لا يصح بهذه الإجازة، لأنها اوجبت دخول المعوض في ملكه، فله اجازة العقد الواقع عليه ايضا، و أما الواقع علي ما انتقل عنه- و هو بيع الدرهم بحمار- فيلزم بلزوم هذا العقد علي القول بالكشف، أو عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد علي القول بالنقل.

و أما بالنسبة الي ما قبله من العقود فهي توجب صحة جميعها، اعم من الواقع علي المعوض، أو الثمن الكلي، أو الشخصي علي القول بالكشف، أو عدم اشتراط الملكية علي النقل.

اما الأول: فلأنه إذا صح بيع العبد بفرس فصاحب الفرس باع ماله بكتاب فيصح.

و أما الثاني: فلأن صحة العقد المجاز تتوقف علي صيرورة المبيع ملكا له، إذ لو لم يصر الدرهم ملكا له كيف يجيز بيعه برغيف، و صحة بيع الفرس بدرهم ايضا تتوقف علي صحة بيع العبد بفرس.

و أما الثالث: فلأنه إذا صح بيع الفرس بدرهم كما عرفت، فصاحب الدرهم صار مالكا للفرس فبيعه الفرس بدينار كان في ملكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 185

و أما العقود المترتبة علي الثمن فليس مرادهما أن يعقد علي الثمن

الشخصي مرارا، لأن حكم ذلك حكم العقود المترتبة علي المبيع علي ما سمعت سابقا من قولنا. أما الواقعة علي هذا البدل المجاز الي آخره بل مراد هما ترامي الاثمان في العقود المتعددة كما صرح بذلك المحقق و الشهيد الثانيان.

و قد علم من ذلك ان مرادنا بما ذكرنا في المقسم من العقد المجاز علي عوض مال الغير ليس العوض الشخصي الاول له، بل العوض و لو بواسطة

______________________________

و من جميع ما ذكرناه ظهر حكم جميع الفروض حتي المختلفة، مثل ما لو فرض وقوع العقد علي الثمن الشخصي مرات، ثمّ العقد علي الثمن الكلي أو العكس، أو غير ذلك من الفروض.

كما انه ظهر ما في اطلاق كلام الشهيد قده من:

ان العقود الواقعة علي المبيع لو اجاز المالك الوسط منها صح و ما بعده، و في الثمن ينعكس الأمر.

كما انه ظهر ما في اطلاق كلام المصنف قدس سره من:

انه لو وقعت العقود من اشخاص متعددة كانت اجازة الوسط فسخا لما قبله، و اجازة لما بعده، و ان وقعت من شخص واحد انعكس الأمر.

إذ يرد عليه: انه لو فرضنا العقود المترتبة علي المبيع من شخص واحد، مع ذلك تكون اجازة الوسط فسخا لما قبله كما عرفت، و كذلك لو فرضنا ترتب العقود في الثمن الكلي من اشخاص متعددة تكون اجازة لما قبله.

فالاولي في بيان الضابط ما ذكرناه فافهم و اغتنم.

حكم تتابع العقود في صورة علم المشتري بالغصب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 186

ثمّ ان هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب، (1) اشار إليه العلامة رحمهم الله في القواعد، و اوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه، فقال الأول: فيما حكي عنه: ان وجه الاشكال ان المشتري مع العلم يكون

مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن، و لذا لو تلف لم يكن له الرجوع و لو بقي، ففيه الوجهان: فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه و من أن الثمن عوض عن العين المملوكة، و لم يمنع من نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك، فإذا جاز جري مجري الصادر عنه،

انتهي.

و قال في محكي الحواشي: ان المشتري مع علمه بالغصب يكون مسلطا للبائع الغاصب علي الثمن، فلا يدخل في ملك رب العين، فحينئذ إذا اشتري به البائع متاعا

______________________________

(1) قوله ثمّ ان هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري.

اصل الاشكال اشار إليه العلامة في القواعد و بعده الشهيد في حواشيه، و عن الايضاح وجه آخر سقف عليه.

و حيث ان منشأ الأشكال هو فتوي الأصحاب بانه إذا تلف الثمن عند البائع الغاصب لا يجوز للمشتري مع علمه بالغصب الرجوع إليه و مطالبته بالمثل أو القيمة.

فينبغي البحث في مقامين:

الأول: في المنشأ.

الثاني: فيما نشأ عنه.

اما المقام الأول: ففيه مسائل:

الأولي: في ان التسليم إليه مملك له اياه أو مبيح للتصرفات، ام لا؟ فقد استدل للأول بوجهين:

الأول، ان الأصحاب حكموا بانه إذا رجع المالك الي المشتري بالمبيع ليس له الرجوع الي البائع باسترداد الثمن، و لو لا كونه ملكا له كان ذلك منافيا لتسلط الناس علي أموالهم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 187

فقد اشتراه لنفسه و اتلفه عند الدفع الي البائع فيتحقق ملكيته للمبيع، فلا يتصور نفوذ الاجازة هنا لصيرورته ملكا للبائع و ان امكن اجازة المبيع مع احتمال عدم نفوذها ايضا، لأن ما دفعه الي الغاصب كالمأذون له في اتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا يؤثر الاجازة في جعله ثمنا، فصار

الاشكال في صحة البيع و في التتبع، ثمّ قال انه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع، لاستحالة كون المبيع بلا ثمن، فإذا قيل: ان الاشكال في صحة العقد كان صحيحا ايضا، انتهي.

و اقتصر في جامع المقاصد علي ما ذكره الشهيد اخيرا في وجه سراية هذا الاشكال الي صحة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب،

______________________________

و فيه: مضافا الي عدم تسالم الأصحاب علي ذلك، بل هناك قولان آخر ان: احدهما:

الضمان مطلقا، ثانيها: الضمان مع بقاء العين- ان الاسباب المملكة مضبوطة و ليس التسليط بعنوان العوضية منها، و أما اباحة التصرفات فلا بد و ان تكون اما بفعل المالك أو بحكم الشارع، و شي ء منهما ليس في المقام.

الثاني: انهم حكموا بعدم الضمان في صورة الإتلاف، فلو لم يكن ملكا له كان ضامنا، لأن اتلاف مال الغير موجب للضمان.

و فيه- مضافا الي ما تقدم- ان عدم الضمان لازم اعم للملك و لما اذن مالكه في الإتلاف.

الثانية: في انه هل يجوز الرجوع في ما دفع مع بقائه ام لا؟ الأظهر هو الأول، اما بناء علي ما عرفت في المسألة الأولي فواضح، و أما بناء علي القول الآخر فكذلك بناء علي كون التسليط مبيحا للتصرفات، و أما علي القول بكونه مملكا فلأنه لو سلم ذلك كان هبة و يجوز الرجوع في الموهوب مع بقائه.

المسألة الثالثة: في انه هل يجوز الرجوع الي البدل إذا اتلفه الغاصب، ام لا؟ قد استدل للثاني بوجوه:

الأول: الإجماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 188

______________________________

و فيه: - مضافا الي عدم ثبوته كما تقدم- انه لم يثبت كونه اجماعا تعبديا.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان الضمان اما معاوضي أو يدي، و شي ء

منهما لا مورد له في المقام، اما الأول: فلعلمه بانه ليس المثمن له، و أما الثاني: فلعلم المشتري بكونه غاصبا و لازمه التسليط المجاني فيكون من صغريات قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و فيه: انه انما يدفعه عوضا عن المبيع لا مجانا، فيكون من صغريات ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

الثالث: ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره و هو: ان اقباضا الثمن اياه ليس اقباضا و فائيا، إذ لازم نفوذ المعاملة باجازة المالك اقباضه للمالك، فهذا الاقباض الخارجي تسليط منه للغاصب علي ماله برضاه و اختياره، فوضع يده عليه باذن المالك، و كذا تصرفاته فلا يكون ضامنا باتلافه الثمن.

و فيه ان الاقباض ان كان بعنوان انه مالك أو ليوصله الي مالكه لا يكون اذنا له في التصرف و الإتلاف مطلقا، فالأظهر جواز الرجوع إليه في صورة الإتلاف.

و بما ذكرناه ظهر الحكم فيما نشأ من هذا المنشأ.

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه انما هو علي فرض التنزل و تسليم المنشأ، و ملخص القول فيه بعد التنبيه علي امر و هو: ان مورد الأشكال انما هو الثمن الشخصي لا الكلي، إذ غاية ما يلزم علي الثاني صيرورة ما يأخذه ملكا للغاصب، و لكن الثمن يكون باقيا.

انه وقع الأشكال من جهات:

الأولي: من جهة البيع الأول الواقع علي مال المالك.

و تقريب الأشكال من هذه الجهة وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 189

______________________________

الاول ان المشتري العالم بغاصبية البائع يكون مرجع اشترائه منه الي هبة و تملك للمبيع مجانا، أو الي هبة و استنقاذ للمبيع لعدم امكان قصد المعاوضة الحقيقية، و لازم ذلك عدم صحة البيع الأول.

و الجواب عنه: ما ذكرناه مفصلا في بيع الغاصب لنفسه.

الثاني: ان المشتري مع العلم بالغصبية

إذا اقبض الثمن اياه يكون ذلك مملكا و تسليطا مجانيا، فيبقي المبيع بلا ثمن.

و فيه: - مضافا الي ما عرفت من فساد المبني- انه لو تم فانما يتم علي القول بالنقل و لا يتم علي القول بالكشف، إذ عليه يكون التسليط تسليطا علي مال الغير و هو لا يكون ممكنا، مع انه لا يتم لأنه لو سلم كونه تسليطا مجانيا فحيث انه علي خلاف القاعدة فيقتصر علي المتيقن و هو كونه مملكا في فرض عدم الإجازة.

الثانية: من جهة تتابع العقود.

و حاصله: ان ما دفعه الي الغاصب كالمأذون له في اتلافه، فإذا اجاز ذلك فباع الثمن الغاصب أو اشتري به شيئا فقد خرج عن ملك مالكه و دخل بدله في ملك الغاصب علي ما يقضيه الأذن في التصرفات حتي الناقلة، اما بدخوله في ملكه قبل التصرف الناقل و خروج عن ملكه، أو بخروج الثمن عن ملك المشتري و دخول بدله في ملك الغاصب علي اختلاف المسكين في حقيقة البيع فالبيع الثاني و كذا ما بعده. من البيوع ليس للمالك اجازته، لأنه لا معني لإجازة العقد الوارد علي ما ملكه عاقده،

و لازم ذلك عدم جواز اجازة العقد الأول في صورة التتابع، لأنه يكون البيع بقاء بلا ثمن و بعبارة اخري يكون من قبيل تلف الثمن قبل الاجازة وتروه الاشكالات الثلاثة التي اوردناها علي الأشكال من الجهة الأولي.

الثالثة: من جهة اجازة غير العقد الأول.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 190

و المحكي عن الايضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري علي كون الإجازة ناقلة، فيكون منشأ الاشكال في الجواز و العدم:

الاشكال في الكشف و النقل، قال في محكي الايضاح إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبع العقود

و رعاية مصلحته و الربح في سلسلتي الثمن و المثمن و أما إذا كان عالما بالغصب، فعلي قول الاصحاب من ان المشتري إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع علي الغاصب، بالثمن مع وجود عينه، فيكون قد ملك الغاصب مجانا، لأنه بالتسليم الي الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الاصحاب و المالك قبل الاجازة لم يملك الثمن لأن الحق ان الاجازة شرط أو سبب، فلو لم يكن للغاصب فيكون الملك بغير مالك و هو محال.

فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن علي سبب ملك المالك له اي الاجازة،

فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك ابطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن و ربحه له و ليس للمالك أخذه، لأنه ملك الغاصب، و علي القول بأن اجازة المالك كاشفة، فإذا اجاز العقد كان له، و يحتمل ان يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن، فإن له اجازة البيع واخذ الثمن و حقه مقدم علي حق الغاصب،

لان الغاصب يؤخذ بأخس احواله و اشقها عليه و المالك مأخوذ باجود الاحوال.

ثمّ قال: و الاصح عندي مع وجود عين الثمن للمشتري العالم اخذه و مع التلف ليس له الرجوع به، انتهي كلامه رحمهم الله.

و ظاهر كلامه أنه لا وقع للأشكال علي تقدير الكشف و هذا هو المتجه إذ حينئذ يندفع بما استشكله القطب و الشهيد بأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن علي تقدير الكشف تسليط علي ما ملكه الغير بالعقد السابق علي التسليط الحاصل بالاقباض، فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل مقتضاه و إذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا من المشتري علي ماله، فليس له ان يسترده بناء علي ما نقل من الاصحاب. نعم علي القول بالنقل يقع الاشكال في

جواز اجازة العقد الواقع علي الثمن، لأن اجازة مالك المبيع له موقوفة علي تملكه للثمن، لأنه قبلها اجنبي عنه،

و المفروض ان تملكه الثمن موقوف علي الاجازة علي القول بالنقل، و كذا الاشكال في اجازة العقد الواقع علي المبيع بعد قبض. البائع الثمن أو بعد اتلافه اياه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 191

علي الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري علي الثمن بصورة التلف و عدمه، لأن تسليط المشتري للبائع علي الثمن قبل انتقاله الي مالك المبيع بالاجازة، فلا يبقي مورد للاجازة، و ما ذكره في الايضاح من احتمال تقديم حق المجيز، لأنه اسبق، و انه اولي من الغاصب المأخوذ بأشق الاحوال، فلم يعلم له وجه بناء علي النقل، لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز و التسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب، فكيف يكون حق المجيز اسبق.

نعم، يمكن ان يقال: ان حكم الاصحاب بعدم استرداد الثمن، لعله لأجل التسليط المراعي بعدم اجازة مالك المبيع، لا لأن نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب علي تقديري الرد و الاجازة، و حيث ان حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة علي عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع علي عقد فاسد،

وجب الاقتصار فيه علي المتقين و هو التسليط علي تقدير عدم الاجازة فافهم.

______________________________

و حاصله علي ما ذكره المصنف قدس سره في ذيل شرح عبارة الايضاح: ان اجازة المالك البيع الثاني الواقع علي عوض ماله و تأثيرها في صحة ذلك العقد من الفضولي تتوقف علي ان يكون المبيع ملكا له، و الا فاجازته اياه اجازة الأجنبي، و كون ذلك المبيع ملكا له يتوقف علي اجازته المستلزمة لإجازة العقد الاول الموجبة لدخول المبيع في ملكه و هذا دور واضح.

و فيه: اولا: ان هذا ليس اشكالا

مختصا بصورة علم المشتري بالغصب.

و ثانيا: انه لا يختص تتابع العقود بما إذا جاز الجميع باجازة واحدة، فله ان يجيز مترتبا.

و ثانيا: انه يختص تتابع العقود بما إذا اجاز الجميع باجازة واحدة، فله ان يجز مترتبا.

و ثالثا: انه لو اجاز العقد الثاني تنحل اجازته الي اجازتين: احداهما: متعلقة بالعقد الثاني مطابقة، و الاخري: متعلقة بالأول التزاما، و هما متحققتان فعلا ومؤثرتان بالترتيب. فاجازة العقد الثاني توجب اولا دخول الثمن في ملك المجيز ثمّ خروجه عن ملكه و دخوله في ملك المشتري في العقد الثاني، و لا محذور في ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 192

مسألة في أحكام الرد: (1)
اشارة

لا يتحقق لرد قولا إلا بقوله فسخت و رددت و شبه ذلك مما هو صريح في الرد لأصالة بقاء اللزوم من طرف الاصيل (2) و قابليته من طرف المجيز، و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما، كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك و الوجه في ذلك ان تصرفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الاجازة لفرض خروجه عن ملكه

______________________________

احكام الرد

(1) قوله مسأله: في احكام الرد و الكلام فيها يقع في موضعين:

الأول: في الرد الموجب لحل العقد.

الثاني، في تصرفات المالك قبل الإجازة.

اما الموضع الأول: فبعد ما عرفت من تأثير الإجازة بعد الرد، و ان الرد لا يوجب حل العقد و ليس مفاده الا عدم الامضاء، لا مورد للبحث عن تحققه باي شي ء و أما علي المسلك الآخر فلا ينبغي التوقف في عدم تحققه بالبناء القلبي من غير ان يظهر لكونه من الانشائيات، كما لا توقف في تحققه بالقول في الجملة و بالفعل الذي يكون مصداقا للرد، انما الكلام في انه هل يتحقق

باللفظ غير الصريح ام لا

(2) و قد اختار المصنف قدس سره عدم التحقق لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل و قابليته من طرف المجيز.

مدرك عدم تأثير الإجازة بعد الرد، ان كان هو الإجماع- و حيث انه دليل لبي لا إطلاق له- فيتعين الاقتصار علي المتيقن و هو عدم تأثير الإجازة بعد الرد بالقول الصريح،

و أما لو كان المدرك قاعدة السلطنة- فبناء علي كونها ناظرة الي الأسباب- كان المتعين البناء علي تحققه بكل لفظ دال عليه صريحا كان ام لم يكن كذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 193

______________________________

و أما الموضع الثاني: فالكلام فيه يقع في مقامين:

الأول: في التصرفات المخرجة عن الملك.

الثاني: في غير المخرجة.

اما الأول: فعلي النقل لا كلام في انها توجب فوت محل الإجازة بالنسبة الي المالك، فان المال باق علي ملكه، و تصرف المالك فيما له نافذ شرعا، فيسقط العقد عن قابلية التأثير بالنسبة الي المتصرف، و كذلك علي الكشف الانقلابي و الحكمي.

و أما علي الكشف الحقيقي بنحو الشرط المتأخر،

فقد يتوهم ان الإجازة تكشف عن ملكية الغير من حين العقد، فيكون التصرف المخرج واقعا علي ملك الغير،

و اوضحه المحقق الأصفهاني قدس سره: بان صحة العقدين معا مستحيلة فلا بد من رفع اليد عن احد البيعين، و حيث انه تؤثر الإجازة في الملكية من حين العقد فلا يعقل اعتبار اتصال الملكية

بزمان الإجازة، فلا محالة تكون الملكية الي حال العقد كافية في تأثير الإجازة،

و عليه فالاجازة في المقام صالحة للتاثير و يترتب عليه عدم نفوذ العقد الثاني لوقوعه في ملك الغير،

و هذا بخلاف العقد الثاني فانه غير صالح للتاثير، فان تأثيره دوري لتوقفه علي بقاء المال علي ملك مالكه حال البيع و هو متوقف علي عدم صحة

العقد المجاز و هو متوقف علي عدم كون المال ملكا له، مع انه لا مخرج له عن ملكه الا العقد الثاني فيدور.

و لكن يرد عليه: انه يعتبر في تأثير الإجازة- حتي علي الكشف- كون زمام امر البيع بيد المجيز، و انه إذا لم يجز يكون المال ملكا له. و هذا مع وقوع العقد الثاني مفقود،

فانه بعد وقوعه و خروج المال عن ملكه ليس زمام امر المال بيده حتي يجيز،

فالتصرفات المخرجة عن الملك اعم من الناقلة، و المتلفة توجب تفويت محل الإجازة بالإضافة الي المتصرف مطلقا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 194

و أما التصرف الغير المخرج عن الملك، كاستيلاد الجارية، و اجارة الدابة و تزويج الامة (1) فهو و ان لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الاجازة عليه، الا انه مخرج له عن قابلية وقوع الاجازة من زمان العقد، لأن صحة الاجازة علي هذا النحو توجب وقوعها باطلة، و إذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع الاجازة.

و الحاصل ان وقوع هذه الامور صحيحة مناقض لوقوع الاجازة لأصل العقد، فإذا وقع احد المتنافيين صحيحا، فلا بد من امتناع وقوع الآخر، أو ابطال صاحبه أو ايقاعه علي غير وجهه، و حيث لا سبيل الي الأخيرين تعين الأول. (2)

و بالجملة كلما يكون باطلا علي تقدير لحوق الاجازة المؤثرة من حين العقد، فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الاجازة، لامتناع اجتماع المتنافيين، نعم لو انتفع المالك بها قبل الاجازة بالسكني و اللبس كان عليه اجره المثل إذا اجاز،

فتأمل.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: في التصرف المخرج للملك عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد. و بعبارة اخري: التصرف المنافي لملك المشتري من حين العقد.

الثاني: في التصرف غير المخرج.

(1) اما

الأول: فقد مثل له المصنف قدس سره: باستيلاد الجارية، و اجازة الدابة، و تزويج الأمة. و زاد بعضهم: جعل حق للغير في المال كالرهن.

اما استيلاد الجارية: فالحق انه مانع عن تأثير الإجازة، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، اما علي الأول: فواضح، فان الانتقال انما يكون في حال كونها ام ولد، و اما علي الثاني: فلأنه و ان كان زمان الملكية من حين العقد و قبل الاستيلاد الا ان البيع انما يصير بيعه من حين الإجازة، و ان كان اثره من قبل فيشمله ما دل علي عدم جواز بيع الأمة المستولدة.

و أما اجارة الدابة: فالأقوال فيها ثلاثة:

(2) الأول: ما في المكاسب و هو: صحة الإجارة و بطلان البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 195

و منه يعلم انه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع علي وقوع العقد و وقوعها بدونه لأن التنافي بينهما واقعي و دعوي انه لا دليل علي اشتراط قابلية التأثير من حين العقد في الاجازة، و لذا صحح جماعة كما تقدم اجازة المالك الجديد فيمن باع شيئا، ثمّ ملكه مدفوعة باجماع اهل الكشف علي كون اجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه نعم لو قلنا بان الاجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع الي كون المؤثر التام هو العقد الملحوق بالإجازة، كانت التصرفات مبنية علي الظاهر،

و بالاجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي و تصح الاجازة.

______________________________

الثاني: صحتهما معا و الرجوع الي البدل، بالإضافة الي المنفعة المستوفاة بالاجارة الثالث: وقوعهما صحيحا مع ثبوت الخيار للمشتري.

و الحق في المقام ان يقال: انه بناء علي القول بالنقل يتعين اختيار الثالث، اما صحة الإجارة فلوقوعها من المالك الفعلي و أما صحة البيع فلان مورده العين و هي

لم تخرج عن ملك المجيز فاجازته اجازة صادرة من اهلها واقعة في محلها.

و أما ثبوت الخيار مع بقاء مدة الإجارة و جهل المشتري، فلأنه لم يرد اتلاف علي ملكه، و انما انتقل إليه الملك مسلوب المنفعة، و لازم ذلك ثبوت الخيار.

و أما بناء علي الكشف الانقلابي، فلا بد من اختيار الثاني، اما صحة البيع و الإجارة فلما تقدم، و أما الرجوع الي البدل فلأنه إذا انقلب العين و صارت ملكا للمشتري بالإجازة انقلبت المنافع ايضا، و حيث ان المالك اتلفها من حين الإجارة بعقد صحيح لزم الرجوع الي البدل.

و أما علي الكشف الحقيقي، فالمتعين صحة البيع و بطلان الإجازة، اما صحة البيع فلأن الإجازة صادرة من اهلها و أما بطلان الإجارة فلكشف الإجازة عن وقوع الإجارة علي مال الغير.

فتحصل: ان القول الأول لا دليل عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 196

بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري (1) من حين العقد،

كتعريض المبيع و البيع الفاسد، و هذا أيضا علي قسمين، لأنه اما ان يقع حال التفات المالك الي وقوع العقد من الفضولي علي ماله، و أما ان يقع في حال عدم الالتفات.

اما الاول: فهو رد فعلي للعقد، (2) و الدليل علي الحاقه بالرد القولي مضافا

______________________________

و أما تزويج الأمة: فعلي الكشف الحقيقي باطل الا إذا اجاز مالكها، لأنه تزويج لأمة الغير المستكشف ذلك من الإجازة، و أما علي النقل فالاجازة تكون كبيعها بعد التزويج. و به يظهر حكمها علي الكشف الانقلابي.

و أما مسألة الرهن: فعلي القول بالنقل يكون الرهن صحيحا و ليس للمالك اجازة البيع كما هو ظاهر و كذلك علي القول بالكشف الانقلابي، و أما علي الكشف الحقيقي فيمكن البناء علي تأثير الإجازة و انكشاف

بطلان الرهن لكونه رهنا لمال الغير. فتأمل.

حكم التصرفات غير المنافية لملك المشتري

(1) قوله بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري

و أما المورد الثاني: فالكلام فيه يقع في جهتين:

الاولي: في انه هل يكون فعل مصداقا للرد كي يصح انشاء الرد به ام لا؟ و قد ذهب المحقق النائيني قدس سره الي الثاني.

و فيه: ان تحريك الرأس بعد سؤال السائل انه هل ترد البيع فعل يكون ردا بالحمل الشائع، و كذلك الكتابة، فهما مصداقان للرد الفعلي.

الثانية: في ان الأفعال غير المنافية لملك المشتري هل يتحقق بها الرد ام لا؟ و تلك الأفعال علي قسمين:

الأول: ما يقع حال التفات المالك الي وقوع العقد من الفضولي علي ماله.

الثاني: ما يقع في حال عدم الالتفات

(2) اما القسم الأول: فقد ذهب المصنف قدس سره الي تحقيق الرد به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 197

الي الصدق الرد عليه (1) فيعمه ما دل ان للمالك الرد مثل ما وقع في نكاح العبد و الامة بغير إذن مولاه (2) و ما ورد في من زوجته أمه و هو غائب (3)

من قوله عليه السلام إن شاء قبل و إن شاء ترك إلا أن يقال ان الاطلاق مسوق لبيان أن له الترك، فلا تعرض فيه لكيفيته ان المانع من صحة الاجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي (4) و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفي العقد،

مضافا الي فحوي الاجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي و البيع و العتق (5) فان الوجه في حصول الفسخ هي دلالتها علي قصد فسخ البيع،

و الا فتوقفهما علي الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، بل يوجب بطلانها لعدم حصول الملك المتوقف علي الفسخ قبلها حتي تصادف الملك،

و كيف كان فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع اثر العقد الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع اثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتاثير بطريق اولي.

______________________________

(1) و استدل به بصدق الرد عليه، فيشمله ما دل علي ان للمالك الرد، مثل ما ورد

(2) في نكاح العبد و الأمة بغير اذن مولاه كموثق زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام عن مملوك تزويج بغير اذن سيده فقال: ذاك الي سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما «1» و نحوه غيره.

(3) و ما ورد فيمن زوجته امه و هو غائب كخبر محمد بن مسلم عن مولانا الباقر عليه السلام عن رجل زوجته امه هو غائب قال عليه السلام: النكاح جائز ان شاء المتزوج قبل و ان شاء ترك، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه «2».

(4) و بان المانع عن صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود في الرد الفعلي، و هو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفي العقد.

(5) و بفحوي الإجماع المدعي علي حصول فسخ ذي الخيار بالفعل، فان الوجه في تحقق الفسخ هو دلالته علي قصد فسخ البيع، فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع اثر العقد

______________________________

(1) الوسائل- باب 24- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 1.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 198

و أما الثاني: و هو ما يقع في حال عدم الالتفات، فالظاهر عدم تحقق الفسخ به لعدم دلالته علي انشاء الرد و المفروض عدم منافاته ايضا للاجازة اللاحقة، و لا يكفي مجرد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف علي القصد و الالتفات الي وقوع المردود، نظير

انكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا و لو مع عدم الالتفات الي وقوع الطلاق علي ما يقتضيه اطلاق كلامهم، نعم لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هناك بطريق اولي كما عرفت، لكن لم يثبت ذلك هناك/ فالمسألة محل اشكال

______________________________

الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع اثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق اولي.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن غاية ما تدل عليه هذه الأدلة انما هو عدم صحة العقد مع الترك و التفريق، و لا تدل علي حصول الرد الموجب لحل العقد المانع عن تأثير الإجازة بعده الذي هو محل الكلام.

مع انه لو سلم دلالتها علي ان له الرد يرد عليه ما ذكره قدس سره بقوله: الا ان يقال ان الاطلاق مسوق … الخ. و حاصله: انه لا إطلاق لها من جهة ما يتحقق به الرد، و لعله يختص بالقول.

و أما الثاني فلعدم تسليم خروج المجيز بمجرد الرد عن كونه احد الطرفين بنحو لا تؤثر اجازته في انتساب العقد إليه و صيرورته طرفا للعقد.

و أما الثالث: فلأنه يمكن ان يكون نظر المجمعين أو بعضهم في هذا الحكم الي توقف التصرفات المفروضة علي الملك لا دلالتها علي الفسخ، و هذا و ان كان خلاف التحقيق كما نبه قدس سره عليه الا ان مجرد احتمال كون نظر هم الي ذلك يمنع عن التمسك به في الأصل، فضلا عن الفرع.

مع: ان الأولوية ممنوعة، إذ الدفع و ان كان اهون من الرفع الا ان الرد في المقام دفع من حيث عدم الالتزام بالعقد لا من حيث قطع سلطنة المالك، فمن تلك الجهة بما ان فسخ ذي الخيار ارجاع للسلطنة و الرد في المقام اعدام لها لا مورد للتشبث

بالاولوية.

هذا كله مضافا الي ان تلك الأفعال المفروضة في حال الالتفات لا تلازم انشاء الرد بها بل تلائم مع عدم الرد، مثلا التعريض للبيع يمكن ان يكون للتحري عن مشتر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 199

بل الاشكال في كفاية سابقه ايضا فإن بعض المعاصرين يظهر منهم دعوي الاتفاق علي اعتبار اللفظ في الفسخ كالاجازة، و لذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بايقاع الفاسد علي متعلقها جاهلا بفساده و قرره في الايضاح و جامع المقاصد علي الاشكال.

و الحاصل أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي و في حكمه تفويت محل الإجازة بحيث لا يصح وقوعها علي وجه يؤثر من حين العقد. و أما الرد الفعلي و هو الفعل المنشأ به مفهوم الرد فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به. و أما مجرد ايقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد لعدم الالتفات الي وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للاصل

______________________________

يدفع اكثر مما دفعه المشتري الأول، فان حصل دفع إليه و الا اجاز بيع الفضولي، و عليه فلا تكون كاشفة عن انشاء الرد.

فالحق ان يقال: ان منشأ عدم تأثير الإجازة بعد الرد ان كان هو الإجماع فالمتيقن منه غير الرد الفعلي، بل ادعي الإجماع علي اعتبار اللفظ في الرد، فالاجازة بعده تؤثر و ان كان مدركه دليل السلطنة «1» و قلنا ان له اطلاقا من حيث الأسباب و احرزنا من الخارج انشاء الرد بهذه الأفعال، كان الرد المانع عن تأثير الإجازة متحققا بالأفعال المفروضة، و الا فلا.

فالظاهر انه لا يتحقق به الرد، لأنه من الانشائيات المتقومة بالقصد المفقود مع عدم الالتفات.

و ما افتوا به من ان انكار الطلاق رجوع فانما هو للنص الخاص.

«2» مع انه يمكن تطبيقه علي القاعدة بان يقال ان الزوجية بعد الطلاق الي انقضاء العدة ثابتة، و التشبث بها رجوع، و انكار الطلاق تشبث بها.

و علي كل تقدير لا يكون مربوطا بالمقام.

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 272 الطبع الحديث.

(2) الوسائل باب 14 من ابواب اقسام الطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 200

و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي أوضح. (1) و أما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار فهو منحصر باللفظ أو الرد الفعلي.

و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطي و العتق و البيع فالظاهر أن الفسخ بها من باب تحقق القصد قبلها (2) لا لمنافاتها لبقاء العقد لأن مقتضي المنافاة بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه و تمام الكلام في محله،

ثمّ ان الرد انما يثمر في عدم صحة الاجازة بعده. و أما انتزاع المال من المشتري لو اقبضه الفضولي فلا يتوقف علي الرد بل يكفي فيه عدم الاجازة،

و الظاهر ان الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة علي ارادته منه لا مطلق الأخذ لأنه أعم، و لذا ذكروا ان الرجوع في الهبة لا يتحقق به.

______________________________

(1) قوله و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي اوضح و الوجه في أوضحيته ان مناط صحة تصرف الوكيل اذن المالك و رضاه فلو انكشف عدم رضاه بالتصرف لم يجز التصرف و ان لم ينشأ،

و أما الوصية- فهي جزء السبب و جزئه الآخر موت الموصي فلو ارتفع الرضا في الاثناء لم يؤثر لحوق الجزء الآخر من جهة عدم تحقق شرط انعقاد العقد لا من تحقق الرد.

(2) قوله و أما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطئ و العتق و البيع

فالظاهر ان الفسخ بها لما افاد ان الفسخ في العقود الجائزة بالذات غير الوكالة و الوصاية منحصر باللفظ أو الرد الفعلي و لا يحصل بالتصرف غير المجامع لصحتها اراد رفع توهم انه كيف يحصل الفسخ بالوطء و العتق و البيع، في مثل الفضولي.

و حاصل الدفع ان الفسخ فيه انما يكون من جهة تحقق الرد الفعلي به و كونه من مصاديقه

حكم رجوع المالك الي المشتري لو لم يجز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 201

[مسائل متفرقة]
مسألة: لو لم يجز المالك، فان كان المبيع في يده فهو، و إلا فله انتزاعه ممن وجده في يده مع بقائه (1)
اشارة

و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد (2) و مع التلف يرجع إلي من تلف عنده (3) بقيمة يوم التلف، أو بأعلي القيم من زمان وقع في يده، و لو كان قبل ذلك في ضمان آخر و لو فرض زيادة القيمة عنده ثمّ نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه، كما صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة، هذا كله حكم المالك مع المشتري. و أما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن و أخري فيما يغرمه للمالك زائدا علي الثمن.

فههنا مسألتان:
اشارة

______________________________

(1) مسألة لو لم يجز المالك، فان كان المال في يده فهو، و الا فتارة: تكون العين باقية، و اخري: تكون تالفة فان كانت باقية: ينتزعها ممن وجدها في يده و له الرجوع الي غيره ممن دخلت تحت يده

(2) و أما حكم منافعها فقد تقدم في البيع الفاسد.

(3) و ان كانت تالفة: فله الرجوع الي كل من دخل المال تحت يده، و قرار الضمان انما يكون علي من تلفت تحت يده، فان رجع الي الفضولي يأتي فيه المباني الخمسة المتقدمة: قيمة يوم الغصب، أو يوم التلف، أو يوم الدفع، أو اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الدفع، أو اعلي القيم من يوم الغصب الي يوم التلف.

و ان رجع الي المشتري لا يبقي مورد لأحتمال الرجوع إليه بقيمة يوم الغصب أو اعلي القيم منه لو كانت القيمة يوم الغصب ازيد من سائر الأيام لأن العين يوم زيادة قيمتها لم تكن تحت يد المشتري كي يكون ضامنا لتلك القيمة.

و بما ذكرناه يظهر حكم الزيادة العينية.

حكم رجوع المشتري الي الغاصب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 202

الاولي: انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا (1)

سواء كان باقيا أو تالفا و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا، لأن اعترافه مبني علي ظاهر يده.

نعم لو اعترف به علي وجه يعلم عدم استناده إلي اليد، كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة، لم يرجع بشي ء. و لو لم يعلم استناد الاعتراف إلي اليد أو الي غيره ففي الاخذ بظاهر الحال من استناده الي اليد أو بظاهر لفظ الإقرار من دلالته علي الواقع

______________________________

هذا كله حكم المالك مع المشتري، و أما حكم المشتري مع الفضولي سواء كان باقيا أو تالفا، فالكلام فيه تارة: في الثمن، و اخري: فيما يغرمه

زائدا علي الثمن.

فالكلام في مسألتين:

الأولي: في حكم المشتري مع الفضولي في الثمن و الكلام فيها في موردين:

الأول: فيما إذا كان جاهلا بكونه فضوليا.

الثاني: فيما إذا كان عالما به.

اما في المورد الأول: ففي المتن

(1) يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا و الحق انه تارة ينكشف عند المشتري كذب البائع و انه فضولي، و اخري: ينكشف كذب الآخر و يعلم انه مالك، و ثالثة: لا ينكشف شي ء منهما.

لا إشكال في جواز الرجوع في الصورة الاولي، و عدم جوازه في الصورة الثانية، و اما في الصورة الثالثة فان اقام المالك البينة لكونه ملكا له يجوز الرجوع إليه لأنه يصير البيع باطلا بحكم الشارع.

و بعبارة اخري: تكون البينة حجة في مثبتاتها فيثبت بها كون البيع بيعا لمال الغير و عدم كون البائع مالكا و كونه فضوليا، و يترتب عليه جواز الرجوع. و كذلك لو أقر البائع بذلك.

و أما ان كان اخذ المالك المبيع مستندا الي الحلف المردود من البائع فغاية ما يثبت به اخذ المبيع و لا يثبت به كون البيع واقعا علي مال الغير. و بعبارة اخري: لا يكون الحلف طريقا شرعيا الي كون المال ملكا للمدعي، و عليه فلا وجه لرجوعه الي البائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 203

وجهان، و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استرده (1) وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني رحمهم الله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا، و مجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد (2) لتسليط كل من المتبايعين صاحبه علي ماله، و لان الحكم بصحة البيع الفاسد المالك هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن، فإن تملكه

البائع قبله يلزم فوات محل الإجازة، لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة، فتأمل. (3)

و هل يجوز للبائع التصرف فيه؟ وجهان: بل قولان اقواهما العدم. لأنه اكل مال بالباطل. هذا كله إذا كان باقيا.

______________________________

(1) و أما المورد الثاني: فان كان الثمن باقيا استرده- لما تقدم من عدم صيرورة ما دفع الي الفضولي و الغاصب بعنوان العوضية ملكا له- و علي فرض الملكية فغايته كونه هبة و يجوز الرجوع في الموهوب.

و قد ذكر المصنف قدس سره وجهين آخرين لجواز الاسترداد

(2) احدهما: انه لو كان التسليط مملكا لزم البناء عليه في التسليط الواقع عقيب البيع الفاسد، و لا يقولون به.

و فيه: انه يمكن الفرق بين البابين، فان الدفع في البيع الفاسد انما يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة فلا يكون مملكا، و في المقام ليس كذلك فانه ليس بعنوان الوفاء، فان الوفاء بالمعاملة يقتضي الدفع الي المالك لا إلي الفضولي.

(3) ثانيهما: انه لو كان التسليط مملكا لزم عدم صحة الاجازة من مالك المبيع حتي علي النقل كما تقدم، مع انه لم يشك احد في الصحة.

و فيه: انه يمكن الجواب عنه بما ذكره هو قده من، انه يمكن ان يكون الدفع تمليكا علي تقدير عدم الاجازة،

و ان كان الثمن تالفا فالمعروف انه لا يجوز الرجوع، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه.

و قد استدل لجواز الرجوع و للضمان بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 204

و أما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري. بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه، و وجهه كما صرح به بعضهم كالحلي و العلامة و غيرهما و يظهر من آخر أيضا انه سلطه علي ماله بلا عوض.

(1)

توضيح ذلك: أن الضمان أما لعموم علي اليد ما اخذت، و أما لقاعدة الأقدام علي الضمان الذي استدل به الشيخ و غيره علي الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه، و الاول

______________________________

(1) احدها: ما استند إليه المصنف قدس سره و هو: ان اطلاق فولهم ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان، نظرا الي ان البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك.

و فيه: اولا: ان هذه ليست قاعدة مستقلة تعبدية في قبال سائر مقتضيات الضمان،

بل مدركها عموم علي اليد «1» فلا بد من ملاحظة تلك القاعدة و المصنف قدس سره حيث منع من دلالة اليد علي الضمان في المقام فلا مورد لتامله، و ميله الي الضمان بل افتائه به مستندا إليها.

و ثانيا: ان هذه القاعدة غاية ما تدل عليه هو الضمان،

و أما ان الضامن هو الغاصب البائع أو المالك فلا تدل عليه ان لم تدل علي ان الضامن هو المالك لا المجري للصيغة و العلم بعدم ضمانه في المقام من جهة التخصص أو التخصيص نظرا الي عدم كون العقد عقد المالك في المقام لا يوجب صرف الضمان الي البائع الغاصب.

و ثالثا: ان الفساد لا يصدق علي عقد الفضولي بل هو صحيح فاقد لشرط قابل للحوقه

(2) ثانيها: قاعدة الاقدام، و قد تقدم في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد انها و غيرها من القواعد التي عددوها من مقتضيات الضمان لا تكون كذلك، و انحصار موجب الضمان باليد و الاتلاف، و هما في المقام يقتضيان الضمان.

______________________________

(1) المبسوط كتاب الغصب- المستدرك باب- 1- من ابواب كتاب الوديعة حديث 12 سنن بيهقي ج 6 ص 90- كنز العمال ج 5 ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 205

و الاول مخصص بفحوي ما دل

علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه، كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة (1) فإن الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان،

فالتسليط علي التصرف فيه و اتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق اولي، و دعوي انه انما سلطة في مقابل العوض لا مجانا (2) حتي يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم علي الضمان فيها، مندفعة بأنه انما سلطة في مقابل ملك غيره (3) فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه، فهو يشبه الهبة لفساده و البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها، و من ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان، و هو الاقدام علي الضمان هنا، لأن البائع لم يقدم علي ضمان الثمن الا بما علم المشتري انه ليس ملكا له، فإن قلت تسلطه علي الثمن بإزاء مال الغير لبنائه و لو لا عدوانا علي كونه ملكا له و لو لا هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة (4) كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه فهو إنما سلطه علي وجه يضمنه بماله إلا أن كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للثمن و تعاقدا معرضين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة علي اموال الناس بين السراق

______________________________

(1) و قد اورد المصنف علي الاستدلال باليد في المقام: بانها و ان كانت تقتضي الضمان الا ان فحوي ما دل «1» علي عدم ضمان من استأمنه المالك و دفعه إليه لحفظه- كما في الوديعة- أو الانتفاع به- كما في العارية- أو استيفاء المنفعة منه- كما في العين

المستأجرة عدمه إذ الدفع علي هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان فالتسليط علي التصرف فيه و اتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق اولي.

(2) ثمّ اورد علي نفسه: بان التسليط انما يكون في مقابل العوض

(3) و اجاب عنه: بانه سلطه بازاء مال غيره، فلم يضمنه في الحقيقة شيئا من كيسه

(4) ثمّ اورد علي نفسه بما حاصله: انه انما سلطه بازاء مال الغير بعد البناء و لو عدوانا علي كونه ملكا له، و عليه بنينا تحقق مفهوم المعاوضة، فهو يسلطه علي وجه يضمنه بماله، الا ان كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع، بل بني المشتري علي

______________________________

(1) الوسائل- باب 4- من ابواب احكام الوديعة- و باب 1- من ابواب احكام العارية و غيرهما من الابواب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 206

و الظلمة، بل بني المشتري علي كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط ليس مجانا و تضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي، الا ان كون المثمن مالا له ادعائي، فهو كما لو ظهر الثمن المعين ملكا للغير، فإن المشتري يرجع الي البائع بالثمن مع التلف اتفاقا. مع انه انما ضمنه الثمن بازاء هذا الشي ء الذي هو مال الغير،

فكما ان التضمين هنا حقيقي، و كون المثمن مالا له اعتقادي، لا يقدح في التضمين. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه علي ملك المثمن عدوانا، لا يقدح في التضمين. بماله، قلت: الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته عليه،

و إذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا، فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك، و ما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد: علي كون المثمن ملكا للبائع الغاصب، مع كونه مال الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك

و التملك منهما ادعاء، مع عدم كون البائع اهلا لذلك في الواقع و الا فأصل المعاوضة حقيقي بين المالكين و الضمان و التضمين الحقيقي بالنسبة اليهما. و لذا ينتقل الثمن الي مالك المبيع و يدخل في ضمانه بمجرد الاجازة (1).

______________________________

كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط انما يكون في مقابل ماله حقيقة، الا ان كون المثمن مالا له ادعائي

(1) و اجاب عنه: بما توضيحه ان المعاملة و التضمين ليست ابتداء بين الشخصين،

فتكون حقيقة المعاملة تضمين كل منهما للآخر بماله الواقعي، و يكون تعلقها بالمالين اعتبارا ثانويا، بل تكون المعاملة ابتداء بين المالين، فيجعل احد المالين بازاء الآخر و ضمانه به، و لازم ذلك ضمان المالك الواقعي، و الغاصب انما طبق عنوان الملك الواقعي علي نفسه ادعاء، و لذلك رأي نفسه هو الضامن في المعاملة، و حيث انه ليس بمالك فلا يكون ضامنا.

يرد عليه قده امور:

الأول: ان لازم ما ذكره قدس سره- من كون التسليط مجانيا- هو جواز تصرفه تكليفا، و قد صرح قده قبل ذلك باسطر بعدم جوازه حيث قال: و هل يجوز للبائع التصرف فيه؟

وجهان بل قولان: اقواهما العدم، لأنه اكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 207

و الحاصل انه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع علي الثمن، و أما رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ مع انه انما ضمنه بمال الغير، فلعدم طيب نفسه علي تصرف البائع فيه من دون ضمان، و ان كان ما ضمنه به غير ملك له، و لا يتحقق به التضمين، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكا له، و صيرورته مباحا له بتسليطه عليه و هذا مفقود فيما نحن فيه، لأن

طيب النفس بالتصرف و الاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل.

______________________________

الثاني: ان ما ذكره لو تم فانما هو في التلف، و لا يتم في صورة الإتلاف، إذ الحكم الثابت في الأصل انما هو في صورة التلف لا الإتلاف.

الثالث: ان ما افاده يتم في التضمين المعاملي، و أما في الضمان الثابت باليد المختص بما إذا كان وضع اليد علي المال لا بإذن من المالك في التصرف فيه مجانا و بلا عوض، فلا يتم، فان من تحت يده المال هو الغاصب، و التسليط الخارجي لا يكون مجانيا بل انما يكون جريا علي المعاوضة الواقعة بينهما، فما يدفع الي الغاصب انما يدفع إليه بعنوان كونه مال المدفوع إليه لا بعنوان كونه مال الدافع كما هو كذلك في موارد الاستئمان،

فالفرق بين المقامين واضح.

و الايراد: بان التسليط الخارجي بما انه من الأفعال الخارجية المتعلقة بالموضوعات الخاصة ليس قابلا للتقييد بالعنوان المذكور، فمن ضرب شخصا باعتقاد انه عدوله فانكشف كونه صديقه وقع الضرب علي الصديق لا العدو، ففي المقام التسليط و ان كان بعنوان انه مال المدفوع إليه الا انه حيث يكون في الواقع للدافع فهو تسليط لمال الدافع.

يجاب عنه: بان المؤثر في رفع الضمان ليس هو التسليط الخارجي بما هو كذلك،

بل بما انه مبرز للأذن في التصرف فيه و اتلافه الذي هو من المعاني الايقاعية المتعلقة بالصور الذهنية، و تلك المعاني قابلة للتقييد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 208

و مما ذكرنا يظهر ايضا فساد ما ذكرناه بالبيع مع علم المشتري بالفساد حيث انه ضمن البائع بما يعلم انه لا يضمن الثمن به، و كذا البائع مع علمه بالفساد صمن المشتري بما يعلم ان المشتري لا يضمن به، فكأنه لم يضمنه بشي ء

وجه الفساد ان التضمين الحقيقي حاصل هنا، لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر ان فساد العقد مانع عن مضي هذا الضمان، و التضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص، صار اصل اقدام الشخص علي الضمان الحقيقي، أو قاعدة اثبات اليد علي مال من دون تسليط مجاني أو استئمان عن مالكه موجبا لضمانه، علي الخلاف في مدرك الضمان من فاسد ما يضمن بصحيحه و شي ء منهما غير موجود فيما نحن فيه، كما اوضحناه بما لا مزيد عليه

______________________________

فان قيل انه لا يمكن الالتزام بضمان الغاصب بعد فرض كون الضمان المعاوضي مع المالك، إذ لازمه جعل ضمانين لمال واحد.

اجبنا عنه: بانه لا محذور فيه بعد فرض كونهما طوليين.

فالمتحصل من مجموع ما ذكرناه: إنه لا مخصص لقاعدة اليد و الإتلاف،

فالأظهر هو الضمان- كما اختاره بعض الأساطين و مال إليه جمع من المحققين- و حرمة التصرف فيه، و ان حكم ذلك حكم المقبوض بالبيع الفاسد.

هذا كله في صورة الرد،

و أما في صورة اجازة العقد فلا كلام مع عدم قبض الثمن.

و أما في صورة القبض: فقد يكون الثمن كليا، و قد يكون شخصيا. و علي التقديرين تارة: يكون المقبوض باقيا، و اخري: يكون تالفا.

فان كان الثمن كليا و كان المقبوض باقيا، فان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم قابليته للإجازة ليس للمالك- اي مالك المبيع- الا الرجوع الي المشتري، لأن المقبوض لا مساس له به، و ان اجاز الاقباض و بنينا علي تأثير الإجازة فيه فله الرجوع الي البائع دون المشتري، لأن ذمة المشتري برئت من الضمان، و ماله دخل تحت يد البائع فيراجعه، و لا فرق في هذه الصورة بين

القول بالنقل أو الكشف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 209

و حاصله ان دفع المال الي الغاصب ليس الا كدفعه الي ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع، و تسليطه علي اتلافه في ان رد المالك لا يوجب الرجوع الي هذا الثالث.

نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك (1) كالخمر و الخنزير و الحر،

قوي اطراد ما ذكرنا فيه، من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال،

كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه علي القواعد.

هذا و لكن اطلاق قولهم ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه، نظرا الي ان البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك، الا ان يفسر بما ابطلناه سابقا من ان كل عقد يضمن علي فرض صحته يضمن علي فرض فساده، و لا ريب ان العقد فيما نحن فيه و في مثل المبيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم بالفساد، لكنك عرفت ضعف هذا المعني فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية

______________________________

و ان كان الثمن كليا و كان المقبوض تالفا، فان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم تأثيرها فيه فله الرجوع الي المشتري خاصة كما تقدم، من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف، و ان اجاز الاقباض و بنينا علي تأثيرها فيه فعلي القول بان اجازة الاقباض كاشفة عن كون الاقباض من الأول كان اقباضا للمالك، كما ان اجازة العقد كاشفة، للمالك الرجوع الي البائع في صورة الإتلاف دون التلف، إذ ليس علي الأمين شي ء الا مع فرض الإتلاف.

و علي القول بان اجازته ناقلة- اما للبناء علي النقل مطلقا أو في خصوص، اجازة

الاقباض و شبهها- لا اثر لهذه الإجازة لعدم بقاء المقبوض حتي تصح اجازته، فلا بد و ان يرجع الي المشتري خاصة.

(1) قوله نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك و فيه ان عدم تمول العوض في نظر، الشارع، بل العقلاء، لا يوجب كون التسليط مجانيا بل هو انما يكون بازاء ما بني المتعاقدان علي، انه مال فالتسليط يكون بعوض لا مجانا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 210

فإن معناه ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه، فيختص موردها بما إذا كان للعقد فرد ان فعليان لا الفرد الواحد لمفروض تارة صحيحا و اخري فاسدا. نعم يمكن تطبيق المعني المختار فيما نحن فيه و شبهه بان: لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح، بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان صحيح و فاسد. فيقال ان ما نحن فيه، و البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة، تمليك بلا عوض من مال الآخر. و الفرد الصحيح من هذه المعاملة و هي الهبة الغير المعوضة لا ضمان فيها ففاسدها كذلك فتأمل.

و بالجملة فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض، و لذا لم يصرح احد بعدم الضمان في: بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. (1) نعم ذكر الشهيد رحمهم الله و غيره عدم الضمان في الاجارة بلا اجرة.

______________________________

(1) قوله و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة اورد عليه المحقق النائيني قدس سره بان الرشوة ليست من قبيل الثمن و ليس

مقصود الراشي شراء الدين و لا مقصود المرتشي بيعه فلا يلازم عدم الضمان في و مسألة البيع بلا ثمن عدمه في باب الرشوة بل الاقوي ان جهة الضمان فيه هي جهة الضمان في باب الربا،

فالشارع كما لم يبح للمالك هذا النحو من السلطنة باعطاء الزيادة في المتجانسين لم يبح له الرشوة علي الحكم فعلي هذا لو تلفت عند المرتشي فحيث ان يده يد عدوان يجب عليه المثل أو القيمة و فيه: ان الشارع لم يبح الرشوة بهذا المعني و أما الدفع الخارجي و لو في ذلك المقام لو كان تسليط مجانيا فلم يدل دليل علي عدم ترتب اثره، و بعبارة اخري حكم الشارع بحرمة الرشوة كحكمه بفساد البيع و حرمة التصرف في المقبوض بذلك فكما ان ذلك لا ينافي حكمه بعدم الضمان في المورد الثاني لاجل التسليط المجاني كذلك لا ينافي حكمه في الرشوة، فالحق ان حكم المأخوذ رشوة إذا كان بازاء الحكم لا ما إذا كان الداعي للاعطاء هو الحكم، حكم المقبوض في المقام، و في باب البيع الفاسد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 211

و يؤيد ما ذكرنا ما دل من الأخبار علي كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا و ان امكن الذب عنه، بأن المراد التشبيه في التحريم فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت.

ثمّ ان مقتضي ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه، بل باع عن المالك و دفع المشتري الثمن إليه،

لكونه واسطة في ايصاله الي المالك، فتلف في يده. إذ لم يسلطه عليه و لا إذن له في التصرف فيه فضلا عن اتلافه، و لعل كلماتهم و معاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع

لنفسه. و ان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضولية، و كذا يقوي الرجوع لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشتري، بل اخذه بناء علي العقد الواقع بينهما، فإنه لم يحصل هنا من المشتري تسليط الا بالعقد، و التسليط العقدي مع فساده غير مؤثر في دفع الضمان

______________________________

و ان كان الثمن شخصيا و باقيا و اجاز الاقباض و بنينا علي تأثيرها، له الرجوع الي البائع خاصة- من غير فرق بين القول بالنقل أو الكشف- و ان لم يجز الاقباض أو اجازه و بنينا علي عدم تأثيرها، فله الرجوع الي كل منهما- اي البائع و المشتري علي المسلكين- اما رجوعه الي البائع فلكون ماله تحت يده، و أما رجوعه الي المشتري فللزوم التسليم عليه.

و ان كان الثمن شخصيا و تالفا، فبناء علي النقل مطلقا أو في خصوص اجازة الاقباض لا يبقي مورد لإجازة الاقباض فينفسخ العقد، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال صاحبه. فتأمل.

و أما بناء علي القول بالكشف حتي في الإجازة و اجاز الاقباض، فليس للمال الرجوع الي البائع و لا إلي المشتري. اما عدم الرجوع الي الأول فلأنه امين، و أما عدم رجوعه الي الثاني فلتسلمه الثمن. نعم في فرض الإتلاف يرجع الي البائع.

فتحصل: انه في بعض الفروض يرجع الي أي منهما شاء و في بعضها لا يرجع اليهما و في بعضها يرجع الي المشتري فقط، و في بعضها الي البائع، و في بعضها يبطل العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 212

و يكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم باباحة تصرف البائع الغاصب فيه، مع اتفاقهم ظاهرا علي عدم تأثير العقد الفاسد في الاباحة، و كذا يقوي

الضمان لو اشترط علي البائع الرجوع بالثمن لو اخذ العين صاحبها و لو كان الثمن كليا فدفع إليه المشتري بعض افراده، فالظاهر عدم الرجوع لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا.

المسألة الثانية: ان المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (1)
اشارة

فإما أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة علي الثمن إذا رجع المالك بها علي المشتري، كأن كان القيمة المأخوذة منه عشرين و الثمن عشرة، و أما أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار، و وطئ الجارية، و اللبن، و الصوف، و الثمرة،

و أما ان يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع، كالنفقة و ما صرفه في العمارة، و ما تلف منه أو ضاع من الغرس و الحفر أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرا و نحو ذلك، أو نقص من الصفات و الاجزاء ثمّ المشتري ان كان عالما فلا رجوع في شي ء من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه، و ان كان جاهلا.

______________________________

الغرامة التي غرمها المشتري

(1) قوله المسألة الثانية ان المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن و هو اما في مقابل العين أو في مقابل ما استوفاه المشتري كسكني الدار، أو ما يصرف في اصلاح ملكه، أو لدفع النوائب عنه. و عليه فهو علي اقسام:

الأول: ما يكون في مقابل العين، كزيادة القيمة علي الثمن الذي اشتري به إذا رجع بها المالك علي المشتري، كما لو اشتري المبيع بعشرة واخذ منه المالك عشرين بعد تلف العين في يده.

الثاني: قيمة المنافع المستوفاة.

الثالث: ما يغرمه في مقابل المنافع غير المستوفاة.

الرابع: ما يغرمه من جهة حفر أو نفقة أو قيمة ولد و نحو ذلك.

و محل الكلام في المقام ليس الا رجوع المشتري الي البائع بعد رجوع المالك إليه،

و أما رجوع المالك الي المشتري فهو مفروغ عنه

في هذا البحث، كما ان محل الكلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 213

______________________________

صورة الرد دون الإجازة.

و الكلام تارة يقع في صورة العلم بالفضولية، و اخري: في صورة الجهل بها.

اما في الأولي: فالظاهر انه: لا خلاف بينهم في عدم رجوع المشتري إلي البائع لعدم الدليل عليه و قد يقال: انه يستثني من ذلك مورد ان:

الأول: ما إذا ادعي البائع الأذن من المالك.

الثاني: ما إذا التزم بالخروج عن عهدة الغرامات إذا لم يجز المالك.

اما في المورد الأول: فمجرد دعوي الاذن لا يوجب الاستناد إليه كي تصح دعوي الغرور.

و أما في المورد الثاني: فان كان الالتزام علي الوجه الشرعي فهو الموجب للرجوع،

و الا فلا موجب له.

و أما في الصورة الثانية: فقبل بيان حكم الأقسام لا بد من بيان القواعد التي استندوا إليها في الحكم في المقام:

منها قاعدة نفي الضرر: «1» حيث ان الحكم بعدم رجوع المشتري الي البائع ضرر عليه، فتنفيه القاعدة.

و فيه: اولا: ما حقق في محله من ان قاعدة نفي الضرر نافية للأحكام و لا تصلح لإثبات الحكم فلا يمكن اثبات الضمان بها.

و ثانيا: ان الحكم بضمان البائع ضرر عليه، فيتعارض الضرران،

فالأظهر انه لا مورد لها في المقام.

و منها قاعدة التسبيب: اي قوة السبب علي المباشر و استدلوا لها: بالإجماع

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار حديث 4 و 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 214

______________________________

المحكي عن الايضاح علي تقديم السبب علي المباشر إذا كان اقوي،

و بقاعدة الإتلاف «1».

و فيه: ان المتيقن من معقد الإجماع و ما يستفاد من القاعدة انما هو فيما إذا لم يتوسط بين فعل الفاعل و الأثر المترتب عليه فعل فاعل مختار.

توضيح ذلك: ان السبب علي اقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا كان الفعل مستندا الي

السبب دون المباشر، و يكون المباشر غير مختار، و لم يصدر عنه الفعل باختياره.

و في هذا القسم يتم ما ذكر، و الدليلان يدلان علي الضمان علي السبب.

وعد المحقق النائيني قدس سره من هذا القسم حكم الحاكم بشهادة شهود الزور و فعل المكره باكراه الجائر،

نظرا الي ان الفعل لا يستند الي المباشر شرعا لكونه واجبا عليه.

و فيه: ان الوجوب الشرعي لا يوجب رفع الضمان، أ لا تري انه لو اضطر الي اكل مال الغير و وجب عليه ذلك حفظا للنفس لا يحكم عليه بعدم الضمان، بل هو ضامن، ففي مسألة المكره للمالك الرجوع الي المكره بالفتح.

نعم في مسألة حكم الحاكم ليس له الرجوع إليه للنصوص الخاصة. الدالة علي انه لا ضمان علي الحاكم كمرسل جميل عن احدهما عليها السلام قال) ع (في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم و قد قضي علي الرجل ضمنوا ما شهدوا به و غرموا الخبر «2» و نحوه غيره.

الثاني: ما إذا كان السبب محدثا للداعي للمباشر من دون ان يستند الفعل الي السبب، و الوجهان لا يدلان عليه.

الثالث: ما إذا كان الفعل مستندا الي المباشر، و الضمان المترتب عليه مستندا

______________________________

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.

(2) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 215

______________________________

الي سبب، كمن قدم الي غيره طعاما ليأكله مجانا فتبين عدم كون الطعام له. و في هذا القسم و ان كان المتجه الضمان،

و لكن لا لما تقدم من الاجماع و قاعدة الإتلاف، فانه بعد فرض استناد الفعل الي المباشر لا يكون السبب متلفا و لا يكون الإجماع عليه تعبديا، بل لقواعد اخر.

فاتضح ان قاعدة التسبيب من حيث هي لا موضوعية لها.

و منها قاعدة الغرور: و

استندوا فيها الي امور:

احدها: الإجماع.

ثانيها: قاعدة نفي الضرر «1» نسب ذلك الي الرياض.

ثالثها: قاعدة الإتلاف من باب قوة السبب علي المباشر.

رابعها: قاعدة الإتلاف، بالإضافة الي الخسارة الواردة علي المغرور.

و شي ء من هذه الوجوه لا يتم اما الثلاثة الأولي: فلما تقدم و أما الأخير: فلأن خسارة المالك مستندة الي حكم الشارع بالضمان من جهة الإتلاف الاختياري للمشتري غير المستند الي البائع كما تقدم.

فالصحيح ان يستدل لها بوجهين آخرين:

احدهما: النبوي المعروف: المغرور يرجع علي من غره «2» المعمول به بين الفريقين.

ثانيهما: استنباطها من النصوص الخاصة الواردة في الموارد الجزئية، مع اشتمال بعضها علي التعليل:

كخبر رفاعة قضي أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليها و هي برصاء، ان لها

______________________________

(1) الوسائل باب 17 من ابواب الخيار.

(2) رواه المحقق الثاني في حاشية الارشاد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 216

______________________________

ان لها المهر بما استحل من فرجها، و ان المهر علي الذي زوجها، و انما صار المهر عليه لأنه دلسها «1»

و في خبر اسماعيل بن جابر في الرجل أعجبته امرأة فاتي اباها فزوجه غيرها فولدت منه ثمّ علم انها غير ابنته و انها امة، قال عليه السلام: ترد الوليدة علي مواليها، و الولد للرجل، و علي الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه) و نحوهما غيرهما.

و هي و ان وردت في النكاح، الا انه لما فيها من عموم العلة تتعدي عن النكاح الي غيره،، فالحق ثبوت هذه القاعدة.

نعم تختص بناء علي ذلك بما إذا كان الغار عالما،

و أما إذا كان جاهلا فلا تكون هذه القاعدة ثابتة، و ذلك لأن الغرور ليس بمعني الجهل، لأنه بهذا المعني لازم لا يكون له اسم الفاعل، و المفعول بل هو

بمعني الخدعة و التدليس، و لا إشكال في ان البائع أو غيره الموجب للخسارة إذا كان جاهلا لا يكون مدلسا و لا يكون فعله خدعة، فلا يشمله النبوي و لا النصوص الخاصة.

و بما ذكرناه ظهر عدم تمامية ما افاده السيد الفقيه بقوله: و لا فرق علي الظاهر بين كون الغار عالما أو جاهلا و ما يحتمل أو يقال من عدم صدق الغرور مع الجهل كما تري.

ربما يستدل لهذه القاعدة: بالنصوص الواردة في شاهد الزور الدالة علي انه يرجع إليه إذا رجع من شهادته،

كصحيح جميل عن الامام الصادق عليه السلام في شاهد الزور قال عليه السلام ان كان الشي ء قائما بعينه رد علي صاحبه و ان لم يكن قائما بعينه ضمن بقدر ما اتلف ضمن بقدر ما اتلف من مال الرجل «2» و لكنه فاسد، و ذلك لوجهين:

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب العيوب و التدليس من كتاب النكاح حديث.

(2) الوسائل- باب 7- من ابواب العيوب و التدليس من كتاب النكاح حديث 1

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 217

فاما الثالث فالمعروف من مذهب الاصحاب كما في الرياض و عن الكفاية رجوع المشتري الجاهل بها علي البائع، بل في كلام بعض تبعا للمحكي عن فخر الاسلام في شرح الارشاد دعوي الاجماع علي الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع. و في التحرير انه يرجع قولا واحدا.

و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرر للمشتري و موقع إياه في خطرات الضمان و متلف عليه ما يغرمه، فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع من

شهادته، و لقاعدة نفي الضرر (1) مضافا الي ظاهر رواية جميل أو فحواها (2) عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها،

ثمّ يجئ مستحق الجارية، قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه، فإن حرية ولد المشتري اما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا؟ و علي التقديرين يثبت المطلوب

______________________________

الأول: انها تدل علي الرجوع ابتداء الي شاهد الزور، لا انه يرجع الي الحاكم و هو الي الشاهد، فلا ربط لها بهذه القاعدة.

الثاني: ان في ذلك الباب خصوصية، و هي ان المباشر- و هو الحاكم- يجب عليه الحكم علي طبق الشهادة، و مع احتمال دخلها لا سبيل الي دعوي التعدي و الغاء الخصوصية.

إذا عرفت هذا فاعلم: ان المعروف بين الأصحاب رجوع المشتري الي البائع في الغرامة التي لم يحصل له في مقابلها نفع، و عن غير واحد دعوي الإجماع عليه،

(1) و استدل له: بالاجماع، و بقاعدة نفي الضرر. و قد مر ما فيهما.

(2) فالصحيح ان يستدل له: بقاعدة الغرور،

و بصحيح جميل عن الامام الصادق المذكور في المتن «1».

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 218

مع ان توصيف قيمة الولد بأنها اخذت منه نوع اشعار لعلية الحكم، فيطرد في سائر ما اخذت منه.

و أما السكوت عن رجوع المشتري الي البائع في بعض الاخبار، فهو لعدم كونه مسوقا لذلك كرواية زرارة في رجل اشتري من سوق المسلمين جارية، فخرج بها الي ارضه فولدت منه اولادا، ثمّ اتاها من يزعم انها له و اقام علي ذلك البينة،

قال يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية و يعوضه من

قيمة ما اصاب من لبنها و خدمتها.

و رواية زريق قال: كنت عند ابي عبد الله عليه السلام يوما، إذ دخل عليه رجلان،

فقال، احدهما انه كان علي مال لرجل من بني عمار، و له بذلك ذكر حق، و شهود.

فأخذ المال و لم استرجع عنها الذكر بالحق و لاكتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة بذلك، و ذلك لأني وثقت به، و قلت له: مزق الذكر الحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقه، و عقيب هذا طالبني بالمال وراثه و حاكموني و اخرجوا

بذلك ذكر الحق و اقاموا العدول، فشهدوا عند الحاكم فاخذت بالمال، و كان المال كثيرا، فتواريت عن الحاكم فباع علي قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال،

و هذا رجل من اخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي، ثمّ ان ورثة الميت اقروا ان اباهم قد قبض المال و قد سألوه أن يرد علي معيشتي و يعطونه الثمن في أنجم معلومة، فقال اني أحب ان أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذا، فقال الرجل: يعني المشتري كيف أصنع جعلت فداك؟ قال تصنع: ان ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة إلي صاحبها و تخرج يدك عنها، قال: فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا، قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت، فإن للزارع اما قيمة الزرع، و أما يصبر عليك إلي وقت حصاد، الزرع فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له ورد عليك القيمة و كان الزرع له قلت: جعلت فداك فإن كان هذا

قد أحدث فيها بناء أو غرسا؟ قال له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه «نفسه» يقلعه و يأخذه، قلت: أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء، فقال: يرد ذلك إلي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها علي صاحبها ورد البناء و الغرس و كل محدث الي ما كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 219

أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الأرض «أن يرد عليه» كلما خرج منه إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب كل ذلك مردود إليه، انتهي.

و فيه مع انا نمنع ورودها الا في مقام حكم المشتري مع المالك ان السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل، مع ان رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع الي البائع، مع ان البائع في قضية زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجه إليه غرم، لأن الحاكم من قبل الشارع ليس غارا من جهة حكمه علي طبق البينة المأمور بالعمل بها، و ان كان قضائه باطلا كما هو الظاهر

______________________________

إذ حرية الولد اما ان تعد نفعا عائدا الي الأب او لا، و علي التقديرين يثبت المطلوب، اما علي الأول: فبالفحوي، إذ لو ضمن الغار في صورة عود النفع الي المغرور فبالأولي في صورة عدمه، و أما علي الثاني فواضح.

و عن صاحب الحدائق: عدم الرجوع إليه.

و استدل له، بخبري زرارة «1» و زريق «2» المذكورين في المتن الساكتين عن حكم

رجوع المشتري الي البائع، مع كونهما في مقام البيان، فان ذلك آية عدم الرجوع.

و فيه: اولا: ان خبر زرارة ساكت عن الرجوع في ما غرمه

في مقابل المنافع المستوفاة، فلا مساس له بمسألتنا،

و ذيل خبر زريق متضمن لرجوع المشتري في الغرامة التي غرمها في اصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها الي المالك،

فهو يدل علي خلاف المقصود.

و ثانيا: ان السكوت في مقام البيان يكون دليلا لا مطلقه،

و في المقام الخبران في مقام بيان حكم المشتري مع المالك لا في مقام البيان من جميع الجهات حتي من جهة رجوع المشتري الي البائع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الإماء حديث 2.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 220

فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف (1) و تصرفه في امور المسلمين، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

و أما الثاني: و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع و النماء،

(2) ففي الرجوع بها خلاف اقواها الرجوع، وفاقا للمحكي عن المبسوط و المحقق و العلامة- في التجارة- و الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم.

و عن التنقيح ان عليه الفتوي، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم

مال الغير الي غيره الجاهل، فاكله، و يؤيده قاعدة نفي الضرر (3) فإن تغريم من اقدم علي اتلاف شي ء من دون عوض مغرورا من آخر بأن له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه الي من غره في ذلك ضرر عظيم، و مجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر، و كيف كان فصدق الضرر و اضرار الغار به مما لا يخفي خصوصا في بعض الموارد، فما في الرياض من أنه لا دليل علي قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام لوصول العوض

إلي المشتري لا يخلو عن شي ء، مضافا إلي ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور، بل هي مبنية علي قوة السبب علي المباشر لكنه لا يخلو من نظر، لأنه إنما يدعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة و الإجماع بصورة الضرر.

______________________________

و ثالثا: ان السكوت في مقام البيان غايته الظهور في عدم الرجوع، و هو لا يصلح لأن يقاوم صحيح جميل الصريح في الرجوع.

و رابعا: انه لو سلم التعارض يتعين تقديم الصحيح لوجوه لا تخفي.

(1) قوله فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف و فيه ان مجرد علم

المشتري بكون القاضي من المخالفين، لا يوجب العلم بالفساد بعد احتمال كون المعيشة له نفسه، فلا دليل علي كون المشتري عالما بالفساد.

(2) و أما الغرامة التي غرمها في مقابل المنافع الواصلة إليه، ففيها قولان قد استدل المصنف قدس سره و غيره للرجوع بوجوه:

(3) منها: قاعدة لا ضرر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 221

و أما قوة السبب علي المباشر ليست بنفسها دليلا علي رجوع المغرور (1)

إلا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه، كما في المكره، و كما في الريح العاصف الموجب للاحراق، و الشمس الموجبة لإذابة الدهن و اراقتها، و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع الي المباشر اصلا، كما نسب الي ظاهر الاصحاب في المكره لكون المباشر بمنزلة الآلة. و أما في غير ذلك، فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج الي دليل مفقود، فلا بد من الرجوع بالآخرة الي قاعدة الضرر أو الاجماع المدعي في الايضاح علي تقديم السبب إذا كان اقوي، أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة، أو كون الغار سببا في تغريم المغرور، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته و لا ريب

في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه، أما الأخير فواضح. (2)

و أما الأول: فقد عرفته. و أما الإجماع و الأخبار فهما و ان لم يردا في خصوص المسألة، إلا ان تحققها في نظائر المسألة كاف، فإن رجوع اكل طعام الغير إلي من غره بدعوي تملكه و إباحته له مورد الإجماع ظاهرا، و رجوع المحكوم عليه إلي شاهدي الزور مورد الاخبار

______________________________

و فيه: - مضافا الي ما تقدم- ان الغرامة المقابلة للنفع الواصل إليه لا تكون ضررا.

و بعبارة اخري: ان الضرر هو النقص المالي أو البدني أو العرضي، و النقص المالي الذي يقوم مقامه ما يسد مسده ليس بنقص مالي عند العرف. ففي المقام بما ان الغرامة انما تكون في مقابل ما وصل إليه من النفع لا تعد ضررا.

(1) و منها: قاعدة التسبيب، و قد مر عدم كونها قاعدة مستقلة الا إذا كان السبب بحيث يستند التلف إليه عرفا، و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع الي المباشر اصلا.

(2) و منها: النصوص الواردة في شاهد الزور، و قد مر انها اجنبية عن المقام.

فالاولي: ان يستدل له: بقاعدة الغرور، فان الميزان فيها هو التغرير سواء استوفي المغرور نفعا كاكله الطعام أو لم يستوف اصلا و بصحيح جميل المتقدم بناء علي ان مورده الغرامة التي تكون بازاء المنفعة كما تقدم، اما لأن الحرية نفع عائد الي الاب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 222

و لا يوجد فرق بينهما و بين ما نحن فيه أصلا، و قد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبري إلي منع الصغري.

فإن الانصاف ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع في

باب الاتلاف و ان كان غير منقح. الا ان المتقين منه ما كان اتلاف المغرور لمال الغير و اثبات يده عليه لا بعنوان انه مال الغير، بل قصده الي اتلافه مال نفسه أو مال من اباح له الاتلاف فيكون غير قاصد لاتلاف، مال الغير فيشبه المكره في عدم القصد،

هذا كله مضافا الي ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة، بناء علي ان حرية الولد منفعة راجعة الي المشتري،

و هو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء علي تفسير المسالك، و فيه تأمل.

______________________________

أو لان الولد نفسه منفعة له و ان لم تكن منفعة مالية و قاعدة الغرور و ان اختصت بصورة علم البائع، الا ان مقتضي اطلاق الصحيح عدم الفرق بين صورة العلم و الجهل.

و بما ذكرناه ظهر حكم ما يغرمه في مقابل المنافع غير المستوفاة.

و أما الغرامة التي يغرمها في مقابل العين، فبالنسبة الي المقدار الذي جعل ثمنا إذا لم يكن دفع الثمن الي الفضولي لا يرجع الي البائع لان هذه الغرامة لم تنشأ من تغرير البائع، لأنه لو فرض صدق البائع في دعواه لكانت هذه الغرامة ثابته.

و ما ذكره السيد الفقيه قده في وجه الرجوع فقوله: انه لم يقدم علي هذه الغرامة و انما اقدم علي دفع الثمن، و المفروض عدم امضاء الشارع له.

يرد عليه: الرد الي المالك أو البائع لا يوجب الفرق في عدم صدق الغرور بعد التزامه بكون هذا المقدار من المال يكون عوضا عن المال التالف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 223

ثمّ ان مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة علي الثمن الحاصلة وقت العقد، كما لو باع ما

يسوي عشرين بعشرة فتلف،

فاخذ منه المالك عشرين (1) فإنه لا يرجع بعشرة الثمن، و الا لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغره في ذلك، لأنه لو فرض صدق البائع في دعواه فحصل الغرور فوجب الرجوع (2) و مما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في دعوي الملكية لم يزل غرامة المشتري للثمن بازاء المبيع التالف، فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع. و أما العشرة الزائدة، فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في وجه عدم الرجوع من ان المشتري انما اقدم علي ضمان العين و كون تلفه منه، كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه و مع الاقدام لا غرور (3) و إذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح الاندفاع ان الاقدام انما كان علي ضمانه بالثمن، الا ان الشارع جعل القبض علي هذا النحو من الاقدام، مع فساد العقد و عدم امضاء الشارع له سببا لضمان المبيع بقيمته (4) الواقعية

______________________________

(1) و أما في المقدار الزائد- كما لو باع ما يسوي عشرين بعشرة فتلف فاخذ منه المالك عشرين- فقد ذهب المصنف قدس سره- تبعا لغيره من الأساطين

(2) الي ان يرجع الي البائع في المقدار الزائد، لقاعدة الغرور.

(3) و اورد عليه: بان الأقدام و الغرور لا يجتمعان، و لذا لا يرجع علي البائع بالمسمي، و عليه فإذا بنينا علي ان مقتضي اقدام المشتري ضمانه بتمام القيمة الواقعية للمالك- كما هو المدرك للضمان في كل عقد فاسد يضمن بصحيحه- لا وجه للرجوع الي البائع حيث لا تغرير، و ان قيل انه لا يكون مقدما علي الضمان بتمام القيمة لما كان وجه لضمانها للمالك.

و بعبارة اخري: ان كان مقدما علي الضمان بالقيمة الواقعية لا

مورد لقاعدة الغرور،

و الا فلا وجه لأصل الضمان.

و اجاب عنه المصنف قدس سره بجوابين:

(4) الأول: ان الإقدام انما يكون علي المسمي و لا إقدام علي غيره، فبالنسبة الي ما لا إقدام عليه تكون قاعدة الغرور جارية بلا مانع، و لكن الأقدام علي المسمي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 224

فالمانع من تحقق الغرور، و هو الاقدام لم يكن الا في مقابل الثمن (1) و الضمان، المسبب عن هذا الاقدام، لما كان لاجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا علي الغار، فغرامة العشرة الزائدة و ان كانت مسببة عن الاقدام الا انها ليست مقدما، عليها هذا كله مع ان التحقيق علي ما تقدم سابقا ان سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا علي وجه الائتمان و ان ليس الاقدام علي الضمان علة له مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان، و ان استدل به الشيخ و اكثر من تأخر عنه، و قد ذكرنا في محله، توجيه ذلك بما يرجع الي الاستدلال باليد فراجع.

و كيف كان فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه اولي منه فيما حصل في مقابلته نفع (2) هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد، و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه اولي (3)

______________________________

سبب شرعا لضمان تمام القيمة، فضمان التمام ليس مقدما عليه لينا في الغرور، بل اثر الأقدام علي المسمي ضمان تمام القيمة. و تبعه في هذا الجواب غيره من الأساطين.

و فيه: انه إذا كان مدرك الضمان هو الأقدام- كما هو مبني الأشكال- لا وجه للقول بالضمان بالنسبة الي تمام القيمة مع كون الأقدام علي المسمي الا إذا ورد دليل علي ان الأقدام علي شي ء سبب لضمان

شي ء آخر، و المفروض عدمه، فعلي هذا المبني لا مدفع لهذا الايراد.

(1) الثاني: و هو احق، و هو منع المبني، لأن مدرك الضمان في المقام و غيره المقبوض بالعقد الفاسد انما هي اليد، و هي تقتضي الضمان بتمام القيمة. و الغرور يوجب رجوع المغرور الي الغار في المقدار الذي غرر فيه، فبالنسبة الي المقدار الزائد و ان كان مقتضي اليد هو الضمان للمالك الا ان مقتضي قاعدة الغرور هو الرجوع فيها الي البائع

(2) قوله فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه اولي منه.

هذا إذا كان المدرك قاعدة نفي الضرر، و الا فموضوع الغرور حاصل فيهما

(3) قوله و لو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه اولي وجه الاولوية ان هناك كان يحتمل ان الاقدام علي الضمان بالمسمي اقدام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 225

هذا كله فيما يغرمه المشتري بازاء نفس العين التالفة. اما ما يغرمه بازاء اجزائه التالفة، فالظاهر ان حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد علي ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله علي ما اخترناه، و يجي ء علي القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه. و أما ما يغرمه بازاء اوصافه (1) فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن، كما عدا وصف الصحة من الاوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري، فرجع المالك عليه بالتفاوت. فالظاهر رجوع المشتري علي البائع لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك

______________________________

علي الضمان بالقيمة الواقعية، و هذا المعين غير محتمل في المقام لان ما يتجدد له من القيمة لا يحتمل كونه مقدما علي ضمانه و مما ذكرناه ظهر انه انما يرجع إليه في صورة علم البائع،

و أما في صورة جهله فلا يرجع إليه

لعدم صدق الغرور.

(1) قوله و أما ما يغرمه بازاء اوصافه فان كان مما لا يسقط عليه الثمن فقد فصل المصنف قدس سره بين وصف الصحة و غيره من الأوصاف، و التزم بعدم الرجوع في وصف الصحة- نظرا الي مقابلته بجزء من الثمن- و الرجوع في غيره من الأوصاف، كما لو كان عبد كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت لأنه لم يقدم علي ضمان ذلك.

و تمام الكلام بالبحث في مقامين:

الأول: في الفرق بين وصف الصحة و غيره من الأوصاف.

الثاني: في انه هل يرجع الي البائع فيما يغرمه بازاء الأوصاف، ام لا؟ اما المقام الأول: فالأظهر عدم الفرق بينهما، و ان شيئا منها لا يقسط عليه الثمن، و ان كان يصير موجبا لزيادة قيمة الموصوف. و لا فرق في ذلك بين وصف الصحة و غيره.

و الشاهد عليه ثبوت الخيار في تخلف الوصف،

و ثبوت الأرش في خيار العيب، لا يدل علي مقابلته بالثمن، و الا لزم ان يرد البائع جزء من الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 226

ثمّ ان ما ذكرنا كله من رجوع المشتري علي البائع بما يغرمه انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. اما لو كان فاسدا من جهة اخري فلا رجوع علي البائع (1) لأن الغرامة لم تجئ من تغرير البائع في دعوي الملكية، و انما جاءت من جهة فساد البيع فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغرور له هو البائع علي تقدير الصدق و المالك علي تقدير كذبه، فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به علي تقديري صدق البائع و كذبه.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالأظهر- خلافا للسيد

الفقيه قدس سره و غيره- عدم الرجوع لعدم تغرير البائع اياه و قد اقدم المشتري علي ان الخسارة المتوجهة إليه من ناحية الوصف تكون عليه، و هذا يمنع عن صدق الغرور. نعم الأوصاف التي توجد فيما بعد و تتلف- حيث انه لم يقدم علي ضمانها- له الرجوع فيها إليه.

(1) قوله و أما لو كان فاسدا من جهة اخري فلا رجوع علي البائع و قد استدل المحقق النائيني قدس سره لاختصاص قاعدة الغرور بالعقد الذي يكون قابلا للصحة باجازة المالك، بان العقد الفاسد من جهة اخري الضمان الحاصل فيه لا يكون مستندا الي التغرير، فان الفساد من جهة اخري هو اسبق العلل، فلا يكون البائع غير المالك هو منشأ الفساد، و لا المجموع بالتشريك، لأن العقد الفاسد من جهة كون البائع غير مالك بمنزلة وجود المانع، و الفاسد من جهة اخري بمنزلة فقد المقتضي، فلا محالة يستند الفساد الي عدم المقتضي لا إلي وجود المانع.

و فيه: ان سبب الضمان- بعد عدم العقد الصحيح- هي اليد، سواء أ كان عدم الصحة لاختلال شرط من شروط العقد، أو كان لاختلال سائر الشروط. و التغرير سبب للرجوع لا للضمان، فلا يكون التغرير و سبب الضمان مقتضي هما متحدا حتي يشتركا في التأثير أو يكون التأثير للأسبق منهما.

فالاولي: ان يستدل له فيما إذا كان المشتري عالما بالفساد من ناحية اخري:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 227

ثمّ انه قد ظهر مما ذكرنا. ان كل ما يرجع المشتري به علي البائع إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به علي المشتري إذا رجع عليه، لأن المفروض قرار الضمان علي البائع. (1) و أما ما لا يرجع المشتري به علي البائع كمساوي الثمن من القيمة،

فيرجع

البائع به علي المشتري إذا غرمه للمالك و الوجه في ذلك حصول التلف في يده.

فان قلت: ان كلا من البائع و المشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية، التي هي سبب للضمان و حصول التلف في يد المشتري، و لا دليل علي كونه سببا لرجوع البائع عليه،

______________________________

بان التغرير المساوق للتدليس و التخديع متقوم صدقه بجهل المغرور بالضمان، فمع علمه بذلك و انه يكون ضامنا علي كل حال كان البائع مالكا ام لا، لا يصدق هذا العنوان، فلا وجه للرجوع.

تعاقب الأيدي

(1) قوله لان المفروض قرار الضمان علي البائع

إذا باع الغاصب ما غصبه، ثمّ باعه المشتري بشخص ثالث و تلف المال في يد المشتري الثاني، لا خلاف في انه للمالك مع رد البيع الأول الرجوع الي كل من الغاصب و المشتريين، مع ان الشي ء الواحد ليس له الا بدل واحد فكيف يحكم بضمان كل من الثلاثة.

و تنقيح القول في المسألة انما هو بالبحث في مقامين.

الأول: حكم المالك بالإضافة الي كل واحد منهم.

الثاني: حكم كل واحد منهم بالإضافة الي الآخر.

اما المقام الأول: فقد اورد علي ضمان كل من دخل المال تحت يده.

بما حاصله: انه ان اعتبر شي ء واحد في الذمم يلزم استقرار الواحد في محال متعددة، و ان التزم بتعدد ما في الذمم يلزم ان يكون لشي ء واحد ابدال متعددة، مع ان الشي ء الواحد ليس له الا بدل واحد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 228

نعم لو اتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق. (1) قلت: توضيح ذلك يحتاج إلي الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف.

و صيرورته في عهدة كل منهما، مع ان الشي ء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة. و

ان الموصول في قوله علي اليد ما اخذت شي ء واحد، كيف يكون علي كل واحدة من الايادي المتعددة.

______________________________

و الحق في الجواب: عن هذه الشبهة ان يقال: ان الكلام.

تارة في الحكم الوضعي.

و اخري في الحكم التكليفي.

اما من حيث الحكم الوضعي:

فان قلنا بان معني ضمان العين كونها في عهدة الضامن- كما قويناه- لا محذور في تعدد الضامن، فان الشي ء الواحد في المحال المتعددة اعتبارا ككونه في الأذهان المتعددة بتعدد صوره لا محذور فيه، و العهدة ليست الا محلا اعتباريا، و حيث انه واحد فلا محالة يسقط عن جميع الذمم باداء واحد منهم.

و ان قلنا: بان ضمان العين انما هو ثبوت بدلها في الذمة، فان قلنا بان في ذمة كل واحد حصة من الطبيعي غير ما في دمة الآخر لزم ثبوت ابدال عديدة لشي ء واحد.

و أما ان قلنا بان الطبيعي بنفسه في ذمة كل واحد من دون ان يصير حصة.

أو قلنا بان حصة منه في ذمة كل واحد من جهة انه وجود اعتباري لا محذور في الالتزام بشي ء من ذلك، فلا يلزم هذا المحذور ايضا.

و أما من حيث الحكم التكليفي: فالكلام فيه هو الكلام في الوجوب الكفائي لأنه احد مصاديق ذلك، و قد حققنا في الاصول امكانه، فلا محذور اصلا.

(1) قوله نعم لو اتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان علي السابق.

و فيه ان الضمان في صورة التلف ايضا كذلك- فان من تلفت العين تحت يده كان يتمكن من ردها الي صاحبها فبامساكه المبيع استقر الضمان علي السابق.

مع ان سببية شخص لضمان آخر لا يوجب ضمانه إذ السببية بهذا المعني ليست احد موجبات الضمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 229

فنقول معني كون العين المأخوذة علي اليد كون عهدتها و

دركها بعد التلف عليه، فإذا فرض ايدي متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي (1)

لكن ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعددة، معناه لزوم خروج كل منها عن العهدة عند تلفه، و حيث أن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلط المالك علي مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه،

فهو يملك ما في ذمة كل منهم علي البدل، بمعني إنه إذا استوفي أحدها سقط الباقي، لخروج الباقي عن كونها تداركا. لأن المتدارك لا يتدارك و الوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي ان مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل و لا بدله فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شي ء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

و يتحقق مما ذكرنا ان المالك انما يملك البدل علي سبيل البدلية و يستحيل اتصاف شي ء منها بالبدلية بعد صيرورة احدها بدلا عن التالف واصلا الي المالك،

______________________________

(1) و أما ما افاده المصنف قدس سره في الجواب عن هذه الشبهة بما حاصله: ان الذمم المتعددة تشتغل بواحد علي البدل نظير الواجب الكفائي في العبادات.

فيرد عليه: انه في الواجب الكفائي لا يكون الوجوب متوجها الي احد الأفراد علي البدل، فان ذلك غير معقول.

بل الوجه المعقول هناك توجه التكليف الي الجميع، لكن مشروطا بعدم اتيان الآخرين.

و هذا لا يمكن الالتزام به في المقام، فانه اما ان يلتزم بتقييد اشتغال كل ذمة بعدم اشتغال الاخري، أو يلتزم بتقييد اشتغالها بعدم المطالبة من الآخر، أو يلتزم بتقييده بعدم اداء الآخر.

و لازم الأول انتفاء الاشتغال رأسا لو كان الشرط عدم الآخر مقارنا له، و

ثبوت الاشتغالين معا لو كان الشرط عدم الآخر بالعدم السابق، و هما كما تري.

و لازم الثاني ثبوت الاشتغالين و بدلين عند عدم مطالبتهما.

و لازم الثالث استحقاق المالك لأبدال متعددة لو ادي الجميع ما في ذممهم كما يحصل الامتثال بفعل الجميع لو اتفق الجميع علي الامتثال في الواجب الكفائي، مع ان المالك لا يستحق في شي ء من الحالات الا بدلا واحدا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 230

و يمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال علي طريقة الجمهور، حيث انه ضم ذمة الي ذمة اخري و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا كما في الايضاح (1) و ضمان الاعيان المضمونة علي (2) ما استقر به في التذكرة و قواه في الايضاح و ضمان الاثنين لواحد (3) كما اختاره ابن حمزة.

و قد حكي فخر الدين و الشهيد عن العلامة في دروسه انه نفي المنع من ضمان الاثنين علي وجه الاستقلال، قال: و نظيره في العبادات الواجب الكفائي و في الاموال الغاصب من الغاصب، هذا حال المالك بالنسبة الي ذوي الايدي.

______________________________

(1) قوله و ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري عندنا.

يعني ضمان شخص ثالث عن البائع للمشتري عهدة الثمن إذا خرج المبيع مستحقا للغير- أو ضمانه عن المشتري للبائع عهدة المبيع إذا خرج الثمن مستحقا للغير.

و اورد عليه المحقق النائيني قدس سره و تبعه غيره بان هذا ليس نظيرا للمقام- إذ مع بقاء المضمون و عدم الامتناع ليس المكلف بالرد و الضامن الا المضمون عنه، و مع التلف أو الامتناع لا تشتغل الا ذمة الضامن.

و فيه انه في صورة البقاء للمشتري الرجوع الي الضامن، كما له الرجوع الي المضمون عنه ليتحصل ماله و يعطيه بمقتضي دليل

ثبوت الضمان و تحققه- كما انه- في صورة التلف له الرجوع الي المضمون عنه لحصول التلف تحت يده.

و بعبارة اخري بمقتضي «1» علي اليد- و في خصوص باب الدين نلتزم بانه لا يرجع الي المضمون عنه للادلة الخاصة الآتية في محلها غير الشاملة للمقام.

(2) قوله و ضمان الاعيان المضمونة الكلام في ضمان الاعيان المضمونة كما لو ضمن عن المستعير في العارية المضمونة أو ضمن في مورد الغصب أو المقبوض بالعقد الفاسد- هو الكلام في ضمان عهدة العوضين اشكالا و جوابا.

(3) قوله و ضمان الاثنين لواحد اورد عليه المحقق النائيني قدس سره بانه لا يصح ضمان الاثنين عن الواحد بنحو الاستقلال لعدم معقوليته و لكن حيث عرفت امكان ذلك ثبوتا- فلا محذور في الالتزام به بعد شمول ادلة صحة الضمان له.

______________________________

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4 نقلا عن عوالي اللآلئ و تفسير الرازي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 231

و أما حال بعضهم بالنسبة الي بعض (1) فلا ريب في ان اللاحق إذا رجع إليه لا يرجع الي السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان.

كما لا ريب في ان السابق إذا رجع عليه و كان غارا للاحقه لم يرجع إليه، إذ لا معني لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له، فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له، فنقول ان الوجه في رجوعه هو ان السابق اشتغلت ذمته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل (2) فهذا الضمان يرجع إلي ضمان واحد من البدل و المبدل علي سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل، و إلا خرج بدله عن كونه

بدلا فما يدفعه الثاني، فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول، فإنه تدارك نفس العين معينا إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد، فإن اداه الي المالك سقط تدارك الأول له، و لا يجوز دفعه الي الاول قبل دفع الأول إلي المالك، لأنه من باب الغرامة و التدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول، فحال الاول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في انه لا يستحق الدفع إليه الا بعد الاداء.

______________________________

(1) قوله و أما حال بعضهم بالنسبة الي بعض.

المقام الثاني: في حكم كل واحد منهم بالإضافة الي الآخر.

و محصل الأشكال في المقام: ان الأصحاب حكموا في صورة توارد الأيدي: انه لو تلفت العين يكون قرار الضمان علي من تلفت العين في يده، و لو رجع المالك الي السابق يرجع هو الي اللاحق، و لا يرجع اللاحق الي السابق الا إذا كان هناك غرور، فان المغرور يرجع الي من غره، مع اشتراكهما في سبب الضمان و وحدة نسبة علي اليد اليهما.

و اجابوا عن ذلك باجوبة:

(2) الاول: ما افاده المصنف قدس سره.

و حاصله: ان السابق بمجرد وضع يده يصير ضامنا، بحيث يكون بدل العين علي

تقدير التلف علي ذي اليد، فتصير العين بذلك مضمونة بالقوة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 232

و الحاصل ان من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين علي البدل من المالك و من سبقه في اليد و يشتغل ذمته اما بتدارك العين و أما بتدارك ما تداركها،

و هذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين علي البدل، كما كان في الايدي المتعاقبة اشتغال ذمة اشخاص علي البدل بشي ء واحد لشخص واحد،

و ربما يقال (1) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه

______________________________

و متحيثة بهذه الحيثية، فيد اللاحق واردة علي عين لها بدل، فضمانها ضمان عين لها بدل،

و مرجع ذلك الي ضمان العين و بدلها علي سبيل البدل، إذ لو كان الضمان لخصوص العين خرج البدل عن كونه بدلا.

و بهذا التقريب تندفع جملة من الاشكالات التي اوردها بعض المحشين.

منها: انه ما الوجه في ضمان البدل و لم يدل دليل عليه، إذ قد عرفت ان ضمانه مقتضي البدلية.

و منها: ان لازمه جواز رجوع السابق الي اللاحق قبل دفع البدل، إذ البدل طولي لا عرضي.

و لكن ترد عليه امور:

الأول: ان الضمان عبارة عن كون العين في العهدة حتي بعد التلف- كما تقدم تحقيقه، فلا يكون لها بدل.

الثاني: ان الانتقال الي البدل علي القول به ليس قبل التلف، بل من حينه، و في ذلك الحين تشتغل جميع الذمم بالبدل في عرض واحد بلا سبق و لحوق.

الثالث: ان لازم ما ذكره انه لو دفع العين من اللاحق الي السابق بعد اخذه منه و تلفت عنده له الرجوع الي اللاحق، إذ اللاحق اشتغلت ذمته بما له بدل، و بعد عود المال الي السابق لا يصير ضامنا لشي ء لضمانه قبله.

(1) قوله ربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده.

القائل هو صاحب الجواهر، و عبارته منقولة في المتن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 233

ان ذمة من تلف في يده لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل (1) و ان جاز له الزام غيره باعتبار الغصب باداء ما اشتغل ذمته به، فيملك حينئذ من ادي بادائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية، قال:

و بذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده و بين غيره الذي خطابه بالاداء شرعي لا ذمي،

إذ لا دليل علي شغل ذمم متعددة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه و لا يرجع هو، انتهي.

و انت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره بأن خطابه ذمي، و خطاب غيره شرعي، مع كون دلالة علي اليد ما اخذت بالنسية اليهما علي السواء،

______________________________

(1) الثاني: ما عن صاحب الجواهر قدس سره و هو: ان من تلف العين تحت يده ذمته مشغولة للمالك بالبدل و ان جاز له الزام غيره باعتبار الغصب باداء ما اشتغلت ذمته به،

فيملك حينئذ من ادي بادائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة القهرية الشرعية.

و فيه: ان هذا يبتني علي ما اختاره من عدم معقولية اشتغال ذمتين بمال واحد،

و قد عرفت ضعف المبني.

الثالث: ما عن السيد الفقيه قدس سره، و هو ان العين التالفة تكون باقية علي ملك مالكها،

و لذا يصح الصلح عليها و احتسابها خمسا أو زكاة، و ما يدفعه السابق الي المالك يكون عوضا عنها، و مقتضي العوضية خروج العين التالفة عن ملك مالكها و صيرورتها ملكا للدافع، فيكون هو مثل المالك في جواز الرجوع الي اللاحقين.

ثمّ اورد علي نفسه: بان لازم ذلك جواز رجوع اللاحق الي السابق ايضا، لأن المفروض ان قام مقام المالك.

و اجاب عنه: بان الوجه في عدم جواز رجوعه إليه انه السبب في ضمان السابق،

بمعني استقرار العوض في ذمته.

و فيه: ما تقدم من ان السببية بهذا المعني ليست احد موجبات الضمان، و عليه فلا فرق بين السابق و اللاحق، مع ان ما يدفعه الدافع الي المالك انما يكون غرامة و بدلا عن ماله، من

جهة ان مالية العين تلفت، فمقتضي التغريم ان يحفظ ماليتها بدفع مال،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 234

و المفروض انه لا خطاب بالنسية اليهما غيره، مع انه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالاداء (1) و الخطاب الذمي، مع انه لا يكاد يعرف خلاف من احد في كون كل من ذوي الايدي مشغول الذمة بالمال فعلا ما لم يسقط باداء احدهم أو ابرأ المالك نظير الاشتغال بغيره من الديون في اجباره علي الدفع أو الدفع عنه من ماله، و تقديمه علي الوصايا و الضرب فيه مع الغرماء و مصالحة المالك عنه مع آخر الي غير ذلك

______________________________

و لا يكون بدل ملك عن ملك.

و بعبارة اخري: لا يكون بدلا عن العين في الملكية كي يتوقف علي تبديل اضافة الملكية من الطرفين.

الرابع: ما استند إليه جماعة منهم المحقق الخراساني قدس سره علي اختلاف بينهم في التعبير، و حاصله: انه في باب التغريمات المتبع هو الطريقة العرفية الممضاة شرعا، و من المعلوم لمن راجع العرف و العقلاء انهم يفرقون بين دخول العين في العهدة ابتداء و دخولها في العهدة بعد ما كانت داخلة في عهدة اخري، و يرون انه علي الأول اداء بدل العين، و علي الثاني اداء بدل العين للمالك، و بدل ما يؤديه السابق له علي البدل.

فمقتضي الأول الخروج عن عهدة العين، و مقتضي الثاني الخروج عن عهدة العين،

و عن عهدة عهدتها.

الظاهر هذا أحسن ما يمكن ان يقال في وجه جواز الرجوع. نعم لا بد من تقييده بما إذا لم تكن يد اللاحق مجانية و غير معاوضية، و الا فليس بناء من العقلاء علي الرجوع، مثلا لو غصب زيد من عمرو شيئا فوهبه لبكر ثمّ

تلف تحت يده، لو رجع المالك الي الغاصب ليس له الرجوع الي بكر، و هو واضح.

(1) قوله مع انه لا يكاد يفهم الفرق بينما ذكره من الخطاب بالاداء و الخطاب الذمي.

هذا الايراد مبني علي مسلك المصنف قدس سره من انتزاعية الاحكام الوضعية عن الاحكام التكليفية و أما علي المسلك الآخر فالفرق بينهما واضح.

اللهم الا ان يقال ان نظره الشريف الي عدم الفرق بينهما من هذه الجهة ليصح رجوع من وجه إليه الخطاب التكليفي الي من وجه إليه الخطاب الوضعي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 235

من احكام ما في الذمة، مع ان تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري و لا قهري، بل المتجه علي ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد اداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك، مع ان اللازم مما ذكره ان لا يرجع الغارم بمن لحقه في اليد العادية الا الي من تلف في يده، مع ان الظاهر خلافه، فإنه يجوز له ان يرجع الي كل واحد ممن بعده.

نعم لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع الي احد لواحقه الي ان يستقر علي من تلف في يده، هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري.

و قد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين، و أنه يرجع المالك بها علي من في يده أو من جرت يده عليها، فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده غرم للمالك بدل الحيلولة (1) و للمالك استردادها، فيرد بدل الحيلولة و لا يرتفع سلطنة المالك علي مطالبة الأول بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني (2) لان عهدتها

علي الاول فيجب عليه تحصيلها، و ان بذل ما بذل، نعم ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه. (3)

______________________________

و لا يصح رجوع صاحبه إليه و مقتضي القاعدة عدم جواز رجوع كل منهما الي الآخر.

(1) قوله غرم للمالك بدل الحيلولة و للمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة.

قد تقدم الكلام في بدل الحيلولة في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد فراجع ما حققناه.

(2) قوله و لا يرتفع سلطنة المالك علي مطالبة الاول بمجرد تمكنه من الاسترداد.

و الوجه فيه ان كل واحد ممن وضع يده علي المال يكون ضامنا و يجب عليه ادائه الي صاحبه و تمكن المالك من الاسترداد من الثاني لا يسقط وجوب الرد عن الاول.

(3) قوله نعم ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه.

الحق هو التفصيل بين ما إذا لزم من مباشرة غير المالك التصرف في المال- و بين ما إذا لم يلزم منها ذلك- فللمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه في الاول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 236

و لو لم يقدر علي استردادها الا المالك و طلب من الأول عوضا عن الاسترداد (1) فهل يجب عليه بذل العوض أو ينزل منزلة التعذر فيغرم بدل الحيلولة، أو يفرق بين الاجرة المتعارفة للاسترداد و بين الزائد عليها مما يعد اجحافا علي الغاصب الأول وجوه هذا كله مع عدم تغير العين. و أما إذا تغيرت،

فيجي ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها و ان كان كثير مما ذكرنا ايضا مما لا يناسب ذكره الا في باب الغصب، الا ان الاهتمام بها دعاني الي ذكرها في هذا المقام بأدني مناسبة اغتناما للفرصة وفقنا الله لما يرضيه عنا من العلم و العمل انه غفار الزلل.

مسالة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه،

فعلي القول ببطلان الفضولي.

فالظاهر ان حكمه حكم بيع

ما يقبل الملك مع ما لا يقبله و الحكم فيه الصحة لظهور الاجماع، بل دعواه

______________________________

دون الثاني- فانه في الاول للمالك ان يمنع من التصرف في ماله- و لا سبيل الي ان يقال ان وجوب رد مال الغير أهم من حرمة التصرف فيه فيقدم عليها- فان ذلك فيما إذا كان ذلك مقدمة منحصرة، لا في مثل المقام الذي يمكن الرد بغير التصرف.

و في الثاني لا وجه لإلزامه الغاصب بالرد بطريق مخصوص، بل هو مختار في ذلك.

(1) قوله و لو لم يقدر علي استردادها الا المالك … وجوه.

الحق ان الأوجه، هو الاخير فانه إذا كانت الاجرة هي المتعارفة للاسترداد، نفس دليل وجوب الرد يكفي في الدلالة علي وجوب بذل الاجرة لكونه مقدمة للرد الواجب.

و أما إذا كانت زائدة عن ما تعارف اخذه للاسترداد، فلا يجب البذل لعموم لا ضرر و تمام الكلام في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد.

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 237

بل دعواه عن غير واحد مضافا الي صحيحة الصفار المتقدمة في ادلة بطلان الفضولي من قوله عليه السلام: لا يجوز بيع ما لا يملك، و قد وجب الشراء فيما يملك و لما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي، كالشيخ و ابن زهرة و الحلي و غيرهم. نعم لو لا النص و الاجماع امكن الخدشة فيه بما سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك.

و أما علي القول بصحة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة (1) بل و كذا مع الرد فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك، غاية الامر ثبوت الخيار حينئذ للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا، كما عن التذكرة.

و سيجي ء في اقسام الخيار

بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع لكن عن الغنية الجزم بعدمه و يؤيده صحيحة الصفار.

______________________________

(1) قوله و ما علي القول بصحة الفضولي فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة.

ما افاده المصنف من انه لا ريب في الصحة علي القول بالصحة في بيع الفضولي و الحكم بظهور الصحة علي القول ببطلانه.

قابل للمناقشة: فان جميع ما ذكر وجها للبطلان تجري علي القول بصحة بيع الفضولي، نعم- علي القول بصحته و كون الاجازة كاشفة بنحو الشرط المتأخر، و تحققها لا يجري شي ء من تلك الوجوه كما ستعرف.

و كيف كان: فيشهد للصحة في المملوك علي جميع التقادير- مضافا الي الإجماع-: صحيح الصفار عن ابي محمد العسكري عليه السلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

بل العمومات الدالة علي صحة العقود كالآية الشريفة «2» تدل علي الصحة فيه.

و قد ذكروا في وجه عدم الشمول امورا:

منها: ان البيع امر واحد بسيط، فاما ان يكون هذا الواحد مشمولا للعمومات فلازمه الصحة في جميع اجزاء المبيع، أو لا يكون مشمولا لها فلازمه البطلان في الجميع. و علي التقديرين لا وجه للتفكيك بين الأجزاء صحة و فسادا، و حيث انه لا يمكن

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) المائدة آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 238

و ربما حمل كلام الشيخ علي ما إذا ادعي البائع الجهل أو الاذن و كلام الغنية علي العالم، ثمّ ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الاجازة مانع شرعي كلزوم ربا و بيع آبق من دون ضميمة. و سيجي ء الكلام في محلها، ثمّ ان

البيع المذكور صحيح بالنسبة إلي المملوك بحصته من الثمن، و موقوف في غيره بحصته،

______________________________

الالتزام بالأول و الا لزم خروج المال عن ملك مالكه بلا رضاه، فيتعين البناء علي البطلان في الجميع.

و فيه: ان البيع- اي الإنشاء- و ان كان واحدا، الا ان ما تضمنه من التمليك يكون متعددا حقيقة لتعدد الملكية بتعدد المملوك، فإذا تعددت الملكية يتعدد التمليك لا محالة،

لأن الايجاد و الوجود متحدان حقيقة، و أحد التمليكين يكون مشمولا للعمومات، و هو ما تعلق بماله دون الآخر، فيصح هو دون صاحبه.

و ان شئت قلت: ان الانشاء واحد صورة و منحل الي انشاءات متعددة حسب ما للمنشأ من الأفراد.

و مما يشهد للانحلال: - مضافا الي ظهوره علي ما عرفت: انه لو انضم الي ما يصح بيعه بعض ما نهي الشارع عن بيعه و باعهما بانشاء واحد لم يتوهم احد صحة هذا البيع مستندا الي ان دليل النهي لا يشمل مثل هذا البيع لعدم كونه متعلقا به استقلالا، فان المتعلق المجموع من حيث المجموع، مع ان لازم هذا الوجه ذلك.

و منها: ان البائع لم يرض بانتقال ماله منفردا، فانه رضي بانتقاله منضما الي مال غيره، و قد خصصت العمومات بما دل علي اعتبار الرضا في صحة البيع.

و فيه: ان البائع قد رضي بانتقال ماله و انتقال مال غيره، فكل منهما متعلق للرضا،

فانتقال ماله يكون عن رضا، و غاية ما هناك عدم انتقال مال غيره برضاه لا انتقال ماله بلا رضاه، مع انه اخص من المدعي، إذ ربما يكون راضيا بانتقاله منفردا ايضا.

و منها: انه يلزم من الصحة عدم تبعية العقد للقصد، إذ ما قصد هو المجموع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 239

و طريق معرفة حصة كل منهما

(1) من الثمن في غير المثلي ان يقوم كل منهما منفردا، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين (2) مثاله كما عن السرائر ما إذا كان ثمنها ثلث دنانير و قيل أن قيمة المملوك قيراط و قيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن. و ما ذكرنا من الطريق هو المصرح به في الارشاد حيث قال: و يقسط المسمي علي القيمتين.

و لعله ايضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من انهما يقومان جميعا، ثمّ يقوم احدهما. و لذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الارشاد حيث قال:

طريق تقسيط المسمي علي القيمتين الخ. لكن الانصاف ان هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها علي عبارة الارشاد التي اخترناها في طريق التقسيط و استظهرناه من السرائر إذ لو كان المراد من تقويمهما، معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج الي قولهم ثمّ يقوم احدهما، ثمّ تنسب قيمته إذ ليس هنا الا امران تقويم كل منهما أو نسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

______________________________

و ما وقع غيره.

قد ظهر جوابه مما ذكرناه في سابقه، فان البائع قاصد لانتقال ماله في ضمن قصده انتقال المجموع.

و منها: ان الثمن الواقع بازاء الجزء المملوك مجهول، فلا تصح المعاملة الواقعة عليه.

و فيه: ان المتيقن من دليل اعتبار العلم بالعوضين اعتبار العلم بما يجعل عوضا أو معوضا في الانشاء لا اعتبار العلم بما ينفذ فيه البيع شرعا.

(1) و أما طريق معرفة حصة كل منهما، فلا اشكال فيما لو عين حصة كل منهما.

كما لو لاحظ البائع و المشتري وقوع حصة معينة من الثمن بازاء كل جزء من المثمن.

انما الكلام فيما لو لم يلاحظا ذلك و اوقعا

العقد علي المجموع، من ناحية معرفة الحصة و التقسيط. و لهم في ذلك مسالك.

(2) الاول ما اختاره المصنف قدس سره وفاقا لغيره، و هو: انه يقوم كل واحد منهما منفردا فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 240

فالظاهر ارادة قيمتهما مجتمعين ثمّ تقويم احدهما بنفسه، ثمّ ملاحظة نسبة قيمة احدهما الي قيمة المجموع. (1) و من هنا انكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك، إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة (2) كما في مصراعي باب و زوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم أحدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة، فإنه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين الي العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة، فيبقي للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد، مع انه لم يستحق من الثمن الا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر اعني در همين و نصفا.

______________________________

فإذا كان الثمن عشرة و كانت قيمة مال نفسه اربعة و قيمة مال غيره اثنتين، يرجع المشتري بثلث الثمن. إذ نسبة قيمة مال غيره الي مجموع القيمتين هي ذلك. و سيمر عليك ما يرد عليه.

(1) الثاني: ما عن المشهور، و هو: انه يقوم مجموع الماليين ثمّ يقوم مال غيره ثمّ تنسب قيمته الي قيمة المجموع فيؤخذ بتلك النسبة، فإذا كانت قيمة مصراعي الباب عشرة و كانت قيمة أحدهما اثنتين يرجع المشتري بخمس الثمن.

و لكن يرد عليه ما افاده المصنف بقوله.

(2) إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي الباب و زوج خف

إذا فرض تقويم المجموع بعشرة و تقويم احدهما بدرهمين و كان الثمن خمسة، فان لازم هذا القول رجوع المشتري بخمس الثمن فيبقي للبائع اربعة في مقابل مصراع واحد، مع انه لم يجعل في المعاملة في مقابله الا نصف الثمن.

و يرد علي الاول: هذا المحذور بعينه في صور الاختلاف، فانه في مثال الجارية و ابنتها إذا باعهما بعشرة و كانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستة و في حال الانضمام اربعة و قيمة ابنتها بالعكس، فإذا كانت البنت لغير البائع لازم ما اختاره الشيخ قدس سره رجوع المشتري الي البائع بخمسين من الثمن، مع انه انما جعل من الثمن بازائها ثلاثة اخماس.

فالمتعين هو القول الثالث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 241

و الحاصل ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الاجازة، و يصح في نصيب المالك بحصة كان يأخذها مع اجازة المالك الجزء الآخر هذا و لكن الظاهر ان كلام الجماعة اما محمول علي الغالب، من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع، أو مرادهم من تقويمهما كل منهما منفردا، و يراد من تقويم احدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين، و الا ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج الي النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها، و ان كان ضعيفا بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة احدهما المنفرد و بين قيمة المجموع، بل ينتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة

______________________________

و هو الذي اختاره جمع من الأساطين، و هو.

انه يقوم كل واحد منفردا، لكن بملاحظة حال الانضمام، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

و ذلك يظهر ببيان امور:

الأول: ان الهيئة الاجتماعية ربما لا

تكون موجبة لازدياد القيمة و لا لنقصانها،

و ربما تكون موجبة لأحدهما. و علي الثاني تارة: تكون موجبة للازدياد من الطرفين بالسوية كما في مصراعي الباب، و اخري: تكون موجبة له بالاختلاف كما لو كان قيمة احدهما مع الانضمام خمسة و لا معه اربعة، و كان قيمة الآخر معه ستة و لا معه ثلاثة.

و ثالثة: تكون موجبة للنقصان من الطرفين بالسوية. و رابعة: تكون موجبة له بالاختلاف.

و خامسة: تكون موجبة للزيادة في احدهما و النقيصة في الآخر، كما لو باع جارية مع ابنتها الصغيرة و فرضنا ان قيمة الام تنقص في صورة ضم ابنتها إليها من جهة قيامها بتربيتها، و قيمة الصغيرة تزيد بذلك.

الثاني: ان كل جزء انما قوبل بجزء من الثمن في حال الانضمام لا مطلقا.

الثالث: ان الأوصاف لا تقابل بالمال، و تخلفها يوجب الخيار لارد جزء من الثمن.

و بهذه الأمور يظهر أن الأظهر هو الثالث،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 242

بحيث يكون قيمة احدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو ازيد، فإن هذا فرض ممكن، كما صرح به في رهن جامع المقاصد و غيره، فإن الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن، كما لو باع جارية مع امها قيمتهما مجتمعتين عشرة و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية، فإن نسبة إحداهما المنفردة إلي مجموع القيمتين (1) نسبة الشي ء إلي مماثله فرجع بكل الثمانية،

و كان من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا أو كان عنده غير ممكن، فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا و نسبة قيمة أحدهما إلي مجموع القيمتين.

فإن قلت ان المشتري إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر، و هذا الوصف

لم يبق له مع رد مالك أحدهما، فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع علي ماله منفردا فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين الي العشرة و هو درهم واحد. فالزيادة ظلم علي المشتري و ان كان ما أو همه عبارة الشرائع و شبهها من اخذ البائع اربعة و المشتري واحدا اشد ظلما، كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة فاللازم ان يقسط الثمن علي قيمة كل من الملكين منفردا و علي هيئته الاجتماعية و يعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا و يبقي للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا و قيمة هيأته الاجتماعية.

قلت: فوات وصف الانضمام كسائر الاوصاف الموجبة لزيادة القيمة، ليس مضمونا في باب المعاوضات، و ان كان مضمونا في باب العدوان، غاية الامر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة، و لا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع و ملك غيره متعددين في الوجود، كعبد و جارية أو متحدا كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره، فإنه لا يوزع الثمن علي قيمة المجموع اثلاثا لأن الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان لكونه اقل رغبة منه، بل يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين و يؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة، هذا كله في القيمي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 243

اما المبيع المثلي فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن (1) علي نفس المبيع فيقابل كل من حصتي البائع و الاجنبي بما يخصه و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي (2) من ملاحظة قيمتي الحصتين و تقسيط الثمن علي المجموع فافهم.

مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار،

فإن علم انه اراد نصفه، أو نصف الغير عمل به، و الا فإن علم انه

لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ، ففيه احتمالان: حمله علي نصفه المملوك له، و حمله علي النصف المشارع بينه و بين الأجنبي (3)

______________________________

(1) قوله اما البيع المثلي فان كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس البيع ما افاده المصنف قدس سره يتم علي ما اخترناه في طريق تقسيط الثمن و لا يتم علي مسلكه فانه قد يتفاوت الحصتان، كما لو كانت حصة احدهما تسعة امنان و حصة الآخر منا واحدا-، و يكون الاختلاف في القيمة في صورتي الانضمام و الانفراد في الحصة الاولي قليلا و في الثانية ازيد كمالا يخفي.

(2) قوله و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي اورد عليه المحقق

النائيني قدس سره بانه يمكن ان يكون المثلي مفروزا و يكون مع ذلك كل من النصيبين من كومة واحدة و صبرة خاصة فيجب ان يقابل كل من الحصتين بما يخصه من الثمن فيكون كالمثلي المشاع لا كالقيمي.

و فيه انه كما يتصور ذلك يتصور الاختلاف فلا بد من بيان ما يفيد في جميع الصور و هو ما افاده المصنف قدس سره.

بيع نصف الدار

بقي الكلام هنا في مسالتين:

(3) احداهما: ما لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار و قبل الشروع في البحث فيها لا بد من تقديم مقدمتين:

الأولي: في بيان الكسر المشاع و ان الشركة الحاصلة في المبيع علي اي كيفية،

و العمدة فيه مسلكان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 244

______________________________

احدهما: ما هو المنسوب الي المشهور، و هو: ان معني الشركة علي الاشاعة ان كل جزء يفرض في الجسم فكل واحد من الشريكين المساويين مالك لنصف هذا الجزء.

ثانيهما: ان كل واحد منهما مالك لتمام المملوك، و انما الملكية

تكون ضعيفة و ناقصة، فالأخوان الوارثان لأبيهما هما معا بالإضافة الي المال كأبيهما، و طرف اضافة الملكية هما مجتمعا، و كل منهما مالك لجميع المال، و لكن بالملكية الناقصة لا التامة.

و قد استدل للأول: بان المشهور بين المتكلمين و بعض الحكماء قبل الإسلام و ان كان ان مادة الجسم المطلق هي الأجزاء التي لا تقبل القسمة لا خارجا و لا ذهنا و يسمي كل جزء من هذه الأجزاء بالجوهر الفرد و الجزء الذي لا يتجزأ.

و لكن بطلان هذه المقالة- كبطلان مقالة النظام، حيث ذهب الي ان الجسم مؤلف من اجزاء غير متناهية- في عصرنا من اوضح البديهيات، لأن كل ما يشار إليه بالإشارة الحسية لا بد ان يكون ما يحاذي منه جهة الفوق غير ما يحاذي منه يحاذي منه جهة التحت، و كذا باقي الجهات، فلا محيص من ان يكون منقسما و ان لم يكن لنا آلة لتقسيمه.

مضافا الي ما برهنوا عليه من لزوم تفكك الرحي و نفي الدائرة. و عليه فكل جزء يفرض في الجسم كل واحد من الشريكين مالك لنصف ذلك الجزء.

و فيه: ان هذا البرهان لو تم لاقتضي امكان ذلك لا كون ما في الخارج كذلك،

و الأرجح في النظر هو الثاني، و ذلك لأنه مضافا الي انه المناسب للفهم و الوجدان و يلائم مع الطبع يشهد له وجهان:

احدهما: انه لا إشكال في ان الشي ء الخارجي الذي يكون ملكا و مالا لو قسم ربما يصل الي حد يسقط عن المالية و الملكية لو نصف، فعلي هذا لو خلف الميت شيئا له المالية و كان ورثته متعددين لو قسم ذلك بحسب تعددهم لا يكون كل جزء منه ملكا يلزم البناء علي عدم كونه ملكا

لأحد، و هو كما تري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 245

______________________________

الثاني: ان المملوك المشترك ربما يكون من الأعراض و الأفعال و الأعمال غير القابلة للقسمة لبساطتها كالصلاة و رفع الحجر من الأرض و نحو ذلك، و لا معني للالتزام بالملكية بالمعني الأول في هذه الموارد، فلا مناص عن البناء علي ما اخترناه، و هذه آية قطعية عليه.

و اضف الي ذلك كله عدم معقولية المعني الأول، فان كل ما في الخارج يكون معينا، و لا معني لوجود شي ء في الخارج غير معين في الواقع، و حيث ان الكسر المشاع بذلك المعني غير معين فلا يمكن الالتزام به.

فتحصل مما ذكرناه: ان معني الملكية المشاعة هو مالكية الشركاء، كل منهم لجميع المال بالملكية الضعيفة، و نظيره في التكوينيات رفع جماعة حجرا واحدا، حيث ان الرفع يستند الي مجموعهم. فعلي هذا معني بيع نصف الدار بيعه بتمامه باعطاء الملكية الناقصة و هذه مسامحة في التعبير، و شاع ذلك.

الثانية: في تعيين محل النزاع و البحث.

لا خلاف و لا إشكال فيما لو علم بانه اراد من النصف شيئا معينا من نصفه المختص به، أو نصف غيره، أو المشاع في الحصتين.

و انما الكلام في موردين:

الأول: ما لو علم انه قصد شيئا معينا و كان ذلك مشتبها و غير معلوم عندنا.

الثاني: ما لو علم بانه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ.

و ظاهر الشيخ اختصاص النزاع بالمورد الثاني.

و صريح السيد قدس سره اختصاصه بالمورد الأول.

و ذهب المحقق النائيني قدس سره الي التعميم.

لا ينبغي التوقف في كون الأول مورد النزاع، و لم يذكر وجه لعدم النزاع فيه، و أما ما ذكر في وجه عدم جريان النزاع في المورد الثاني.

و حاصله: ان الظهورات

انما تكون لتشخيص المرادات و المفروض انه لم يقصد المتكلم خصوصية ملكه أو ملك غيره، و انما قصد مفهوم النصف الذي مقتضاه ليس الا الاشاعة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 246

و منشأ الاحتمالين. اما تعارض ظاهر النصف اعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين (1) مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف الي نصفه المختص (2) و ان لم يكن له هذا الظهور في غير المقام، و لذا يحمل الاقرار علي الاشاعة، كما سيجي ء، أو مع ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه (3) لأن مال الغير لا بد فيه اما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه، و أما من بنائه علي تملكه للمال عدوانا، كما في بيع الغاصب، و الكل خلاف المفروض هنا، و مما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين قول البائع بعت غانما مع كون الاسم مشتركا بين عبده و عبد غيره، حيث ادعي فخر الدين الإجماع علي انصرافه الي عبده، فقاس عليه ما نحن فيه، إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير، فبقي ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع و انصراف لفظ المبيع في مقام التصرف الي مال المتصرف سليمين عن المعارض،

______________________________

فيرد عليه ان المراد من انه لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ ليس خلو الكلام عن المراد الجدي، بل المراد انه انما قصد مفهوم هذا اللفظ و تعلقت ارادته الجدية به هكذا، اي بما يقتضيه ظهور هذا الكلام و لو بلحاظ المقام مع خلوه عن الإرادة التفصيلية.

و علي هذا فيقع الكلام في موردين:

الأول: فيما إذا لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ.

الثاني: فيما إذا قصد معينا غير معلوم لنا. و حيث ان المدرك و كذلك

المختار في الموردين واحد فلا حاجة الي البحث في كل من الموردين مستقلا.

(1) و كيف كان: فقد ذكر في وجه ظهور الكلام في النصف المشاع بينه و بين الأجنبي: ان النصف ظاهر في الحصة المشاعة في مجموع الحصتين.

و اورد عليه المصنف قدس سره بان هذا الظهور يعارض مع ظهورين آخرين:

(2) احدها: ظهور مقام التصرف في ارادة حصته المختصة لانشاء البيع.

(3) ثانيهما: ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه لأن بيع مال الغير يتوقف علي نية الغير أو كونه له أو البناء عليه عدوانا، و الكل خلاف المفروض، و هو قده من جهة هذا التعارض توقف في المسألة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 247

فيفسر بهما اجمال لفظ المبيع، ثمّ انه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه في هل هو كالأجنبي؟ وجهان مبنيان علي ان المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ المبيع الي مال البائع في مقام التصرف أو ظهور التمليك في الاصالة الاقوي هو الأول لأن ظهور التمليك في الاصالة من باب الاطلاق و ظهور النصف في المشاع و ان كان كذلك ايضا الا ان ظهور المقيد وارد علي ظهور المطلق و ما ذكره الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي الي مدلول اللفظ و ان كان مرجعه الي ظهور وارد علي ظهور المقيد، الا انه مختص بالفضولي، لأن القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الولي، فالأقوي فيهما الاشتراك في المبيع تحكيما لظاهر النصف، الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع. (1)

و أما ملاحظة حقي المالكين و ارادة الاشاعة في الكل من حيث انه مجموعهما فغير معلومة، بل معلوم العدم بالفرض.

و من المعلوم ان النصف المشاع بالمعني المذكور،

يصدق علي نصفه المختص فقد ملك كليا يملك مصداقه، فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره فإن الظاهر وقوعه لنفسه، لأنه عقد علي ما يملكه، فصرفه إلي الغير من دون صارف لا وجه له،

______________________________

و فيه: انه لم سلم ظهور النصف في المشاع بين الحصتين و لم نلتزم بما افاده المصنف قدس سره في اثناء كلامه من انه ظاهر في نفس المشاع لا في المشاع بين الحصتين، قال.

(1) الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع لا.

ريب في انه ظهور اطلاقي ناش عن انتفاء ما يوجب التعيين، فظهور مقام التصرف في ارادة حصته المختصة يمنع عن انعقاده.

فالأظهر الحمل علي نصفه المختص.

اللهم الا ان يقال كل منهما يصلح للمنع عن انعقاد الآخر فلولا الوجه الاول كان المتعين التوقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 248

و لعله لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم، لو انه اصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق (1) استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي لا نصف الباقي و قيمة نصف الموهوب. و ان ذكروا ذلك احتمالا، و ليس الا من جهة صدق النصف علي الباقي، فيدخل في قوله تعالي: فنصف ما فرضتم.

و ان كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم بأنه: لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات، بل لا تغاير بينهما الا بالاعتبار، فلا وجه لاعتبار القيمة، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة، مع كونها قيمية.

لكن الظاهر انهم لم يريدوا هذا الوجه، و أنهم

عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام،

______________________________

(1) قوله ذكر جماعة انه لو اصدق المرأة عينا فوهبت نصفها استحق الزوج النصف الباقي.

ان بنينا علي ان المرأة تملك بالعقد نصف المهر و بالدخول تملك نصفه الآخر تكون هذه المسألة بعينها مسألتنا لان محل البحث في المقام لا يكون خصوص البيع فالوجه في حكمهم استحقاق الزوج بالطلاق النصف الباقي هو ما ذكرناه.

و أما ان قلنا بانها تملك تمام المهر و بالطلاق قبل الدخول يرجع نصفه الي الزوج، فهي- اجنبية عن المقام.

فان المرأة حين ما وهبت النصف كانت مالكة لجميع المال و الطلاق ليس انشاء لرد النصف كي يجري فيه هذا النزاع فتدبر.

اللهم الا ان يقال ان ما ذكره المصنف قدس سره الذي اشار إليه هنا هو عدم التنافي بين ظهور النصف في الاشاعة و حمله علي نصفه المختص من باب انه من ملك كليا ملك مصداقه.

فما ذكروه في صداق المرأة نظيرا للمقام من هذه الجهة فان حكم الشارع الاقدس برد نصف المهر في قوة تمليك الزوجة نصفه للزوج.

فيكون من باب انه من ملك كليا ملك مصداقه إذ المرأة مالكة لمصداق النصف فيكون نظيرا للمقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 249

و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح (1) من انه: إذا اقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالارث، فصالحه المقر له علي ذلك النصف، كان النصف مشاعا في نصيبهما فإن اجاز شريكه نفذ في المجموع و الا نفذ في الربع، فإن مقتضي ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف المقر له، لأنه إن أوقع الصلح علي نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه

قبل الاقرار مع غير المقر أو معه، و ان اوقعه علي مطلق النصف المشاع انصرف ايضا الي حصته، فلا وجه لاشتراكه بينه و بين شريكه، و لذا اختار سيد مشايخنا قدس الله اسرارهم اختصاصه بالمقر له، و فصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح علي نصفه أو مطلق النصف و بين ما إذا وقع علي النصف الذي اقر به ذو اليد، فاختار مذهب المشهور في الثالث، لأن الإقرار منزل علي الاشاعة، و حكم بالاختصاص في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول و انصرافا في الثاني الي النصف المختص، و اعترضه في مجمع الفائدة: بأن هذا ليس تفصيلا بل مورد كلام المشهور هو الثالث، لفرضهم المصالحة علي ذلك النصف المقر به. و تمام الكلام في محله و علي كل حال، فلا اشكال في ان لفظ النصف المقر به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه الي نصفه يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه، و لهذا افتوا ظاهرا علي انه لو اقر احد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما علي نصف العين، بأن ثلث العين لفلان،

حمل علي الثلث المشاع في النصيبين، فلو كذبه الشريك الآخر دفع المقر الي المقر له نصف ما في يده، لأن المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف، لأنه باعتقاده إنما يستحق الثلث، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته الي المقر و المقر له علي حد سواء، فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع الاستحقاق و دعوي ان مقتضي الاشاعة تنزيل المقر به علي ما في يد كل منهما

______________________________

(1) قوله و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح.

و

قد اورد عليه بان الاصحاب في مسألة، هبة المرأة نصف صداقها حملوا النصف علي النصف الباقي، و في باب الصلح ذكروا انه إذا اقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالارث فصالحه المقر له ذلك النصف مشاعا في نصيبهما.

فما ذكره المصنف قدس سره ان كان حمل النصف علي النصف المختص لم يكن ما ذكروه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 250

فيكون في يد المقر سدس و في يد المنكر سدس كما لو صرح بذلك و قال ان له في يد كل منهما سدسا و اقراره بالنسبة الي ما في يد الغير غير مسموع فلا يجب الا ان يدفع إليه ثلث ما في يده و هو السدس المقر به، و قد تلف السدس الآخر بزعم المقر علي المقر له بتكذيب المنكر مدفوعة، بأن ما في يد الغير ليس عين ماله،

فيكون كما لو اقر شخص بنصف كل من داره و دار غيره و هو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر و حصة المقر و حصة المقر له بزعم المقر، الا انه لما لم يجبر المكذب علي دفع شي ء مما في يده، فقد تلف سدس مشاع يوزع علي المقر و المقر له فلا معني لحسابه علي المقر له وحده، الا علي احتمال ضعيف، و هو تعلق الغصب بالمشاع و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك، فيتمحض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه و ما يأخذه الشريك لنفسه، لكنه احتمال مضعف في محله و ان قال به أو مال إليه بعض علي ما حكي، للحرج أو السيرة. نعم يمكن ان يقال بأن التلف في هذا المقام حاصل باذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر،

و الشارع انما اذن له

في اخذ ما يأخذه علي انه من مال المقر له، فالشارع انما حسب السدس في يد المنكر علي المقر له، فلا يحسب منه علي المقر شي ء، و ليس هذا كأخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا بدون اذن الشارع حتي يحسب علي كلا الشريكين.

______________________________

في المسألة الاولي منافيا له، و ان كان حمله علي النصف المشاع لم يكن ما ذكروه في المسألة الثانية منافيا له.

و ما ذكره المصنف قدس سره في المقام امران- احدهما- ظهور النصف في نفسه في المشاع- ثانيهما- ظهور التصرف و انشاء البيع في ارادة النصف المختص، و في باب هبة المرأة نصف صداقها علي فرض كونها مالكة لجميع المهر لا معارض لظهور النصف في المشاع فحكمهم بالحمل علي النصف المختص ينافي هذا الظهور، و في باب الصلح حيث ان المقر له يوقع الصلح و ينشئه علي النصف فحمله علي النصف المشاع ينافي الظهور الثاني إذ الصلح انما يكون كالبيع من هذه الجهة كما لا يخفي، و بالجملة ما ذكره قدس سره في المقام امران، و ما ذكروه في احد الفرعين ينافي احدهما، و ما ذكره في الآخر في الثاني،

هذا ما يرجع الي شرح العبارة- و أما تنقيح القول في المسألتين و بيان وجه عدم التنافي بين ما ذكروه هنا و ما ذكروه فيهما فموكول الي محل آخر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 251

و الحاصل ان اخذ الجزء كان بأذن الشارع، و انما اذن له علي ان يكون من مال المقر له، و لعله لذا ذكر الاكثر بل نسبه في الايضاح الي الاصحاب في مسألة الاقرار بالنسب، ان احد الاخوين إذا اقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده و هو الثلث، و لا

يدفع إليه نصف ما في يده نظرا الي انه اقر بتساويهما في مال المورث، فكل ما حصل كان لهما و كلما توي كان كذلك هذا، و لكن لا يخفي ضعف هذا الاحتمال من جهة ان الشارع الزم بمقتضي الإقرار معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الذي اقر به.

و من المعلوم ان مقتضي الواقع لو فرض العلم بصدق المقر: هو كان ما في يده علي حسب اقراره بالمناصفة. و أما المنكر عالما فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه الا ما قابل حصته عما في يدهما و الزائد حق لهما عليه.

و أما مسألة الإقرار بالنسب فالمشهور و ان صاروا إلي ما ذكره، و حكاه الكليني عن الفضل بن شاذان علي وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة، حتي قوي في المسالك الحمل علي الاشاعة و تبعه سبطه و سيد الرياض في شرحي النافع. و الظاهر ان مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل اصحاب الحديث، كالفضل و الكليني بل و غيرهما، فروي الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا عن ابي البختري و وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السلام قال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل مات و ترك ورثة، فاقر احد الورثة بدين علي ابيه انه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث و لا يكون ذلك في ماله كله. و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك علي الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما قدر ما ورثا،

و كذلك إن أقر أحد الورثة بأخ أو أخت فإنما يلزمه ذلك في حصته.

و بالإسناد قال: قال علي عليه السلام من أقر لاخيه فهو شريك في المال و لا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان فكذلك، إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه و يضرب في الميراث معهم، و عن قرب الأسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد و تمام الكلام في محله من كتاب الإقرار و الميراث إنشاء الله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 252

مسألة: لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله كالخمر و الخنزير صفقة بثمن واحد (1)

صح في المملوك عندنا، كما في جامع المقاصد و اجماعا كما في الغنية، و يدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة، و دعوي انصرافه الي صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة، بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة، بل اللزوم في العقود عدا ما يقال من ان التراضي و التعاقد انما وقع علي المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا، فالحكم بالامضاء في البعض مع عدم كونه مقصودا الا في ضمن المركب يحتاج الي دليل آخر غير ما دل علي حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض، و لذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه، و قد نبه عليه في جامع المقاصد في باب فساد الشرط و ذكر ان الفرق بين فساد الشرط، و الجزء عسرا، و تمام الكلام في باب الشروط و يكفي هنا الفرق بالنص و الاجماع، نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري لما ذكره في المسالك، وفاقا للمحكي في التذكرة عن الشافعي من جهة إفضائه إلي الجهل بثمن المبيع قال في التذكرة بعد ذلك، و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان، فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه، انتهي

______________________________

بيع ما يقبل التملك و ما لا يقبله

(1) الثانية لو باع ما يقبل التملك و ما

لا يقبله كالخمر صفقة بثمن واحد: فلا خلاف

في صحة البيع في المملوك، و عن غير واحد: دعوي الإجماع عليها.

و يشهد- مضافا الي ذلك.

و إلي العمومات التي عرفت في مسألة بيع الملك و غير الملك تقريب دلالتها علي الصحة في أمثال المقام.

و ان ما ذكر في وجه عدم شمولها لها تارة لعدم المقتضي و اخري لعدم المانع غير تام، فراجع ما حققناه.

اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة المتضمنة انه لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانها باطلاقها تشمل ما إذا كان بعض القرية وقفا عاما غير مملوك لأحد

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 253

و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد الي نقله عرفا،

و ان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له، فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل «البيع»

حقيقة فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع و حكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع، مع انه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن الي المملوك لا البطلان (1) لأن المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم علي ضمان المملوك وحده بالثمن، كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه حيث قال: ان هذا الحكم مقيد بجهل المشتري بعين المبيع و الا لكان البذل بازاء المملوك ضرورة ان القصد الي الممتنع كلا قصد انتهي.

لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور،، حيث حكموا بالتقسيط و ان كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن الي

البائع،

لأنه سلطه عليه مجانا، فإن مقتضي ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك،

اما لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. اما لبقاء ذلك القسط له مجانا (2) كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك، الا انك قد عرفت ان الحكم هناك لا يكاد ينطبق علي القواعد، ثمّ ان طريق تقسيط الثمن علي المملوك و غيره يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير، من ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا و نسبة قيمة المملوك الي مجموع القيمتين،

______________________________

(1) قوله مع انه لو تم ما ذكر لاقتضي صرف مجموع الثمن الي المملوك.

و فيه ان وقوع مجموع الثمن بازاء الشي ء لا واقع له سوي الجعل المعاملي و المفروض انه جعل فيه بازاء المملوك بعض الثمن.

(2) قوله و أما لبقاء ذلك القسط له مجانا.

و فيه اولا ما تقدم في محله من عدم تمامية ذلك في بيع مال الغير من العالم.

و ثانيا انه لو تم فيه لا يتم في المقام فان المجانية هناك لم تكن من ناحية المعاملة بل كانت من ناحية التسليط المجاني غير المفروض في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 254

لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك (1) و قد ذكروا ان الحر يفرض عبدا بصفاته و يقوم، و الخمر و الخنزير يقومان بقيمتها عند من يراهما مالا، و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين علي ذلك لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفار، و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انها شاة،

و الخمر بعنوان انها خل، فبان الخلاف، بل حزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل و الشاة.

______________________________

(1) قوله لكن الكلام هنا في طريق معرفة غير المملوك.

طريق تقسيط

الثمن علي المملوك و غيره يعرف مما تقدم في مسألة ما لو باع ماله مع مال الغير من انه يقوم كل واحد منفردا، لكن بملاحظة حال الانضمام فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته الي مجموع القيمتين.

لكن الأشكال هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك لفرض انه لا قيمة له.

لا اشكال فيما إذا باع غير المملوك بعنوانه كما لو ضم الخمر الي الخل فباعهما بصفقة واحدة، فانه يعرف قيمة الخمر بالرجوع الي من يراها ملكا و مالا، انما الأشكال فيما إذا باعه بعنوان ما يملك، كما لو باع شاة و خنزيرا بعنوان انهما شاتان.

و الأظهر انه يقوم قيمة المملوك- اي الشاة- لأن بذل المال انما يكون بازاء الصورة النوعية و الا فالأجسام من حيث هي لا مالية لها و لا يبذل بازائها المال. و المراد بها الصورة النوعية العرفية، ففي المقام بذل جزء من الثمن بازاء الشاة دون الخنزير فلا بد من لحاظ ذلك في مقام التقويم.

هذا إذا كان غير المملوك مالا عرفا، و أما ان لم يكن مالا فقد اختار السيد الفقيه بطلان البيع في هذه الصورة من جهة انه لا يمكن تعيين ما بازاء غير المملوك لأنه لا قيمة له، و لا يمكن البناء علي الصحة بالنسبة الي المملوك في تمام الثمن لأنه جعل بازاء غير المملوك في المعاملة بعضه فيتعين البناء علي البطلان.

و فيه: انه يتم في صورة الجهل فانه يجعل بازاء ما لا يملك جزء من الثمن، و لا يتم في صورة العلم من جهة انه في تلك الصورة لا يجعل بازائه شي ء من الثمن و يكون ذلك نظير ضميمة الأوساخ، فلا محالة يصح البيع في تمام الثمن.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 255

مسألة: يجوز للأب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء (1)
اشارة

و يدل عليه قبل الاجماع الاخبار المستفيضة (2) المصرحة في موارد كثيرة، و فحوي سلطنتهما علي بضع البنت في باب النكاح. (3)

______________________________

ولاية الأب و الجد

(1) مسألة: يجوز للاب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء بلا خلاف.

و في الجواهر: دعوي الإجماع بقسميه عليه، و في غير واحد من الكتب: دعوي ذلك.

(2) و استدل له المصنف قده: بالاخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة.

(3) و بفحوي سلطنتها علي بضع البنت في باب النكاح «1».

و فيه: ان النصوص المستفيضة المشار إليها طوائف:

الأولي: ما تضمنت الأخذ من مال الولد «2».

الثانية: ما وردت في تقويم الأب جارية ولده الصغار ثمّ يصنع بها ما شاء «3».

الثالثة: ما وردت في جواز اتجار الوصي بمال الطفل إذا كان قد اوصي ابوه بذلك «4».

و لا يصح الاستدلال بشي ء منها.

اما الأولي: فلأنها واردة في تصرف الأب لنفسه استقلالا لا تصرفه لابنه، مع انها واردة في الولد مطلقا صغيرا كان ام كبيرا، بل مورد اكثرها البالغ، و في بعضها التقييد بصورة الحاجة و الاضطرار، و في بعضها المنع عن الأخذ إذا كان الولد ينفق عليه باحسن النفقة،

مع انها مختصة بالأب غير متعرضة للجد.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

(2) الوسائل- باب 78 و 79- من ابواب ما يكتسب به.

(3) الوسائل- باب 78 و 79- من ابواب ما يكتسب به.

(4) الوسائل- باب 92- من ابواب احكام الوصايا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 256

______________________________

و أما الثانية: فلأنه من الممكن اختصاص ذلك بالجارية من جهة ان الشارع الأقدس قد وسع في اسباب حلية الوطء بما لم يوسع في سائر المعاملات كما تقدم في مبحث الفضولي.

مع ان فيها ما

ورد في الكبير كصحيح ابن محبوب الوارد في تقويم جارية البنت التي قد اهداها إليها ابوها حين زوجها.

مع انها من جملة ادلة جواز تصرفاته الراجعة الي نفسه و سبيلها سبيل تلك الأدلة.

و أما الثالثة: فعدم دلالتها علي الولاية في حال الحياة واضح.

و أما الفحوي فقد تقدم في مبحث الفضولي المناقشة في فحوي نفوذ النكاح بالإضافة الي سائر المعاملات. فراجع.

و لكن مع ذلك اصل الحكم مما لا ينبغي التوقف فيه.

لبناء العقلاء عليه و عدم ردع الشارع عنه.

و اجماع الامة عليه.

و جملة كثيرة من النصوص الدال بعضها كنصوص الاتجار بماله الوارد في باب الزكاة «1» و المؤيد غيره كالنصوص المتقدمة.

بقي الكلام في الجملة المذكورة في جملة من الأخبار) انت و مالك لأبيك «2» لا اشكال في عدم كون اللام للملك لعدم مملوكية رقبة الولد لأحد.

و ما له المفروض كونه ملكا له لا يعقل كونه ملكا لأبيه.

و كذا لا ينبغي التوقف في عدم كونها للاختصاص بعنوان كونه و ما له تحت ولايته لأنها وردت في الكبير ايضا، و لا كلام في عدم ولايته علي ولده الكبير.

بل الأمر يدور بين امرين:

الأول: ان تكون اللام للاختصاص بنحو السلطنة علي الانتفاع به و بما له، فسبيلها حينئذ سبيل النصوص المتقدمة الدالة علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب من تجب عليه الزكاة.

(2) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 257

و المشهور عدم اعتبار العدالة (1) للأصل (2) و الاطلاقات، و فحوي الاجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق في التزويج، خلافا للمحكي عن الوسيلة و الايضاح فاعتبراها فيهما

______________________________

الثاني: ان تكون لإفادة كون الولد موهوبا تكوينا للأب و انتسابه إليه بكونه ولده.

و يؤيد الثاني المكاتبة الواردة عن

الإمام الرضا (عليه السلام) حيث قال: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قوله عز و جل … الخ «1» و عليه فهي حكمة التشريع.

و بعبارة اخري: انها علة التحليل في مقام الثبوت لا الإثبات، و تدل علي ان منشأ جعل تلك الآثار ذلك.

و لا تكون هي متكفلة لحكم جعلي فلا يتمسك باطلاقها.

انما الكلام يقع في جهات:

اعتبار العدالة

الأولي: في انه هل يعتبر في ولاية الأب و الجد العدالة- كما عن الوسيلة و الايضاح.

(1) ام لا يعتبر- كما هو المشهور بين الاصحاب؟- وجهان قد استدل لعدم الاعتبار بوجوده:

(2) الاول: الاصل، تمسك به المصنف قده في مقابل الاطلاق، و عليه فليس المراد به القاعدة المستفادة منه.

بل المراد به الأصل العملي.

و لذا اورد عليه جمع ممن تأخر عنه منهم المحقق النائيني قدس سره: بان الأصل بالعكس،

لأن نفوذ تصرف شخص في مال غيره يتوقف علي الدليل، و مع عدمه الأصل يقتضي عدم نفوذه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 258

مستدلا في الاخير بأنها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه، و لا يصرف عن ماله (1)

و يستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق امينا يقبل اقراراته و اخباراته عن غيره، مع نص القرآن علي خلافه، انتهي.

و لعله اراد بنص القرآن آية الركون الي الظالم التي اشار إليها في جامع المقاصد. (2) و في دلالة الآية نظر، و أضعف منها ما ذكره في الايضاح من الاستحالة إذ المحذور يندفع

______________________________

و لكن الظاهر ان مراده بالأصل هو استصحاب عدم الردع بعد ثبوت عدم اعتبارها عند العقلاء و عدم ثبوت ردع من الشارع الأقدس، و

عليه فلا ايراد عليه.

الثاني: الاطلاقات، تمسك بها الشيخ قدس سره و تبعه غيره و لا بأس به ان كان هناك اطلاق، و قد تقدم الكلام فيه.

الثالث: الإجماع المحكي عن التذكرة علي ولاية الفاسق علي التزويج.

و هو كما تري.

و قد استدل لاعتبار العدالة بوجهين:

(1) الاول: انها ولاية علي من لا يدفع عن نفسه و لا يعرب عن حاله و يستحيل من حكمة الصانع جعل الفاسق امينا يقبل اقراراته و اخباراته عن غيره.

و فيه: اولا: ان المنافي للحكمة جعل من لا يبالي بالخيانة وليا، فإذا فرضنا تحديد الولاية بالتصرفات التي لا مفسدة فيها- لا سيما إذا كان مامونا من هذه الجهة خصوصا بملاحظة شفقة الابوة و رأفته- لم يكن فسقه مانعا عن جعله وليا.

و ثانيا: ما ذكره المصنف قدس سره فيما بعد بقوله:

بان الحاكم متي ظهر عنده اختلاف حال أبو الطفل اي رؤية آثار ضيق المعاش عليه أو اختلاف حاله في ثروته منعه من التصرف في ماله …

(2) الثاني: نص القرآن.

و قد استظهر المصنف قدس سره ان المراد به آية الركون الي الظالم «1»

______________________________

(1) هود، 114.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 259

كما في جامع المقاصد بأن الحاكم متي ظهر عنده بقرائن الاحوال اختلاف حال أبو الطفل عزله و منعه من التصرف في ماله و إثبات اليد عليه و إن لم يظهر خلافه،

فولايته ثابتة و ان لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد و تتبع سلوكه و شواهد احواله، انتهي.

______________________________

، و استظهر بعض مشايخنا ان المراد به آية النبأ «1».

تقريب الاستدلال بالاولي احد وجهين.

احدهما: ان جعله تعالي الفاسق امينا و وليّا ركون منه الي الظالم، مع انه نهي عنه.

ثانيهما: ان المعاملة مع الأب بعنوان انه ولي الطفل ركون إليه، و هو

منهي عنه.

و في كليهما نظر:

اما الأول: فمضافا الي انه استدلال بفحوي الآية لا بنصها من جهة ان الناهي عن شي ء كيف يفعله.

انه غير تام، إذ مجرد جعله امينا و وليّا كجعل شخص وكيلا ليس ركونا إليه.

مع ان الملاك غير معلوم، و لعله لركون العبد مفسدة ليست في ركون المولي.

و أما الثاني: فلأن المعاملة مع الأب بعنوان ان الله تعالي جعله امينا و وليّا ليست ركونا من العبد إليه، فانها كالمعاملة معه بما انه مالك أو وكيل.

هذا كله مضافا الي ان الظالم اخص من الفاسق.

اضف الي ذلك ما قيل من ورودها في سلاطين الجور و ان المراد بالركون الدعاء لهم بالبقاء.

و أما الآية الثانية: فيرد علي الاستدلال بها: ان قبول اخبار الفاسق و اقراره حينئذ انما يكون من جهة كونه وليا حيث انه من ملك شيئا ملك الإقرار به، و لا ينافي مع عدم قبوله منه عن غيره من حيث هو، و الآية متضمنة للثاني.

مع ان عدم قبول اخباره و اقراره لا ينافي ثبوت الولاية.

مضافا الي ان قبول اخباره و اقراره بعد ثبوت الولاية بما انه بلسان انه و ماله لأبيه غير قبول اخباره عن غيره، بل هو في حكم قبول اقراره علي نفسه.

فالأظهر عدم اعتبار العدالة.

______________________________

(1) الحجرات، 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 260

و هل يشترط في تصرفه المصلحة؟ أو يكفي عدم المفسدة، ام لا يعتبر شي ء (1) وجوه، يشهد للاخير اطلاق ما دل علي ان مال الولد للوالد (2) كما في رواية سعد بن يسار و انه و ماله لأبيه، كما في النبوي المشهور و صحيحة ابن مسلم

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء، و ما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا

عليه السلام من ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد في قوله تعالي: يهب لمن يشاء اناثا و يهب لمن يشاء الذكور و يؤيده اخبار جواز تقويم جارية الابن علي نفسه، لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الاب (3) كما يشهد له قوله عليه السلام في رواية الحسين ابن ابي العلا، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له قول رسول الله صلي الله عليه و آله للرجل الذي اتاه فقدم اباه

______________________________

اعتبار المصلحة في التصرف

(1) الجهة الثانية: هل يشترط في تصرفهما المصلحة أو يكفي عدم المفسدة ام لا يعتبر شي ء وجوه.

و الكلام فيها في موردين:

الأول: في اعتبار عدم المفسدة.

الثاني: في اعتبار المصلحة.

اما المورد الأول: فعن غير واحد: دعوي الإجماع علي اعتباره.

(2) و استدل لعدم الاعتبار باطلاق النبوي و غيره من النصوص.

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بانه لا بد من تقييده بما يقيد من الاخبار جواز تصرف الأب في مال الابن بصورة الحاجة كخبر الحسين بن ابي العلا «1».

أو بان لا يكون فيه سرف كصحيح ابن مسلم «2».

أو كونه مما لا بد منه معللا بان الله لا يحب الفساد كصحيح الثمالي «3».

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 8.

(2) نفس المصدر، ح 1.

(3) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 261

فقال له انت و مالك لأبيك. فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي الله عليه و آله فقال يا رسول الله صلي الله عليه و آله هذا ابي ظلمني ميراثي من أمي فاخبره الاب انه قد انفقه عليه

و علي نفسه،

فقال النبي صلي الله عليه و آله انت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول الله صلي الله عليه و آله يحبس الاب للابن؟! و نحوها صحيحة ابي حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول الله صلي الله عليه و آله انت و مالك لأبيك، ثمّ قال: لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه، مما لا بد منه ان الله لا يحب الفساد، فإن الاستشهاد بالآية يدل علي ارادة الحرمة من عدم الحب دون الكراهة، و انه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل. هذا كله مضافا الي عموم قوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن (1) فإن اطلاقه يشمل الجد و يتم في الاب بعدم الفصل، و مضافا الي ظهور الاجماع علي اعتبار عدم المفسدة، بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع تبعا لشيخه في شرح القواعد علي اناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة، و ليس ببعيد فقد صرح به في محكي المبسوط حيث قال: و من يلي امر الصغير و المجنون خمسة: الأب، و الجد للاب، و وصي الاب و الجد للاب، و وصي الاب، و الحاكم و من يأمره، ثمّ قال: و كل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم الا علي وجه الاحتياط و الحظ للصغير لانهم انما نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه علي وجه لاحظ فيه كان باطلا، لأنه خلاف ما نصب له، انتهي.

و قال الحلي في السرائر لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا بما يكون فيه صلاح المال، و يعود نفعه إلي الطفل دون المتصرف فيه، و هذا الذي يقتضيه أصول المذهب انتهي.

______________________________

(1)

و بالاية:) و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1» بتقريب انها تشمل الجد و يتم في الأب بعدم الفصل.

و بالإجماع.

اما الأخبار فهي تدل علي جواز اخذ الأب لنفسه مع الحاجة، و هذا غير مربوط بتصرفه فيه بعنوان الولاية الذي هو محل الكلام في المقام.

______________________________

(1) الانعام، 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 262

و قد صرح بذلك ايضا المحقق و العلامة و الشهيدان و المحقق الثاني و غيرهم، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء، و استظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين، و قد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد ان قطب الدين قدس سره نقل عن العلامة رحمه الله انه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الاتلاف بالاقتراض؟ لأنا قائلون بجواز اقتراض ماله، و هو يستلزم جواز اتلافه، قال: و توقف زاعما، انه لا يقدر علي مخالفة الاصحاب.

______________________________

و أما الآية الشريفة: ففي شمولها للجد تأمل، لأن من له الجد لا يصدق عليه اليتيم،

فتأمل، مع ان عدم الفصل غير ثابت.

و أما الإجماع: فليس تعبديا يكشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات المحقق النائيني قدس سره، فانه بعد الايراد علي الشيخ قدس سره قال:

في جعلها الشفقة و المحبة، و عليه فكما يجوز تصرفه مع الضرر في ماله يجوز تصرفه في مال المولي عليه، ثمّ قال: الا ان ينعقد اجماع علي خلافه أو يتمسك بالآية الشريفة.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه منع الاطلاق كما تقدم.

ه لصحمو: ان جملة انت و مالك لأبيك ليست في مقام جعل الحكم و الولاية و انما

هي في مقام بيان حكمة التشريع.

و أما ما رتب عليه فجواز الانتفاع بماله اجنبي عن المقام و مقيد بصورة الحاجة و بغير سرف، و بما إذا لم ينفق عليه باحسن نفقة.

و جواز الاقتراض. مضافا الي كونه غير مربوط بالمقام لا مفسدة فيه.

و جواز بيعه من نفسه مقيد بقيمة عادلة، و جواز نكاح الأب و الجد للبنت مثلا قد عرفت ما فيه. مضافا الي انه قيد في بعض النصوص بعدم كونه مضارا فلا اطلاق للنصوص من هذه الجهة، فالمرجع اصالة عدم الولاية، و هي تقتضي اعتبار عدم المفسدة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 263

هذا و لكن الاقوي كفاية عدم المفسدة (1) وفاقا لغير واحد من الاساطين الذين عاصرناهم لمنع دلالة الروايات علي اكثر من النهي عن الفساد، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد علي الولد و ماله. و أما الآية الشريفة، فلو سلم دلالتها فهي مخصصة بما دل علي ولاية الجد و سلطنته الظاهرة في ان له ان يتصرف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له، فإن ما دل علي ولاية الجد في النكاح معللا بأن البنت و اباها للجد و اباها

______________________________

و أما المورد الثاني: فالمشهور بين الأصحاب اعتبار وجود المصلحة.

(1) و اختار المصنف وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرهم عدم اعتباره و تبعهم جمع من المحققين.

و قد استدل لاعتباره بوجوه:

احدها: الآية الشريفة:) و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1» بدعوي ان الأحسن ما فيه المصلحة، و هي تشمل الجد، و يتم في الأب بعدم القول بالفصل.

و فيه: اولا: ان صدق اليتيم علي الطفل الذي لا أب له و له جد غير مسلم.

و ثانيا: ان المراد باحسن الحسن

دون التفضيل- كما سيأتي- و الفعل الذي لا مفسدة فيه حسن.

و رابعا: ان عدم الفصل غير محرز.

ثانيها: الأصل، فانه بعد ما ليس في ادلة الولاية ماله اطلاق لا بد من الاقتصار فيها علي المتيقن و هو الولاية علي التصرف الذي فيه المصلحة، و الرجوع في غير ذلك الي اصالة عدم ثبوت الولاية أو عدم نفوذ التصرف.

و فيه ان هذا الوجه حسن ان لم يكن بناء العقلاء علي ثبوت الولاية علي التصرف الذي لا مفسدة فيه.

و الظاهر وجوده، و حيث انه لم يردع عنه الشارع أو لم يثبت الردع و مقتضي الاستصحاب عدمه، فيبني علي عدم اعتباره، و لا مورد للأصل حينئذ.

______________________________

(1) الانعام: 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 264

و قوله صلي الله عليه و آله: انت و مالك لابيك، خصوصا مع استشهاد الامام عليه السلام به في مضي نكاح الجد بدون اذن الاب، ردا علي من انكر ذلك و حكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الامراء و غير ذلك، يدل علي ذلك، مع انه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد دون الأب، و دعوي عدم القول بالفصل ممنوعة.

فقد حكي عن بعض متأخري المتأخرين القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر، ثمّ لا خلاف ظاهرا كما ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الاب في الحكم (1) و يدل عليه ما دل علي ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه (2) و ما دل علي ان الولد و والده لجده.

______________________________

ثالثها: الإجماع.

و فيه: انه ليس اجماعا تعبديا فلا يعتمد عليه.

و قد استدل لعدم الاعتبار بالمطلقات- و قد عرفت ما فيها.

و بما ورد «1» في نكاح الجد الظاهر في

سلطنته علي ذلك مع عدم المصلحة، وجه ظهوره فيه التعليل بان البنت و اباها للجد- و قد تقدم ما فيه ايضا- فالصحيح ما ذكرناه.

مشاركة الجد للأب

(1) الجهة الثالثة: لا خلاف ظاهرا كما ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الاب.

و قد استدل له بوجهين:

(2) الاول: ما في المكاسب و هو ما دل علي ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لابيه.

و فيه: ما تقدم من عدم دلالة هذه الجملة علي الولاية.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: ان رواية النكاح شاملة للجد العالي.

و فيه: ان روايات النكاح كلها مختصة بالأب الا ما ورد في مزاحمة الأب للجد،

و اكثر تلك النصوص صريحة أو ظاهرة في الجد الأدني. نعم بعضها «2» بعنوان الأب و الجد،

و هو ايضا يمكن دعوي انصرافه الي الأدني أو عدم الاطلاق للأعلي بملاحظة

______________________________

(1) الوسائل- باب 78- من ابواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 265

و لو فقد الاب و بقي الجد فهل ابوه وجده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص هو بالولاية (1) قولان من ظاهر ان الولد و والده لجده، و هو المحكي عن ظاهر جماعة. و من ان مقتضي قوله تعالي: (2) و اولو الارحام بعضهم اولي ببعض كون القريب اولي بقريبه من البعيد، فنفي ولاية البعيد، و خرج منه الجد مع الاب، و بقي الباقي و ليس المراد من لفظ الاولي التفصيل مع الاشتراك في المبدأ، بل هو نظير قولك هو احق بالأمر من فلان و نحوه، و هذا محكي عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية، و للمسألة مواضع اخر تأتي انشاء الله.

______________________________

الاخبار الاولي، و

حيث ان بناء العقلاء غير محرز علي ولايته فولاية غير الجد الأدني لا تخلو عن تأمل.

الجهة الرابعة: و لو فقد الأب و بقي الجد، ففيه موردان للبحث:

الأول: ان ولاية الجد هل تكون مشروطة بحياة الأب ام لا؟ المنسوب الي المشهور بين القدماء هو الأول، و إلي المشهور بين المتأخرين هو الثاني.

و استدل للأول: بخبر الفضل بن عبد الملك عن مولانا الصادق عليه السلام:

ان الجد إذا زوج ابنة ابنه و كان ابوها حيا و كان الجد مرضيا جاز. «1» حيث ان مفهومه عدم الجواز مع عدم حياة ابيها.

و فيه: انه من قبيل مفهوم الوصف، و لا نقول به، و لعل فائدة ذكر الوصف الرد علي العامة القائلين باشتراط ولاية الجد بموت الأب.

و ما في الجواهر من كونها من مفهوم الشرط، ضعيف، إذ الشرط فيه مسوق لبيان تحقق الموضوع كما لا يخفي.

(1) الثاني: انه مع فقد الاب هل الولاية مختصة بالجد الادني ام تكون ثابتة لابيه ايضا؟ قولان.

(2) استدل للاول في المكاسب: بآية) اولوا الارحام بعضهم اولي ببعض «2»

بتقريب: انها تدل علي ان القريب اولي بقريبه من البعيد، فنفت ولاية البعيد و خرج منها الجد مع الأب و بقي الباقي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد حديث 4.

(2) الأنفال آية 75.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 266

[من جملة أولياء التصرف الحاكم]
اشارة

مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله:

الحاكم (1) و المراد منه، الفقيه الجامع لشرائط الفتوي. و قد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر اكثر حضار مجلس المذاكرة فنقول: مستعينا بالله

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:
احدها: الافتاء فيما يحتاج إليها العامي في عمله،

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات الاستنباطية، من حيث ترتب حكم فرعي عليها، و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه، الا ممن لا يري جواز التقليد للعامي.

و تفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلي مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني: الحكومة

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات و غيرها في الجملة،

و هذا المنصب ايضا ثابت له بلا خلاف فتوي و نصا. و تفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم، و المحكوم به، و المحكوم عليه، موكول الي كتاب القضاء.

الثالث: ولاية التصرف في الاموال و الأنفس،
اشارة

و هو المقصود بالتفصيل هنا فنقول الولاية تتصور علي وجهين:

______________________________

و فيه: اولا: ان هذه الآية مختصة بباب الإرث.

و ثانيا: انها تدل علي اولوية بعض الأرحام من بعض و لا تدل علي تعيين البعض الاولي، و لعله البعض البعيد، بل احتمال كونه اولي ارجح من جهة التعليلات في النصوص.

و استدل للثاني: باطلاق الأدلة، و بالاستصحاب.

و يرد علي الأول: ما تقدم من عدم الدليل علي ولاية الجد الأعلي.

و علي الثاني: ما تكرر منا من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.

ولاية النبي صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام

(1) مسألة: من جملة اولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 267

الأول: استقلال الولي بالتصرف مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه أو غير منوط به، و مرجع هذا الي كون نظره سببا في جواز تصرفه.

الثاني: عدم استقلال غيره بالتصرف، و كون تصرف الغير منوطا باذنه و ان لم يكن هو مستقلا بالتصرف، و مرجع هذا الي كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره، و بين موارد الوجهين عموم من وجه، ثمّ اذنه المعتبر في تصرف الغير، اما ان يكون علي وجه الاستنابة كوكيل الحاكم، و أما ان يكون علي وجه التفويض و التولية، كمتولي الاوقاف من قبل الحاكم، و أما ان يكون علي وجه الرضا، كإذن الحاكم لغيره في الصلاة علي ميت لا ولي له. (1)

إذا عرفت هذا

فنقول مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من الأمور المذكورة، خرجنا عن هذا الاصل في خصوص النبي و الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين بالأدلة الأربعة: قال الله تعالي: النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ* و أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ* و إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ الآية الي غير ذلك.

و قال النبي صلي الله عليه و آله كما في رواية ايوب بن عطية: انا اولي بكل مؤمن من نفسه،

و قال في يوم غدير خم: الست اولي بكم من انفسكم قالوا: بلي قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

______________________________

هذه المسألة انما سيقت لبيان مقدار ولاية الفقيه الجامع للشرائط، و انما يذكر قبله مقدار ولاية النبي صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام، من جهة ان بعضهم ذهب الي ان مقتضي عموم ادلة نيابة الفقيه ثبوت الولاية له بالمقدار الثابت للمعصوم عليه السلام، فلا بد أولا من تعيين مقدار تلك الولاية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 268

______________________________

ثبوت الولاية التكوينية للمعصومين عليهم السلام

للولاية معان:

1- الولاية التكوينية.

2- وجوب الإطاعة و قبول قول الولي في الأحكام الشرعية.

3- الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الأمة.

4- الولاية الشرعية، اي ولاية التصرف في الأموال و الأنفس.

5- وجوب الإطاعة في الأوامر الشخصية العرفية.

و الظاهر ثبوت الولاية بجميع معانيها للنبي و الأئمة صلوات الله عليهم اجمعين.

فتنقيح القول بالبحث في موارد:

الأول: في الولاية التكوينية- اي ولاء التصرف التكويني- و المراد بها: كون زمام امر العالم بايديهم، و لهم السلطنة التامة علي جميع الأمور بالتصرف

فيها كيف ما شاءوا اعداما و ايجادا، و كون عالم الطبيعة منقادا لهم لا بنحو الاستقلال بل في طول قدرة الله تعالي و سلطنته و اختياره.

بمعني ان الله تعالي اقدرهم و ملكهم كما اقدرنا علي الأفعال الاختيارية، و كل زمان سلب عنهم القدرة بل لم يفضها عليهم انعدمت قدرتهم و سلطنتهم.

و من هذا الباب معجزات الأنبياء و الأولياء، و قد دل الكتاب الكريم علي ثبوت ذلك لأشخاص.

قال الله تعالي: و قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك «1».

و قال عز من قائل: فسخرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب و الشياطين كل بناء و غواص و آخرين مقرنين في الأصفاد «2»

______________________________

(1) النمل، 40.

(2) ص، 38.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 269

______________________________

و قال سبحانه: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتيٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ وَ مٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) «1».

الي غير ذلك من الآيات المتضمنة لثبوت ولاء التصرف لأشخاص.

و إذا ثبت ذلك لهؤلاء فثبوته للرسول الأعظم و خليفته الذي عنده علم الكتاب بنص «2» القرآن لا يحتاج الي بيان.

و عليه فالروايات المتواترة المتضمنة للمعجزات و الكرامات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام.

كالتصرف الولائي في النقش و صيرورته اسدا مفترسا و ما شاكل- انما نلتزم بها و نعتقد من غير التزام بالتأويل.

كيف و نري انهم عليهم السلام بعد موتهم تصدر عنهم كرامات من ابراء المريض الذي عجز الأطباء عن ابرائه، وحل معضلات الأمور و ما شاكل، و ليس ذلك الا لما ذكرناه.

و يمكن ان تكون الآية الكريمة:) النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم «3» ناظرة

الي ثبوت هذا المعني من الولاية ايضا للنبي صلي الله عليه و آله.

و بالجملة: ثبوت الولاية بهذا المعني للنبي صلي الله عليه و آله و الائمة المعصومين عليهم السلام الذين يثبت لهم جميع ما يثبت للنبي صلي الله عليه و آله للروايات الكثيرة المتواترة- مما لا ينبغي التوقف فيه.

و أما شبهة استلزام ذلك للشرك.

فهي تندفع بانا لا ندعي ثبوت ذلك لهم بالاستقلال، بل ان الله تبارك و تعالي ملكهم و اقدرهم كما ملكنا و اقدرنا علي الأفعال

______________________________

(1) آل عمران، 49.

(2) الرعد، 43.

(3) الاعراف، 187.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 270

______________________________

الاختيارية.

و به يظهر انه لا ينافيه قوله تعالي: (قُلْ لٰا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لٰا ضَرًّا «1» فان المراد عدم الملكية بالاستقلال. و لتفصيل الكلام في المقام محل آخر.

الثاني: في وجوب اطاعتهم و قبول قولهم في الأحكام الشرعية و الوظائف المجعولة الإلهية، و ان قولهم و كذا فعلهم حجة.

لا شبهة في ثبوت الولاية بهذا المعني لهم، قال الله تعالي: (مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) «2».

و قال سبحانه: (لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّٰهَ كَثِيراً) «3».

و قال عز و جل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) «4» الي غير ذلك من الآيات الدالة علي ان قول رسول الله صلي الله عليه و آله و كذا عمله حجة.

و قد دل الحديث الشريف الذي هو متواتر بين الفريقين و لا شك في صدوره عنه صلي الله عليه و آله:

اني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي اهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فلا تقدموهما

فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، و لا تعلموهم فانهم اعلم منكم.

علي ثبوت هذا المقام للأئمة المعصومين عليهم السلام، اضف الي ذلك ما دل علي ثبوت ما للنبي صلي الله عليه و آله من المناصب للأئمة الهداة عليهم السلام.

ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة للحجة عليه السلام

الثالث: في ثبوت منصب الحكومة و الرئاسة الدنيوية بادارة شئون الامة للنبي صلي الله عليه و آله و الأئمة صلوات الله عليهم.

______________________________

(1) الاعراف، 181.

(2) الحشر، 7.

(3) الاحزاب، 21.

(4) آل عمران، 31.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 271

______________________________

لا ينبغي الشك و الكلام في ثبوت هذا المنصب لهم، و انه فوض إليهم من قبل الله تعالي، فهو منصب الهي لا من قبل الناس، و الشاهد لثبوته لهم امور:

احدها: الآيات الكريمة.

قال الله تعالي: (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ) «1» فان الآية الكريمة تدل علي ثبوت منصب الزعامة و الرئاسة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله لطائفة خاصة من المؤمنين، فإذا انضم الي ذلك ما اتفق عليه المفسرون من نزول الآية في شان أمير المؤمنين عليه السلام، و ما دل علي ثبوت منصب كل امام لأمام بعده- كخبر المعلي الآتي- يثبت هذا المنصب للأئمة الهداة عليهم السلام.

و قال سبحانه: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) «2» فان الآية الشريفة تدل علي لزوم العمل بكل حكم و امر صادر من الله تعالي و رسوله و اولي الأمر،

و مقتضي اطلاقها ذلك حتي في ما يرجع الي شئون الامة و ادارة المملكة الاسلامية،

و ليس معني الحكومة من قبل الله تعالي الا ذلك.

بل في بعض النصوص صرح الامام عليه السلام بان الإطاعة المأمور بها في الآية اريد بها

الإطاعة في الأوامر الصادرة عن المعصومين عليهم السلام فيما يرجع الي ادارة شئون الأمة لاحظ.

خبر عيسي بن السري قلت لأبي عبد الله عليه السلام حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام إذا انا اخذت بها زكي عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده، فقال عليه السلام: شهادة ان لا إله الله و ان محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله، و الإقرار بما جاء به من عند الله و حق في الأموال من الزكاة،

و الولاية التي امر الله بها ولاية آل محمد- الي ان قال- قال الله عز و جل: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان علي ثمّ صار من بعده حسن ثمّ من بعده حسين ثمّ من بعده علي بن الحسين ثمّ من بعده محمد بن علي، ثمّ هكذا يكون الأمر، ان الأرض لا تصلح الا بامام «3»

______________________________

(1) المائدة، 55.

(2) النساء، 59.

(3) اصول الكافي، ج 2، ص 21، حديث 9، باب دعائم الاسلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 272

______________________________

و صحيح بريد العجلي عن ابي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل: (فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (جعل منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة،

فكيف يقرون في آل ابراهيم و ينكرونه في آل محمد صلي الله عليه و آله، قال: قلت: (وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (قال: الملك العظيم ان جعل فيهم ائمة من اطاعهم اطاع الله و من عصاهم عصي الله فهو الملك العظيم «1».

الملك بالضم هو المملكة، فجعل الأئمة من جهة الأمر باطاعتهم و جعلها قرين اطاعة الله تعالي صاحب الملك العظيم عبارة اخري عن الحكومة المطلقة كما هو واضح.

و أما اولوا الأمر

فقد اتفقت النصوص منها ما تقدم ان المراد بهم الأئمة الاثني عشر عليهم السلام.

ثانيها: الروايات منها الاخبار الدالة علي ان الأئمة عليهم السلام ولاة امر الله و اولو الأمر، لاحظ خبر عبد الرحمن: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: نحن ولاة امر الله «2»

و خبر الحسين بن ابي العلاء الآتي «3» و غيرهما.

و الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الامور العامة.

و منها: ما عن «4» سيد الشهداء صلوات الله عليه: فلعمري ما الإمام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه علي ذات الله.

و منها: خبر «5» المعلي بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله- عز و جل

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1- ص 206 حديث 5.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 192.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 187.

(4) ارشاد المفيد طبع النجف، ص 204.

(5) الوسائل- باب 1- من ابواب صفات القاضي حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 273

______________________________

(إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ) (الخ: عدل الإمام ان يدفع ما عنده الي الإمام الذي بعده، و امرت الأئمة ان يحكموا بالعدل و امر الناس ان يتبعوهم.

و خبر «1» سليمان بن خالد عنه عليه السلام: اتقوا الحكومة، فان الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي أو وصي نبي. و قريب منهما غيرهما.

و منها: النصوص المتقدمة في ذيل الآية الثانية.

و منها: بعض الأخبار الواردة في صفات الأئمة:

كخبر «2» عبد العزيز بن مسلم عن الإمام الرضا عليه السلام- في حديث طويل-:

ان الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين، ان الإمامة اس الإسلام النامي و فرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و

الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و امضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف، و نحوه غيره.

و ظهور ذلك في ان الحكومة للإمام عليه السلام واضح، بل هو كالصريح في ذلك.

و نظير ذلك ما عن العلل بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في علل حاجة الناس الي الامام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل:

و منها انا لا نجد فرقة من الفرق و ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم في امر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به الي غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة علي ذلك بالسنة مختلفة.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من ابواب صفات القاضي حديث 3.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 200.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 274

______________________________

ثالثها: الارتكاز الثابت ببناء العقلاء، حيث جري بناؤهم في كل امر راجع الي المعاد و المعاش علي رجوع الجاهل الي العالم من جهة كونه اهل الخبرة و الاطلاع، و لم يردع الشارع الأقدس عن ذلك، و حيث ان الامام عليه السلام اعلم الناس و افضلهم و ابصر بالأمور- سواء أ كان الأمر مربوطا بالمعاش أو المعاد- فيتعين جعله المرجع و الحاكم،

و متابعته حتي في الامور الراجعة الي ادارة شئون الامة.

رابعها: حكم العقل، إذ لم نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين و الدنيا.

و من الممتنع في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه

و لا قوام لهم الا به.

و عليه فاما يعين الأبصر بالأمور السياسية و تنظيم البلاد أو غيره، و الثاني باطل قطعا لاستلزامه ترجيح المرجوح، و هو قبيح و من الحكيم محال، فيتعين الأول.

و بهذا البيان يظهر قطعيا ان الله تعالي عين الامام عليه السلام لذلك.

خامسها: ان جملة من الأحكام الشرعية جزائية، و قضائية، و سياسية، و اجتماعية.

كالقصاص، و الحدود، و القضاء، و قبول الجزية، و الجهاد و … و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الا بيد الحاكم علي الامة.

و قد صرح في جملة من الأخبار انها لأمام المسلمين «1».

و لذلك نري ان النبي صلي الله عليه و آله حينما ساعدته الظروف اسس حكومة اسلامية عادلة.

و كذلك الامام علي بن ابي طالب عليه السلام اسس الحكومة و حارب مع من خالفه في ذلك.

______________________________

(1) المستدرك باب 5 من ابواب صلاة الجمعة و آدابها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 275

______________________________

ولاية التصرف في الأموال و الأنفس

الرابع: في ولايتهم صلوات الله عليهم بالولاية التشريعية، بمعني نفوذ كل تصرف منهم في اموال الناس و انفسهم.

و بعبارة اخري: في الولاية الظاهرية التي هي من المجعولات الشرعية المترتب عليها جواز التصرف.

فقد استدل لثبوتها لهم بوجوه:

منها: الآية الشريفة: (النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) «1» و ما كان مساقه مساقها.

و اورد علي الاستدلال بها.

تارة: بانها مختصة بصورة التزاحم للانصراف و لأن الولاية لا تقبل الشدة و الضعف، فلا بد و ان يكون التفضيل مجازيا، و المراد ثبوت الولاية عند التزاحم للنبي صلي الله عليه و آله و و انتفائها عن غيره.

و اخري: بانه انما تكون الآية في مقام بيان عدم اختصاص رئاسته صلي الله عليه و آله بالرئاسة الروحانية، بل تعم الرئاسة الدنيوية و الحكومة، فلا تدل اولويته بكل شخص

من نفسه.

و لكن يرد الأول: ان الانصراف ممنوع، و الولاية قابلة للشدة و الضعف كما هو ظاهرها.

و يرد الثاني: - مضافا الي كونه خلاف الظاهر- انه ينافيه النبوي: انا اولي بكل مؤمن من نفسه «2».

______________________________

(1) سورة الأحزاب آية 6.

(2) اصول الكافي، ج 1- ص 406، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 276

______________________________

فالحق ان يقال: إنها تدل علي ثبوت ولاية و سلطنة علي الناس اقوي و اشد من ولاية الشخص علي نفسه، و من الضروري ان ولاية الشخص علي نفسه انما هي في التصرف السببي من الطرق و الأسباب الشرعية، كبيع ماله، و تزويج المرأة و تطليق زوجته.

و أما التصرف بلا سبب أو بسبب غير شرعي فليس له الولاية عليه حتي تثبت تلك بنحو اشد للنبي صلي الله عليه و آله.

مثلا ليس له ان يعطي الانتفاع بزوجة لغيره فلا يكون ذلك ثابتا له صلي الله عليه و آله، و كذلك الأحكام المحضة كالإرث.

و بالجملة: الآية الشريفة ليست في مقام التشريع للأحكام بل هي في مقام بيان تشريع الولاية، و تدل علي انها ثابتة له فيما للشخص علي نفسه من الولاية لا في ازيد من ذلك.

و يؤيد ما ذكرناه من عدم ثبوت الولاية لهم ازيد مما للشخص علي نفسه، بل يشهد له:

ما في ذيل حديث طويل مروي عن كتاب نزهة الكرام و بستان العوام تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي، فقال له) اي للكاظم عليه السلام (: قد بقي مسألة تخبرني بها و لا تضجر، فقال له: سل، فقال: خبروني انكم تقولون ان جميع المسلمين عبيدنا و جوارينا،

و انكم تقولون من يكون لنا عليه حق و لا يوصله الينا فليس بمسلم، فقال له موسي عليه السلام:

كذب

الذين زعموا اننا نقول ذلك، و إذا كان الأمر كذلك فكيف يصح البيع و الشراء عليهم،

و نحن نشتري عبيد أو جواري و نعتقهم و نقعد معهم و نأكل معهم، و نشتري المملوك و نقول له يا بني، و للجارية يا بنتي، و نقعدهم يأكلون معنا تقربا الي الله سبحانه، فلو انهم عبيدنا و جوارينا ما صح البيع و الشراء.

و قد قال النبي صلي الله عليه و آله لما حضرته الوفاة: الله الله في الصلاة و ما ملكت ايمانكم، يعني صلوا و اكرموا مماليككم و جواريكم، و نحن نعتقهم، و هذا الذي سمعته غلط من قائله و دعوي باطلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 277

______________________________

و لكن نحن ندعي ان ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين، و هؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم علي ذلك، و نحن ندعي ذلك لقول النبي صلي الله عليه و آله يوم غدير خم: من كنت مولاه … الخ «1» فانه يدل علي ما ذكرناه.

قال بعض الأكابر بعد استظهار ذلك من الأدلة:

لكن الظاهر ان سيرة النبي صلي الله عليه و آله و الأئمة صلوات الله عليهم لم تكن كذلك، بل كانوا يعاملون مع الناس معاملة بعض الناس مع بعض، و هو الظاهر من ملاحظة التواريخ و الأخبار، فلاحظ كلام امير المؤمنين في نهج البلاغة في جواب اخيه عقيل و مراجعته الي الأمير صلوات الله عليه. انتهي.

و منها: النصوص الدالة علي ان الدنيا و ما فيها لهم عليهم السلام، و ان لهم التصرف فيها كيف شاءوا، لاحظ.

مكاتبة ابن الريان الي الامام العسكري عليه السلام قال: كتبت إليه: روي لنا: ان ليس لرسول الله صلي الله عليه و آله من الدنيا الا الخمس.

فجاء

الجواب: ان الدنيا و ما عليها لرسول الله صلي الله عليه و آله «2».

و مرسل احمد بن محمد بن عبد الله: الدنيا و ما فيها لله تبارك و تعالي و لرسوله و لنا،

فمن غلب علي شي ء منها فليتق الله. الحديث «3».

و خبر ابي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قلت له: اما علي الامام زكاة؟ فقال: احلت يا ابا محمد، اما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام عليه السلام يضعها حيث يشاء و يدفعها الي من يشاء «4» و نحوها غيرها.

______________________________

(1) كتاب النجوم للسيد بن طاوس.

(2) اصول الكافي، ج 1- ص 409 حديث 6 باب ان الأرض كلها للامام.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 408 حديث 2.

(4) اصول الكافي، ج 1، ص 409، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 278

______________________________

فان الظاهر من هذه الأخبار ثبوت السلطنة الثابتة لله تعالي علي الناس و اموالهم من غير جعل جاعل للرسول صلي الله عليه و آله و الإمام عليه السلام بالجعل غير المنافي مع ملكية الناس، و هذه عبارة اخري عن الاولوية بالتصرف فيها منهم.

و منها: الإجماع.

و الظاهر ثبوته، لكن مستند المجمعين معلوم.

و منها: غير ذلك.

و لظهور عدم دلالة ما ذكروه اغمضنا عن التعرض له، و فيما ذكرناه كفاية.

وجوب اطاعة المعصوم عليه السلام

الخامس: في وجوب الإطاعة.

يمكن ان يستدل للزوم اطاعتهم في اوامرهم الشخصية العرفية الراجعة مصلحتها إليهم.

بوجهين:

احدهما: الآيات و النصوص المتواترة الدالة علي افتراض طاعتهم، و ان معصيتهم كمعصية الله تعالي.

كقوله سبحانه:) اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم «1».

و قوله تعالي) فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم «2».

______________________________

(1) النساء آية 59.

(2) النور آية 64.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 279

و الاخبار في افتراض

طاعتهم (1) و كون معصيتهم كمعصية الله كثيرة، يكفي في ذلك. منها مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة ابي خديجة، و التوقيع الآتي حيث علل فيها حكومة الفقيه و تسلطه علي الناس بأني قد جعلته كذلك و انه حجتي عليكم. و أما الاجماع فغير خفي.

______________________________

و قوله عز و جل: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ وَ مَنْ تَوَلّٰي فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) «1».

و صحيح زرارة عن ابي جعفر عليه السلام: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالي الطاعة للإمامة بعد معرفته عليه السلام ثمّ قال ان الله تبارك و تعالي يقول من يطع الرسول فقد اطاع الله و من تولي فما ارسلناك عليهم حفيظا «2».

و خبر الحسين بن ابي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام قولنا في الأوصياء ان طاعتهم مفترضة، فقال: نعم هم الذين قال الله تعالي: (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) و هم الذين قال الله عز و جل: (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) «3».

و خبر معمر بن خلاد قال سأل رحل فارسي ابا الحسن عليه السلام فقال طاعتك مفترضة فقال عليه السلام نعم قال مثل طاعة علي بن ابي طالب عليه السلام فقال نعم «4».

الي غير ذلك من الأخبار المتواترة.

(1) منها ما اشار إليه في المتن و سيأتي الكلام في تلك الاخبار.

إذ اختصاص هذه باجمعها بالأوامر الشرعية خلاف ظواهرها من جهة ان الإطاعة فيها اطاعة بالذات لأمره تعالي، و اطاعة بالعرض للوسائط، و الإطاعة التي تكون بالذات اطاعة لهم هي اطاعتهم في الأوامر الشخصية، و معلوم ان ظاهر الآيات و الروايات ارادة الثانية.

______________________________

(1) النساء آية

83.

(2) اصول الكافي، ج 1، ص 185 باب فرض طاعة الأئمة حديث 1.

(3) اصول الكافي، ج 1، ص 185 حديث 7.

(4) اصول الكافي، ج 1، ص 187، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 280

و أما العقل القطعي فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم اولياء النعم (1) و غير المستقل حكمه بأن الابوة إذا اقتضت وجوب طاعة الاب علي الابن في الجملة (2) كانت الامامة مقتضية لوجوب طاعة الامام علي الرعية بطريق اولي، لأن الحق هنا اعظم بمراتب، فتأمل.

و المقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من ان وجوب طاعة الامام مختص بالاوامر الشرعية، و انه لا دليل علي وجوب طاعته في اوامره العرفية، أو سلطنته علي الاموال و الأنفس.

و بالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة، بعد التتبع و التأمل، ان للإمام سلطنة مطلقة علي الرعية من قبل الله تعالي، و ان تصرفهم نافذ علي الرعية، ماض مطلقا،

هذا كله في ولايتهم بالمعني الأول.

______________________________

(1) الوجه الثاني: انهم صلوات الله عليهم مجاري الفيوضات، و اولياء النعم باجمعها من المال و الولد و الأعضاء و غيرها، فهم المنعمون بالواسطة، و قد استقل العقل بوجوب شكر المنعم، و معلوم ان صرف النعمة في سبيل اطاعة المنعم شكر، و تركه كفران،

فيحسن الأول عقلا و يقبح الثاني كذلك، و بالملازمة يستكشف الوجوب.

(2) قوله و غير المستقل حكمه بان الابوة إذا اقتضت وجوب طاعة الاب علي الابن … بطريق اولي.

تقريب الاولوية ان الاب من جهة كونه مقدمة اعدادية لتكوين الابن واجب الاطاعة عليه- فالنبي صلي الله عليه و آله الذي هو واسطة التكوين و مجري الفيض اولي بذلك.

و لكن يمكن ان يقال انه لم يثبت كون مناط وجوب الاطاعة و علته

ذلك، و عليه فلا وجه لدعوي الاولوية.

و لعله الي هذا اشار بقوله فتأمل.

اشتراط تصرف الغير باذنهم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 281

و أما بالمعني الثاني: اعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم (1) فهو و ان كان مخالفا للأصل، الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم و عدم جواز الاستقلال لغيرهم، بالنسبة الي المصالح المطلوبة للشارع، الغير المأخوذة علي شخص معين من الرعية، كالحدود و التعزيرات و التصرف في اموال القاصرين و الزام الناس بالخروج عن الحقوق و نحو ذلك، و يكفي في ذلك ما دل علي انهم اولوا الأمر و ولاته، فإن الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع علي شخص خاص، و كذا ما دل علي وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة الي رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم و انا حجة الله. فإنه دل علي ان الامام هو المرجع الأصلي.

و ما عن العلل بسنده إلي الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام في علل حجة الناس الي الامام عليه السلام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل: و منها انا لا نجد فرقة من الفرق، و لا ملّة من الملل، بقوا و عاشوا إلا بقيم و رئيس، لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما «مما»

يعلم أنه لا بد لهم منه، و لا قوام له إلا به، هذا مضافا إلي ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و الحكومات، و انها إمام المسلمين.

______________________________

(1) و هل يستقل غيرهم عليهم السلام في التصرف، ام يكون تصرف الغير منوطا باذنهم؟ وجهان:

و تفصيل القول في المقام:

ان لا كلام و لا خلاف في ثبوت الولاية بهذا المعني، اي اشتراط تصرف الغير باذنهم في جملة من الموارد الخاصة التي دل الدليل علي ذلك،

كالحدود، و التعزيرات، و الحكومات، و الجهاد، و غيرها.

كما لا كلام في ثبوتها لهم في الأمور التي ثبت انها وظيفة الرئيس.

لما دل من النصوص علي ان لهم الرئاسة كخبر الفضل «1» المذكور في المتن و غيره،

و انهم ولاة الأمر و اولي الأمر.

كما لا ينبغي التوقف في عدم ثبوتها لهم بالإضافة الي الوظائف الشخصية لكل فرد من افراد الرعية من العبادات و المعاملات.

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1، ص 200.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 282

و في الصلاة علي الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد و غير ذلك مما يعثر عليه المتتبع، و كيف كان فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الامور العامة بدون اذنهم و رضاهم، لكن لا عموم يقتضي اصالة توقف كل تصرف علي الاذن. نعم الامور التي يرجع فيها كل قوم الي رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضي كونهم أولي الأمر و ولاته، و المرجع الاصلي في الحوادث الواقعة و المرجع في غير ذلك من موارد الشك الي اطلاقات ادلة تلك التصرفات ان وجدت علي الجواز أو المنع، و الا فالي الاصول العملية (1) لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاص مع التمكن منه، لم يجز إجراء الأصول، لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع الي الحجة، و انما تنفع مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض.

و بالجملة فلا يهمنا التعرض لذلك انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين:

______________________________

(1) انما الكلام فيما إذا جهل الامر و

لم يحرز ان التصرف من اي الاقسام، فان احتمل كونه من وظيفة الامام خاصة فتارة: لا يحرز كون الفعل مطلوبا للشارع علي كل تقدير، و اخري: يحرز ذلك.

فعلي الأول: تجري اصالة البراءة عنه بالإضافة الي الرعية.

و علي الثاني: حيث ان توجه التكليف الي المكلفين بنحو الواجب الكفائي بالتفصيل الذي سيمر عليك معلوم، فلا مورد للأصل.

و ان احرز ان التكليف ليس مختصا بالمعصوم عليه السلام و انه متوجه الي المكلفين بنحو الواجب الكفائي أو العيني و لكن احتمل دخل اذنه عليه السلام فيه كان المرجع اطلاق دليل المنع،

أو دليل الجواز لو كان و الا فمع التمكن من الرجوع إليه عليه السلام لا بد من ذلك، و لا مجال للرجوع الي الأصل لأنه لا يرجع إليه مع التمكن من الفحص.

و ان لم يتمكن من ذلك فان احتمل كون اذنه من قبيل شرط الوجوب تجري اصالة البراءة مع عدم تحقق الاذن، و ان احتمل كونه من قبيل شرط الواجب دخل في مسألة الأقل و الأكثر الارتباطيين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 283

فنقول: اما الولاية علي الوجه الأول اعني (1) استقلاله في التصرف، فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء، مثل: ان العلماء ورثة الانبياء، و ان الانبياء لم يورثوا ديناراً و لا درهما، و لكن اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشي ء منه اخذ بحظ وافر، و ان العلماء امناء الرسل، و قوله عليه السلام:

مجاري الامور بيد العلماء بالله، الأمناء علي حلاله و حرامه، و قوله صلي الله عليه و آله علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل، و في المرسلة المروية في الفقه الرضوي ان منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني

اسرائيل، و قوله عليه السلام في نهج البلاغة اولي الناس بالانبياء اعلمهم بما جاءوا به: ان اولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه الآية.

و قوله صلي الله عليه و آله ثلاثا: اللهم ارحم خلفائي قيل: و من خلفائك يا رسول الله؟ قال:

الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي، و قوله عليه السلام: في مقبولة ابن حنظلة قد جعلته عليكم حاكما، و في مشهورة ابن خديجة جعلته عليكم قاضيا، و قوله عجل الله فرجه: هم حجتي عليكم و انا حجة الله الي غير ذلك مما يظفر به المتتبع.

لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الاحكام الشرعية لا كونهم كالنبي و الأئمة صلوات الله عليهم في كونهم أولي الناس في اموالهم،

______________________________

ولاية الحاكم الشرعي

(1) قوله اما الولاية علي الوجه الاول اعني استقلاله في التصرف.

إذا عرفت ما ذكرناه فلا بد من التعرض لمقدار ولاية الفقيه.

و ملخص القول في المقام: انه لا شبهة و لا ريب في ان منصب القضاوة- من فصل الخصومة و الامور التي يرجع فيها في العرف الي القاضي كأخذ الحق من المماطل،

و حبسه، و بيع ماله، و التصرف في مال القصر، و نصب القيم و ما شاكل- ثابت للفقيه الجامع للشرائط، و تشهد به مشهورة ابي خديجة المروية في الكافي و التهذيب و الفقيه و غيرها باسانيد مختلفة و متون متفاوتة في غير الجملة التي هي مورد للاستشهاد قال:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 284

______________________________

بعثني أبو عبد الله عليه السلام الي اصحابنا فقال: قل لهم: اياكم إذا وقعت بينكم خصومة- الي ان قال- اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا، فاني قد جعلته عليكم قاضيا. الحديث «1».

و

ظاهر الخبر جعل الفقيه قاضيا كالقضاة المنصوبين من قبل ائمة الجور، و من المعلوم ان من كان يجعل له منصب القضاوة لم تكن وظيفته مختصة بفصل الخصومة بل كان يرجع إليه سائر ما اشرنا إليه، بل في زماننا ايضا القضاة يتصدون لما ذكر فيثبت هذا المقام للفقيه.

و به يظهر اندفاع ما قيل من اختصاصها بفصل الخصومة، و لا يستفاد منها ازيد من ذلك.

مع انه لو كان الخبر مسوقا لبيان ذلك لكان قوله: اجعلوا بينكم … الخ كافيا و لم يكن حاجة الي ضم هذه الجملة. فالظاهر ان هذه الجملة من قبيل الكبري الكلية التي من مصاديقها المورد.

و اورد عليها بضعف السند لوجهين:

احدهما: ان في طريقها المعلي بن محمد.

الثاني: ما افاده المحقق النائيني، و هو: ان لأبي خديجة حالة اعوجاج عن طريق الحق، و هي زمان متابعته للخطابية، و حالتي استقامة، و ما قبل الاعوجاج و بعده، و لم يعلم انه رواها في اي الحالات.

و لكن يمكن دفع الأول: بان الخبر مروي بطرق مختلفة، منها ما في الفقيه عن احمد ابن عائد عن ابي خديجة، و طريقه إليه هو: ابوه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد ابن عيسي عن الحسن بن علي الوشاء، و هؤلاء كلهم ثقات، كما ان احد طريقي الشيخ في التهذيب إليه قوي.

مع ان المعلي من مشايخ الإجازة علي ما افاده المحقق المجلسي قدس سره، و هو يكفي في قبول رواياته.

و يدفع الثاني: ما حقق في محله من ان سالم بن مكرم ابا خديجة ثقة.

______________________________

(1) التهذيب ج 6 ص 303، حديث 53 و ج 6 ص 219، حديث 8- و الكافي ج 2، ص 358، و الفقيه ج 3- ص

2

و الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 285

______________________________

و لا كلام ايضا في ثبوت منصب الفتوي له، و ان للعوام ان يقلدوه و تدل عليه الآيات و الروايات و بناء العقلاء علي رجوع الجاهل الي العالم، علي ما فصلنا القول في ذلك في كتاب الاجتهاد و التقليد.

تشكيل الحكومة من وظائف المجتهد

انما الكلام في انه هل يكون المجتهد هو الحاكم المطلق و منفذ الحكم و وظيفته

تشكيل الحكومة اما بنفسه أو بنصب شخص من قبله، ام لا؟ المعروف بين الأصحاب هو الأول، بل في عوائد النراقي: دعوي الإجماع عليه،

قال: حيث نص به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات.

و هو الحق الذي لا ريب فيه، لأن من جملة احكام الإسلام، بل و المهم منها احكاما جزائية، و قضائية، و سياسية، و اجتماعية كالقصاص، و الديات، و الحدود، و الجهاد،

و الصلح، و القضاء، و قبول الجزية و … و لا يمكن اجراء تلك الأحكام الا بيد الحاكم علي الأمة.

و بعبارة اخري: ان الأحكام التي اتي بها نبي الإسلام صلي الله عليه و آله انما هي قوانين كلية،

و بديهي ان القانون ان لم يكن له مجر لا يفيد و يكون لغوا، فيعلم من ذلك ان النبي صلي الله عليه و آله الذي جاء بتلك القوانين و حينما ساعدته الظروف شكل الحكومة بنفسه، و كذلك وصية أمير المؤمنين عليه السلام عين شخصا لإجراء تلك الأحكام.

و ليس في هذا الزمان غير المجتهد الذي قال صلي الله عليه و آله في حقه: انه خليفتي و وارثي.

و قال الامام عليه السلام: هو الحجة عليكم الي غير ذلك من التعابير التي ستمر عليك.

مع انه لا يكون ثمة احد اعرف

بمباني الإسلام منه، فهو المتعين لأن يكون قائما بالحكومة و علي رأسها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 286

______________________________

و ان شئت قلت: انه لا ريب في ان وظيفة المجتهد في هذا العصر اجراء احكام الإسلام، و حفظ امن البلاد الاسلامية، و التحرز من مكايد الاستعمار، و حفظ استقلال البلاد الاسلامية، و الدفاع عن حريم الإسلام و القرآن، و قطع يد من تسول له نفسه العبث في بلاد المسلمين، و حفظ المسلمين من يد الأجانب و من عبثهم في عقول المسلمين،

و عقد الذمة و العهود، و اجراء الحدود، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هل يمكن شي ء من ذلك الا من قبل الدولة و الحكومة القوية العادلة.

قال الله تعالي: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة «1» هل يمكن ذلك الا من قبل الحاكم.

و قد تقدم خبر الفضل عن الإمام الرضا عليه السلام المتضمن: انا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم انه لا بد لهم منه و لا قوام لهم الا به. فان هذا البرهان العقلي جار في زمان الغيبة ايضا.

و تشهد بثبوت هذا المقام للمجتهد جملة من الأخبار:

منها: مقبولة «2» عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله عليه السلام: ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد، و الراد علينا الراد علي الله و

هو علي حد الشرك بالله.

حيث انه يستفاد منها جعل المجتهد حاكما كسائر الحكام المنصوبين في زمان النبي صلي الله عليه و آله و الصحابة، و من المعلوم ان الحاكم المنصوب في تلك الأزمنة كان يرجع إليه في جميع الأمور العامة التي يرجع فيها كل قوم الي رئيسهم، فالمجتهد قد جعل حاكما مطلقا

______________________________

(1) الأنفال، 63.

(2) الكافي ج 1- ص 67 حديث 10- التهذيب ج 6، ص 301، حديث 52- الفقيه ج 3، ص 5- الاحتجاج، ص 194- الفروع ج 7، ص 412- الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 1.)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 287

______________________________

بهذا المعني. و بعبارة اخري الحاكم هو المنفذ الحكم.

و اورد عليها.

تارة بضعف السند لأنه لم ينص علي ابن حنظلة بتوثيق.

و اخري: بان الظاهر من الحاكم هو القاضي لأن مورد السؤال و التحاكم هو الترافع الي القاضي، و قوله: فإذا حكم بحكمنا اي قضي، فهي تدل علي جعل منصب القضاوة له.

و لكن يرد الأول: ان الأظهر وثاقة الرجل لتوثيق الشهيد الثاني اياه، قال: انا حققنا توثيقه من محل آخر، و لورود روايتين دالتين «1» عليها، و لغير ذلك من الشواهد، مع ان الأصحاب تلقوها بالقبول و لذلك سميت بالمقبولة.

و يرد الثاني: ان المسلم عند الأصحاب: ان خصوص المورد لا يخصص عموم الوارد.

مع انه لو كان المراد ما ذكر لكان يكفي قوله: ينظر ان من كان … الخ و لم يكن حاجة الي هذه الجملة، سيما مع تصدرها بحرف التعليل الذي يكون صالحا لكون الجملة بيانا لكبري كلية من مصاديقها المورد.

و منها: ما رواه الصدوق باربعة طرق عن الامام علي عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اللهم ارحم خلفائي-

ثلاثا- قيل: يا رسول الله و من خلفائك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي- و زاد في بعض الروايات: فيعلمونها الناس من بعدي- «2».

و حيث انه عند دوران الأمر بين الزيادة و النقيصة الأصل البناء علي وجود ما نقص.

______________________________

(1) رواهما العلامة المامقاني في رجاله احداهما عن التهذيب- و الاخري عن الكافي.

(2) عيون الأخبار ج 2، ص 37، حديث 94- معاني الأخبار، ص 374. الفقيه ج 4، ص 303، حديث 53- الوسائل- باب 8- من ابواب صفات القاضي حديث 53- و باب 11- منها حديث 7.)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 288

______________________________

فالظاهر ان متن الحديث مع هذه الزيادة، و ظهوره حينئذ في ارادة الفقهاء من الرواة في غاية الوضوح.

و بعبارة اخري: المراد من راوي الحديث و السنة هو من يعلم الناس احكام الإسلام لا مجرد لقلقة اللسان، و هذا يلازم مع الفقاهة.

فيدل الخبر علي ان الفقيه خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله، و الخليفة بقول مطلق من يقوم مقام من استخلفه في كل ما هو له.

و ان شئت قلت: ان كون الرئاسة و الحكومة حق خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و منصبه المفوض إليه كان من الأمور الواضحة المسلمة عند الجميع.

و لذلك كان كل من ملوك بني امية و سلاطين بني العباس، بل و من قبلهم من رؤساء الحكومة الاسلامية، مدعيا لخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله لتصدي ذلك المقام. و علي ذلك فتعيين رسول الله صلي الله عليه و آله العلماء خلفائه يكون دالا بالملازمة البينة علي جعلهم حكاما نافذي الحكم و رؤساء للحكومة الاسلامية.

و مما يؤيد ما ذكرناه من ظهور جعل شخص خليفة في جعله نافذ

الحكم و رئيسا:

الآية الكريمة:

) يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ «1» فان كون الحكومة مترتبة علي جعله خليفة مفروغ عنه في الآية، و انما امر فيها بالحكم و عدم اتباع الهوي.

و منها: التوقيع الشريف المروي في كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة للصدوق،

و كتاب الغيبة للشيخ، و الاحتجاج للطبرسي في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب: و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله «2».

______________________________

(1) سورة ص آية 26.

(2) اكمال الدين و اتمام النعمة طبع الكمباني، ص 266، ح 4 باب التوقيع- كتاب الغيبة، ص 198- الاحتجاج طبع النجف،

ص 163- الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 289

______________________________

بتقريب: ان المراد بالحوادث- من جهة كونها جمعا محلي باللام- كل حادثة يرجع فيها الرعية الي رئيسهم، من غير فرق بين كونها من السياسيات أو الشرعيات، و من غير فرق بين ان تكون مرتبطة بشخص خاص أو بالمجتمع، فتشمل ما كان من قبيل اخراج الأجانب النفط و سائر المعادن، و عقد الذمة مع الدول الاخر، و ما لو توجه الخطر من جانب الأجانب الي الدولة الاسلامية، و ما شاكل، فيدل علي ان راوي الحديث، المجعول حجة علي الأمة، و هو الفقيه الجامع للشرائط، مرجع في جميع تلك، و ليس معني الحكومة و كون الشخص حاكما و نافذ الحكم الا ذلك.

و احتمال ارادة حوادث خاصة- نظرا الي ان اللام للعهد، و اشارة الي الحوادث المسئول عنها التي ليست بايدينا-.

يندفع بان توصيف الحوادث بالواقعة يدفع ذلك.

و قد يقال: انه تضمن الرجوع في الحوادث الي الفقيه، و لا يدل علي وكول نفس الحادثة

إليه ليباشره بنفسه أو بمن ينصبه كما ادعاه الشيخ قدس سره، و الظاهر من ذلك الرجوع في حكمها إليه لا إيكالها إليه.

و لكن يندفع ذلك: بان الرجوع في كل حادثة الي الفقيه، و كسب الوظيفة منه،

و لزوم العمل بكل ما يعينه و لو كان هو الدفاع عن المملكة الاسلامية و حفظ حدودها و ما شاكل، عبارة اخري عن كونه حاكما مطلقا، و يناسب هذا المعني التعليل بانه حجة من قبل من هو حجة من قبل الله المسلط علي العالم و ما فيه.

و منها: ما روي عن الامام الحسين بن علي عليهما السلام: مجاري الأمور و الأحكام علي ايدي العلماء بالله، و الأمناء علي حلاله، فانتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة، و لو صبرتم علي الأذي و تحملتم المئونة في ذات الله كانت امور الله عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 290

______________________________

و لكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم امور الله في ايديهم … الخ «1».

و تقريب الاستدلال به:

ان المراد بالعلماء في الخبر غير الأئمة بقرينة سائر الجملات المتضمنة لتفرقهم عن الحق و اختلافهم في السنة.

و ان المخاطب فيه هو العلماء الساكتون غير الأمرين بالمعروف و غير العاملين بالوظيفة، و غير ذلك من القرائن.

و يدل الحديث علي ان مجاري الامور علي ايديهم، و لا معني لمجاري الامور في مقابل مجاري الأحكام سوي الامور المربوطة بالحكومة الاسلامية.

و يؤكد ذلك ما في ذيله من قوله و استسلمتم امور الله في ايديهم فان ما استسلموه هو الحكومة و ما يرتبط بها.

و ايضا تضمن الخبر ان العلماء غصب حقهم، و من

المعلوم ان المغصوب ليس غير الحكومة.

و علي الجملة: من تدبر في الخبر صدر أو ذيلا يظهر له ان مراد الإمام الشهيد صلوات الله عليه: ان العلماء هم الحكام، و ان تشكيل الحكومة من وظائفهم، و قد غصب الظلمة هذه المنزلة من جهة ترك العلماء العمل بوظائفهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و عدم المصانعة عند الظلمة، و ما شاكل و الله العالم.

و منها: خبر علي بن ابي حمزة عن ابي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، و بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، و ابواب السماء التي كان يصعد فيها باعماله، و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها. (2)

______________________________

(1) تحف العقول، ص 237.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 291

______________________________

و تقريب الاستدلال به:

انه يدل علي ان حصن الإسلام و حافظه هو الفقيه، و حيث ان احكام الإسلام لا تنحصر بالعبادات، بل منها احكام اجتماعية و سياسية و قضائية و جزائية، و لا يمكن حفظ تلك الأحكام، و كون الفقيه حصنا يدافع عنها الا من قبل حكومة قوية صالحة.

و لذلك تري ان الاستعمار الأروبي علم من اول وهلة ان استعماره لا يتم ما دام القرآن هو الكتاب السماوي الذي يتبعه المسلمون و يجرون احكامه و قوانينه و يتبعون ارشاداته و تعاليمه.

و بهذا صرح) كلادستون (رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت، و من ذلك الوقت اتجه وجهة اخري، فاخذ يسعي بشتي الطرق و الوسائل لتضعيف الإسلام.

و كان من جملة مصائده و حبائله نغمة التفكيك بين الدين و السياسة، و صارت تلك من اخطر الوسائل في ايديهم، و سببا لما نري

الآن من حال الإسلام و المسلمين و البلاد الاسلامية.

و بالجملة احكام الإسلام من الجهاد و المهادنة و عقد الذمة، و العهود و اجراء الحدود و القصاص و قبول الجزية، و ما شاكل، لا يمكن حفظها الا مع كون الحكومة بيد الفقيه أو من ينصبه الفقيه.

لذلك، فجعل الفقيه حصنا للاسلام لا يكون الا بجعله حاكما مطلقا منفذ الحكم.

و منها: خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله و ما دخولهم في الدنيا؟ قال صلي الله عليه و آله: اتباع السلطان،

فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم «1».

و تقريب الاستدلال به:

ان الأمين من فوض عليه حفظ ما فوض إليه، و قد فوض الي الفقهاء الأحكام الشرعية.

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1- ص 46 باب المستاكل بعلمه حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 292

______________________________

و قد مر في الخبر السابق ان حفظ الأحكام الشرعية لا يمكن الا من قبل حكومة اسلامية قوية، و قوله: ما لم يدخلوا … الخ يمكن ان يكون اشارة الي ان الإهمال في تشكيل الحكومة و صيرورة المتبوع تابعا و المخدوم خادما خيانة يخرج بذلك عن كونه امينا.

و منها: ما رواه في الكافي، و امالي الصدوق، و في اول المعالم باسانيد عديدة متصلة عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الي الجنة، و ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به، و انه يستغفر لطالب العلم من في السماء- الي ان قال-.

و ان العلماء ورثة الأنبياء، ان الانبياء لم يورثوا

ديناراً و لا درهما و لكن ورثوا العلم، فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر «1».

و تقريب الاستدلال به: انه يدل علي ان العالم وارث الأنبياء في العلم، و المراد به الأحكام و الحقائق و القوانين التي جاءوا بها، فكما انهم موظفون بنشرها و اجرائها كي ينتفع بها الناس.

فكذلك العالم موظف بذلك، و قد مر أن اجراء الأحكام الشرعية باجمعها لا يمكن الا بيد الحاكم المطلق.

و دعوي ان المراد بالعلماء هم الأئمة.

غريبة، يدفعها صدر الخبر الوارد في ثواب طلب العلم.

مع انه بهذا المضمون روايات صريحة في ارادة غير الأئمة الهداة صلوات الله عليهم.

مثل ما في البحار: و قال امير المؤمنين صلوات الله عليه لولده محمد: تفقه في الدين، فان الفقهاء ورثة الأنبياء «2».

______________________________

(1) اصول الكافي، ج 1، ص 34 باب ثواب العالم و المتعلم.

(2) ج 1- ص 216 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 293

______________________________

و في المقام روايات اخر قريبة المضمون مع ما تقدم، تظهر كيفية الاستدلال بها مما تقدم، فلا وجه لتطويل الكلام بذكر كل واحدة منها.

العالم المختلف ابواب الحكام آفة الدين

و قد تضمنت الأخبار ذم العلماء الذين يختلفون ابواب الحكام و لا يحترزون عن مخالطتهم، لاحظ.

خبر السكوني عن ابي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله و ما دخولهم في الدنيا؟ قال صلي الله عليه و آله: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم «1».

و النبوي: العلماء امناء الرسل علي عباد الله عز و جل ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم و اعتزلوهم «2».

و النبوي: شرار العلماء الذين يأتون الأمراء، و خيار الأمراء الذين يأتون

العلماء «3».

و الخبر قال عليه السلام: العلماء احباء الله ما امروا بالمعرف و نهوا عن المنكر و لم يميلوا في الدنيا و لم يختلفوا ابواب السلاطين، فإذا رأيتهم مالوا الي الدنيا و اختلفوا ابواب السلاطين فلا تحملوا عنهم العلم، و لا تصلوا خلفهم، و لا تعودوا مرضاهم، و لا تشيعوا جنائزهم،

فانهم آفة الدين، و فساد الإسلام، يفسدون الدين كما يفسد الخل العسل «4».

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1- ص 46 باب المستاكل بعلمه.

(2) المحجة البيضاء ج 1- ص 144.

(3) المحجة البيضاء، ج 1، ص 144- و اخرجه ابن عبد البر في العلم بلفظ آخر علي نقل و بلفظه نقله الشهيد في المنية.

(4) خراجية الفاضل القطيفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 294

______________________________

و الظاهر ان منشأ هذه التشديدات العظيمة و السر فيها وجهان:

احدهما: ان العالم جعل متبوعا و حاكما و مخدوما، فإذا صار تابعا و خادما و محكوما كان ذلك انعكاسا علي ام الرأس، و مثله هو الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رءوسهم عند ربهم.

الثاني: ان السلطان و الملك قد غصب حق المجتهد و تصدي للحكومة، فاختلاف بابه تقرير لظلمه و تعديه فلا يجوز.

و بذلك يظهر الوجه لما في روايات كثيرة من ذم السلاطين و النهي عن اختلاف ابوابهم و الأمر بالهرب منهم.

و في المقام مطالب هامة يعجبني التعرض لها و للأخبار الواردة عن ائمة الدين فيها،

و لكن الظروف لا تساعد، و إلي الله المشتكي.

فالمتحصل مما ذكرناه: انه لا ينبغي التوقف في ان تشكيل الحكومة وظيفة المجتهد الجامع للشرائط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 295

______________________________

مزاحمة احد المجتهدين لآخر

بقي الكلام في انه هل يجوز لآحاد المجتهدين مزاحمة الآخرين ام لا؟ و تنقيح القول في ذلك:

انه تارة: يتصدي احدهم للرئاسة و

الحكومة.

و اخري: لم يستقر له الأمر و يريد التصدي لها.

اما في الصورة الأولي: فلا اشكال في عدم جواز المزاحمة ان كان المتصدي اهلا لذلك، إذ مضافا الي ان المزاحمة موجبة لتضعيف الحكومة الاسلامية- و هو بديهي الحرمة-.

يشهد لعدم جوازها قوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة المتقدمة: فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله و علينا رد، و الراد علينا الراد علي الله، و هو علي حد الشرك بالله «1».

فان تصدي المجتهد حينئذ كتصدي الامام عليه السلام فمزاحمة الثاني اياه كمزاحمته للإمام و هي مستلزمة للرد عليه و هو رد علي الامام فلا يجوز.

اضف الي ذلك انه يلزم اختلال نظام مصالح المسلمين العامة، و هو غير جائز قطعا.

مع ان الأدلة انما تدل علي جعل هذا المنصب للمجتهد مع عدم المتصدي له، ففي فرض التصدي لا دليل علي ثبوته لأحد.

و إلي هذا نظر المحقق النائيني قدس سره، حيث قال: ان الفقيه ولي من لا ولي له، فإذا تحقق الولي فلا ولاية لآخر كما هو مفاد المشهورة السلطان ولي من لا ولي له.

كما ان الظاهر الي هذا نظر من قال ان دليل الولاية.

ان لم يكن لفظيا فالمتيقن منه انما هو ثبوت الولاية مع عدم تصدي احد،

و الا فيرجع الي الأصل و هو يقتضي عدم الولاية

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 296

______________________________

و ان كان لفظيا، فاطلاقه غير مسوق للبيان من هذه الجهة، فعند الشك لا بد من الرجوع الي الأصل المتقدم.

و أما في الصورة الثانية: فان قلنا باعتبار الأعلمية- كما يشهد به.

ما رواه في البحار عن كتاب الاختصاص قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله:

من تعلم علما ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس الي نفسه يقول انا رئيسكم فليتبوأ مقعده من النار، ان الرئاسة لا تصلح الا لأهلها، فمن دعي الناس الي نفسه و فيهم من هو اعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة «1».

فلا اشكال في عدم جواز المزاحمة.

و الا فالأظهر جواز المزاحمة، بمعني ترتيب المقدمات، و التوسل بكل امر جائز في نفسه للوصول الي ذلك المقام السامي، بل لو كان يري نفسه احق و ابصر بالأمور و انه لو تصدي لذلك كان يخدم الإسلام و المسلمين احسن مما لو تصدي الآخر يجب عليه ذلك، و الله العالم.

عدم اولوية الفقيه بالتصرف في الأموال و الأنفس

فالمتحصل مما اسلفناه: ثبوت منصب الفتوي و القضاوة و ما يتبع هذا المنصب، و الحكومة المطلقة للفقيه، و عليه فكل امر يرجع فيه كل قوم الي رئيسهم يرجع المسلمون فيه الي الفقيه، كما انه المرجع في كل امر يكون بيد القضاة كما مر.

و أما غير تلك من ما ثبت للإمام عليه السلام من اولويته بالتصرف في الأموال و الأنفس، و لزوم اطاعته في اوامره الشخصية العرفية، و ولايته التكوينية، فالظاهر عدم ثبوت

______________________________

(1) البحار ج 2- ص 11 من الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 297

فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف، فلا دليل علي وجوب الدفع إليه شرعا (1) نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه الي الفقيه مطلقا، أو بعد المطالبة و افتي بذلك الفقيه وجب اتباعه ان كان ممن يتعين تقليده ابتداء أو بعد الاختيار، فيخرج عن محل الكلام. هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار وجب حملها علي ارادة الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته صلي الله

عليه و آله من حيث كونه رسولا مبلغا، و الا لزم تخصيص اكثر افراد العام لعدم سلطنة الفقيه علي اموال الناس و انفسهم، الا في موارد قليلة بالنسبة الي موارد عدم سلطنته.

و بالجملة فإقامة الدليل علي وجوب طاعة الفقيه، كالامام الا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

______________________________

شي ء منها للفقيه بما هو فقيه لاختصاص ادلتها بالإمام عليه السلام

(1) قوله فلو طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلف فلا دليل علي وجوب الدفع إليه و قد التزم هو قده في كتاب الزكاة بوجوب الدفع إليه ان طالب.

و استدل له: بان منعه رد عليه و الراد عليه راد علي الله تعالي كما في مقبولة ابن حنظلة «1».

و بقوله عليه السلام في التوقيع الشريف: اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله «2».

و لكن قد مر ان الخبرين انما يدلان علي ان الحكومة و القضاوة للفقيه و لا يدلان علي ثبوت شي ء آخر كوجوب الإطاعة، و حيث إن ذلك ليس شأنا من شئون احد المنصبين.

و بعبارة اخري: ليس مما يرجع فيه العرف الي الرئيس أو القاضي، فلا وجه لوجوب الرد إليه، و ما في المقبولة انما هو كون عدم قبول ما حكم به بحكمهم ردا علي الامام لا ان مطلق الرد رد عليه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي- حديث 1.

(2) الوسائل- باب 11- من ابواب صفات القاضي- حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 298

بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني اعني: توقف تصرف الغير علي اذنه (1) فيما كان متوقفا علي اذن الامام عليه السلام و حيث ان موارد التوقف علي اذن الامام غير مضبوط، فلا بد من ذكر ما

يكون كالضابط لها.

فنقول كل معروف علم من الشارع ارادة وجوده في الخارج ان علم كونه وظيفة شخص خاص، كنظر الاب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص، كالافتاء و القضاء، أو كل من يقدر علي القيام به، كالامر بالمعروف، فلا اشكال في شي ء من ذلك. و ان لم يعلم ذلك و احتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه وجب الرجوع فيه إليه.

ثمّ ان علم الفقيه من الأدلة جواز توليه، لعدم اناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاص تولاه مباشرة أو استنابة، ان كان ممن يري الاستنابة فيه، و إلا عطله، فإن كونه معروفا لا ينافي اناطته بنظر الامام عليه السلام و الحرمان عنه، عند فقده كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل الله فرجه. و مرجع هذا الي الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده، من موجد خاص.

اما وجوب الرجوع الي الفقيه في الامور المذكورة فيدل عليه مضافا الي ما يستفاد من جعله حاكما كما، في مقبولة ابن حنظلة. الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي صلي الله عليه و آله.

______________________________

نعم إذا فرضنا صيرورة المجتهد حاكما و سلطانا فطلب الزكاة أو الخمس لصرفها في المصالح العامة و الفقراء وجب الدفع إليه لان ذلك من حيثيات الحكومة و شئونها و لذا كان داب النبي صلي الله عليه و آله و الوصي عليه السلام في زمان حكومتهما مطالبة الزكاة و الاخذ من المانعين جبرا، و بما حققناه يظهر الضابط فيما للفقيه تصديه و ما ليس له ذلك فتدبر حتي لا يشتبه عليك الامر.

ضابط التصرفات المتوقف جوازها علي اذن الفقيه

(1) قوله بقي الكلام في ولايته علي الوجه الثاني اعني توقف تصرف الغير علي اذنه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 299

و

الصحابة، في الزام الناس بارجاع الامور المذكورة إليه و الانتهاء فيها الي نظره، بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما، وجوب الرجوع في الامور العامة المطلوبة للسلطان إليه، و إلي ما تقدم من قوله عليه السلام: مجاري الامور بيد العلماء بالله الامناء علي حلاله و حرامه التوقيع المروي في اكمال الدين، و كتاب الغنية.

و احتجاج الطبرسي، الوارد في جواب مسائل اسحاق بن يعقوب التي ذكر اني سألت العمري رضي الله عنه ان يوصل الي الصاحب) عجل الله فرجه (كتابا فيه تلك المسائل التي قد اشكلت علي، فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة و السلام في اجوبتها.

و فيها: و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، و انا حجة الله. فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بد من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا الي الرئيس مثل النظر في اموال القاصرين لغيبة، أو موت، أو صغر، أو سفه. و أما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه:

منها: ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه، ليباشر امرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع في حكمها إليه.

______________________________

و ملخص القول في المقام: ان ما ثبت كونه معروفا إذا علم كونه وظيفة شخص خاص، كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص كالقضاوة، أو علم عدم اشتراطه بنظر شخص آخر كالأمر بالمعروف، فلا كلام.

و ان احتمل ان يكون في وجوده أو وجوبه منوطا بنظر شخص خاص، فان كان لدليل ذلك المعروف عموم أو اطلاق من هذه الجهة تنفي الاناطة به حتي و ان ثبت كونه منوطا بنظر شخص، الامام عليه السلام في زمان حضوره، إذ المتيقن من دليل القيد هو دخل نظر الامام في

زمان الحضور، فمع عدم التمكن من الاستئذان منه يكون الاطلاق هو المحكم،

و لا وجه للتمسك بعموم ادلة النيابة لعدم الدليل علي نيابة الفقيه فيما ثبت للامام عليه السلام بما هو امام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 300

و منها التعليل بكونهم حجتي عليكم و انا حجة الله، فإنه انما يناسب الامور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر، فكان هذا منصب ولاة الامام من قبل نفسه، لا انه واجب من قبل الله سبحانه علي الفقيه بعد غيبة الامام، و الا كان المناسب ان يقول انهم حجج الله عليكم، كما وصفهم في مقام آخر: بأنهم امناء الله علي الحلال و الحرام.

و منها ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية الي العلماء الذي هو من بديهيات الإسلام من السلف الي الخلف، مما لم يكن يخفي علي مثل اسحاق بن يعقوب، حتي يكتبه في عداد مسائل اشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة الي رأي و نظره. فإنه يحتمل ان يكون الامام عليه السلام قد وكله في غيبته الي شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان.

و الحاصل أن الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه و لا بالمنازعات

______________________________

نعم ما ثبت له بعنوان انه قاض أو حاكم و رئيس يثبت للفقيه لما مر من ثبوت هذين المنصبين للفقيه.

و عليه فكل امر مطلوب يرجع فيه كل قوم الي رئيسهم يرجع فيه الي الفقيه، و لعله يكون من هذا الباب الجهاد مع الكفار، و قد مر الكلام فيه في كتاب الجهاد.

و ان لم يكن لدليل معروفيته اطلاق أو عموم، فان لم يحرز اصل المطلوبية في زمان الغيبة من جهة احتمال دخل نظر الامام عليه السلام فيها، فان ثبت كون

دخل نظره بما انه رئيس و حاكم يحكم بانه مطلوب مع اذن الفقيه، و انه لا بد فيه من الرجوع إليه لما مر من عموم دليل ولايته بهذا المعني، و ان احتمل دخل نظر شخص الامام عليه السلام فيه سقطت مطلوبيته، كان ذلك من قبيل المعاملات أو العبادات للأصل.

و ان احرز ارادة وجوده في الخارج و علم وجوبه كفاية مع تعذر الاستئذان بان يكون اعتبار اذنه ساقطا عند التعذر، لا كلام في ان للفقيه التصدي له، لأنه اما يعتبر اذنه أو هو كغيره ممن يجب عليه كفاية، و أما غير الفقيه فان كان التصرف تصرفا معامليا فالأصل عدم نفوذه الا باذن الفقيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 301

ثمّ ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل احد مثل قوله عليه السلام: كل معروف صدقة. و قوله عليه السلام: عون الضعيف من افضل الصدقة، و امثال ذلك. و ان كانت عموما من وجه (1) الا ان الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها (2)

______________________________

و ان كان غير معاملي فان استلزم ذلك التصرف في مال الغير أو نفسه لم يجز لعموم ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير أو نفسه «1».

و الا كما في الصلاة علي الميت جاز التصدي له بدون اذنه بناء علي جريان البراءة عند الدوران بين الأقل و الأكثر كما لا يخفي.

(1) قوله ثمّ ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات الظاهرة في اذن الشارع … و ان كانت عموما من وجه.

مادة الافتراق من جانب التوقيع الامور المختصة بالفقيه كالافتاء و القضاء و الحكومة، و من جانب دليل كل معروف صدقة الافعال المطلوبة غير المعتبر

فيها اذن احد،

و مادة الاجتماع التصرف في مال القصر و ما شاكل

(2) تقريب الحكومة ان التوقيع يدل علي ان الحوادث الواقعة معروفيتها تتوقف علي اذن الفقيه و يرد عليه ان التوقيع اخص من تلك النصوص إذ لا حادثة مهمة يرجع فيها الي الفقيه الا و هو معروف و لا عكس مع ان التوقيع يكون واردا عليها فانه يدل علي دخالة اذن الفقيه في معروفية الحوادث الواقعة.

اضف الي ذلك ما مر من عدم العموم لتلك النصوص كي تدل علي عدم اعتبار اذن الفقيه فراجع.

و بذلك يظهر عدم تمامية ما افاده المصنف قدس سره من اطلاق عدم المشروعية كما ظهر ما في اطلاق المحقق الخراساني من الجواز في غير المعاملات.

فان قيل بناء علي ما ذكر من انه لو كان عموم أو اطلاق لدليل ذلك المعروف

______________________________

(1) الوسائل باب 3- من ابواب مكان المصلي حديث 3- 1 و باب 1- من ابواب القصاص في النفس حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 302

و كونها بمنزلة المفسر الدال علي وجوب الرجوع الي الامام عليه السلام أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر في قوله تعالي: أولي الأمر و علي تسليم التنزل عن ذلك.

فالمرجع بعد تعارض العمومين الي اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي ولي الأمر هذا.

لكن المسألة لا تخلو عن اشكال و ان كان الحكم به مشهوريا و علي اي تقدير فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان علي الناس القيام بها كفاية. و أما

ما يشك في مشروعيته، كالحدود لغير الامام، و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجد، و ولاية المعاملة علي مال الغائب بالعقد عليه، و فسخ العقد الخياري عنه، و غير ذلك، فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها للفقيه، بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر.

نعم الولاية علي هذه و غيرها ثابتة للإمام عليه السلام بالأدلة المتقدمة المختصة به،

مثل آية اولي بالناس من انفسهم، و قد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه عليه السلام في هذا النحو من الولاية علي الناس ليقتصر في الخروج عنه علي ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

______________________________

لم يكن اذن الفقيه معتبرا لا بد من البناء علي عدم اعتبار اذن الفقيه في شي ء من الموارد لعموم ما دل علي ان كل معروف صدقة «1» من النصوص توجه عليه ان تلك النصوص من جهة اخذ مشروعية الفعل في موضوعها- لأن المعروف هو ما عرفه الشارع و رغب إليه و حث عليه- لا سبيل الي التمسك بها، لأنه مع احتمال اعتبار اذنه لم يحرز كونه معروفا بدون اذن الفقيه، فلا يتمسك به.

فالأظهر هو اعتبار اذن الفقيه في التصرفات المعاملية و ما استلزم التصرف في مال الغير أو نفسه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 41 من ابواب الصدقة من كتاب الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 303

و بالجملة فها هنا مقامان:

احدهما: وجوب ايكال المعروف المأذون فيه إليه ليقع خصوصياته عن نظره و رأيه كتجهيز الميت الذي لا ولي له، فإنه يجب ان يقع خصوصياته من تعيين الغاسل، و المغسل، و تعيين شي ء من تركته للكفن، و تعيين المدفن عن رأي الفقيه.

الثاني: مشروعية تصرف خاص في نفس أو مال أو عرض، و الثابت بالتوقيع و شبهه هو

الأول دون الثاني و ان كان الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية و عدمها ايضا من وظيفته، الا ان المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة علي المشروعية، نعم لو ثبت ادلة النيابة عموما تم ما ذكر، ثمّ انه قد اشتهر في الألسن، و تداول في بعض الكتب رواية أن السلطان ولي من لا ولي له. (1) و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا يحتاج الي أدلة عموم النيابة، و قد عرفت ما يصلح ان يكون دليلا عليه، و انه لا يخلو عن وهن في دلالته مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بأن المعروف بين الاصحاب كون الفقهاء نواب الامام، و يظهر من المحقق الثاني ايضا في رسالته الموسومة) بقاطع اللجاج في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال من المخالفين (، كما يكون ذلك للإمام عليه السلام إذا ظهر عليه السلام للشك في عموم النيابة و هو في محله.

______________________________

(1) قوله اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية «1»: ان السلطان ولي من لا ولي له.

اختلفت كلمات القوم في المراد من السلطان.

فعن جماعة: ان المراد به الامام عليه السلام، و هو الظاهر من صدر عبارة المصنف في المقام.

و عن آخرين كالعلامة في التذكرة و غيره: ان المراد به ما يعم الفقيه المأمون القائم بشرائط الاقتداء و الحكم، و هو الظاهر من عبارة المصنف قدس سره الأخيرة.

و الأظهر هو الثاني، فان السلطان من له السلطنة علي غيره، و الإمام عليه السلام

______________________________

(1) التذكرة ج 2 ص 592- رواه أبو داود في محكي سننه ج 1 ص 481- و ابن ماجة تحت رقم 1879- و احمد في مسنده ج

6 ص 47- و في عوائد النراقي عائدة 54 انه مروي في كتب الخاصة و العامة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 304

ثمّ ان قوله من لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له، بل المراد عدم الملكة. يعني انه ولي من من شأنه، بحسب شخصه، أو صنفه، أو نوعه،

أو جنسه فيشمل الصغير الذي مات ابوه و المجنون بعد البلوغ، و الغائب، و الممتنع،

و المريض، و المغمي عليه، و الميت الذي لا ولي له، و قاطبة المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة. و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة، و نحو ذلك. لكن يستفاد من ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور: و هو الأذن في فعل كل مصلحة لهم، فيثبت به مشروعية ما لم يثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم، فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف، المذكورين (1) نعم ليس له فعل شي ء لا يعود مصلحته إليهم، و ان كان ظاهر الولي يوهم ذلك، إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد بمن لا ولي له من شأنه ان يكون له ولي، يراد به كونه ممن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه، لا بمعني أنه ينبغي أن يكون عليه ولي، له عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه.

و الحاصل ان الولي المنفي: هو الولي للشخص لا عليه، فيكون المراد بالولي المثبت ذلك ايضا، فمحصله: ان الله جعل الولي الذي يحتاج إليه الشخص، و ينبغي ان يكون له هو السلطان، فافهم.

______________________________

و ان كان مصداقه الكامل الا ان للفقيه ايضا السلطنة علي غيره، و هو الحاكم المنفذ الحكم كما مر، فمقتضي اطلاق الخبر هو جعل الولاية له ايضا.

(1) و تقريب الاستدلال بالخبر: انه يدل علي

ثبوت الولاية علي من لا ولي له، و من شانه ان يكون له ولي لمن له السلطنة، و لازم جعل الولاية هو جواز كل تصرف متعلق به أو بماله كان جائزا له لو كان مالكا لأمره فيجوز للحاكم الشرعي ان يزوج المجنون الذي لا ولي له، و ان يزوج المجنونة.

فان قيل: انه ضعيف السند للإرسال.

اجبنا عنه بان صاحب الجواهر قدس سره في كتاب النكاح قال: ان هذه القاعدة استغنت عن الجابر في خصوص المورد نحو غيرها من القواعد. و الظاهر انه كذلك، فان الفقهاء في باب النكاح يصرحون بان احد الأولياء السلطان، و الظاهر ان هذا التعبير منهم من باب تبعية هذا النص، فلا اشكال في الخبر سندا و دلالة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 305

مسألة في ولاية عدول المؤمنين (1)
اشارة

اعلم: ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه هو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع، إذا كان الفقيه متعذر الوصول، فالظاهر جواز توليه لآحاد المؤمنين، لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع، غير مضاف الي شخص، و اعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط بفرض التعذر، و كونه شرطا مطلقا له، لا شرطا اختياريا، مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط لكونه من المعروف الذي امر باقامته في الشريعة. نعم لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الامام عليه السلام، صح الرجوع الي اصالة عدم المشروعية، كبعض مراتب النهي عن المنكر، حيث ان اطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حد الجرح.

______________________________

ولاية عدول المؤمنين

(1) مسألة: في ولاية عدول المؤمنين.

و ملخص القول في المقام: ان المعروف الذي ثبت كونه من وظائف الفقيه و قد مر ضابطه- لا محالة يكون التكليف به ساقطا عند عدم التمكن منه، الا إذا علمنا من الخارج

بقاء التكليف به، فيجوز حينئذ تصدي غيره.

و أما ما لم يثبت فيه ذلك، فان كان لدليله عموم أو اطلاق يقتضي جواز تصدي كل احد فلا كلام.

و الا فان كان احتمال دخل نظر الفقيه و اذنه من قبيل شرط الوجوب يكون التكليف به ساقطا مع تعذر الاستئذان منه لأصالة البراءة. و ان كان من قبيل شرط الواجب، فان كان ذلك تصرفا معامليا أو كان مستلزما للتصرف في مال الغير أو نفسه، لم يجز لما تقدم.

و الا جاز و لم يسقط التكليف به لجريان الأصل عند الشك في الأقل و الأكثر.

و ثبوت مطلوبية الفعل بعد تعذر الاستئذان انما يكون باحد طرق:

احدها: استفادة ذلك من النصوص و لو مع ملاحظة المناطات و مناسبة الحكم و الموضوع، كما في دفن الميت.

ثانيها: ان يكون لدليل ذلك المعروف اطلاق، و لا يكون الدليل المقيد له بنظر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 306

قال الشهيد رحمه الله في قواعده: يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية التصرفات الحكمية «يعني ذات مصلحة» علي الاصح، كدفع ضرورة اليتيم لعموم: و تعاونوا علي البر و التقوي.

و قوله عليه السلام: و الله تعالي في عون العبد ما كان في عون اخيه.

و قوله: كل معروف صدقة. (1) و هل يجوز اخذ الزكوات و الاخماس من الممتنع و تفريقها في اربابها؟ و كذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي فيه وجهان:

وجه الجواز: ما ذكرنا، و لأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال و هي مطلوبة لله تعالي، و قال بعض متأخري العامة ان القيام بهذه المصالح اهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها، و يصرفونها الي غير مستحقها، فان توقع امام يصرف ذلك في

وجهه حفظ المتمكن تلك الاموال الي حين تمكنه من صرفها إليه، و ان يئس من ذلك، كما في هذا الزمان تعين صرفه علي الفور في مصارفه لما في ابقائه من التغرير و حرمان مستحقيه من تعجيل اخذه مع مسيس حاجتهم إليه، و لو ظفر باموال مغصوبة حفظها لأربابها حتي يصل إليهم، و مع اليأس يتصدق بها عنهم، و عند العامة تصرف في المصارف العامة، انتهي.

______________________________

الفقيه مطلقا، فانه حينئذ يقتصر في تقييده علي المقدار المتيقن و هو التمكن من الاستيذان.

ثالثها: استقلال العقل بذلك كما في حفظ مال اليتيم من التلف.

رابعها: ان يدل دليل بالخصوص علي ذلك، كما سيأتي في بيع مال اليتيم.

خامسها: جريان السيرة العقلائية بضميمة عدم ردع الشارع عنها، كما إذا مرض اليتيم و توقفت نجاته من الهلاكة علي التصرف في ماله.

و قد ذكر له طرق اخر.

(1) منها: ما نسب الي الشهيد قدس سره و هو التمسك بدليل كل معروف صدقة «1» و شبهه، و قد مر أنه لعدم احراز الموضوع- و هو كون الفعل معروفا من كل احد- لا موقع للتمسك

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من ابواب الصدقة من كتاب الزكاة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 307

و الظاهر ان قوله: فإن توقع الي آخره من كلام الشهيد رحمه الله و لقد اجاد فيما أفاد إلا أنه لم يبين وجه عدم الجواز، لعل وجهه أن مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام أو نائبه. كما في قطع الدعاوي، و اقامة الحدود، و كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجد. فإن كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلي شخص خاص.

نعم لو فرض المعروف علي وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا، كحفظ اليتيم من

الهلاك الذي يعلم رجحانه علي مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه، صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة (1) أو فرض علي وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل احد الا انه خرج ما لو تمكن من الحاكم حيث دلت الأدلة علي وجوب ارجاع الامور إليه، و هذا كتجهيز الميت (2) و الا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل علي عدم ولاية احد علي مال احد أو نفسه. و لهذا لا يلزم عقد الفضولي علي المعقود له بمجرد كونه معروفا و مصلحة، و لا يفهم من ادلة المعروف ولاية للفضولي علي المعقود عليه، لأن المعروف هو التصرف في المال، أو النفس علي الوجه المأذون فيه من المالك، أو العقل، أو الشارع، من غير جهة نفس أدلة المعروف.

و بالجملة تصرف غير الحاكم يحتاج الي نص عقلي أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي فافهم

______________________________

(1) و منها: ما افاده المصنف قدس سره و هو: ما إذا كان الفعل مقدمة لما هو حسن عقلا، كما لو توقفت نجاة اليتيم من الهلاكة علي التصرف في ماله، بدعوي انه يعلم رجحان حفظ اليتيم من الهلاكة علي التصرف في مال الغير بغير اذنه.

و فيه: ان الكبري الكلية تامة، الا انه في المثال من جهة امكان الصرف من مال نفسه أو من بيت المال لا يتم ما افيد فيه،

و الكبري داخلة تحت الطريق الثالث الذي ذكرناه.

(2) كما ان ما افاده في تجهيز الميت متين و هو داخل في الطريق الاول من الطرق التي ذكرناها لمعروفية مطلوبية الفعل،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 308

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولي المصلحة عند فقد الحاكم،

كما هو ظاهر اكثر

الفتاوي حيث يعبرون بعدول المؤمنين، و هو مقتضي الاصل (1)

______________________________

ثمّ ان المصنف في ذيل المسألة الآتية ذكر ان من جملة الأدلة المطلقة لمعروفية الفعل قوله عليه السلام: عون الضعيف من افضل الصدقة المتقدم تعالي: و قوله (وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «1»

و فيه: اما الأول: فقد عرفت انه لا إطلاق له من هذه الجهة. و حاصله: انه من الواضح ان كل ما يكون عونا لا يكون صدقة، حتي ما كان عونا بفعل محرم، فالمراد هو العون بما يكون جائزا شرعا، فلا بد من احراز جوازه عند فقد الفقيه بدليل آخر.

و أما الآية الشريفة: فان كان الخطاب فيها متوجها الي الاولياء كما ان قوله تعالي:

(فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) خطاب إليهم فهي اجنبية عن المقام، و ان كان متوجها الي عامة المكلفين فالاستدلال بها في نفسها لا مانع منه، فانها حينئذ بمفهوم الاستثناء تدل علي جواز التصرف المقرون بمصلحة الصغير مطلقا، الا ان من التزم بدلالة التوقيع و غيره علي عموم ولاية الفقيه و انها تدل علي اعتبار اذن الفقيه في امثال ذلك ليس له التمسك بعمومها، فانه بعد تقيد اطلاقها باطلاق تلك الأدلة لا يبقي محل للتمسك بها عند تعذر الاستئذان من الفقيه كما لا يخفي.

اشتراط العدالة

(1) قال المصنف بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن … و هو مقتضي الاصل لا يخفي انه قده في ولاية الأب و الجد التزم بان مقتضي الأصل عدم اعتبار العدالة، و هنا التزم بان الأصل يقتضي اعتبارها، و يمكن ان يؤيد ما ذكرناه هناك من ارادته من الأصل بذلك، و الا فالبابان من واد واحد كما هو واضح.

______________________________

(1) الانعام: 152.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 309

و

يمكن ان يستدل عليه ببعض الاخبار ايضا، ففي صحيحة محمد بن اسماعيل رجل مات من اصحابنا بغير وصية، فرفع امره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد،

القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المتاع، فلما اراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه وصية، و كان قيامه بهذا بأمر القاضي، لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له: يموت الرجل من اصحابنا و لا يوصي الي احد و يخلف الجواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري في ذلك. قال: إذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس (1)

______________________________

و كيف كان: فمحصل القول في المقام: ان الكلام في اعتبار العدالة ربما يقع في جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة الي نفسه، و ربما يقع بالنسبة الي ما يتعلق من فعله بفعل الغير بان يكون فعله منضما الي فعل غيره، كالإيجاب المنضم الي القبول من الغير موضوعا للأثر.

اما المقام الأول: فالكلام فيه يقع في موردين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني فيما تقتضيه النصوص الخاصة الواردة في بيع مال اليتيم.

اما المورد الأول: فان كان ثبوت معروفية ذلك الفعل باطلاق دليل أو عموم فمقتضي ذلك عدم اعتبار العدالة، كما انه كذلك إذا كان باستقلال العقل بحسنه مع استقلاله بعدم الفرق بين العادل و الفاسق،

و أما ان كان ذلك باستقلال العقل بحسنه مع عدم استقلاله بعدم اعتبار العدالة، أو كان باستكشافه من المناطات و نحوها مع احتمال الاختصاص بالعدول لزم البناء علي اعتبارها، لأن ثبوت مطلوبيته للعدول معلوم، و لغيرهم مشكوك فيه،

و الأصل عدمه، مع ان مقتضي الأصل عدم النفوذ إذا كان التصرف تصرفا معامليا، و عدم الجواز إذا كان تصرفا في مال الغير أو نفسه، بالإضافة الي غير العدول.

(1) اما المورد الثاني: فمن النصوص صحيح ابن «1» بزيع: المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من ابواب عقد البيع حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 310

______________________________

و الكلام في هذا الخبر يقع في جهات:

الأولي: في انه هل يدل علي ثبوت الولاية علي الصغار الذين لا ولي لهم ام لا؟ الثانية: في انه هل يدل علي اعتبار العدالة ام لا؟ الثالثة: في انه هل يوجب تقييد اطلاق غيره من الأدلة لو كان ام لا؟ اما الجهة الأولي: فقد يقال كما عن المحقق الايراني قدس سره احتماله انه متضمن اللاذن الشخصي من الامام عليه السلام لا لإعطاء الحكم، و حيث ان مفاده ليس اعطاء المنصب بل التوكيل فلا ينفع بالنسبة الي اعصار سائر الأئمة عليهم السلام.

و فيه: ان هذا مخالف للظاهر من وجوه:

منها: ان ظاهر السؤال هو السؤال عن الحكم الشرعي، فالجواب يكون ظاهرا في بيان ذلك.

و منها: ان ظاهره نفي البأس عن الأعمال التي اتي بها عبد الحميد قبل الرجوع الي الامام عليه السلام.

و منها: التعبير بمثلك و مثل عبد الحميد، إذ لو كان في مقام بيان الأذن الشخصي لم يكن يعبر هكذا.

و بالجملة ظهور الخبر سؤالا و جوابا في بيان اعطاء الحكم لا ينبغي انكاره.

و أما الجهة الثانية:

فالوجوه المحتملة للمماثلة اربعة:

الأول: المماثلة في التشيع.

الثاني: المماثلة في الوثاقة، و ملاحظة مصلحة اليتيم.

الثالث: المماثلة في العدالة.

الرابع: المماثلة في الفقاهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 311

بناء علي ان المراد من المماثلة. اما المماثلة في التشيع، أو في الوثاقة، و ملاحظة مصلحة

اليتيم، و ان لم يكن شيعيا، أو في الفقاهة بأن يكون من نواب الامام عموما في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة.

و الاحتمال الثالث مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس، مع عدم الفقيه و لو مع تعذره. (1) و هذا بخلاف الاحتمالات الأخر، فإن البأس ثابت للفاسق أو الخائن، أو المخالف.

و ان تعذر غير هم فتعين احدها الدائر بينها، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها و هو العدل، لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الامانة و ملاحظة مصلحة اليتيم، فيكون مفسرا للاحتمال الثاني، في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة.

______________________________

(1) و قد افاد المصنف قدس سره- و تبعه المحقق النائيني قدس سره- ان الاحتمال الرابع الذي ذكرناه الثالث في المتن مناف لإطلاق المفهوم الدال علي ثبوت البأس مع عدم الفقيه، و لو مع تعذره.

و فيه: انه لم يفرض في الخبر لابدية البيع، فلا مانع من الالتزام بعدم الجواز مع تعذر الفقيه، مع ان هذا بعينه يرد علي ارادة المماثلة في العدالة، فانه باطلاقه حينئذ يدل علي ثبوت البأس مع تعذر العادل. مضافا الي ان مورده منطوقا و مفهوما صورة التمكن من امثال محمد بن اسماعيل و عبد الحميد.

فالحق ان يقال: ان احتمال ارادة المماثلة في الفقاهة يدفعه: ان الظاهر كون المراد بعبد الحميد هو ابن سالم العطار، لأن الكليني و ان روي الرواية و اطلق عبد الحميد، و لكن الشيخ في محكي التهذيب رواها و قيده بابن سالم، و احتمال اشتباه الشيخ أو انه انما يكون التقييد من جهة اجتهاده بعيد غايته.

و ما افاده المحقق البهبهاني قدس سره من ان ابن سالم لم يكن في عصر الجواد عليه السلام و الخبر مروي عنه،

يرد عليه:

ان ابن بزيع ينقل القضية الواقعة لعبد الحميد ثمّ يسأل حكم المسألة كلية، و لا يلازم ذلك كون عبد الحميد في زمانه عليه السلام و حيث انه ليس صاحب اصل أو كتاب، فلا يستفاد فقاهته، بل هو غير فقيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 312

ففي صحيحة علي بن رئاب رجل مات و بيني و بينه قرابة و ترك اولادا صغار أو مماليك غلمانا و جواري، و لم يوص، فما تري فيمن يشتري منهم الجارية يتخذها أم ولد؟ و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال ان كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: فما تري فيمن يشتري منهم الجارية و يتخذها أم ولد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم بأمرهم، الناظر فيما يصلحهم و ليس لهم أن يرجعوا فيما فعله القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم (1)

______________________________

و يدفع احتمال ارادة المماثلة في العدالة، فرض تصرف عبد الحميد في المبيع بمجرد نصب القاضي له كما يظهر من توقفه في بيع الجواري لأنهن فروج، مع ان الرجاليين وثقوه، و الوثاقة اعم من العدالة.

و يدفع احتمال ارادة الماثلة في التشيع انه لو كان المراد تلك كان المناسب ان يقال: إذا كان من اصحابنا، أو من اصحابك، أو من يعرف امرنا فلا باس، فالمتعين ارادة المماثلة في الوثاقة و الأمانة، فيستفاد من ذلك ثبوت الولاية للأمين و ان لم يكن عادلا و أما الجهة الثالثة: فبناء علي ما افاده المصنف قدس سره يكون الخبر مجملا، و ان البناء علي اعتبار العدالة انما يكون من جهة الأخذ بالمتيقن، و عليه فلا وجه للأخذ به في مقابل اطلاق دليل أو عموم، بل هو يكون

مبينا لإجمال هذا كما هو الشأن في كل مورد كان احد الدليلين مجملا و الآخر مبينا.

(1) و منها: صحيح «1» علي بن رئاب عن الامام الكاظم عليه السلام المذكور في المتن و لكن: هذا الصحيح اجنبي عن المقام، لأن الظاهر من القيم، الشرعي، اما بنصب الميت فيكون المراد من لم يوص عدم الوصية بالثلث، أو بنصب من بيده الأمر.

و ان شئت قلت: ان الخبر وارد في مقام بيان جواز الاشتراء من القيم في مقابل الاشتراء من الصغار، و ليس في مقام بيان من به تقوم القيمومة.

______________________________

(1) الوسائل باب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 313

و موثقة زرعة عن سماعة في رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقر كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك، قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس (1) بناء علي ان المراد من يوثق به و يطمئن بفعله عرفا، و ان لم يكن فيه ملكة العدالة.

لكن في صحيحة اسماعيل بن سعد ما يدل علي اشتراط تحقق عنوان العدالة (2) قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير ان يتولي القاضي بيع ذلك؟ فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه الخليفة. أ يطيب الشراء منه ام لا؟ قال عليه السلام: إذ كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك هذا و الذي ينبغي ان يقال انك قد عرفت ان ولاية غير

الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدل علي رجحان التصدي لذلك المعروف، أو يكون هناك دليل خاص علي الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا، فقد يشمل الفاسق و قد لا يشمل.

______________________________

(1) و منها موثق زرعة عن سماعة «1» المذكور في المتن و هذا و ان كان يدل علي الاكتفاء بالوثاقة، الا انه مختص بالقسمة.

و منها صحيح اسماعيل بن سعد «2» عن الامام الرضا عليه السلام الذي ذكر في المتن

(2) و قد استظهر منه المصنف قدس سره اعتبار العدالة.

و اورد عليه: بان الظاهر من القاضي الذي تراضوا به هو القاضي الشرعي الذي له الولاية علي مال الصغير مطلقا، و ان لم ينضم إليه العدل اجماعا.

و بان غاية مفاده ثبوت الولاية للعادل، و هذا لا ينافي ثبوتها لمطلق الأمين، فلا مقيد لإطلاق صحيح ابن بزيع،

و بانه انما يدل علي اعتبار العدالة بالنسبة الي المشتري، و الكلام انما هو في وظيفة المتصدي للبيع نفسه.

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب احكام الوصايا حديث 2.

(2) الوسائل- باب 16- من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 314

و أما ما ورد فيه العموم، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة الي نفسه، و انه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة ام لا؟ و قد يكون بالنسبة الي ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه علي وجه المصلحة، كالشراء منه مثلا.

اما الأول: فالظاهر جوازه، و ان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة لعموم أدلة فعل ذلك المعروف، و لو مثل قوله عليه السلام: عون الضعيف من أفضل الصدقة و عموم قوله تعالي: و لا

تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن و نحو ذلك. و صحيحة محمد بن اسماعيل السابقة، قد عرفت انها محمولة علي صحيحة علي بن رئاب المتقدمة، بل و موثقة زرعة و غير ذلك مما سيأتي، و لو ترتب حكم الغير علي الفعل الصحيح منه، كما إذا صلي فاسق علي ميت لا ولي له. فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شك في صحته،

______________________________

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن السؤال انما هو عن البيع من دون تصدي القاضي، و مع تصديه فالجواب يكون عاما للموردين.

و أما الثاني: فلأن الظاهر كون قوله: عدل … الخ عطفا علي قوله رضا الورثة، و عليه فهو بمفهوم الشرط يدل علي عدم الولاية لغير العادل، و يوجب تقييد اطلاق صحيح ابن بزيع.

و أما الثالث: فلأنه بناء علي ما ستعرف من كون العدالة معتبرة بنفسها لا بما انها طريق الي ملاحظة صلاح اليتيم، يكون جعلها شرطا للشراء مستلزما لجعلها شرطا للبيع،

و الا فجعل جواز البيع للفاسق من غير ان يجوز لأحد الشراء منه لغو،

فالأظهر ان الجمع بين النصوص يقتضي البناء علي ثبوت ولاية التصرف علي مال اليتيم لعدول المؤمنين و الظاهر منها اعتبار العدالة لا من باب الأمارية علي كون التصرف تصرفا بالأحسن كما ذهب إليه المصنف قدس سره- بل من باب دخلها بنفسها، إذ الظاهر من اخذ كل عنوان في الموضوع دخله في الحكم بنفسه لا من باب الأمارية الي شي ء آخر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 315

و لو شك في حدوث الفعل منه و اخبر به ففي قبوله اشكال (1)

و أما الثاني: فالظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه و ان ادعي كون البيع مصلحة. بل يجب

اخذ المال من يده، و يدل عليه بعد صحيحة اسماعيل ابن سعد المتقدمة، بل و موثقة زرعة بناء علي ارادة العدالة من الوثاقة ان عموم ادلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرد تصرف الفاسق، فإن وجوب اصلاح مال اليتيم و مراعاة غبطته، لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق، و لا يجدي هنا حمل فعل المسلم علي الصحيح، كما في مثال الصلاة المتقدم، لان الواجب هناك هي صلاة صحيحة. و قد علم صدور اصل الصلاة من الفاسق، و إذا شك في صحتها احرزت باصالة الصحة.

______________________________

و بما ذكرناه ظهر الحال في المقام الثاني فلا نعيد.

و مقتضي اطلاق النصوص ثبوت الولاية للعدول مع التمكن من الفقيه،

فما افاده المحقق الأردبيلي قدس سره من كون ولاية العدول علي مال اليتيم في عرض ولاية الفقيه، متين اللهم الا ان يقال: ان مقتضي اطلاق هذه النصوص و ان كان ذلك، الا انه من جهة كونها من مناصب القضاة، و قد جعل الشارع الفقيه قاضيا و حاكما، فمع وجوده لا بد من تصديه لذلك. فتدبر فان المسألة تحتاج الي تأمل زائد.

فروع بقي في المقام فروع:

(1) الاول: انه بناء علي جواز تصرف الفاسق لو اخبر بالفعل الحسن المطلوب،

هل يقبل اخباره ام لا؟ وجهان.

و الحق ان يقال: انه بناء علي كون جواز تصرفه من باب الولاية يقبل اخباره لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به و دعوي معارضته مع عموم ما دل علي عدم حجية خبر الفاسق،

مندفعة بانه لا تعارض بينهما، إذ لا تنافي بين عدم قبول اخباره من حيث انه خبر الفاسق و قبوله من حيث انه مالك للتصرف، و لذا تري انه يقبل اخبار ذي اليد،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص:

316

و أما الحكم فيما فيه فلم يحمل علي التصرف الصحيح، و انما حمل علي موضوع هو اصلاح المال و مراعاة الحال، و الشك في اصل تحقق ذلك (1)

فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

و ان شئت قلت: ان شراء مال اليتيم لا بد ان يكون مصلحة له، و لا يجوز ذلك باصالة صحة البيع من البائع (2) كما لو شك المشتري في بلوغ البائع، فتأمل.

______________________________

و ان قلنا انه من باب التكليف الصرف لا يقبل لعدم جريان القاعدة فيه،

فالمرجع عموم ما دل علي عدم حجية خبر الفاسق.

الثاني: انه بناء علي جواز البيع للفاسق، إذا تصدي الفاسق للبيع و اوجب و شك من يريد القبول في انه هل يكون الايجاب تصرفا علي وجه احسن ام لا، فهل تجري اصالة الصحة في الايجاب و يحرز بها صحة الايجاب و القبول، ام لا؟ وجهان.

قد استدل المصنف قدس سره للثاني بوجهين:

(1) احدهما: ان الحكم لم يحمل علي التصرف الصحيح، و انما حمل علي

موضوع و هو اصلاح المال و مراعاة الحال، و هذا عنوان لموضوع الأثر، و حيث انه قد ثبت في محله انه يعتبر في جريان اصالة الصحة في موضوع الأثر احراز تحقق الموضوع و عنوانه، و كون الشك متمحضا في الوصف، و الا فمع الشك في الموصوف لا تجري اصالة الصحة، ففي المقام لا تجري اصالة الصحة في الايجاب.

(2) الثاني: ان اصالة الصحة في الايجاب لا تثبت الا صحة الايجاب التأهلية، و لا يحرز بها تحقق المصلحة، و حيث ان القابل ايضا متصرف في مال الصغير، و لا بد و ان يكون تصرفه علي وجه احسن، و لا يحرز ذلك باصالة الصحة في الايجاب، فاصالة الصحة

الجارية في الايجاب لا تفيد في الحكم بترتب النقل.

و لكنه يرد علي الوجه الاول: ان هذا الشرط كسائر الشرائط انما يكون شرط صحة التصرف، و عنوان التصرف الذي هو موضوع الاثر عنوان المعاملة من البيع و غيره، و من شرائط صحته و امضاء الشارع له كونه صلاحا لليتيم.

و بعبارة اخري: ان الموصوف بالصحة و الفساد نفس التصرف المعاملي، غاية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 317

نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير، لم يلزم الفسخ مع المشتري واخذ الثمن من الفاسق (1) لأن مال اليتيم الذي يجب اصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم انه الثمن أو المثمن. و اصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول فتدبر،

______________________________

الأمر ان هذا التصرف يمتاز عن سائر التصرفات بكونه مشروطا بشرط زائد، و هو كونه صلاحا لليتيم، و ما كان واجدا لهذا الشرط يصح، و ما كان فاسدا لا يصح، و مجرد جعله عنوانا و كيفية للتصرف لا يجعله من العناوين التي باختلافها يختلف الموضوع بنظر العرف و يكون من قبيل الأعمال الخارجية التي قصد بها البيع أو شي ء آخر، و عليه فمع احراز اصل التصرف و الشك في صحته و فساده تجري اصالة الصحة، و يحرز بها الصحة.

و يرد علي الوجه الثاني: إن الذي لا بد و ان يكون صلاحا لليتيم هو الايجاب و البيع، فانه متضمن لإعطاء ماله بعوض، و أما القبول فهو اخذ للمال الذي هو عوض عن ماله، و هذه حيثية راجعة الي المشتري لا إلي اليتيم، فلا يعتبر فيه احراز كون المعاملة صلاحا لليتيم، و لعل هذا هو السر فيما ادعاه بعض من ان اهل العرف يفهمون من جعل شخص وليا في البيع

جواز الشراء منه مع عدم الفحص عن كونه صلاحا ام لا.

مع انه يمكن ان يقال: ان الدليل انما دل علي اعتبار كون التصرف علي وجه احسن، و هو انما يكون بالبيع، و أما الشراء فهو مطاوعة و قبول للبيع لا انه بنفسه تصرف،

فلا يعتبر فيه هذا الشرط.

فالأظهر جريان اصالة الصحة في الايجاب و ترتب الأثر عليه مع ضم القبول إليه.

(1) الثالث: ما ذكره بقوله: نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري واخذ الثمن …

ما افاده قدس سره و ان كان متينا- اي تجري اصالة الصحة في فعل البائع و المشتري و يترتب عليها الأثر- الا ان الوجه الأول الذي ذكره في الفرع المتقدم يجري في هذا الفرع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 318

ثمّ انه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر انه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي (1) لا علي وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا عن كونه علي وجه النصب من الامام فمجرد وضع العدل يده علي مال يتيم لا يوجب منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه و لو نقله بعقد جائز، فوجد الآخر المصلحة في استرداده جاز الفسخ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله للصغير أو مطلق وليه من غير تخصيص بالعاقد لو اراد بيعه من شخص و عرضه، لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة و ان كان في يد الأول.

و بالجملة فالظاهر ان حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الاب و الجد،

من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر.

______________________________

و لازمه عدم جريانها، و لازم ذلك جريان استصحاب بقاء المثمن علي ملك الصغير،

و يحرز به كون

مال اليتيم الذي يجب اصلاحه و حفظه من التلف هو المثمن لا الثمن.

مزاحمة الولي

(1) قوله حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر انه علي وجه التكليف الوجوبي أو الندبي و المقصود من سوق هذا الكلام بيان حكم مزاحمة غير المتصدي للمتصدي،

و قد حكم المصنف قدس سره بجوازها، و استند في ذلك الي ان ما ثبت له انما يكون علي وجه التكليف لا علي وجه النصب من الامام عليه السلام و لكنه يرد عليه امران:

الأول: ان الظاهر كونه من قبيل النصب حيث قال عليه السلام: ان كان ولي يقوم بامرهم باع عليهم و نظر لهم … الخ «1» مع ان ثبوت نفوذ التصرفات المعاملية لغير المالك، مع عدم كونها بعنوان الوكالة يستلزم كونه وليا و مالكا للتصرف، و الا لما كانت جائزة، و لا معني لمجرد جعل التكليف في هذا المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب 15 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 319

و أما حكام الشرع، فهل هم كذلك (1) فلو عين فقيه من يصلي علي الميت الذي لا ولي له، أو من يلي امواله، أو وضع اليد علي مال يتيم، فهل يجوز للآخر مزاحمته ام لا؟ الذي ينبغي ان يقال: انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلي مثل التوقيع المتقدم جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم. لأن المخاطب بوجوب ارجاع الامور الي الحكام هو العوام. فالنهي عن المزاحمة يختص بهم. و أما الحكام فكل منهم حجة من الامام عليه السلام فلا يجب علي واحد منهم ارجاع الامر الحادث الي آخر، فيجوز له مباشرته، و ان كان الآخر دخل فيه و وضع يده عليه، فحال كل منهم حال كل من الاب و الجد، في ان النافذ تصرف

السابق و لا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك و بنائه علي ما يغاير تصرف الآخر.

كما يجوز لأحد الحاكمين تصدي المرافعة قبل حكم الآخر، و ان حضر المترافعان عنده و احضر الشهود و بني علي الحكم. و أما لو استندنا في ذلك علي عمومات النيابة و ان فعل الفقيه كفعل الامام و نظره كنظره الذي لا يجوز التعدي عنه، لا من حيث ثبوت الولاية له علي الأنفس و الأموال حتي يقال أنه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل علي النيابة في ذلك. بل من حيث وجوب ارجاع الامور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلي الفقيه، بكونه حجة منه عليه السلام علي الناس، فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في امر و وضع يده عليه، و بني فيه بحسب نظره علي تصرف و ان لم يفعل نفس ذلك التصرف لأن دخوله فيه،

كدخول الامام. فدخول الثاني فيه و بنائه علي تصرف آخر، مزاحمة له فهو كمزاحمة الامام عليه السلام فأدلة النيابة عن الامام عليه السلام لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الامام عليه السلام

______________________________

الثاني: انه علي فرض كون ذلك من قبيل النصب من الامام كما هو كذلك تجوز مزاحمته إذا كان النصب بعنوان يعم كليهما و لا يختص بخصوص المتصدي، فان التصدي لا يوجب تعين المتصدي و انحصار المنصوب به الا إذا دل دليل آخر علي ذلك، و هو مفقود

(1) و به يظهر ما فيما افاده في حكام الشرع فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 320

فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام و بين الاب و الجد. لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة، و بين كون كل واحد منهم نائبا، و ربما

يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء المتعددين في ان بناء واحد منهم علي امر مأذون فيه. لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بني عليه الأول، و يندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من احدهم كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير و ان بني عليه الأول و دخل فيه. اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد، بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الامر كدخوله، و فرضنا ايضا عدم دلالة دليل وكالتهم علي الاذن في مخالفة نفس الموكل و التعدي عما بني هو عليه مباشرة، أو استنابة، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و لا نقيصة، والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة، فتأمل.

هذا كله مضافا إلي لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلي الحكام، سيما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة، و كيف كان، فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل الزام قولي أو فعلي يجب الرجوع فيه الي الحاكم، فإذا قبض مال اليتيم من شخص، او عين شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره، لأن نظره كنظر الامام. و أما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم،

فيها إذا لم يعرض عنها بل بني علي الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم ثمّ انه هل يشترط في ولاية غير الاب و الجد ملاحظة الغبطة لليتيم ام لا،

ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين: و لكن ظاهر كثير من كلماتهم انه لا يصح الا مع المصلحة، بل في

مفتاح الكرامة: انه اجماعي و ان الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.

و عن شيخه في شرح القواعد: انه ظاهر الأصحاب، و قد عرفت تصريح الشيخ و الحلي بذلك حتي في الأب و الجد، و يدل عليه بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لأحد علي احد عموم قوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 321

و حيث ان توضيح معني الآية علي ما ينبغي لم اجده في كلام احد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (1).

______________________________

توضيح الآية الشريفة

المشهور بين الأصحاب: ان تصرف غير الأب و الجد في مال الصغير مشروط بوجود المصلحة، و عن مفتاح الكرامة: انه اجماعي، و الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.

و استدل له بقوله تعالي: و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن «1»

(1) و حيث يترتب علي توضيح الآية الشريفة فوائد مهمة فلا بد من ذلك.

و الكلام فيه يقع في جهات:

الأولي: ان حرمة القرب الي مال اليتيم الا بالتي هي احسن محدودة في الآية الشريفة بقوله تعالي حتي يبلغ اشده كما في سورتي الأنعام و الاسراء،

فحينئذ قد يقال: ان الغاية ان كانت قيدا للموضوع أو المتعلق- و ان كان لا يترتب محذور من جهة انه لا مفهوم للآية الشريفة- الا انه خلاف الظاهر، فان الظاهر كونها قيدا و غاية للحكم، و عليه فتدل الآية بمفهوم الغاية علي ان القرب المحرم انما هو إلي زمان البلوغ، و بعده لا يكون محرما، مع انه محرم قطعا.

و اجيب عنه بجوابين:

الأول: انها غاية للمستثني فقط، فمعناها: ان جواز التصرف علي وجه احسن محدود

بالبلوغ، و به ينقطع الجواز و يدور امر التصرف مدار اذن صاحب المال.

الثاني: انها غاية للمستثني منه، أو هو مع المستثني، الا ان المستثني منه حرمة التصرف مطلقا و لو مع رضا اليتيم، و هذا الحكم محدود بالبلوغ، فانه بعد البلوغ يجوز التصرف مع رضاه

______________________________

(1) الانعام آية 152- الاسراء آية 35.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 322

فنقول ان القرب في الآية يحتمل معاني اربعة (1)

الأول: مطلق التقليب و التحريك حتي من مكان الي آخر، فلا يشمل مثل ابقائه علي حال أو عند احد. (2)

الثاني: وضع اليد عليه بعد ان كان بعيدا عنه و مجتنبا. فالمعني تجتنبوا عنه و لا تقربوه الا إذا كان القرب احسن، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع (3)

الثالث: ما يعد تصرفا عرفاً، كالاقتراض، و البيع، و الاجارة، و ما اشبه ذلك،

فلا يدل علي تحريم ابقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه احسن منه الا بتنقيح المناط (4).

______________________________

و كلاهما خلاف الظاهر.

اما الأول: فلأن الظاهر كونه غاية للحكم الذي تضمنه الآية الشريفة.

و أما الثاني: فلأن المذكور انما هو الحكم المطلق لا إطلاق الحكم.

فالحق ان يقال: انه لا مفهوم لها من جهة كون القيد مسوقا لبيان تحقق الموضوع،

فان الموضوع هو اليتيم، و هو يتبدل بالبلوغ.

الجهة الثانية: في بيان المراد من القرب المنهي عنه.

الظاهر من القرب في نفسه هو ما يقابل البعد، و لكن الظاهر منه في الآية الشريفة التصرف في مال اليتيم، و حيث ان التصرف في مال اليتيم ربما يكون خارجيا مثل اكله و شربه و نحوهما، و ربما يكون اعتباريا كبيعه و شرائه و نحوهما.

فقد وقع الخلاف في المراد من الآية

(1) و محتملاته التي ذكرها المصنف قدس سره اربعة:

(2) الاول: ان يراد

مطلق التقليب و التحرك

(3) الثاني ارادة اقرب ما يكون الي مصداق القرب، اي اول تصرف فيه كمسه و وضع اليد عليه.

(4) الثالث ان يراد به التصرف الاعتباري كالبيع و الاجارة و ما شاكل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 323

الرابع: مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم اعم من الفعل و الترك (1)

و المعني: لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا الا ما كان أحسن من غيره، فيدل علي حرمة الابقاء في الفرض المذكور لأن ابقائه قرب له بما ليس احسن.

______________________________

(1) الرابع: ان يراد به ما يعم ذلك و الترك.

و بعبارة اخري: مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم اعم من الفعل و الترك،

و هناك احتمال خامس اظهر من الجميع،

و هو: ارادة ما يعم التصرفات الخارجية و الاعتبارية، إذ سائر الاحتمالات ما بين ما يستلزم التخصيص بلا وجه، و التعميم الذي لا يساعده عرف و لا لغة.

و مجرد كون المتعلق هو مال اليتيم و قرب المال بما هو مال عبارة عن التصرف الاعتباري المتعلق به، لا يصلح معينا للاحتمال الرابع الذي اختاره المصنف قدس سره.

و أما ما افاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان الظاهر ان القرب كناية عن اكل مال اليتيم و الاستقلال بالتصرف فيه لا التصرف لأجل اليتيم، فتكون الآية اجنبية عن المقام.

فبعيد جدا لا يلائم مع استثناء الا بالتي هي احسن.

الجهة الثالثة: في بيان المراد من النهي المتعلق بالقرب.

فان كان المراد بالقرب هو التصرف الاعتباري المتعلق بمال اليتيم كان النهي ظاهرا في الإرشاد الي الفساد،

و ان كان المراد هو التصرف الخارجي المتعلق به من وضع اليد عليه و امساكه و اكله و شربه كان ظاهرا في الحرمة المولوية.

و حيث عرفت ان المراد هو الجامع بينهما،

فان حملناه علي المولوية لما دلت الآية علي فساد المعاملة، لأن النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد، مع ان بناء الأصحاب رضي الله عنهم علي التمسك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 324

______________________________

بالآية الشريفة علي فساد المعاملة علي مال اليتيم ما لم يكن علي وجه احسن، و ان حملناه علي الإرشاد لزم تخصيص المتعلق بخصوص التصرفات الاعتبارية، و هو مما لا وجه له.

وحل هذه العويصة انما يكون باحد نحوين:

الأول: حمل النهي علي ما يعم المولوي و الإرشادي، و لا مانع من ذلك، فان الاختلاف بينهما انما يكون في الدواعي و الأغراض، و لا اختلاف بينهما ذاتا نظير الوجوب و الاستحباب، و لذا بنينا علي جواز الأمر الواحد بشيئين مع كون احدهما واجبا و الآخر مستحبا.

و بالجملة: قد حقق في محله انه لا مانع من حمل النهي عن العام علي ارادة المولوية في بعض افراده و الإرشادية في بعضها الآخر.

الثاني: حمل النهي علي خصوص المولوي، و النهي عن المعاملة نفسيا و ان لم يدل علي الفساد الا انه يوجب فسق من اتي بمتعلقه، و بصيرورته فاسقا يخرج عن الولاية لما تقدم من اعتبار العدالة في المتصدي لأمر اليتيم، و مع خروجه عنها لا يكون تصرفه نافذا كما هو واضح.

الجهة الرابعة: في بيان وجه تأنيث الموصول مع انه لو قدر ما هو من جنس المستثني لزم تذكيرها، فان القرب مذكر،

و الذي ينبغي ان يقال انه من جهة جعل المستثني مجرورا بحرف جر لا بد من جعل المستثني منه مقدرا و مجرورا بحرف جر، مثل: بحيثية أو كيفية، و عليه فيلائم تأنيث الموصول.

الجهة الخامسة: في بيان محتملات الأحسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 325

و أما لفظ الاحسن في الآية (1)

فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل، و يحتمل ان يراد به الحسن و علي الأول فيحتمل التصرف الأحسن من تركه، كما يظهر من بعض، و يحتمل أن يراد به ظاهره و هو الاحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات. و علي الثاني فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة و يحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه علي ما قيل من ان احد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثمّ ان الظاهر من احتمالات القرب هو الثالث و من احتمالات: الأحسن هو الاحتمال الثاني اعني التفضيل المطلق (2) و حينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم.

______________________________

(1) و قد ذكر المصنف ان محتملاته اربعة، فان المراد به اما: التفضيل، أو الحسن.

و علي الأول: فاما ان يراد التصرف الأحسن من الترك، أو الأحسن مطلقا من الترك و من التصرفات الاخر.

و علي الثاني: فاما ان يراد به ما فيه المصلحة، أو مالا مفسدة فيه و هناك احتمال خامس و هو: ارادة التفضيل منه، و ان يراد به من التصرفات الاخر.

و لازم الأول جواز البيع إذا كان احسن من تركه و ان كان الايجار احسن منه،

و لازم الثاني عدم جوازه ما لم يكن احسن من تركه و من التصرفات الاخر،

و لازم الثالث جواز كل تصرف فيه مصلحة و ان كان تركه اصلح أو سائر التصرفات كذلك،

و لازم الرابع جواز التصرف إذا لم يكن فيه مفسدة و ان كان في غيره من التصرفات مصلحة اكيدة،

و لازم الخامس جواز البيع إذا كان اصلح من الايجار و ان كان تركه اصلح.

(2) و قد استظهر المصنف قدس سره الاحتمال الثاني، و الوجه فيه: ان الظاهر

من الاحسن ارادة التفضيل، و ان حذف المتعلق و ترك ذكر المفضل عليه يفيد العموم.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: ان استعماله في غير التفضيل كثير، و يؤيد عدم ارادة التفضيل منه في الآية عدم ذكر كلمة من و عدم اضافته.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 326

ثمّ فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا فاراد الولي جعلها دينارا، فلا يجوز لأن هذا التصرف ليس اصلح من تركه و ان كان يجوز لنا من اول الأمر بيع المال بالدينار لفرض عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا. اما لو جعلنا الحسن بمعني ما لا مفسدة فيه فيجوز، و كذا لو جعلنا القرب بالمعني الرابع، لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم علي حاله، كما هو الاحتمال الرابع، فيجوز التصرف المذكور، إذ بعد كون الاحسن هو جعل مال اليتيم نقدا، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا، لأن القدر المشترك احسن من غيره، واحد الفردين فيه لا مزية لاحدهما علي الآخر فيخير، فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كل من ابقاء الدراهم علي حاله و جعلها دينارا قربا و القدر المشترك احسن من غيره، فأحد الفردين لا مزية فيه علي الآخر فهو مخير بينهما.

______________________________

و فيه: ان استعماله في غير التفضيل كثيرا مع القرينة لا ينافي ظهوره فيه إذا ذكر بلا قرينة، و عدم ذكر كلمة من أو الاضافة انما يوجب ظهوره في العموم، و لا ينافي ذلك.

الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره، و هو: انه ان اريد منه الأحسن من جميع ما عداه لزم عدم الأقدام علي شي ء من التصرفات عند مساواتها أو مساواة عدة منها

في مقدار المصلحة، فان كل واحد من تلك الأفراد المساوية ليس احسن من جميع ما عداه،

و ان اريد منه الأحسن في الجملة و لو من بعض ما عداه لزم جواز تصرف يكون هو احسن من ما دونه و ان كان هناك تصرف آخر احسن منه.

و فيه: ان المراد به هو الأحسن مطلقا، الا انه في الفرض نقول بان الجامع بين الأفراد المتساوية في مقدار من المصلحة يكون احسن من غيره، فيجوز، و لازمه التخيير بين الأفراد.

الثالث: انه لو فرضنا ان الترك و سائر التصرفات لا حسن فيها اصلا، و هذا الفعل كالبيع فيه مصلحة اكيدة، لزم عدم جوازه، فانه لا يصدق الأحسن لعدم المبدأ في غيره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 327

و الحاصل أنه كل ما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء، لكون القدر المشترك بينهما أحسن و عدم مزية لأحد الفردين تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول من احدهما بعد فعله الي الآخر، إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة الي حال اليتيم، و ان كان فيه نفع يعود الي المتصرف، لكن الانصاف ان المعني الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة الي المعني الثالث. و ان كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام ان لا

يختاروا في امر مال اليتيم، الا ما كان احسن من غيره (1)

______________________________

لتكون الزيادة صادقة في البيع، مع انه جائز قطعا.

و فيه، اولا: انه لا محذور في الالتزام بعدم شمول المستثني له، و انما يلتزم بالجواز بالاولوية، إذ لو جاز البيع مع وجود المصلحة في غيره فجوازه مع عدمها يكون اولي.

و ثانيا: انه يحمل الأحسن علي التفضيل المجازي، اي ما يترجح علي غيره في نظر

العقلاء سواء كان لأجل ان مصلحته آكد من مصلحة غيره، أو من جهة ان فيه المصلحة و في غيره المفسدة.

و قد ظهر مما ذكرناه امران:

(1) الاول: تمامية ما افاده المصنف قدس سره من ارادة الاحسن مطلقا.

الثاني: عدم تمامية ما افاده من انه لو فرضنا بيع المال اليتيم بعشرة دراهم و فرضنا انه لا يتفاوت الحال في ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا لا يجوز ذلك، فان هذا التصرف ليس اصلح من تركه.

وجه عدم تماميته: ان الجامع بينه و بين الابقاء يكون اصلح من غيره، فيجوز و يتخير بين الفردين. فالأظهر جواز التبديل.

هذا بحسب ما يستفاد من الآية، فقد عرفت انه يستفاد منها اعتبار المصلحة،

و أما بحسب الروايات، فقد ذكر المصنف قدس سره روايتين و ادعي دلالتهما علي كفاية عدم المفسدة و عدم اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 328

نعم ربما يظهر من بعض الروايات، ان مناط حرمة التصرف هو الضرر لا ان مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد الله عليه السلام: انا لندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معهم خادم لهم، فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم،

و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا، و فيه من طعامهم، فما تري في ذلك،

قال: ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، و ان كان فيه ضرر فلا، بناء علي ان المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل الي الأيتام ما يوازي ذلك (1)

فلا تنافي علي ذلك بين الصدر و الذيل علي ما زعمه بعض المعاصرين من ان

الصدر دال علي اناطة الحرمة بالضرر، فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع و لا مضر. و هذا منه مبني علي ان المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بازاء مال اليتيم إليه، بمعني ان يكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بازائه، و هكذا و انت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتي يحصل التنافي.

______________________________

احداهما حسنة «1» الكاهلي عن الامام الصادق عليه السلام المذكورة في المتن

(1) تقريب الاستدلال بها: ان المراد بالمنفعة ما يوازي عوض ما يتصرفون فيه من مال اليتيم عند دخولهم من جهة ان ما لوحظت المنفعة بالإضافة إليه هو الدخول في بيت الأيتام و القعود علي بساطهم، فما يتعقبه من العوض زيادة بالإضافة الي ذلك فتصدق عليها المنفعة، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل الي الأيتام ما يوازي ذلك فلا تنافي بين صدر الخبر و الذيل، و يكون المستفاد منه الجواز مع عدم المفسدة، و ان لم تكن مصلحة.

و فيه: ان المراد بالنفع ان كان مطلق الزيادة- بالإضافة الي ما ذكر و ان كانت

______________________________

(1) الوسائل- باب 71- من ابواب ما يكتسب به حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 329

و في رواية ابن المغيرة قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة، فربما اهدي لها الشي ء فاكل منه، اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي، فأقول: يا رب هذا بهذا، قال: لا بأس فإن ترك الاستفصال من مساواة العوض و زيادته يدل علي عدم اعتبار الزيادة (1) الا ان يحمل علي الغالب من كون التصرف في الطعام المهدي إليها و اعطاء العوض بعد ذلك اصلح إذ

الظاهر ان الطعام المهدي إليها هو المطبوخ و شبهه.

______________________________

اقل مما يوازيه- لزم جواز الدخول مع اعطاء اقل مما يوازيه، و هذا لا يجوز قطعا،

و ان كان المراد بالاضافة الي مالية اموالهم خرجت صورة مساواة النفع و الضرر عن منطوق الخبر، و تعارضت فيها الشرطيتان كما عن بعض معاصري المصنف قدس سره.

و الحق ان يقال: ان في مورد الخبر خصوصية ليس فيها حد الوسط بين النفع و الضرر، فانه بالتصرف في الدار و البساط و الخادم و الطعام المخلوط بطعام صاحبه لا يلزم خسارة مالية علي الأيتام، فكل ما اعطي بازاء ذلك ان كان يوازي ذلك يعد نفعا لهم،

و ان اعطي اقل من ذلك كان ضررا- فتدبر- و لو اغمض عن ذلك و سلم التعارض بين مفهوم الشرطيتين يحكم بالتساقط

و الرجوع الي الآية الشريفة الدالة علي عدم الجواز إذا لم يكن في التصرف مصلحة و نفع عائد الي الأيتام.

ثانيتهما: رواية «1» علي بن المغيرة: المذكورة في المتن

(1) تقريب الاستدلال بها: ان المراد بالمنفعة ما يوازي عوض ما يتصرفون فيه من اعتبار الزيادة، و لا ريب في ان منصرف الرواية صورة عدم النقص فلا يرد عليه الايراد: بان مقتضي ترك الاستفصال جواز اعطاء الأنقص.

و لكن ترد عليه امور:

الأول: ان من يأكل من طعام الغير و يريد اعطاء عوضه و بنائه علي عدم اعطاء الأقل لا محالة يعطي مقدارا ازيد، و فرض التساوي نادر جدا ملحق بالمعدوم.

الثاني: ان الظاهر كون اليتيمة تحت اختياره و امرها بيده، و حينئذ يكون عدم

______________________________

(1) الوسائل باب 71 من ابواب ما يكتب به حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 330

و هل يجب مراعاة الاصلح ام لا؟ وجهان: قال الشهيد قدس سره في القواعد:

هل يجب علي الولي مراعاة المصلحة في مال للمولي عليه أو يكفي نفي المفسدة يحتمل الأول، لانه منصوب لها (1) و لأصالة بقاء الملك علي حاله (2) و لأن النقل و الانتقال لا بد لهما من غاية، و العدميات لا تكاد تقع غاية (3)

______________________________

التصرف في طعامها ابقاء لما لها و تصرفا وجوديا، فالجامع بينه و بين التصرف بازاء ما يبذل ما يساويه ذو مصلحة، فيكون جائزا، و يتخير بين الفردين.

الثالث: ان الظاهر كون الطعام مطبوخا، فلا محالة اكل مقدار منه و اعطاء عوضه المساوي معه في القيمة يكون اصلح بحال اليتيمة.

فتحصل: ان الأظهر اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، من غير فرق بين التصرفات الخارجية و المعاملية.

و الشهيد قده استدل لاعتبار المصلحة بوجوه اخر:

(1) الاول: انه منصوب لها.

و فيه: ان هذا اول الكلام، و لعله منصوب وليا لحفظ ماله، فيتخير بين تبديل ماله بما يماثله، و ابقائه علي حاله.

(2) الثاني: اصالة بقاء الملك علي حاله.

و فيه: انه لا يرجع إليها مع عموم دليل الولاية.

(3) الثالث: ان العدميات لا تكاد تقع غاية.

و فيه: ان العدميات و ان لم تقع غاية، بل الغاية لا بد و ان تكون امرا وجوديا، الا ان اعتبار كونها امرا وجوديا راجعا الي المولي عليه مما لم يدل عليه دليل، مع الاغماض عما ذكرناه، فلو فرضنا انه لا مفسدة في بيع مال اليتيم، و كانت هناك مصلحة راجعة الي نفس المتصدي للبيع جاز بمقتضي عموم ادلة الولاية، لو لا الآية الشريفة.

و بالجملة: الكلام في المقام انما هو في ان البيع الذي لا مفسدة فيه إذا كان بداع عقلائي هل يكون نافذا ام لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 331

و علي هذا هل

يتحري الاصلح ام يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان (1) نعم لمثل ما قلنا لا لأن ذلك لا يتناهي، و علي كل تقدير لو ظهر في الحال الاصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الاصلح، و يترتب علي ذلك اخذ الولي بالشفعة للمولي عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة، و تزويج المجنون حيث لا مفسدة و غير ذلك، انتهي.

الظاهر ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا غير لازم، لعدم الدليل عليه فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده و كان الاتجار به اصلح منه لم «لا» يجب الا إذا قلنا بالمعني الرابع من معاني القرب في الآية بأن يراد لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الأفعال أو التروك الا ان يكون احسن من غيره.

و قد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعني، بل الظاهر التصرفات الوجودية فهي المنهي عن جميعها لا ما كان احسن من غيره و من الترك فلا يشمل ما إذا كان فعل احسن من الترك، نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة. و أما إذا كان في الترك مفسدة.

______________________________

(1) و هل يتحري الاصلح ام يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان.

ظاهر الآية الشريفة اعتبار تحري الأصلح، غاية الأمر بالنسبة الي التصرفات المتعارفة، و أما لو خرج الأصلح عن ذلك و اوجب تحريه الأصلح الحرج، أو كان خلاف المتعارف، فلا يجب.

و بهذا يندفع ما ذكره الشهيد قدس سره في وجه عدم لزوم تحري الأصلح من ان ذلك لا يتناهي.

بقي في المقام شي ء لم ار من تعرض له، و هو: ان نظر الولي في الحسن هل له موضوعية ام هو طريق الي الحسن الواقعي و ثمرة ذلك انه لو باع الولي و كان

في ذلك مصلحة بنظره ثمّ تبين عدم المصلحة فعلي الأول يصح البيع و علي الثاني لا يصح.

و الأظهر هو الأول، و ذلك لوجوه:

الأول: السيرة القطعية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 332

و دار الامر بين افعال بعضها أصلح من بعض فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا كما إذا اشتري في موضع بعشرة. و في موضع آخر قريب منه بعشرين فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال و لو ارتكبه عاقل عد سفيها ليس فيه ملكة إصلاح المال، و هذا هو الذي أراده الشهيد بقوله: و لو ظهر في الحال انتهي.

نعم قد لا يعد العدول من السفاهة كما لو كان بيعه مصلحة و كان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ان ينقله إليه و العلم بعدم الخسارة، فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة لكن ظاهر الآية وجوبه.

______________________________

الثاني: لزوم اختلال النظام من عدم الصحة في الفرض، مثلا لو باع مال اليتيم و بعد ثلاث سنين ظهر عدم المصلحة، و من الواضح ان الحكم بالفساد في هذا المورد و شبهه يستلزم الحرج و اختلال النظام.

الثالث: ان دلالة الآية الشريفة- التي هي المقيدة لإطلاق ادلة الولاية علي ان التصرف غير الأحسن إذا كان معامليا باطل- انما تكون من جهة دلالة النهي علي الحرمة،

و ان ارتكابه حينئذ موجب للفسق و مخرج له عن الولاية، و من الواضح انه إذا كان البيع بنظر الولي صلاحا لا يكون هو موجبا للفسق، و ان لم يكن في الواقع كذلك.

نقل العبد المسلم الي الكافر

قوله مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما بما ان هذا البحث لا موضوع له في هذا الزمان فالصفح

عن التعرض له اولي.

نقل المصحف الي الكافر

قوله المشهور عدم جواز نقل المصحف الي الكافر و قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الثاني من هذا الشرح في الخاتمة فلا وجه للاعادة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 333

القول في شرائط العوضين: (1)

[مسألة من شروط العوضين المالية]
اشارة

يشترط في كل منهما كونه متمولا، (2) لأن البيع لغة مبادلة مال بمال، و قد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع لأن الأول: ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها و نفي الفائدة عنها.

و الثاني: ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير، ثمّ قسموا عدم الانتفاع الي ما يستند الي خسة الشي ء، كالحشرات، و إلي ما يستند الي قلته كحبة حنطة، و ذكروا انه ليس مالا و ان كان يصدق عليه الملك. و لذا يحرم غصبه اجماعا. و عن التذكرة: انه لو تلف لم يضمن اصلا، و اعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل.

______________________________

بيان حقيقة المال و الملك

(1) المقصد الرابع: في شرائط العوضين.

و قد ذكرنا بعضها في الباب الأول، و كيف كان فيشترط في كل منهما امور اخر.

(2) الاول و الثاني: كونه مالا، و ملكا.

و تنقيح القول في المقام بالبحث في مقامين:

الأول: في بيان حقيقة المال، و الملك.

الثاني: في وجه اعتبارهما.

اما الأول: فالمال يكون علي نحوين:

احدهما: ما كانت ماليته ذاتية، و هو كل ما فيه منفعة عائدة الي الانسان، و يحتاج إليه بحسب فطرته من المأكول و المشروب و الملبوس و ما شاكل الموجبة لحدوث رغبة الناس فيه و ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة، و يبذلون بازائه شيئا مما يرغبون فيه من النقود و غيرها من جهة توقف الوصول إليه الي اعمال عمل، ففي الحقيقة يعتبر في صدق المال علي شي ء امران:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 334

______________________________

احدهما: كونه موضوعا لغرض، سواء كان ذلك دفع الضرورات الأولية كالأقوات،

أو العرضية كالأدوية، أو لتحصيل اللذة كالفواكه و بعض الأشربة.

ثانيهما: توقف الوصول إليه الي اعمال عمل، و لأجل ذلك

تختلف مالية الأموال من جهة اختلاف مقدار الحاجة و العمل الذي يحتاج إليه في الوصول الي ذلك الشي ء.

مثلا الغرض المترتب علي الماء ازيد بمراتب من ما يترتب علي بعض الأدوية النادرة الوجود، و لكن المال علي الشاطئ لا مالية له، و ذلك الدواء له مالية معتد بها. و السر في ذلك: فقد الأمر الثاني في الأول، و لذا كلما ازداد بعدا عن الشط ازدادت ماليته.

ثانيهما: ما كانت ماليته اعتبارية و جعلية كالنقود، و هو علي قسمين:

الأول: ما كان الاعتبار فيه عاما يشترك فيه جميع افراد البشر بدافع من الشعور بالحاجة الاجتماعية، و هي توقف حفظ نظام النوع علي التبادل بين الأموال و عدم امكان التبادل بين الأموال التي ماليتها ذاتية كالأحجار الكريمة من الذهب و الفضة و غيرهما.

و بالجملة: القسم الأول ما بني العقلاء علي اعتبار المالية له.

الثاني: ما كان الاعتبار فيه خاصا، و هو ايضا علي قسمين،

إذ قد يكون شي ء خاص تعتبر له المالية من جانب دولة ما بالنظر الي ما بنت عليه تلك الدولة من ترتيب اثر خاص عليه كطوابع البريد، فان كل طابع له مالية في مملكة خاصة دون الممالك الاخر، و ماليته انما تكون بلحاظ ما بنت عليه تلك الدولة من ترتيب اثر خاص عليه و هو ايصال المكتوب الي اي محل شاء المرسل مقابل الصاق الطابع المعين به،

و قد يكون الاعتبار فيه ليقوم مقام القسم الأول كالدينار العراقي و الأسكناس، و هذا القسم الأخير لا يعتبرونه العقلاء مالا بمجرد اعتبار المعتبر أيا من كان، بل لا بد و ان يكون له غطاء، و يعبر عنه بغطاء العملة، و التغطية علي وجوه،

ثمّ ان حرمة المنافع كعدمها مسقطة للمال عن المالية.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 4، ص: 335

______________________________

و أما الملكية فلها اربع مراتب:

الأولي: الملكية الحقيقية، و هي عبارة عن السلطنة بنحو يكون زمام امر المملوك بيد المالك حدوثا و بقاء، و هي مخصوصة بالله تعالي.

الثانية: الملكية الذاتية، و المراد بالذاتي ما لا يحتاج تحققه الي امر خارجي، لا الذاتي في باب البرهان و لا الذاتي في باب الكليات الخمس،

و هي عبارة عن الاضافة الحاصلة بين الشخص و نفسه و عمله و ذمته، إذ الانسان مالك لعمله و لنفسه و لذمته بالملكية الذاتية،

و الشاهد به الضرورة و الوجدان و السيرة العقلائية، و هذه المرتبة دون مرتبة الواجدية الحقيقية المختصة بالله تعالي.

الثالثة: الملكية المقولية، و هي عبارة عن الهيئة الحاصلة من احاطة جسم بجسم آخر، كالهيئة الحاصلة من التعمم و التقمص و ما شاكل.

الرابعة: الملكية الاعتبارية، و هي التي يعتبرها العقلاء أو الشارع لشخص خاص من جهة المصلحة الداعية الي ذلك.

و هذه المرتبة من الملكية قد تكون اولية، و قد تكون اضافة ثانوية.

و الأولية قد تكون اصلية كالإضافة الحاصلة بالعمل أو بالحيازة أو بهما معا، و قد تكون تبعية و هي ما تكون بين المالك و نتاج امواله،

و الإضافة الثانوية و المراد بها ما قابل الأولية، و ان طرأت علي الأموال مرارا عديدة، و هي قد تكون قهرية كالإضافة الحاصلة بسبب الأرث، و قد تكون اختيارية كالإضافة الحاصلة من المعاملات.

و لتفصيل الكلام محل آخر.

و محل الكلام في المقام هو اعتبار الملكية الذاتية، أو الاعتبارية.

و أما النسبة بين المال و الملك فهي العموم من وجه، إذ الحبة من الحنطة ملك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 336

و الأولي ان يقال ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا، فلا اشكال و لا خلاف في عدم

جواز وقوعه احد العوضين إذ لا بيع الا في ملك (1) و ما لم يتحقق فيه ذلك فان كان اكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا (2) فالظاهر فساد المقابلة و ما لم يتحقق فيه ذلك، فان ثبت دليل من نص أو إجماع علي عدم جواز بيعه فهو

______________________________

و ليست بمال، و المباحات الأصلية قبل حيازتها اموال و ليست بملك لأحد، و قد يجتمعان و هو كثير.

بيان الدليل علي اعتبار المالية و الملكية في العوضين

و أما المقام الثاني: فالكلام فيه في موردين:

الأول: في الدليل علي اعتبار المالية.

الثاني: في الدليل علي اعتبار الملكية.

(1) اما المورد الأول: فقد افاد المصنف قدس سره ان ما تحقق فيه عدم المالية عرفا يشهد لعدم جواز وقوعه احد العوضين ما دل علي انه لا بيع الا في ملك «1». و ما لم يتحقق فيه ذلك فان كان اكل المال في مقابله اكلا للمال بالباطل فلا يجوز، و ما لم يتحقق فيه ذلك فان دل دليل خاص علي عدم جواز بيعه فهو و الا فمقتضي العمومات جواز جعله احد العوضين.

في كلامه قده مواقع للنظر:

الأول: في استدلاله علي فساد البيع فيما تحقق فيه عدم المالية بما دل علي انه لا بيع الا في ملك، إذ عرفت ان النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، فعدم المالية ليس مستلزما لعدم الملكية كي يستدل بما تضمن اعتبار الملك علي اعتبار المال.

(2) الثاني: استدلاله للفساد فيما إذا لم يتحقق المالية و لا عدمها بما دل علي عدم جواز اكل المال بالباطل فان صدق اكل المال الباطل ان كان لاجل عدم المالية فهو طريق إليه لا شي ء في مقابله، مع ان المفروض الشك في صدق المالية، فلا محالة يشك في صدق اكل المال بالباطل.

______________________________

(1)

راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 الوسائل باب 7 من أبواب احكام العقود.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 337

و إلا فلا يخفي وجوب الرجوع الي عمومات صحة البيع و التجارة (1) و خصوص قوله عليه السلام في المروي عن تحف العقول: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فكل ذلك حلال بيعه الي آخر الرواية. و قد تقدمت في اول الكتاب.

______________________________

و ان كان لا لأجل ذلك فلا وجه لعده من شئون ما لم يعلم انه مال.

(1) الثالث: في استدلاله بالعمومات، بعد فرض عدم تحقق انه ليس بمال، و عدم احراز صدق اكل المال بالباطل، و عدم دليل خاص علي عدم جواز البيع، علي الصحة فانه إذا توقف صدق البيع الذي هو عنده مبادلة مال بمال علي احراز كون العوضين من الاموال، فمع الشك في ذلك يشك في صدق الموضوع، و معه لا يبقي مورد للتمسك بالعموم فالحق ان يقال: ان اعتبار المالية في العوضين انما يكون من جهة عدم صدق عناوين المعاملات بدونها، حيث ان البيع مثلا عبارة عن الاعطاء لا مجانا، فإذا كان العوض مما لا مالية له فاعطاء المعوض اعطاء مجانا و هكذا عنوان التجارة و العقد، و هذا هو الميزان.

ثمّ انها هنا فروعا:

منها: انه إذا كان للشي ء منفعة نادرة هل يجوز بيعه ام لا؟ و منها: انه إذا كان للشي ء منفعة محللة نادرة و منفعته الظاهرة محرمة هل يجوز بيعه ام لا؟ و قد تقدم الكلام في هذه الفروع في الجزء الاول من الشرح و أما المورد الثاني: فقد استدل لاعتبار الملكية بوجوه:

الأول: النصوص الدالة علي عدم جواز بيع ما ليس عنده «1» و قد مر في مبحث

بيع الفضولي ان تلك النصوص معارضة بما تضمن الجواز «2»

______________________________

(1) الوسائل باب 7 من ابواب احكام العقود.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 338

ثمّ انهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس كالماء،

و الكلاء، و السموك، و الوحوش، قبل اصطيادها، بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل (1)

______________________________

و بلحاظ التعارض تحمل علي ارادة بيع ما لا يكون له السلطنة عليه،

مضافا الي امكان حملها علي ارادة بيع ما لا يقدر علي تسليمه. فراجع.

الثاني: النصوص الواضحة الدلالة ذكر هذا الوجه في الجواهر.

و فيه: انه ان اريد بها نصوص بيع ما ليس عنده فيرد عليه ما تقدم، و ان اريد بها غيرها فعليه التوضيح و البيان.

الثالث: ان بذل المال بازاء ما لا يكون مملوكا سفهي، و اكل للمال بالباطل.

و فيه: انه إذا فرضنا تسلطه علي التصرف فيه مع عدم كونه مملوكا- كالكلي في الذمة- لا يكون البيع سفهيا و لا أكلا للمال بالباطل.

الرابع: الإجماع.

و فيه: انه لعدم كونه تعبديا لا يعتمد عليه.

و قد يقال: بعدم اعتبار الملكية نظرا الي انه يجوز بيع الكلي في الذمة، مع انه ليس مملوكا للبائع.

و فيه: ما مر من انه مملوك بالملكية الذاتية.

و الحق ان يقال: انه لا يجوز بيع المباحات و لا مال الغير لعدم سلطانه علي المبيع و عدم كون البائع مالكا لأمرهما.

اما في الثاني: فواضح

(1) و أما في المباحات: فلأن المباحات الأصلية متساوية النسبة الي البائع و المشتري، و ليست هي كالكلي ليتعهد به في ذمته، و لا كالعين الشخصية المضافة إليه بالإضافة الملكية لتكون له السلطنة عليه، فعدم جواز البيع فيها انما هو لأجل عدم تسلطه علي المبيع و عدم كونه مالكا لأمره، لا لعدم ملكية

الرقبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 339

و احترزوا به ايضا عن الأرض المفتوحة عنوة، و وجه الاحتراز انها غير مملوكة لملاكها (1) علي نحو سائر الأملاك، بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض و إن قل. و لذا لا يورث بل و لا من قبيل الوقف الخاص علي معينين لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا، و لا كالوقف علي غير معينين كالعلماء و المؤمنين، و لا من قبيل تملك الفقراء للزكاة، و السادة للخمس، بمعني كونهم مصارف له لعدم تملكهم لمنافعها بالقبض، لأن مصرفه منحصر في مصالح المسلمين. فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم، فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل عليه الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملاك، ثمّ ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعي عليه الاجماع و دل عليه النص كمرسلة حماد الطويلة و غيرها و حيث جري في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين فلا بأس بالاشارة اجمالا الي جميع

اقسام الارضين و احكامها.
اشارة

______________________________

(1) الكلام في الأرض المفتوحة عنوة هل هي ملك للمسلمين، ام ليست كذلك سيأتي عند تعرض المصنف له و لكن بناء علي كونها ملكا لهم لا يكفي مجرد التقييد بالملك في خروجها، بل لا بد من اضافة خصوصية الي الملكية كي يصح الاحتراز بواسطة تلك الخصوصية.

ثمّ علي القول بانها ملك يقع الكلام في تطبيق ملكيتها علي سائر انحاء الملكية لا إشكال في انها ليست ملكا طلقا لجميع المسلمين، و الا لزم الانتقال بالإرث،

مع ان القوم غير ملتزمين بذلك، و لزم عدم تسلط غير الملاك علي التصرف فيها كما هو مقتضي الناس مسلطون علي اموالهم، «1» مع ان امرها بيد ولي الأمر و لا لنوع المسلمين، فانه و ان

لم يرد عليه المحذوران المتقدمان- إذ لا تعين للميت حتي يرثه وارثه و لا تعين للمالك فلا محالة تكون الولاية لولي الأمر القابض علي هذه الأرض. الا انه يرد عليه: ان لازمه جواز اعطاء ولي الأمر عين هذه الأرض لأحد من المسلمين من دون مصلحة، و لا وقفا لهم، و الا لزم عدم جواز بيعها الا في موارد مخصوصة منصوصة لا لما يراه ولي الأمر من المصلحة،

بل هي ملك لنوع المسلمين، و جعل امرها عينا و منفعة الي ولي الأمر مع رعاية مصلحة النوع.

______________________________

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم- ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 340

فنقول و من الله الاستعانة:

الأرض اما موات، و أما عامرة، و كل منهما اما ان تكون كذلك اصلية، أو عرض لها ذلك،

فالأقسام اربعة لا خامس لها.
الأول: ما يكون مواتا بالأصالة

بأن لم تكن مسبوقة بعمارة، و لا إشكال و لا خلاف منا في كونها للإمام عليه السلام، (1) و الاجماع عليه محكي عن الخلاف، و الغنية، و جامع المقاصد،. المسالك، و ظاهر جماعة اخري، و النصوص بذلك مستفيضة، بل قيل انها متواترة (2).

______________________________

اقسام الارضين و احكامها

(1) قوله و لا إشكال و لا خلاف منا في كونها للامام عليه السلام تنقيح القول في المقام بالبحث في جهات الاولي: في انها للامام عليه السلام ام لا الثانية: في انها تملك بالاحياء ام لا الثالثة: في اعتبار اذنه عليه السلام في التملك بالاحياء الرابعة: في ان التملك بالاحياء هل يختص بالشيعة أو يشمل كل مسلم ام يعم الكافر الخامسة: في ان الارض هل يملكها المحيي مجانا أو يجب اداء خراجها الي الامام و قيل بيان هذه الجهات لا بد و ان يعلم ان الموات هي

الارض المعطلة التي لا ينتفع بها لذلك اما لانقطاع الماء عنها أو لغير ذلك.

اما الجهة الاولي فلا اشكال نصا و فتوي في انها للامام عليه السلام

(2) و لكن ما ذكره المصنف قدس سره من ان النصوص بذلك مستفيضة بل قيل انها متواترة- غير تام- فان بعض تلك النصوص يتضمن كون الارض الخربة للامام عليه السلام او من الانفال الثابت كونها له عليه السلام كمصحح «1» حفص و موثق «2» سماعة و غيرهما و بعضها يتضمن ان الارض الخربة التي باد اهلها له أو منها كخبر ابي بصير «3»

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال من كتاب الخمس حديث 1.

(2) نفس المصدر ح 8

(3) نفس المصدر حديث 28.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 341

و هي من الانفال. نعم ابيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض (1) و عليه يحمل ما في النبوي موتان الأرض لله و رسوله صلي الله عليه و آله، ثمّ هي لكم مني أيها المسلمون، و نحوه الآخر عادي الأرض لله و لرسوله ثمّ هي لكم مني و ربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلي الامام عليه السلام كما في صحيحة الكابلي قال وجدنا في كتاب علي) ان الأرض لله يورثها من يشاء و العاقبة للمتقين (قال: انا و اهل بيتي الذين اورثنا الله الارض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا، فمن احيي من الأرض من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي، و له ما اكل منها الخبر.

______________________________

و بعضها يتضمن ان الارض التي لا رب لها أو الارض الميتة التي لا رب لها له كمرسل «1» حماد و غيره و بعضها يدل علي ان الارض كلها له كصحيح

«2» الكابلي المذكور في المتين و بعضها يتضمن ان موتان الارض للرسول صلي الله عليه و آله كالنبويين «3» المذكورين في المتين اما نصوص الارض التي لا رب لها فمطلقها و مقيدها مسوقة لبيان ان مالا مالك له له عليه السلام لا لخصوصية في الموات من الارض- و أما ما دل علي ان الارض كلها للامام عليه السلام فلا بد من حمله علي ارادة الملكية غير الاعتبارية كما لا يخفي و أما النبويان فغير مرويين من طريقنا.

(1) و أما الجهة الثانية فلا خلاف في انها تملك بالاحياء و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل حكي اجماع المسلمين عليه و يشهد له جملة من النصوص

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال من كتاب الخمس حديث 4.

(2) نفس المصدر ح 2.

(3) المبسوط كتاب احياء الموات- التذكرة ج 2 ص 400

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 342

و مصححة عمر بن يزيد انه سال رجل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها اهلها فعمرها و اجري انهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا،

فقال أبو عبد الله عليه السلام كان امير المؤمنين عليه السلام يقول: من احيي ارضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه به إلي الامام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان يؤخذ منه الخبر.

و يمكن حملها علي بيان الاستحقاق و وجوب ايصال الطسق إذا طلبه الامام عليه السلام

______________________________

كقول الامام الصادق في الحسن كالصحيح قال رسول الله صلي الله عليه و آله من احيي ارضا مواتا فهي له «1»

و قوله عليه السلام في خبر السكوني قال رسول الله صلي الله عليه و آله

من غرس شجرا أو حفر واديا- الي ان قال أو أحيي ارضا ميتة فهي له قضاء من الله و رسوله «2»

و قول سيدنا ابي جعفر عليه السلام في الصحيح قال رسول الله صلي الله عليه و آله من أحيا ارضا مواتا فهي له «3» و نحوها غيرها.

و أما الجهة الثالثة فعن جماعة منهم الشيخ في الخلاف و المحقق الثاني في جامع المقاصد و غير هما في غير هما دعوي الاجماع علي اعتبار الاذن،

و هناك وجهان آخران بل قولان احدهما عدم اعتباره الثاني التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة فيعتبر الاذن في الاول دون الثاني.

مقتضي قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه- اعتباره.

و قد استدل لعدم الاعتبار بانه يكفي في الجواز اذن مالك الملوك في ذلك و ان لم يأذن مالكها كما في التملك بالالتقاط و حق المارة و فيه ان استكشاف اذن مالك الملوك ان كان من النصوص المتضمنة لسببية الاحياء للملك، فيرد عليه، ان تلك النصوص كأدلة ساير الاسباب، فكما انها لا تعارض ما دل علي اناطتها باذن المالك كذلك هذه و ان كان من غيرها فعليه البيان.

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من احياء الموات حديث 5.

(2) الوسائل باب 2 من ابواب احياء حديث 1.

(3) الوسائل باب 1 من ابواب الانفال حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 343

لكن الأئمة عليهم السلام بعد امير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم و اسقطوا ذلك عنهم (1) كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك: كلما كان في ايدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون يحل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في ايديهم، و يترك الأرض في ايديهم. و

أما ما كان في ايدي سواهم. فان كسبهم في الأرض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا، و يأخذ الأرض من ايديهم و يخرجهم عنها صغرة. الخبر

______________________________

و استدل للقول الثالث بامتناع الاستيذان منه عليه السلام في زمان الغيبة و لم يدل دليل علي نيابة الفقيه عنه في هذه الامور مع مشروعية الاحياء مطلقا و فيه انه يتوقف علي عدم ثبوت صدور الاذن منهم عليهم السلام و سيأتي الكلام فيه،

فالاظهر اعتبار اذنه.

و القائلون باعتبار الاذن- يدعون صدوره منه عليه السلام و استندوا في ذلك الي وجوه الاول النبويان المذكور ان في المتن و المتقدم اليهما الاشارة، حيث ان في احدهما- ثمّ هي لكم مني، و في الآخر ثمّ هي لكم مني ايها المسلمون، و مقتضاهما و ان كان هو التمليك و لو مع عدم الاحياء الا انه جمعا بينهما و بين ما دل علي سببية الاحياء نلتزم بملكية المحيي خاصة و فيه ما تقدم من انهما غير مرويين عن طرقنا الثاني نفس قولهم عليهم السلام، من احيي ارضا مواتا فهي له: فانه و ان تضمن الاذن التشريعي في الاحياء الا ان صدور ذلك من المالك يقتضي كونه اذنا مالكيا نظير من قال من دخل داري فله كذا فانه متضمن للاذن المالكي كتضمنه لسببية الدخول للجزاء و كذلك في المقام و فيه ان الاذن المالكي لا بد و ان يصدر من المالك فهذه النصوص المتضمنة لهذه الجملة تفيد بالنسبة الي ازمنة الائمة الذين قبل امام زماننا عليه السلام و حيث ان هذه الجملة لم تصدر منه عليه السلام و هو المالك فلا يفيد ذلك كما لا يخفي

(1) الثالث اخبار «1» التحليل سميا مثل خبر «2» مسمع بن عبد الملك

المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الانفال.

(2) نفس المصدر 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 344

نعم ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات احد بغير اذن الامام عليه طسقها، و يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة علي حال الحضور، و إلا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الامام في الأراضي في حال الغيبة، بل الاخبار متفقة علي انها لمن احياها، و سيأتي حكاية اجماع المسلمين علي صيرورتها ملكا بالاحياء.

______________________________

فانه يستفاد منها حلية التصرف- فبضمها الي ما يضمن سببية الاحياء للملك- يستنتج اذنهم عليهم السلام في التملك بالاحياء و هذا اوجه متوقف علي عدم اختصاص التحليل بخصوص المناكح و المساكن و المتاجر و شمولها للاراضي- و قد اثبتنا ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق الرابع ما افاده المحقق كاشف الغطاء و هو دلالة شاهد الحال علي رضا هم بالاحياء و طيب نفسهم بعمارة الارض- و لا بأس به ايضا فتحصل ان الاظهر ثبوت رضا هم عليهم السلام بالاحياء.

و أما الجهة الرابعة- فعن التذكرة الاجماع علي اعتبار الاسلام في الملك بالاحياء و نحوه ما عن جامع المقاصد- و عن صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و الجامع و ظاهر المهذب و النافع و اللمعة و تبعهم جمع من اساطين متأخري المتأخرين عدم الفرق في ذلك بين المسلم و الكافر و ان الكافر ايضا يملك بالاحياء يشهد للثاني- مضافا الي اطلاق جملة من نصوص الباب صحيح محمد بن مسلم سألته عن الشراء من ارض اليهود و النصاري فقال ليس به بأس الي أن قال ايما قوم احيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم احق بها و هي لهم «1» و نحوه صحيح «2» الفضلاء و

خبر «3» زرارة و استدل للاختصاص بالمسلم بالنبويين المتقدمين المتضمنين للتمليك بالمسلمين و بصحيح الكابلي المتقدم من احيي ارضا من المسلمين فليعمرها.

______________________________

(1) الوسائل باب من ابواب الموات حديث 1.

(2) الوسائل باب 1 من ابواب احياء الموات حديث 5.

(3) الوسائل باب من ابواب احياء الموات حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 345

______________________________

و لكن النبويين ضعيفان- و الصحيح لا مفهوم له كي يدل علي عدم تملك غير المسلمين بالاحياء فيعارض مع النصوص المتقدمة فالاظهر عدم الاختصاص بالمسلم و لكن بعد ما عرفت من اعتبار الاذن، و ان ثبوت اذنهم عليهم السلام انما يكون- باخبار التحليل المختصة بالشيعة، و دلالة شاهد الحال، ففي زمان الغيبة الالتزام بملكية الارض لغير الشيعة بالاحياء يتوقف علي احراز رضاه عليه السلام بذلك و الا فلا يكون الاحياء مملكا و في صحيح «1» عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك المتقدم ما كان في ايدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض- و هذا صريح في عدم الاذن لغير الشيعة فالاظهر هو الاختصاص بهم.

و أما الجهة الخامسة- فظاهر فتاوي القوم ان الملك بلا عوض و عن فوائد الشرائع احتمال العوض و ظاهر قولهم عليهم السلام من احيي ارضا مواتا فهي له- هو حصول الملك مجانا- و مقتضي صحيحي الكابلي، و عمر بن يزيد المتقدمين هو ايجاب الخراج المنافي لكونها ملكا- و مقتضي نصوص التحليل سقوط الخراج و الجمع بين هذه الطوائف، بحمل نصوص الخراج علي زمان الحضور، كما في المتن احتماله، يأباه صريح نصوص التحليل، كما ان حمل نصوص الخراج علي بيان الاستحقاق، كما اختاره المصنف، ينافيه ظهورها في الفعلية فالحق ان يقال ان نصوص الخراج، لا

بد من تأويلها اورد علمها الي اهلها،

لمعارضتها مع نصوص التملك بالأحياء و عدم عمل الاصحاب بها، مضافا الي ما ذكرناه في الاراضي الخراجية في الجزء الثاني من هذا الشرح من عدم كون هذه الارض منها، و بالجملة لا إشكال في سقوط الخراج اما لعدم تشريعه أو للتحليل،

فنصوص الاحياء لا معارض لها.

الارض العامرة

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من ابواب الانفال حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 346

الثاني: ما كانت عامرة بالاصالة

اي لا من معمر، (1) و الظاهر انه ايضا للإمام عليه السلام (2) و عن التذكرة الاجماع عليه، و في غيرها نفي الخلاف عنه، لموثقة ابان بن عثمان

______________________________

(1) قوله الثاني ما كانت عامرة بالاصالة أي لا من معمر و المراد بالعامرة ما ينتفع بها علي ما هي عليه في الحال كما إذا كانت بحيث يكثر عليها وقوع الامطار أو نحو ذلك- و الكلام فيها يقع في مقامين الاول انه هل تكون هذه الارض للامام عليه السلام و من الانفال ام تكون من المباحات الاصلية الثاني علي فرض كونها للامام هل تملك بالحيازة ام لا.

(2) اما المقام الاول فقد استظهر المصنف قدس سره من قول الاصحاب و كل ارض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للامام- الذي حكي عن مفتاح الكرامة انه طفحت به عباراتهم و عن التذكرة الاجماع عليه- و في الجواهر لا خلاف اجده فيه- انها للامام و لكن صاحب الجواهر قدس سره في كتاب الخمس استظهر من الاصحاب عدمه و انها من المباحات الاصلية و كذلك المصنف قدس سره في ذلك الكتاب.

و كيف كان فقد استدل لكونها من الانفال و للامام بوجوه.

الاول ما ذكره المحقق النائيني قدس سره- قال- و لما روي علي ما في المتن ان كل

ارض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للامام عليه السلام و فيه اولا ان المصنف لا يدعي انه رواية بل يدعي كونه تعبير الفقهاء و قد صرح صاحب الجواهر قدس سره بعدم كونه نصا و ثانيا انه لا يمكن الالتزام بعمومه فان مقتضاه كون جميع اراضي الكفار للامام مع انه خلاف النص و الاجماع و ثالثا انه لو سلم كونه رواية و عاما- يتعين تخصيصه بما سيأتي.

الثاني- ما افاده المحقق الايرواني قدس سره قال و هو صريح عد الآجام الذي هو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 347

عن اسحاق بن عمار المحكي عن تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام حيث عد من الانفال كل ارض لا رب لها (1) و نحوها المحكي عن تفسير العياشي، عن ابي بصير عن ابي جعفر عليه السلام (2) و لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الاخبار حيث جعل فيها من الانفال كل ارض ميتة لا رب لها، بناء علي ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز، لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، لأن الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا، (3) و هل يملك هذه بالحيازة وجهان من كونه مال الامام عليه السلام و من عدم منافاته للتملك بالحيازة كما يملك الاموات بالاحياء، مع كونه مال الامام عليه السلام.

______________________________

قسم من المحياة بالاصالة من الانفال و فيه اولا ان الآجام من الموات فان الاستيجام مانع عن الإنتفاع بالارض و قد صرح بذلك الفقهاء و ثانيا ان كون خصوص هذا القسم للامام لدليل خاص اعم من كون ساير الاقسام له عليهم السلام.

الثالث ما تضمن «1» ان الارض كلها للامام- و قد تقدم انه لا بد من توجيه هذه النصوص بحملها علي

الملكية الحقيقية غير المنافية لكونها من المباحات أو لغيرهم عليهم السلام

(1) الرابع مصحح «2» اسحاق بن عمار المذكور في المتن حيث عد فيه من الانفال التي للامام كل ارض لا رب لها الشاملة للعامرة

(2) و نحوه «3» خبر ابي بصير المروي عن تفسير العياشي و فيه ان اطلاق هذين الخبرين، يقيد بما في مرسل حماد حيث عد من جملة الانفال الارض الميتة التي لا رب لها، إذ تقييد الارض بالميتة في مقام الحصر و التحديد،

يدل بالمفهوم علي ان الارض غير الميتة ليست للامام

(3) و اورد عليه المصنف قدس سره بان الظاهر ورود الوصف مورد الغالب في الارض التي لا مالك لها، كونها مواتا و فيه اولا ان الميتة لم تؤخذ قيدا للا رب لها و انما اخذت قيدا للارض فلا يكون القيد غالبيا،

و ثانيا انه لا وجه لحمل القيد علي الغالب و ثالثا انه لو تم ما افاده المصنف قدس سره يمكن حمل الاطلاقات علي الغالب بعين ما ذكره

______________________________

(1) اصول الكافي ج 1 ص 407 المطبع الحديث.

(2) الوسائل باب من ابواب الانفال حديث 2.

(3) نفس المصدر 4- 28 نفس المصدر ح 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 348

فدخل في عموم النبوي: من سبق الي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به (1).

______________________________

إذ كما يقال ان ذكر القيد يكون للغلبة كذلك يقال ان اهماله مع اعتباره لمكان الغلبة فلا اطلاق يعم العامرة،

فالاظهر انها من المباحات الاصلية و أما المقام الثاني- فعلي المختار من كونها من المباحات، لا كلام في انها تملك بالحيازة كما لا يخفي و أما علي القول بانها للامام عليه السلام، فقد استدل المصنف قدس سره علي تملكها بالحيازة

(1) بعموم النبوي من سبق الي

ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به «1»

و فيه اولا انه مختص بما إذا لم يكن ذلك الشي ء ملكا لأحد و متعلقا لحق الغير بالسبق أو غيره، و لذا لا شبهة في عدم دلالته علي جواز السبق الي املاك الناس- فلا شمل المقام بعد فرض كون الارض للامام عليه السلام و بالجملة ملك الامام كملك غيره من الناس فكما انه لا يجوز السبق في املاك ساير الناس فذلك في ملكه عليه السلام و ثانيا ان الاحقية اعم من الملكية و دعوي انه روي من غير طريقنا ما ظاهره الملكية و هو من سبق الي ما لم يسبق إليه مسلم فهو له «2»

مندفعة بعدم ثبوت صحة سنده و أما ما اورده المحقق الخراساني و المحقق النائيني عليه، بانه مسوق لبيان احقية السابق، لا لبيان جواز السبق الي ما لم يسبقه إليه احد فيره انه بصدد بيان سببية السبق للاحقية و مقتضي اطلاقه جواز السبق الي كل ما لم يسبقه إليه احد.

فالاولي الاستدلال له بنصوص التحليل الظاهرة في الملكية كما حققناه في الجزء السابع من فقه الصادق لكنها مختصة بالشيعة كما مر.

______________________________

(1) المبسوط اول كتاب احياء الموات- المستدرك باب 1 من ابواب احياء الموات حديث 4.

(2) سنن البيهقي ج 6 ص 142.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 349

الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت

و هو ملك للمحيي، (1) فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء باجماع الأمة كما عن المهذب، و بإجماع المسلمين

كما عن التنقيح، و عليه عامة فقهاء الامصار كما عن التذكرة،

______________________________

و يمكن القول بتملكها بالاحياء لخبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه

إليه احد أو احيي ارضا ميتة فهي له قضاء من الله و رسوله «1»

فان ظاهره بقرينة جعل الغرس و الحفر قبال الاحياء انهما يوجبان الملكية بانفسهما و بضميمة الغاء الخصوصية يثبت الحكم في ساير افراد الاحياء و لمضمر محمد بن مسلم قال سألته عن الشراء من ارض اليهود و انصاري قال عليه السلام لهم- «2»

و في خبر آخر له عن الامام الباقر عليه السلام ايما قوم احيوا شيئا من الارض أو عمروها فهم احق بها «3»

و المضمر قرينة علي ان المراد من الاحقية في الخبر الثاني هو الاستحقاق الملكي.

الارض العامرة بعد الموت

(1) قوله الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت و هو ملك للمحيي ان كانت العمارة بسبب سماوي- كانت الارض ملكا للامام عليه السلام للاستصحاب بل للادلة فانها دالة علي عدم خروج الملك عن ملك مالكه بلا سبب- و ان كان بالاحياء- فان كان ذلك بغير اذنه عليه السلام فحكمه ما تقدم

______________________________

(1) الوسائل- باب 2- من ابواب احياء الموات حديث 1.

(2) الوسائل- 1- من ابواب احياء الموات حديث 1.

(3) الوسائل- باب 1- من ابواب احياء الموات حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 350

لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بانه يملك التصرف لا نفس الرقبة (1) فلا بد من الملاحظة

______________________________

و ان كان باذنه فالمشهور بين الاصحاب انها ملك للمحيي بل عن غير واحد دعوي الاجماع عليه و عن التنقيح اجماع المسلمين عليه

(1) و في المتن و يبالي من المبسوط كلام يشعر بانه يملك التصرف لا نفس الرقبة هذه عبارة المبسوط إذا تحجر ارضا و باعها لم يصح بيعها و في الناس متن قال يصح و هو شاذ و أما عندنا فلا يصح بيعه لانه لا

يملك رقبة الارض بالاحياء و انما يملك بالتصرف بشرط ان يؤدي الي الامام عليه السلام ما يلزمه عليها و مرارة من الاحياء التحجير، و الشاهد عليه امور احدها تصريحه بانه يملك بالتصرف،

ثانيها قوله فاما عندنا فلا يصح بيعه مع ان المشهور بين الاصحاب جواز بيعه و دلت النصوص «1» عليه،

ثالثها تصريحه بالاحياء في غير موضع من كتبه و انما حكم بعدم الملك بالتحجير من جهة التحجير عنده ليس من مصاديق الاحياء قال في المبسوط بعد الحكم بان التحجير يوجب الاحقية دون الملك- و التحجير ان يؤثر فيها اثرا لم يبلغ به حد الاحياء مثل ان ينصب فيها المزور أو يحوط عليها حائطا و ما اشبه ذلك من آثار الاحياء، فانه يكون احق بها من غيره انتهي.

و كيف كان فيشهد للملك نصوص «2» الاحياء- و النصوص «3» المتضمنة لجواز الشراء من المحيي معللة له بانها بالاحياء صارت له- و ظاهر صحيحي «4» الكابلي و عمر بن «5» يزيد المتضمنين لوجوب الخراج عليه و دفعه الي الامام عدم الملك لكن تقدم انه يتعين طرحهما أو التصرف فيهما بنحو لا ينافي الملك- فراجع،

فالاظهر انها ملك للمحيي.

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات و باب 21- من ابواب عقد البيع.

(2) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات.

(3) كتاب 21- من ابواب عقد البيع.

(4) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 2.

(5) الوسائل- باب 4- من ابواب الانفال حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 351

الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة،

فان كانت العمارة اصلية فهي مال الامام عليه السلام (1) و ان كانت العمارة من معمر (2) ففي بقائها علي ملك معمرها أو خروجها عنه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا

خلاف (3) معروف في كتاب احياء الموات، منشؤه اختلاف الاخبار

______________________________

الموات بعد العمارة

(1) قوله الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة ان كانت العمارة سماوية كانت العمارة اصلية أو عرضية فهي للامام عليه السلام اما إذا كانت عرضية فلان الارض المفروضة كانت مواتا في الاصل و ملكا له عليه السلام و هي باقية علي ما هي عليه و أما ان كانت العمارة اصلية فلما دل علي ان الارض الميتة للامام الشاملة للميتة بالاصالة و بالعرض و ما دل من النصوص الصحيحة- علي ان الارض الخربة أو الخربة التي لا رب لها له عليه السلام فان الخربة ظاهرة في الخربة العرضية.

(2) و ان كانت العمارة من معمر- فالكلام فيه يقع في مقامين الاول في انه هل تخرج الارض بالموت عن ملك المحيي كما عن العلامة في التذكرة و الشهيد الثاني في المسالك- ام لا تخرج كما هو المشهور بين الاصحاب

(3) الثاني في انه علي فرض عدم الخروج هل يملكها لو احياها آخر كما عن العلامة في التذكرة و الشهيد الثاني في الروضة بل عن جامع المقاصد انه المشهور، بين الاصحاب- ام لا يملكها كما عن جماعة من القدماء و المتأخرين- ام يفصل بين ما إذا كان الخراب مستندا الي اهمال المالك و ترك المزاولة لها- و بين ما إذا لم يكن مستندا الي ذلك فيملكها علي الاول دون الثاني كما اخترناه في الجزء الثالث عشر من فقه الصادق.

اما المقام الاول فقد استدل لخروجها عن ملكه بوجوه الاول: ان الارض اصلها مباح فإذا تركها الاول حتي عادت الي ما كانت عليه صارت مباحة الثاني ان السبب في صيرورتها ملكا هو الاحياء فإذا زال السبب زال المسبب

منهاج الفقاهة (للروحاني)،

ج 4، ص: 352

ثمّ القسم الثالث اما ان تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم لا يزول الا بناقل أو بطرو الخراب علي احد القولين، و ان كان من الكفار فكذلك، ان كان في دار الإسلام و قلنا بعدم اعتبار الاسلام و ان اعتبرنا الإسلام كان باقيا علي ملك الامام عليه السلام، و ان كان في دار الكفر يزول بما يزول به ملك المسلم و بالاغتنام كسائر اموالهم.

______________________________

الثالث اطلاق ما دل علي ان الارض الميتة- أو الخربة- للامام عليه السلام و في الجميع نظر اما الاول فلان كون اصلها مباحا لا يوجب صيرورتها مباحة بعد ما دخلت في ملك المحيي و خروجها عن ملكه مع الدلالة الدليل علي ان خروج المال عن ملك مالكه لا بد و ان يكون بسبب و أما الثاني فلان المستفاد من الادلة كون ذات الارض مملوكة بسبب الاحياء و انه كسائر الاسباب المملكة يكون سببا لحدوث الملكية- لا ان الارض المعنوية بعنوان المحياة مملوكة- و لا انه سبب للملكية حدوثا و بقاء و أما الثالث فلانه يتعين تقييد اطلاق تلك النصوص بما في النصوص الاخر من التقييد بالارض التي لا رب لها.

و يشهد لبقائها علي ملك مالكها- مضافا الي ان المستفاد من الادلة ان زوال الملك لا بد و ان يكون بناقل- الاستصحاب

و اورد عليه تارة- بالشك في بقاء الموضوع فان موضوع الملكية ان كان هو ذات الارض فهو باق قطعا- و ان كان هو عنوان المحياة فهو مرتفع قطعا، و اخري- بان الشك في المقام من قبيل الشك في المقتضي للشك في ان الاحياء، هل هو سبب للملكية حتي بعد عروض الموت، ام لا

و يمكن دفع الاول بما تقدم من ظهور الادلة في، ان الموضوع هو ذات الارض،

و ان الاحياء بمنزلة الشرط في القضية و دفع الثاني: بان المختار حجية الاستصحاب مطلقا، حتي في موارد الشك في المقتضي، مع ان هذا ليس من الشك في المقتضي الذي بني المصنف قدس سره علي عدم حجية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 353

______________________________

الاستصحاب فيه فان مورده ما لو شك في اقتضاء المستصحب للبقاء في عمود الزمان، و تمام الكلام في محله،

فالاظهر بقائها علي ملك المحيي الاول.

و أما المقام الثاني فالكلام فيه يقع في موردين الاول فيما تقتضيه العمومات الثاني فيما تقتضيه النصوص الخاصة اما المورد الاول فقد استدل لتملك المحيي الثاني- بعموم من احيي ارضا ميتة فهي له «1»

و فيه انه قد تقدم ان هذا ليس متضمنا لإذن مالك الملوك كي لا يحتاج الي اذن مالكه و انما التزمنا بذلك في ملك الامام من جهة اخبار التحليل أو شاهد الحال أو غير ذلك من الوجوه المتقدمة غير الجاري شي ء منها في المقام و عليه فمقتضي ما دل من العقل و النقل علي عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه و رضاه عدم جواز الاحياء في المقام و القياس بالالتقاط بعد ورود النص الخاص فيه مع الفارق.

و أما النصوص الخاصة فهي علي طوائف الاولي ما ظاهره البقاء علي ملك المحيي الاول كصحيح سليمان بن خالد عن الامام الصادق عليه السلام عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال عليه السلام الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها قال عليه السلام فليؤد إليه حقه «2» إذا المراد بالحق اما الارض أو اجرتها و علي التقديرين

يدل علي ذلك و نحوه صحيح «3» الحلبي الثانية ما ظاهره- صيرورتها ملكا للمحيي الثاني من دون شي ء عليه كصحيح معاوية بن وهب عن مولانا الصادق عليه السلام ايما رجل اتي خربة بائرة فاستخرجها

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من ابواب كتاب احياء الموات.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 3.

(3) الوسائل- باب 3- من ابواب احياء الموات حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 354

ثمّ ما ملكه الكافر من الأرض أما أن يسلم عليه طوعا فيبقي علي ملكه كسائر أملاكه، و أما أن لا يسلم عليه طوعا، فان (1) بقي يده عليه كافرا فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده

______________________________

و كري انهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فان كانت ارضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخرجها ثمّ جاء بعد يطلبها فان الارض لله و لمن عمرها «1» فان ظاهره ان الارض لمن يقوم بعمارتها لا لمن تركها فاخربها- الثالثة ما تضمن احقية الثاني بها و وجوب الخراج عليه كصحيح الكابلي المتقدم فان تركها و اخربها فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي الحديث «2»

و الطائفة الاخيرة تقدم تعين طرحها، و أما الاوليتان، فحيث ان الثانية مختصة بصورة الاهمال، فتخصص الاولي بها- فتكون النتيجة التفصيل الذي اخترناه.

و يؤيد ذلك ما ورد في الارض التي اسلم اهلها طوعا فان الارض و ان كانت ملكا لهم الا انهم إذا اهملوها حتي خربت لولي المسلمين ان يقبلها من غيرهم ليقوم بعمارتها و يأخذ وجه الاجارة و يدفع بمقدار حق الارض الي مالكها و يصرف الباقي في الامور العامة «3»

ثمّ ان ذكر ساير ما

قيل في وجه الجمع بين النصوص و الجواب عنها موكولان الي محل آخر.

الارض المفتوحة عنوة
اشارة

(1) قوله و أما ان لا يسلم اهلها طوعا لا يخفي انه قده بعد ما بين اقسام الارضين و احكامها اراد ان يبين حكم الارض المفتوحة عنوة و الكلام فيها يقع في جهات.

______________________________

(1) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 1.

(2) الوسائل- باب 3 من ابواب احياء الموات حديث 2.

(3) الوسائل- باب 72- من ابواب جهاد العدو و ما يناسبه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 355

و ان ارتفعت يده عنها: فإما ان يكون بانجلاء المالك عنها و تخليتها للمسلمين، أو بموت اهلها و عدم الوارث فيصير ملكا للإمام عليه السلام و يكون من الانفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. و ان رفعت يده عنها قهرا و عنوة

فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة، كالنخل و الاشجار و البنيان للمسلمين كافة اجماعا (1) علي ما حكاه غير واحد كالخلاف- و التذكرة و غيرهما

______________________________

الاولي في ان هذه الارض، و ان كانت مبينة من حيث المفهوم، إذ هي عبارة عن الارض التي فتحت بالخيل و الركاب قهرا و رفعت يد الكفار عنها بغلبة المسلمين، الا انها مجهولة مصداقا و قد تقدم في الجزء الثاني من هذا الشرح في مسألة الاراضي الخراجية بيان ما يثبت ذلك.

الثانية في اعتبار اذن الامام عليه السلام في القتال في ترتب حكم الارض المفتوحة عنوة و قد تقدم في ذلك المبحث ان الاظهر عدم اعتباره.

الثالثة في اعتبار كونها محياة حال الفتح- و قد تقدم في تلك المسألة اعتبار ذلك و عليه فارض الغري ليست منها.

الرابعة في ان التصرف في الارض الخراجية في زمان الغيبة يحتاج الي اذن من

له الاذن ام لا- و قد تقدم في تلك المسألة تنقيح القول في ذلك مفصلا فراجع.

الخامسة في ان خراج هذه الارض هل حلل للشيعة في زمان الغيبة ام لا- و قد عرفت عدم تحليله السادسة في بيان ان الخمس هل هو ثابت فيها ام لا و قد تقدم ثبوته

(1) السابعة في بيان كيفية استحقاق المسلمين و انه هل بعنوان ملك الرقبة أو بنحو آخر- و المشهور بين الاصحاب هو الاول- و عن جماعة منهم الشهيد الثاني قدس سره في جملة من كتبه و المحقق الاردبيلي ان الرقبية غير مملوكة بل معدة لمصالح المسلمين و هم مصرف لحاصلها و الاول اظهر- لانه ظاهر النصوص الآتية- لمكان اللام و اضافة الارض الي المسلمين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 356

و النصوص به مستفيضة. ففي رواية ابي بردة المسئول فيها عن بيع ارض الخراج قال عليه السلام من يبيعها؟ هي ارض المسلمين، قلت: يبيعها الذي في يده، قال:

يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثمّ قال لا بأس أن يشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه، و لعله يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه (1)

______________________________

و استدل للقول الثاني بوجوه الاول قوله عليه السلام في مرسل «1» حماد الطويل فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها الخ- بتقريب انه يدل علي ان الارض محبوسة متروكة و هذا يلازم فك الملك و فيه ان المحبوسية و المتروكية لا تنافي مع الملك بل تجامعه فلا ينافي المرسل ساير النصوص الظاهرة من جهة اللام و الاضافة في الاختصاص المطلق المساوق للملك الثاني انه لو كانت الرقبة ملكا للمسلمين لما جاز تقبيلها من احدهم إذ اجارة الارض ممن يملك جزء منها غير جائزة

و فيه انه قد تقدم في اول الدخول في بيان اقسام الاراضي و احكامها- بيان كيفية ملكيتها لهم- و انها تكون ملكا للنوع لا للأفراد، و عليه فالفرد لما هو غير مالك كي لا يجوز الاجارة منه و به يظهر الاشكال في الوجه الثالث، و هو انه لو كانت الرقبة ملكا لهم لجاز ان ينقل بعضهم حصته الي بعض مع انه لا يجوز فان المالك هو النوع لا الشخص.

الثامنة في جواز بيع الارض المفتوحة عنوة و عدمه- و قد اختلفت كلمات القوم في المقام و قد نقل المصنف قدس سره في المتن تلك الاقوال و الوجوه- و حيث ان منشأ الاختلاف هي النصوص فالأولي صرف عنان الكلام الي بيان ما يستفاد منها-

(1) منها خبر «2» ابي بردة بن رجا المذكور في المتن و ابو بردة و ان لم يوثق الا ان الراوي عنه هو صفوان بن يحيي الذي هو من اصحاب الاجماع فلا وجه للمناقشة فيه من حيث السند.

______________________________

(1) الوسائل- باب 41- من ابواب جهاد العدو حديث 2.

(2) الوسائل باب 71 من ابواب جهاد العدو حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 357

و في مرسلة حماد الطويلة ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و ما غلبوا «و لاما غلبوا كذا في الوسائل» عليه إلا ما حوي العسكر، إلي أن قال و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف، أو الثلث، و الثلثين، علي قدر ما يكون له صالحا و لا يضربهم. فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء

أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، إلي أن قال: فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الأرض و اكرتها، فيدفع عليهم انصبائهم علي قدر ما صالحهم عليه،

______________________________

و أما فقه الحديث فملخصه ان الظاهر من قوله و من يبيع ذلك الاستفهام التوبيخي،

و قوله هي ارض المسلمين بمنزلة العلة للمنع و لكن الراوي فهم منه الاستفهام الحقيقي فقال بيعها الذي هي في يده، و قوله عليه السلام و يصنع بخراج المسلمين ما ذا يوهم ان المانع من البيع كون الارض خراجية، و علي أي تقدير فقد استدرك الامام عليه السلام عما افاده من عدم جواز البيع، فقال لا بأس ان يشتري حقه منها و ظاهره ايضا عدم بيع الارض بل بيع حقه منها و بيع الحق، يحتمل بيع حق الاولوية و الاختصاص، و يحتمل ارادة بيع الآثار التي احدثها البائع، و علي أي تقدير لا دلالة فيه علي جواز بيع الارض و لو تبعا للآثار و لكن الاظهر هو الثاني: لما سيأتي من عدم دليل علي ثبوت حق الاولوية: و لعدم صحة نسبة الاشتراء إليها بناء علي اعتبار كون المبيع من الاعيان: و لقوله حقه منها: إذ لو كان المراد حق الاولوية كان الصحيح ان يقول حقه فيها فتدبر و قوله عليه السلام لعله يكون اقوي الخ يعني اقوي علي الارض و عمارتها و توفير حاصلها و املي و اقدر علي دفع خراج المسلمين فهذه الرواية تدل علي عدم جواز بيع الارض المفتوحة عنوة و لو بتبع بيع الآثار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 358

و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق. أعوانه علي دين الله و في

مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير الخبر. (1)

و في صحيحة الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته، قال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن دخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد، فقلنا: أ نشتريه من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، الا ان تشتريها منهم علي ان تصيرها للمسلمين، فان شاء ولي الامر أن يأخذها أخذها، قلت: فان اخذها منه،

قال: يرد عليه رأس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل، (2)

______________________________

(1) و منها مرسل حماد الطويل المنجبر بتلقي الاصحاب اياه بالقبول المذكور في المتن و الارضون التي اخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها «1» و هذا ايضا يدل علي المنع إذ المراد من الموقوفة المتروكة، اما ان يكون المحررة المحبوسة علي المسلمين من باب فك الملك- أو المملوكة المحبوسة عليهم و علي التقديرين يدل علي المنع لانه مقتضي محبوسية الارض.

(2) و منها صحيح الحلبي «2» المذكور في المتن قوله لا يصلح ظاهر في المنع عن البيع، و أما الاستثناء فيتعين حمله علي ارادة الاشتراء الصوري من جهة قوله قبله هي لجميع المسلمين،

و قوله ان يصيرها للمسلمين أي تعود الارض الي المسلمين و يصرف حاصلها في مصالحهم،

و قوله فإذا شاء ولي الامر الخ ظاهر في عدم صيرورتها ملكا له و ان لولي الامر ابقاء الارض تحت يده و له اخذها منه،

و أما قوله فيرد عليه رأس ماله- فهو اما ان يكون تفضلا من ولي الامر من جهة

استنقاذه الارض من يد الدهاقين، أو يكون من جهة كونه بازاء ما كان للدهاقين من الآثار

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من ابواب جهاد العدو حديث 2.

(2) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 359

و رواية ابن شريح سألت ابا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه، قال: انما ارض الخراج للمسلمين فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل عليه خراجها. فقال: لا بأس الا ان يستحيا من عيب ذلك (1)

و رواية اسماعيل بن الفضل الهاشمي ففيها و سألته عن رجل اشتري ارضا من ارض الخراج فبني بها أو لم يبن غير ان اناسا من اهل الذمة نزلوها هل له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوا جزية رءوسهم؟ قال يشارطهم فما اخذ بعد الشرط فهو حلال و في خبر ابي الربيع لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له دفة فانما هي في ء للمسلمين (2) الي غير ذلك. و ظاهره كما تري عدم جواز بيعها حتي تبعا للآثار المملوكة فيها علي أن تكون جزء من المبيع فيدخل في ملك المشتري علي وجه كان للبائع اعني مجرد الاولوية و عدم جواز مزاحمته، إذا كان التصرف و احداث تلك الآثار- باذن الامام أو اجازته و لو لعموم الشيعة

______________________________

المملوكة- أو بازاء حق الاختصاص، و قوله عليه السلام و له ما اكل من غلتها- ظاهر في ان المنافع كالعين تكون للمسلمين، و لكن حيث انه عمل فيها فله ما اكل منها.

(1) و منها خبر «1» محمد بن شريح عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن و هذا الخبر لا يعتمد عليه من جهة ان من رجال سنده

علي بن الحارث و هو مجهول و أما من حيث الدلالة فصدره ظاهر في المنع لقوله فكرهه معللا بان ارض الخراج للمسلمين- و ذيله ظاهر في الجواز مع الالتزام بخراجها- فلا بد من التصرف اما في الصدر بحمل قوله عليه السلام ارض الخراج للمسلمين علي ارادة ان خراجها لهم و رقبتها لمن عمرها- أو بالتصرف في الذيل بحمل شرائها علي ارادة شراء آثارها من العمارة المفروضة- و لو لم يكن الثاني اظهر- من جهة قوله الا ان يستحيا من عيب ذلك فان عدم كون الارض ملكا ربما يكون عيبا- فلا اقل من تساوي الاحتمالين فيحكم بالاجمال.

(2) و منها خبر «2» اسماعيل بن الفضل الهاشمي المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع حديث 9.

(2) نفس المصدر حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 360

كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو باذن الحاكم الشرعي بناء علي عموم ولايته لأمور المسلمين و نيابته عن الامام. لكن ظاهر عبارة المبسوط اطلاق المنع عن التصرف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة، و لا يصح ان يبني دورا و منازل و مساجد و سقايات و غير ذلك من انواع التصرف الذي يتبع الملك، و متي فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا و هو علي حكم الاصل، و يمكن حمل كلامه علي صورة عدم الاذن من الامام عليه السلام حال حضوره، و يحتمل ارادة التصرف بالبناء علي وجه الحيازة و التملك و قال في الدروس لا يجوز التصرف فيها المفتوحة عنوة الا باذن الامام سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما،

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك و اطلق في المبسوط ان التصرف فها

لا ينفذ، و قال ابن إدريس انما نبيع و توقف تحجيرنا و بنائنا و تصرفنا لا نفس الارض انتهي.

______________________________

و قد استدل به كل من القائلين بالمنع- و الجواز اما القائل بالجواز فقد استدل، بجملتين منه الاولي صدره الظاهر في تقريره عليه السلام شراء ارض الخراج الثانية حكمه عليه السلام بان اجرة البيوت لهم بعد الشرط فلو لم يكن الارض لهم لم تكن الاجرة لهم فان قيل انه علي فرض ملكية الارض ما ذا وجه السؤال عن كون المنفعة لهم توجه عليه ان وجه السؤال احتمال كون منفعة الارض كخراجها للمسلمين فجوابه عليه السلام ينطبق عليه و انه ليست المنافع كالخراج بل هي تابعة لملكية الرقبة و لكن يرد علي الثانية ان السؤال ليس عن كون الاجرة له أو للمسلمين بل انما هو عن اخذ الاجرة- و الظاهر ان منشأ هذا السؤال ان الذمي إذا ادي الجزية هل هو كالمسلم يستحق النزول علي اهل الاراضي الخراجية ام لا فأجاب عليه السلام بان له اخذ اجرة النزول بعد الشرط و القرار و أما الاولي فحيث انها ليست في مقام البيان من جهة جواز الاشتراء فقابلة للحمل علي ارادة الشراء علي الوجه السائغ و هو شراء الآثار و العمارة- فهذا الخبر لا يدل علي الجواز بل يدل علي المنع من جهة فرض كون الارض خراجية بعد الشراء فانه يسأل عن استحقاق اهل الذمة للنزول علي اهل الخراج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 361

و قد ينسب الي الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور فيجوز التصرف في الأول و لو بالبيع و الوقف لا في الثاني الا باذن الامام عليه السلام. و كذا الي جامع المقاصد، و في النسبة نظر

بل الظاهر موافقتهما لفتوي جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة باحداث الآثار و جواز نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار، و المعني انها مملوكة ما دام الآثار موجودة. قال في شرح قول المحقق و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها، انتهي.

ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الارض مستقلة، اما فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز علي الأقوي قال: فإذا باعها بائع مع شي ء من هذه الآثار دخل في المبيع علي سبيل التبع و كذا الوقف و غيره و يستمر كذلك ما دام شي ء من الآثار باقيا، فإذا ذهبت اجمع انقطع حق المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها، هكذا ذكره جمع و عليه العمل، انتهي.

______________________________

لو سلم دلالته علي الجواز فالنسبة بينه و بين نصوص المنع المتقدم بعضها و الآتي آخر عموم مطلق- فانه اعم من المفتوحة عنوة و غيرها من ارض الخراج فيقيد اطلاقه بها و الايراد علي الخبر بضعف السند- من جهة ان الكليني و الشيخ يرويان الحديث عن الحسن بن محمد بن سماعة و هو يروي عن غير واحد- و هم مجهولون في غير محله فان الحسن هذا ذكروا في حقه انه نقي الفقه حسن الاعتقاد و الظاهر من ذلك انه لا يروي الا عن المقبولين لا سيما إذا روي عن غير واحد فالحديث معتبر سندا.

له و منها خبر ابي الربيع الشامي عن ابي عبد الله عليه السلام لا تشتر من ارض السواد شيئا الامن كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين «1»

و ابو الربيع، و الراوي عنه خالد بن جرير- و ان لم يوثقا،

الا ان الراوي عن خالد هو الحسن بن محبوب الذي هو من اصحاب الاجماع فالخبر صحيح سندا، و يدل علي المنع عن بيع الارض المفتوحة عنوة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 362

نعم ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة حيث قال: ان قال قائل ان ما ذكر تموه انما دل علي اباحة التصرف في هذه الأرضين، و لا يدل علي صحة تملكها بالشراء و البيع و مع عدم صحتها لا يصح ما يتفرع عليها، قلنا انا قد قسمنا الأرضين علي ثلاثة اقسام ارض اسلم اهلها عليها فهي ملك لهم يتصرفون فيها، و ارض يؤخذ عنوة أو يصالح اهلها عليها فقد ابحنا شراءها و بيعها، و البيع لأن لنا في ذلك قسما لأنها اراضي المسلمين. و هذا القسم ايضا يصح الشراء و البيع فيه علي هذا الوجه. و أما الانفال و ما يجري مجراها فلا يصح تملكها بالشراء و انما ابيح لنا التصرف فيها حسب. ثمّ استدل علي اراضي الخراج برواية ابي بردة السابقة الدالة علي جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض و دليله قرينة علي توجيه كلامه، و كيف كان، فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار، مما لا دليل عليه ان أرادوا الانتقال.

نعم المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي ء من الآثار موجودا (1) فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرف معه حتي يثبت حق الاختصاص.

______________________________

و الاستثناء انما يكون من جهة ان الارض المفتوحة عنوة ان ابقيت في يد من كانت له ذمة تكون ملكا لأربابها فيجوز بيعها، و هذا يدل

علي ان بعض قطعات ارض السواد هكذا.

و ربما يستدل علي جواز البيع بجملة من النصوص «1» و اكثرها واردة في ارض الجزية و ارض من له ذمة و هي ملك لأربابها- و لو فرض كون موردها أو بعضها الارض المفتوحة عنوة فللنصوص المتقدمة تحمل علي ارادة البيع بالنحو المتقدم و هو بيع الآثار و العمارة أو تطرح فالاظهر عدم جواز بيعها لا مستقلا و لا تبعا للآثار.

التاسعة- في ان من عمر الارض هل له حق الاختصاص و الاولوية بها ام لا-

(1) صرح المصنف قدس سره بالاول و الحق ان يقال ان المراد به ان كان عدم جواز مزاحمة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 363

فنقول اما في زمان الحضور و التمكن من الاستئذان، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف علي اذن الامام، لأنه ولي المسلمين، فله نقلها عينا و منفعة، و من الظاهر ان كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول علي صورة عدم اذن الامام عليه السلام مع حضوره. و أما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف الا فيما اعطاه السلطان الذي حل قبول الخراج و المقاسمة منه، أو جوازه مطلقا، نظرا الي عموم ما دل علي تحليل مطلق الأرض للشيعة، لا خصوص الموات التي هي مال الامام عليه السلام، و ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الارض، فيجوز التصرف في عينها مجانا أو عدم جوازه الا باذن الحاكم الذي هو نائب الإمام، أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الارض فيجوز له التصرف فيها لما يطهر من قوله عليه السلام

______________________________

الغير لمن بيده الارض، فهو ثابت- فانه إذا اذن من له الاذن في تقبلها تكون

هي كسائر الاعيان المستأجرة فكما انه لا يجوز لأحد مزاحمة المستاجر- كذلك لا يجوز هنا مزاحمة المتقبل، و ان كان المراد به ثبوت حق اعتباري في العين قابل للنقل و الانتقال فهو مما لا دليل علي ثبوته إذ تقبل الارض كاستيجارها يوجب وجوب تسليم العين مقدمة للانتفاع بها و لا يدل علي ثبوت حق و امر اعتباري فيها.

العاشرة المنصوص عليه «1» كون ارض العراق التي يعبر عنها بارض السواد-) من جهة ان الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الارض و التفاف شجرها سموها السواد لذلك (مفتوحة عنوة و انها في ء للمسلمين، و لكن جرت السيرة العملية القطعية علي المعاملة معها معاملة الاملاك الشخصية و يمكن دفع هذه الشبهة بانه قد ثبت كون كثير من تلك الاراضي لأربابها لا للمسلمين منها الموات حال الفتح فانها ملك الامام عليه السلام و يملكها من احياها و الظاهر ان المشاهد المشرفة و جملة من البلاد المستحدثة من هذا القبيل- و علي هذا فلا حاجة الي الاستدلال علي جواز بيع ما يعمل من التربة الحسينية بالسيرة

______________________________

(1) الوسائل باب 21 من ابواب عقد البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 364

للمخاطب في بعض اخبار حل الخراج و ان لك نصيبا في بيت المال. و بين غيره الذي يجب عليه حق الأرض. و لذا افتي غير واحد علي ما حكي بأنه لا يجوز حبس الخراج و سرقته «عن» علي السلطان الجائر و الامتناع عنه، و استثني بعضهم ما إذا دفع الي نائب الامام عليه السلام أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح و بنين الباقية علي عمارتها من حين الفتح، فيجوز احياء الأول لعموم ادلة الأحياء، و خصوص رواية

سليمان بن خالد و نحوها وجوه أو فقها بالقواعد، الاحتمال الثالث، ثمّ الرابع، ثمّ الخامس، و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة (1) كاوراق الاشجار و اثمارها و اخشاب الابنية و السقوف الواقعة و الطين المأخوذ من سطح الأرض، و الجص، و الحجارة و نحو ذلك، فان مقتضي القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين.

______________________________

بتوهم ان بها يقيد اطلاق نصوص المنع و منها الخمس من تلك الاراضي فانه يملكها المستحق للخمس فينتقل الي غيره بالمعاملة أو الارث و منها الاراضي التي ابقيت في يد اهل الذمة فانها ملك لأربابها و عليهم الجزية و قد تقدم في خبر ابي الربيع وجود هذه الارض في ارض العراق و علي هذا فان ثبت كون ارض بالخصوص من المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح لم يجز بيعها و ما لم يثبت فيه ذلك جاز لانحلال العلم الاجمالي لعدم كون جميع اطرافه محل الابتلاء لا سيما و ان الاراضي الخراجية التي يضرب عليها الخراج من اراضي المزارع كثيرة الي الآن و امرها بيد السلطان.

ما ينفصل من المفتوحة عنوة

(1) قوله و مما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة محصل الكلام- ان ما

ينفصل من المفتوحة عنوة- ان صار موجود ابعد الفتح كالشجر و الزراعة المتحققين بعد الفتح و كان ذلك بعد التقبل و الاجارة، لا كلام في انه ملك للمستأجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 365

و لذا صرح جماعة كالعلامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم علي ما حكي عنهم بتقييد جواز رهن ابنية الأرض المفتوحة عنوة، بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض. نعم: الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين، لأنه مما ينقل و حينئذ فمقتضي

القاعدة عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع امكان ان يقال: لا مدخل لسلطان الجور، لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض لا أجزائها، الا ان يكون الاخذ علي وجه الانتفاع لا التملك فيجوز، و يحتمل كون ذلك بحكم المباحات لعموم من سبق إلي ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به. (1) و يؤيده بل يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف علي بيع الامور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني و ما عمل من التربة الحسينية و يقوي هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض.

______________________________

و المتقبل و ما كان قبله فهو ملك للمسلمين بتبع الارض، و ان كان موجودا حال الفتح- أو وجد بعد و كان تابعا للارض، فهو علي اقسام احدها ما يكون مقوما للارض كأجزاء الدار ثانيها ما يعد من منافعها و ان كان من الاعيان كالشجر النابت فيها ثالثها ما يكون منفصلا عن الارض حين الفتح رابعها ما يكون مدفونا فيها اما القسم الاول- فهو ملك للمسلمين بنفس ملكية الارض و بعد الانفصال. لا دليل علي خروجه عن ملكهم غاية الامر حيث لا ينتفع به مع اجارته يباع و يصرف ثمنه فيما يصرف فيه عوض الارض-

(1) و احتمال- كونه من المباحات لعموم من سبق المتقدم كما في المتن لا أري وجها له بعد اختصاص الحديث بما لا يكون مملوكا لأحد و أما القسم الثاني- فهو ايضا لكونه منافع الارض تابع لها و ملك للمسلمين و حكمه ما تقدم و أما القسم الثالث- فهو من المنقول الموجود حال الفتح فيكون لخصوص المقاتلين و أما القسم الرابع- فلا تأمل في

عدم كونه تابعا للارض و ملكا للمسلمين- لكونه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 366

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]
اشارة

و اعلم انه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا (1) و فرّعوا عليه عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني و لا الرهن الا باذن المرتهن أو اجازته، و لا أم الولد الا في المواضع المستثناة، و المراد بالطلق تمام السلطنة علي الملك (2) بحيث يكون للمالك ان يفعل بملكه ما شاء و يكون مطلق العنان في ذلك. لكن هذا المعني في الحقيقة راجع الي كون الملك مما يستقل المالك بنقله، و يكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون اذن

______________________________

من المنقول الموجود حال الفتح و في شمول ما دل علي ان المنقول لخصوص المقاتلين.

له وجهان- و ان لم يكن شاملا له فهو من المباحات- و قيام السيرة علي تملك جميع الاقسام بالحيازة- غير ثابت و الله تعالي اعلم.

اعتبار كون ملك كل من العوضين طلقا

(1) و قد ذكر العلامة قدس سره و المحقق و جمع ممن تأخر عنها في شروط العوضين بعد الملكية: كونه طلقا، و ابدله في محكي القواعد بكونه تاما. و فرعوا علي ذلك عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني، و لا الرهن الا باذن المرتهن أو اجازته.

و تنقيح القول بالبحث في المراد من الطلقية ثمّ في مسألة بيع الوقف و بيع الرهن.

(2) اما الاول فالمراد من الطلقية ان لا يكون في المبيع مانع عن التصرف، لانها من الاطلاق توضيح ذلك ان عدم السلطنة علي التصرف في الشي ء ربما يكون لخلل في المتصرف، اما لعدم المقتضي كما إذا لم يكن ملكا له، أو لمانع كما إذا كان المالك

محجورا عن التصرف لفلس و نحوه، و ربما يكون لخلل في ما يتصرف فيه و ذلك ايضا قد يكون لعدم المقتضي كما إذا لم يكن مالا، و قد يكون للمانع كما إذا كان وقفا أو رهنا. و عدم ملك التصرف من الناحية الأولي لرجوعه الي المتصرف ذكر في شروط المتعاقدين، و عدم الملك من الناحية الثانية لرجوعه الي المتصرف فيه ذكر في شروط العوضين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 367

ذي الحق لمرجعه الي ان من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا (1) و هذا لا محصل له، فالظاهر ان هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أم الولد، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة و غيرها، مما ثبت منعه عن تصرف المالك كالنذر و الخيار و نحوهما، و هذا العنوان منتزع (2) من انتفاء تلك الحقوق فمعني الطلق ان يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه الاحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في الفرعية و الاصالة بالعكس، ثمّ ان اكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق إلا الثلاثة المذكورة، ثمّ عنونوا حق الجاني و اختلفوا في حكم بيعه، و ظاهر ان الحقوق المانعة اكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، و قد انهاها بعض من عاصرناه الي ازيد من عشرين، فذكر بعد الاربعة المذكورة في عبارة الأكثر النذر المتعلق بالعين قبل البيع، و الخيار المتعلق به، و الارتداد، و الحلف علي عدم بيعه، و

تعيين الهدي

______________________________

فملكية الشي ء ربما تكون محفوفة بالوقفية أو الرهنية أو غيرهما من الموانع، و ربما تكون مطلقة، و قد انعقد هذا البحث لاعتبار كونها مطلقة و غير محفوفة بشي ء من الموانع و من الواضح ان هذا المعني غير كون البائع مستقلا بنقله و نقله ماضيا فيه.

فلا يرد عليهم ما اورده المصنف قدس سره عليهم: بان مرجع هذا الشرط

(1) الي ان من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا.

و هل يكون هذا شرطا خاصا واحدا معتبرا في البيع و يترتب عليه، عدم جواز بيع الوقف و الرهن و نحوهما،

ام هو عنوان انتزاعي مما هو مانع لا انه بنفسه مانع فيتفرع هذا العنوان علي مانعية تلك الخصوصيات تفرع الأمر الانتزاعي علي منشأ انتزاعه؟ وجهان.

(2) مختار المصنف قدس سره هو الثاني،

و عن المحقق الخراساني قدس سره: اختيار الأول و استدل له: بان المبرهن في محله ان الواحد لا يصدر الا عن الواحد، فإذا كان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 368

للذبح، و اشتراط عتق العبد في عقد لازم، و الكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة الي ما لم يتحرر منه حيث، ان المولي ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل الاداء، و التدبير المعلق علي موت غير المولي بناء علي جواز ذلك، فإذا مات المولي و لم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه،

و تعلق حق الموصي له بالموصي به بعد موت الموصي و قبل قبوله، بناء علي منع الوارث من التصرف قبله. و تعلق حق الشفعة بالمال، فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة ابطالها، و تغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشتري امة حبلي فوطئها

فأتت بالولد بناء علي عدم جواز بيعها و كونه مملوكا ولد من حر شريك في امه حال الوطي، فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه الا بتقويمه واخذ قيمته و تعارض السبب المملك و المزيل للملك، كما لو قهر حربي اباه و الغنيمة قبل القسمة بناء علي حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك و غير ذلك مما سيقف عليه المتتبع، لكنا نقتصر علي ما اقتصر عليه الاصحاب من ذكر الوقف، ثمّ ام الولد، ثمّ الرهن، ثمّ الجناية انشاء الله تعالي

______________________________

الاثر واحدا كشف ذلك عن وحدة المؤثر، فان كان المؤثر بحسب الصورة متعددا لا بد من البناء علي ان المؤثر هو الجامع بينها، ففي المقام لا بد من البناء علي ان المؤثر هو الجامع بين الأعدام الخاصة و ان المانع هو الجامع بين تلك الموانع.

و فيه: ان هذا البرهان لو تم و كان جاريا في الأحكام الشرعية- من جهة انه و ان لم يكن فيها تأثير و تأثر، و ان مقتضي الجعل ارادة الجاعل، الا انه بلحاظ المصالح و الملاكات يجري فيها هذا البرهان، فان المولي الحكيم إذا لم يكن شي ء دخيلا في الملاك لما كان آخذا اياه في الموضوع فانما هو في خصوص المقتضي الذي يترشح منه المقتضي، و لا يتم في الشرائط الدخيلة في فعلية الأثر من المؤثر و الموانع، و لذا لم يتوهم احد رجوع شرائط الصلاة الي شرط واحد،

فلا بد من تعيين احد الوجهين من الرجوع الي الأدلة اللفظية، و هي تتضمن مانعية كل عنوان خاص و اشتراط عدمه، و ليس في الأدلة ما يتضمن اعتبار كون الملك طلقا،

و عليه فالأظهر هو الثاني.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4،

ص: 369

مسالة لا يجوز بيع الوقف
اشارة

اجماعا محققا في الجملة و محكيا (1)

______________________________

بيع الوقف

(1) مسألة: لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة و محكيا.

حق القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في اقتضاء حقيقة الوقف بذاتها أو بلازمها لعدم جواز البيع.

الثاني: في الأدلة الخاصة.

اما المورد الأول: فالوقف لغة: هو ايقاف الشي ء و حبسه المساوق للسكون في قبال الجريان في التقلبيات و ليس له في الاصطلاح معني آخر، بل ذكروا في حقيقته انه تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة.

و في النبوي: انه حبس الأصل و سبل الثمرة «1»

و المراد من التحبيس: اما الممنوعية عن التصرفات كما عن كاشف الغطاء و صاحب الجواهر،

أو قصر الملك علي شخص أو جهة مثلا بحيث لا يتعداهما، و علي التقديرين يثبت المطلوب،

اما علي الأول: فلتضاد جواز المعاوضات مع الممنوعية من التصرف، و مقتضاه بطلان الوقف بنفس جواز التصرف و به يظهر وجه ما افاده صاحب الجواهر قدس سره من: ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه،

بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه جواز بيعه. انتهي.

و أما علي الثاني: فلأن حقيقة الملك لا تختلف في الوقف و غيره، فحيثية عدم التعدي عن موضوعه راجعة الي عدم نفوذ التصرف فيه شرعا بالانتقال من موضوعه.

و أما المورد الثاني: فقد استدل لعدم جواز بيع الوقف بوجوه:

______________________________

(1) المستدرك باب من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 370

لعموم قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها. (1)

و رواية ابي علي بن راشد، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام قلت جعلت فداك: اني اشتريت أرضا إلي جنب ضيعتي، فلما عمرتها خبرت انها وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و

لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الي ما اوقفت عليه، قلت: لا اعرف لها ربا قال تصدق بغلتها (2)

______________________________

(1) الاول: عموم قوله عليه السلام الوقوف يكون علي حسب ما يوقفها اهلها.

ففي مكاتبة الصفار الي ابي محمد الحسن بن علي عليهم السلام في الوقف و ما روي فيه عن آبائه عليهما السلام فوقع عليه السلام: الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله تعالي «1».

و في اخري: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها ان شاء الله. و قد استدل به المصنف قدس سره.

و فيه: ان الظاهر منه ارادة لزوم العمل بالوقف علي الكيفية التي قررها الواقف من القيود و الشروط في الموقوف عليه و العين الموقوفة و صرف المنافع، و ليس المراد به ان الوقوف يجب ابقائها، و عليه فان كان عدم البيع مأخوذا في حقيقة الوقف فلا وجه للاقتصار علي هذا الخبر بل كان الاولي ان يتمسك اولا بالعمومات الأولية من قبيل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيره و ان لم يكن ماخوذا فيها كما هو مسلك المصنف قدس سره علي ما يصرح به في الصورة الأولي من صور جواز بيع الوقف. فهذا الخبر لا يدل علي ترتبه علي الوقف.

(2) الثاني: خبر ابي علي بن راشد المذكور في المتن.

و هذا الخبر مروي في الكافي و الفقيه، و هو في الأول مجهول، و في الثاني صحيح،

فلا خدشة فيه سندا. و أما من حيث الدلالة فقد يقال: انه يدل- بقرينة ذيله- علي عدم جواز الشراء من غير الموقوف عليه، و هذا مما لا كلام فيه، انما الكلام في الشراء من الموقوف عليه.

و لكن يرد عليه: ان الظاهر من الصدر كون وجه المنع كونه وقفا لا صدور البيع

من غير اهله، مع ان ترك الاستفصال في الصدر في مقام الجواب كاف في اطلاق المنع

______________________________

(1) الوسائل باب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 371

و ما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام و غيره من الأئمة) صلوات الله عليهم اجمعين (مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه السلام في صورة وقف امير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن ابي طالب عليه السلام و هو حيّ سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع و لا توهب، حتي يرثها الله الذي يرث السماوات. و الأرض و اسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش و عاش عقبه، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين الخبر (1) فان الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة لا لشخصها،

______________________________

إذ السؤال لم يكن مقيدا في الصدر و انما قيده بعد جوابه عليه السلام، فجوابه مطلق فهذا الخبر من ادلة عدم جواز بيع الوقف.

(1) الثالث: ما روي «1» في صدقات أمير المؤمنين عليه السلام المذكور في المتن.

بدعوي ان الظاهر من الوصف كونه صفة لنوع الصدفة لا لشخصها.

الذي يظهر من كلمات المصنف قدس سره و غيره ابتذر الاستدلال به علي ذلك، و ان الأمر يدور بين كون الوصف صفة لنوع الصدقة أو لشخصها.

و حق القول في المقام ان يقال: انها ليست صفة لنوع الصدقة، لأنها عبارة عن التمليك المتقرب به الي الله تعالي، و لها نوعان:

احدهما: ما هو قسيم للوقف و هو يمتاز عن الوقف بفصل عدمي و هو عدم كونه بحيث لا يباع و لا يوهب.

ثانيهما: الوقف، و هو ما يكون

متفصلا بكونه بحيث لا يباع و لا يوهب و عليه فالصدقة بمنزلة الجنس و بالفصلين تصير وقفا و بالآخر صدقة خاصة فقوله عليه السلام لا تباع و لا توهب ليس وصفا لنوع الصدقة قطعا. اللهم الا ان يقال: ان مرادهم من صفة نوع الصدقة كونه وصفا للنوع من الصدقة، فلا يرد عليهم هذا الايراد.

ثمّ ان مرادهم من كونه وصفا للنوع اعم من كونه فصلا مقوما للنوع و كونه

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 372

و يبعد كونها شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص (1) مع ان سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم، خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم

______________________________

لازما للوقف.

فلا يرد علي المصنف قدس سره التهافت في كلماته، حيث استظهر في المقام كونه صفة لنوع الصدقة، و يصرح فيما بعد بعد كون المنع من الانتقال مأخوذا في حقيقة الوقف كما لا يخفي.

(1) و المراد من كونه وصفا للشخص كونه وصفا له بنحو الاشتراط، إذ لو لم يكن ذلك فصلا أو لازما للنوع يمتنع كونه مقوما للشخص بما انه فرد لهذا النوع، و ليست هذه الحيثية من مشخصات الفرد فيتعين جعله مشخصا بنحو الاشتراط و الالتزام، فالأمر يدور بين كونه وصفا للنوع و كونه وصفا للشخص بنحو الاشتراط.

و الأظهر هو الأول، و ذلك لوجوه:

الأول: ان الظاهر من قوله عليه السلام لا تباع كونه بنفسه وصفا للصدقة لا التزاما و جعلا.

الثاني: انه لو كان شرطا و التزاما في ضمن التزام كان المتعين عدم ذكره الا بعد تحقق الالتزام الأول بما له من الأركان التي منها الموقوف عليه، سيما و ان الالتزام يكون علي الموقوف عليه، فلا

معني لذكره قبل ذكره.

الثالث: ان الظاهر من صورة الوقف انه في مقام انشاء الوقف كتبيا مطابقا للانشاء اللفظي الذي انشأه في الخارج، و إذا لم يكن عدم جواز البيع من لوازم الوقف و كان شرطا خارجيا لما صح الانشاء لما عرفت من ان الصدقة بمنزلة الجنس للوقف.

الرابع: انه لو كان شرطا كان يصدر الوصف بكلمة علي أو نحو ذلك فيكون وصفا للنوع و لكن لا يدل علي انحصار حقيقة الوقف في هذا النوع الخاص، فلعل له نوعين احدهما: المتقوم بهذه الحيثية، ثانيهما: غير المتقوم بها. فمع فرض كونه وصفا للنوع لا يدل علي المطلوب، اللهم الا ان يضم عدم الفصل بين أقسام الوقف، و لا بأس به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 373

مع انه لو جاز البيع في بعض الاحيان كان اشتراط عدمه علي الاطلاق فاسدا، بل مفسدا (1) لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد، كدفع الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طرو الحاجة أو صيرورته مما لا ينتفع به اصلا الا ان يقال ان هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه الي البيع لا لعذر (2) مع ان هذا التقييد مما لا بد منه (3) علي تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا، مع احتمال علم الامام بعدم طرو هذه الامور المبيحة (4) و حينئذ يصح ان يستغني بذلك عن التقييد علي تقدير كون الصفة شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع، فان العلم بعدم طرو مسوغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد اطلاق الوصف في النوع، كما لا يخفي.

______________________________

(1) و ذكر المصنف من مرجحات كونه وصفا للنوع ما حاصله: انه لو كان شرطا

كان اطلاقه مخالفا للمشروع للجواز في بعض الأحيان فكان فاسدا بل مفسدا، و الظاهر ان الفرق بين الجواز الثابت في موارد الاستثناء، و الجواز الذي يكون في مطلق الوقف علي القول به- حيث انه لم يستشكل في الشرط من الناحية الثانية و استشكل فيه من الناحية الأولي- ان الجواز في موارد الاستثناء يكون عن اقتضاء للجواز بخلاف الجواز في مطلق الوقف، فانه يكون عن عدم ما يقتضي للمنع، فشرط خلاف الأول مخالف للمشروع دون شرط خلاف الثاني فتأمل.

و كيف كان فدفعه بوجهين

(2) احدهما انصراف البيع بوجهين

(3) ثانيهما لزوم هذا التقييد سواء كان الوصف للنوع أو شرطا خارجيا- و يرد عليه: ان الشرط ان كان عدم جواز البيع كان مخالفا للمشروع علي جميع التقادير، و ان كان عدم الفعل لم يكن مخالفا له، فان شرط عدم فعل ما هو جائز ليس مخالفا للكتاب و السنة.

(4) و ربما يذكر من مرجحات كونه شرطا خارجيا ما محصله: انه لو كان شرطا.

يمكن حفظ اطلاقه من جهة علمه عليه السلام بعدم طرو المسوغات المنافية للاشتراط.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 374

فظهر ان التمسك باطلاق المنع علي البيع علي كون الوصف داخلا في اصل الوقف، كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر، و ان كان الانصاف مما ذكرنا من ظهور سياق الاوصاف في كونها اوصافا للنوع، و مما ذكرنا ظهر ان المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة: (1) حق الواقف حيث جعلها بمقتضي صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها، و حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فان الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر فيه التقرب، و يكون لله تعالي عمله و عليه

عوضه، و قد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقي الباقي و قد يرتفع كلها و سيجي ء التفصيل.

______________________________

و لو كان صفة للنوع لم تجد هذه الجهة، إذ علمه عليه السلام بان شخص هذه الصدقة لا يطرأ عليه المسوغ لا يجوز توصيف الطبيعي بوصف يختص بهذا الشخص.

(1) ذكر المصنف قدس سره تبعا لبعض الاساطين: ان المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة:

حق الواقف، حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق، و التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات.

فلا بد لنا من تحقيق حال الموانع الثلاثة فنقول:

اما كونه متعلقا لحق الواقف، فتقريبه: ان الواقف بجعل العين وقفا يجعلها صدقة جارية ينتفع انتفاعا اخرويا بانتفاع الموقوف عليهم، و البيع يوجب انقطاع تلك المثوبات لانقطاع الانتفاعات.

و فيه: ان مجرد انتفاع الواقف اخرويا بعد خروج الملك عن ملكه لا يصلح مانعا عن البيع، فان هذا لا يوجب حدوث حق اعتباري في العين مانع عن بيعها، و تفويت الغرض ليس كتفويت الحق مانعا عن البيع،

مع ان متعلق البيع نفس العين، و المثوبات انما تكون بازاء الانتفاعات، فلا مانع من بيع العين و بقاء حق الموقوف عليهم في استيفاء المنافع الموجب لانتفاع الواقف متعلقا بها. فتأمل.

لا يقال: ان المراد ان هذا غرض معاملي للواقف حيث انه انشأ الوقف بابقاء العين و تسبيل المنفعة و قد أمضي الشارع هذا المعني بقوله: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 375

ثمّ ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف الي ان يباع. فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه فمعني جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها الي بدل أو لا إليه،

فإن مدلول صيغة الوقف و ان اخذ فيه الدوام و المنع عن المعاوضة عليه، الا انه قد يعرض

ما يجوز مخالفة هذا الانشاء، كما ان مقتضي العقد الجائز كالهبة تمليك المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه، فتأمل.

الا انه ذكر بعض في هذا المقام. ان الذي يقوي في النظر بعد إمعانه ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه، ثمّ ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه، و قد سبقه الي ذلك بعض الاساطين في شرحه علي القواعد.

______________________________

فانه يرد بان المانع عن البيع علي هذا هو حقيقة الوقف لمنافاتها مع جواز البيع لا حق الواقف.

و أما كون العين موردا لحق الله سبحانه،

فتقريبه: ان الوقف صدقة في سبيله تعالي و هي له، و بهذا الاعتبار متعلقة لحقه بالخصوص كالخمس.

و فيه: ان غاية ما هناك تقرب الواقف بالعمل، و اعطائه تعالي الثواب جزاء للصدقة الجارية، و هما متحققان في جميع العبادات، و لا يوجبان صيرورة العين متعلقة لحق مقابل للحكم.

و أما كون العين موردا لحق البطون اللاحقة فتقريبه: ان الواقف جعل الوقف ملكا لهم بعد وجودهم، فلهم قبل ذلك حق متعلق بالعين، و هو يمنع عن البيع.

و فيه: ان ما يثبت للبطون اللاحقة لا محالة يكون بإنشاء الواقف، و من الواضح انه انما انشأ الملكية خاصة، فليس هناك امر آخر اعتباري يعبر عنه بالحق يمنع عن البيع و أما الملكية فحيث انها تثبت لهم بعد وجودهم، فقبله لا تكون العين موردا للملكية لهم، فلا مانع من البيع من هذه لا جهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 376

حيث استدل علي المنع عن بيع الوقف بعد النص و الاجماع، بل الضرورة: بأن

البيع و اضرابه ينافي حقيقية الوقف لأخذ الدوام فيه، و ان نفي المعاوضات مأخوذة فيه ابتداء. (1)

و فيه انه ان اريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره و هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها و عن بدلها حيث قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع، فهذا لا محصل له فضلا عن ان يحتاج الي نظر، فضلا عن امعانه، و ان اريد به انتفاء اصل الوقف كما هو ظاهر من كلامه، حيث يجعل المنع من البيع من مقومات مفهوم الوقف. ففيه مع كونه خلاف الاجماع إذ لم يقل احد ممن اجاز بيع الوقف في بعض الموارد (2) ببطلان الوقف

______________________________

نعم يمكن ان يذكر وجه آخر للمنع، و هو: ان البطن الموجود انما يملك العين بالملكية المحدودة لا المرسلة، فان تلك كانت للواقف، و قد قسمها علي البطون، فكل بطن يملك العين في مدة محدودة، و البيع هو التمليك مرسلا مطلقا، فالمالك بالملكية المحدودة ليس له البيع.

(1) و قد وقع النزاع بين صاحب الجواهر قدس سره و شيخه، و بين المصنف قدس سره

(1) فقد ذهب الاولان الي ان الوقف يبطل بنفس جواز البيع،

(2) و خالفهما المصنف قدس سره و ذهب الي بقائه ما لم يتحقق البيع، و به يبطل.

و قد يقال: انه لا ثمرة لهذا النزاع، فانه قبل طروء المسوغ لا يجوز البيع و بعده يصح،

و لكن إذا طرأ المسوغ و لم يبع ثمّ ارتفع السبب المجوز علي القول بارتفاع صفة الوقفية لا مورد لتوهم ارتفاع الجواز، فان الوقف لا يعود بارتفاعه و أما علي القول ببقائها يمكن القول بارتفاع الجواز لدورانه مدار السبب المسوغ اللهم الا ان يقال: ان دليل عدم

جواز بيع الوقف حيث لا عموم ازماني له فبعد خروج قطعة من الزمان عنه يكون المحكم بعد تلك استصحاب الجواز لا إطلاق دليل المنع، فلا تكون هذه ثمرة فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 377

و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه الي ملك الواقف ان المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه، بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك.

و لذا يطلق عليه الصدقة و يجوز ايجابه بلفظ تصدقت، الا ان المالك له بطون متلاحقة، فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا علي جميع الملاك في ابدال ما لهم بمال آخر، و إذا جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود علي القول بجوازه فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم، فإذا لم يبيعوا لم يبطل. و لذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع، أو لم يتفق البيع كان الوقف علي حاله. و لذا صرح في جامع المقاصد، بعد جواز رهن الوقف و ان بلغ حدا يجوز بيعه معللا باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند ارادة بيعه في دين المرتهن.

إذا عرفت ان مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا: (1)

______________________________

فان هذا لا يتم علي ما سلكناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

و كيف كان: فقد عرفت ان ما اختاره صاحب الجواهر اقوي.

الوقف قد يكون تمليكا و قد يكون فكا

(1) إذا عرفت ان مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم: ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا.

و لا يخفي ان استفادة الاتفاق من الأصحاب و لو في مورد خاص مشكل لاختلاف كلماتهم في اصل الخروج عن المنع و في موارده،

و كلماتهم لا تخلو من الأشكال و التشويش، و قد بذل جمع- منهم المصنف قدس سره- جهدهم في استقصائها، شكر الله مساعيهم و انما اكتفي بنقل كلمات المصنف من دون اظهار النظر في شي ء منها و اليك نص ما افاده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 378

احدها: عدم الخروج عنه اصلا و هو الظاهر من كلام الحلي حيث قال في السرائر بعد نقل كلام المفيد قدس سره و الذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه و تقبيضه لا يجوز الرجوع فيه و لا تغييره عن وجوهه و سبله و لا بيعه سواء كان بيعه ادر «أعود» عليهم ام لا، و سواء خرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا ام لا، قال الشهيد رحمه الله بعد نقل اقوال المجوزين و ابن ادريس سد الباب و هو نادر مع قوته، و قد ادعي في السرائر عدم الخلاف في المؤبد قال: ان الخلاف الذي حكيناه بين اصحابنا انما هو إذا كان الوقف علي قوم، و من بعد هم علي غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه الي غيره الي ان يرث الله الأرض، لم يجز بيعه علي وجه بغير خلاف بين أصحابنا،

انتهي.

و فيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور اقوال كثير من المجوزين في المؤبد. و حكي المنع مطلقا عن الاسكافي و فخر الإسلام ايضا، الا في آلات لموقوف و اجزاءه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع، قال الاسكافي علي ما حكي عنه في المختلف ان الموقوف رقيقا أو غيره لو بلغ حاله الي زوال ما سبله من منفعته،

فلا بأس ببيعه و ابدال مكانه بثمنه ان امكن أو صرفه

فيما كان يصرف إليه منفعته،

اورد ثمنه علي منافع ما بقي من اصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح، انتهي.

و قال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده قدس سره و لو خلق حصير المسجد و خرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق، فالاقرب جواز بيعه، قال بعد احتمال المنع بعموم النص في المنع: و الاصح عندي جواز بيعه و صرف ثمنه في المماثل ان امكن و الا ففي غيره، انتهي.

و نسبة المنع اليهما علي الاطلاق لا بد ان يبني علي خروج مثل هذا عن محل الخلاف و سيظهر هذا من عبارة الحبلي و الكافي ايضا فلاحظ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 379

الثاني: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد، و هو المحكي عن القاضي حيث قال في المحكي المهذب: إذا كان الشي ء وقفا علي قوم و من بعدهم إلي غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلي غير ذلك إلي أن يرث الله تعالي الأرض و من عليها، لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه فان كان وقفا علي قوم مخصومين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلي غيرهم حسب ما قدمناه، و حصل الخوف من هلاكه أو فساده، أو كان باربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدي إلي فساده،

فإنه حينئذ يجوز بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم علي حسب استحقاقهم، فان لم يحصل شي ء من ذلك لم يجز بيعه علي وجه من الوجوه، و لا يجوز هبة الوقف و لا الصدقة به ايضا، و حكي عن المختلف و جماعة نسبة التفصيل

إلي الحلبي. لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده بل ربما استظهر منه المنع علي الاطلاق فراجع.

و حكي التفصيل المذكور عن الصدوق و المحكي عن الفقيه انه قال: بعد رواية علي بن مهزيار الآتية ان هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم و لو كان عليهم و علي اولادهم ما تناسلوا و من بعد علي فقراء المسلمين الي ان يرث الله تعالي الأرض و من عليها، لم يجز بيعه ابدا. ثمّ ان جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي كما لا يخفي.

ثمّ ان هؤلاء ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع الي ورثه الموقوف عليه فللقول، بجواز بيعه وجه، اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه الي الواقف أو ورثته، فلا وجه للحكم بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم. و قد حكي القول بهذين عن القاضي إلا أن يوجه بأنه لا يقول ببقائه علي ملك الواقف حتي يكون حبسا بل هو وقف حقيقي و تمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم، و حينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول مع تعلق سائر حق البطون في الوقف المؤبد. لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكي عنه القول المتقدم حيث انه يقول ببقاء الوقف مطلقا علي ملك الواقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 380

الثالث: الخروج عن عموم المنع و الحكم بالجواز في المؤبد في الجملة و أما المنقطع فلم ينصوا عليه و ان ظهر من بعضهم التعميم و من بعضهم التخصيص بناء علي قوله برجوع المنقطع الي ورثة الواقف كالشيخ و سلار قدس سره، و من حكم برجوعه بعد

انقراض الموقوف عليه إلي وجوه البر كالسيد ابي المكارم بن زهرة فلازمه جعله كالمؤبد و كيف كان فالمناسب اولا نقل عبائر هؤلاء. فنقول قال المفيد في المقنعة: الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها الا ان يحدث الموقوف ادر «اعود» عليهم و انفع لهم من تركه علي حاله و إذا اخرج الواقف الوقف عن يده الي من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شي ء منه و لا تغيير شرائطه و لا نقله عن وجوهه و سبله متي اشترط الواقف في الوقف انه متي احتاج إليه في حياته لفقر كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه جاز له فعل ذلك و ليس لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيروا شيئا من شروطه الا ان يخرب الوقف و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره، أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه. كذلك ان حصلت لهم ضرورة الي ثمنه، كان لهم حله و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرنا من الاسباب و الضرورات انتهي كلامه رحمه الله.

و قد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة مواضع و ضم صورة جواز الرجوع و جواز تغير الشرط الي المواضع الثلاثة المذكورة، بعد وصول الموقوف الي الموقوف عليهم و وفات الواقف فلاحظ و تأمل.

ثمّ ان العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان بحدث الي قوله انفع لهم من تركه علي حاله متأول، و لعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد، و قال في الانتصار علي ما حكي عنه،

و مما انفردت الامامية به القول بأن الوقف متي حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا، جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و ان ارباب الوقف متي دعتهم ضرورة شديدة الي ثمنه جاز لهم بيعه و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 381

ثمّ احتج باتفاق الامامية ثمّ ذكر خلاف ابن الجنيد و رده بكونه مسبوقا و ملحوقا بالاجماع، و انه انما عول في ذلك علي ظنون له و حسبان اخبار شاذة لا يلتفت الي مثلها انتهي.

ثمّ قال: و أما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي او دعت اربابه الضرورة الي ثمنه لشدة فقرهم فالاحوط ما ذكرناه من جواز بيعه، لأنه انما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه، و لم يبق منفعة فيه الا من الوجه الذي ذكرناه، انتهي.

و قال في المبسوط و انما يملك الموقوف عليه بيعه علي وجه عندنا، و هو انه إذا خيف علي الوقف الخراب، أو كان باربابه حاجة شديدة و لا يقدرون علي القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك لا يجوز بيعه انتهي.

ثمّ احتج علي ذلك بالاخبار، و قال سلار فيما حكي عنه: و لا يخلو الحال في الوقف و الموقوف عليهم من أن يبقي و يبقوا علي الحال التي وقف فيها، أو يتغير الحال فان لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف، و لا هبته و لا تغيير شي ء من احواله، و ان تغير الحال في الوقف حتي لا ينتفع به علي اي وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو انفع لهم انتهي.

و قال

في الغنية علي ما حكي عنه: و يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه أو كانت باربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة الي بيعه بدليل اجماع الطائفة و لأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم يبق له منفعة الا علي الوجه الذي ذكرنا جاز، انتهي.

و قال في الوسيلة و لا يجوز بيعه يعني الوقف الا بأحد شرطين: الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه، شديدة لا يمكنه معها القيام به، انتهي.

و قال الراوندي في فقه القرآن علي ما حكي عنه: و انما يملك بيعه علي وجه عندنا و هو إذا خيف علي الوقف الخراب أو كان باربابه حاجة شديدة.

و قال في الجامع علي ما حكي عنه: فإن خيف خرابه أو كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 382

و عن النزهة: لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه، أو يؤدي المنازعة فيه بين اربابه الي ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، و يكون بيع الوقف اصلح لهم، انتهي.

و قال في الشرائع و لا يصح بيع الوقف ما لم يؤدي بقاؤه إلي خرابه، لخلف بين أربابه و يكون البيع أعود.

و قال في كتاب الوقف: و لو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه، و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه، بل كان البيع انفع لهم قيل:

يجوز بيعه و الوجه المنع، انتهي.

و مثل عبارة الشرائع في كتابي البيع و الوقف عبارة القواعد في الكتابين. و قال في التحرير لا يجوز بيع الوقف بحال و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة

عن الوقف، و لم يجز بيعها و لو وقع خلف بين ارباب الوقف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه علي ما رواه أصحابنا، ثمّ ذكر كلام ابن ادريس و فتواه علي المنع مطلقا، و تنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز علي المنقطع، و نفيه الخلاف علي المنع في المؤبد، ثمّ قال: و لو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلية، كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكن من عمارتها و يشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها،

انتهي.

و قال في بيع التحرير، و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، و لو ادي بقاؤه إلي خرابه جاز، و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين اربابه مع بقائه علي الوقف انتهي.

و عن بيع الارشاد، لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب أو يؤدي الي الخلف بين اربابه علي رأي، و عنه في باب الوقف: لا يصح بيع الوقف الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف و يخشي به الخراب، و قال في التذكرة في كتاب الوقف علي ما حكي عنه: و الوجه ان يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين اربابه يحصل باعتبارها فساد، انتهي.

و قال في كتاب البيع، لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد، نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه، انتهي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 383

و قال في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف و إذا كان البيع اعود مع الحاجة، و قال في الدروس لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه أو

خلف أربابه المؤدي إلي فساده. و قال في اللمعة: لو أدي بقاؤه إلي خرابه لخلف أربابه فالمشهور الجواز، انتهي.

و قال في تلخيص الخلاف علي ما حكي عنه: ان لأصحابنا في بيع الوقف اقوالا متعددة اشهرها جوازه إذا وقع بين اربابه خلف و فتنة و خشي خرابه و لا يمكن سد الفتنة بدون بيعه و هو قول الشيخين.

و اختاره نجم الدين و العلامة، انتهي.

و قال في التنقيح علي ما حكي عنه إذا آل الي الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به اصلا جاز بيعه.

و عن تعليق الارشاد يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الانفس، و عن ايضاح النافع انه جوز بيعه إذا اختلف اربابه اختلافا يخاف معه القتال. و نهب الاموال و لم يندفع الا بالبيع، قال: فلو امكن زواله و لو بحاكم الجور، لم يجز. و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه، انتهي.

و مثله الكلام المحكي عن تعليقه علي الشرائع.

و قال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد الي موافقة الأكثر:

ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:

احدها: إذا خرب و اضمحل بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا اندرست و جذوعه إذا انكسرت.

ثانيها: إذا حصل خلف بين اربابه يخاف منه تلف الأموال و مستنده صحيحة علي بن مهزيار و يشتري بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان، و يتولي ذلك الناظر الخاص ان كان و إلا فالحاكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 384

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلة و غيرها، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام انتهي كلامه رفع مقامه.

و قال في الروضة: و

الاقوي في المسألة ما دل عليه صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه إذا وقع بين اربابه خلف شديد،

علله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس. و ظاهره ان خوف ادائه اليهما و الي احدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك، قال و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه و ان احتاج إليه ارباب الوقف و لم يكفهم غلته أو كان بيعه اعود أو غير ذلك مما قيل لعدم دليل صالح عليه، انتهي.

و نحوه ما عن الكفاية، هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية، و الظاهر ان المراد بتأدية بقاء الوقف الي خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف لا التأدية علي وجه القطع، فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها و خشيتها في بعضها الآخر، و لذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا و اخري بذلك، كما اتفق للفاضلين و الشهيد و نسب بعضهم عنوان الخوف الي الأكثر،

كالعلامة في التذكرة و إلي الأشهر كما عن ايضاح النافع، و آخر عنوان التأدية الي الأكثر، كجامع المقاصد، أو إلي المشهور كاللمعة، فظهر من ذلك ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلي خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن، المتيقن عن

فتوي المشهور ما كان من أجل اختلاف اربابه، اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم كالنص كون الاختلاف من باب المقدمة و أن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب

______________________________

و ان شئت الاطلاع علي نظرات الفقهاء العظام فانظر الي ما جمعه المصنف قدس سره فانه رحمه الله قد استقصي الكلام في ذلك بنحو لم يبق مورد له دخل في كيفية الاستنباط الا و قد اشار إليه.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 385

إذا عرفت ما ذكرنا

فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد و اخري في المنقطع.
[الوقف المؤبد]
اشارة

اما الأول فالذي ينبغي ان يقال فيه ان الوقف علي قسمين:

احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم فيملكون منفعته فلهم استئجاره و أخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.

و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير، (1) كما في المساجد و المدارس و الربط بناء علي القول بعدم دخولها في ملك المسلمين،

كما هو مذهب جماعة فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه احد بغير حق فالظاهر انه ليس عليه اجرة المثل.

______________________________

و الكلام يقع تارة: في الوقف المؤبد، و اخري: في المنقطع.

(1) اما الاول: ففي المكاسب: ان الوقف علي قسمين: احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد، بل يكون فك ملك نظير التحرير …

تنقيح القول في المقام: ان الكلام يقع اولا: في انه هل يخرج الملك عن ملك الواقف ام لا؟ ثمّ في انه علي فرض الخروج هل يدخل في ملك الموقوف عليه خاصا أو عاما اولا،

ام يفصل بين العام و الخاص؟ اما الموضع الأول: فقد استدل لعدم الخروج الذي ذهب إليه أبو الصلاح: بقوله صلي الله عليه و آله: حبس الأصل و سبل الثمرة «1». و بقول الفقهاء: انه تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة. بتقريب: ان الظاهر من الحبس ابقائه علي حاله و ملك مالكه.

و فيه ان الظاهر من الحبس بقرينة تسبيل المنفعة، الحبس علي الموقوف عليه كما ان التسبيل له لا التحبس علي الواقف.

و قد استدل للخروج عن ملكه بوجوه بينة الفساد و الصحيح ان يستدل له: بان الملكية من الاعتبارات، و الاعتبار لا بد و ان يكون بلحاظ الآثار، فالاعتبار الذي لا

يترتب عليه اثر لغو لا يصدر من العقلاء و الشارع

______________________________

(1) المستدرك باب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 386

______________________________

و حيث ان اعتبار كون المال ملكا للواقف مع كونه ممنوعا من التصرفات و رجوع منافعه الي الموقوف عليه لغو و بلا اثر، فلا يصدر من العقلاء و الشارع، فلا محالة بالوقف يخرج عن ملكه.

و يمكن ان يستدل له بما اشتمل من النصوص «1» علي كيفية الوقوف و صدقات المعصومين عليهما السلام من قولهم بتا بتلا اي منقطعا عن الواقف و مبانا عنه، لأن البت و البتل بمعني القطع.

و أما الموضع الثاني:

فعن الأكثر- بل المشهور-: انتقاله الي الموقوف عليه، و نقل الحلي عن بعضهم:

اختيار انتقاله الي الله تعالي، و عن المبسوط: نسبته الي قوم، و عن الشهيد الثاني في المسالك، و العلامة في القواعد: التفصيل بين العام و الخاص.

و قد استدل لصيرورته ملكا للموقوف عليه بوجوه:

الأول: ان المتلف للعين الموقوفة يكون ضامنا للموقوف عليه، فلو لم يكن ملكا له لما كان وجه للضمان.

و فيه: انه يكفي في الحكم بالضمان اضافتها إليه و لو بكونها محبوسة عليه لينتفع بها، فيكون البدل كالمبدل موردا و مصرفا لانتفاعه به.

الثاني: ان فائدة الملك- و هي استحقاق النماءات و المنافع- تكون له، فيكشف ذلك عن ملك العين.

و فيه ان ملكية المنافع و النماءات ان لم يتعلق بها انشاء مستقل كانت تابعة لملكية العين، و أما إذا تعلق الانشاء بها مستقلا- كما في باب الإجارة- فلا تكشف عن ملكية العين،

و المقام من هذا القبيل، فان الوقف تسبيل المنافع بالاستقلال.

الثالث: ان الوقف من اركانه الموقوف عليه، اما خاصا أو عاما، و لو كان مجرد

______________________________

(1) الوسائل باب 6 و

10- من ابواب الوقوف و الصدقات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 387

______________________________

فك الملك لما احتاج إليه.

و فيه: ان الاحتياج إليه انما هو من جهة كونه مالكا للمنافع أو الانتفاع لا من حيث كونه فكا للملك.

الرابع: ان الوقف لو كان فكا لا تمليكا لما احتاج الي القبول كالعتق، مع انه يتوقف عليه.

و فيه: ان الاحتياج الي القبول انما هو من جهة كون الموقوف موردا و مصرفا للنماءات و الانتفاعات.

و استدل للقول بانتقاله الي الله تعالي: بان الوقف ازالة الملك عن المالك علي وجه القربة، فيكون منتقلا الي الله تعالي، و هو كما تري.

و استدل للقول الثالث: في الخاص بما تقدم، و في العام و الجهات بتساوي نسبة كل واحد من المستحقين، و استحالة ملك كل واحد أو واحد معين أو غير معين للاجماع،

و استحالة الترجيح و لا المجموع من حيث هو مجموع لاختصاص الحاضر به، فيتعين ان يكون لله.

و فيه: اولا: انه لا مانع من الالتزام بانه مال لا مالك له.

و ثانيا: انه يمكن الالتزام بكون المالك هو الكلي كما في الخمس و الزكاة.

و الحق ان يقال: ان الوقف علي اقسام:

احدها: ما يملك الموقوف عليه منفعة العين الموقوفة، فيجوز له نقلها باجارتها و نحوها كالأوقاف الخاصة أو ما يشبهها من الأوقاف العامة كالبستان الموقوف علي الطلاب.

ثانيها: ما يملك الموقوف عليه الانتفاع بها و لا يملك المنفعة، كان ملك الانتفاع بانشاء الواقف كالمدارس و الخانات، أو بحكم من الشارع كالمسجد، فانه لم يقصد به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 388

و الظاهر ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول.

و أما الثاني: فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. (1)

و بالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا

غير طلق لا فيما لم يكن ملكا،

و حينئذ فلو خرب المسجد، و خربت القرية، و انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد، لم يجز بيعه

______________________________

الا جعله مسجدا، و قد حكم الشارع بجواز الصلاة فيه من دون ان يجعله الواقف وقفا علي المصلين.

ثالثها: ما لا يترتب عليه ملك المنفعة و لا الانتفاع، كما في المعلقات الموقوفة علي الروضات و المشاهد المقدسة.

اما في الأخيرين: فالأظهر عدم الملك، فانه من عدم ملكية المنفعة يستكشف عدم ملكية العين، إذ لو كانت العين ملكا كانت المنفعة ايضا ملكا.

و أما في الأول: فيمكن القول بكون العين للموقوف عليه، للتعبير عن ذلك في النصوص بالصدقة التي هي الاعطاء مجانا بقصد القربة، سيما و في بعضها مثل ما تضمن «1»

صدقة الإمام الكاظم عليه السلام نسبتها الي جميع حقه من الأرض الموقوفة، فانه لا ينبغي التوقف في استفادة الملك من ذلك كما لا يخفي.

بيع الوقف مع عدم كونه ملكا

إذا عرفت ان للوقف قسمين: احدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، و ثانيهما: ما لا يكون ملكا لهم بل هو فك و تحرير، فاعلم: انه يقع الكلام في مقامين:

الأول: في بيع ما لا يكون ملكا في الموارد التي لو كانت ملكا كان يجوز بيعها.

الثاني: في ما يكون ملكا لهم.

(1) اما المقام الاول: فقد قال المصنف قدس سره و أما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 389

و صرف ثمنه في احداث مسجد آخر أو تعميره.

و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك، بل لعدم

اصل الملك برجوعها الي الله و دخولها في مشاعره انه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يؤجر للزراعة و نحوها، مع المحافظة علي الآداب اللازمة لها ان كان مسجدا مثلا، و احكام السجلات لئلا يغلب اليد،

فيقضي بالملك و تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب و الأحوج و الافضل احتياطا، و مع التعارض فالمدار علي الراجح، و ان تعذر صرف الي غير المماثل، كذلك فإن تعذر صرف في مصالح المسلمين. و أما غير الأرض من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها، فإن بقيت علي حالها و امكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي اعدت له كانت علي حالها،

و الا جعلت في المماثل، و الا ففي غيره، و الا ففي المصالح علي نحو ما مر.

______________________________

الكلام في هذا المقام يقع في موارد:

احدها: في حكم الأوقاف العامة غير المسجد كالخانات و المدارس و نحوها.

ثانيها: في حكم المسجد.

ثالثها: في اجزاء المسجد.

رابعها: في ثوب الكعبة.

اما المورد الأول: فان قلنا بانه يعتبر في البيع كون العوضين مملوكين للمتعاقدين قبل البيع، لم يصح بيعها بوجه لعدم الملك، و لا إجارتها لعدم ملك المنفعة علي الفرض. فما عن بعضهم من جواز الإجارة حتي في مثل المسجد إذا خرب لا ينطبق علي هذا المبني،

و أما علي المختار من عدم اعتبار ذلك و انه يكفي كونه مالكا للبيع و مسلطا علي التمليك- كما في بيع الكلي في الذمة و اجارة الحر نفسه- فلا اشكال في جواز البيع، إذ كما يقال في الوقف الخاص: ان العين بشخصها محبوسة ما دام الي ذلك سبيل و الا فهي محبوسة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 390

و ان تعذر الانتفاع بها باقية علي حالها

بالوجه المقصود منها، أو ما قام مقامه اشبهت الملك بعد اعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع الي حكم الاباحة و العود ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم و العود الي المالك، و مع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك. و يحتمل بقاؤه علي الوقف و يباع احترازا عن التلف و الضرر و لزوم الحرج و تصرف مرتبا علي النحو السابق، و هذا هو الاقوي،

كما صرح به بعضهم، انتهي.

و فيه ان اجارة الأرض و بيع الآلات حسن لو ثبت دليل علي كونه ملكا للمسلمين (1) و لو علي نحو الأرض المفتوح عنوة، لكنه غير ثابت و المتيقن خروجه عن ملك مالكه. و أما دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل، نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الاباحة، و لا يتعلق عليهم اجرة،

______________________________

بماليتها دون شخصها فتتبدل بعين اخري تجعل مكانها كذلك يقال في الوقف العام ان العين محبوسة بشخصها ما دام يمكن الانتفاع بها، و الا فهي محبوسة بماليتها و مطلقة من جهة شخصيتها بلا تفاوت بينهما اصلا.

و بما ذكرناه يظهر حال الإجارة، و انها تصح، بل هي اولي بذلك من البيع، فان فيها الحفظ علي محبوسية العين بما لها من الشخصية.

(1) كما انه ظهر حكم حصير المسجد، فانه كسائر الاوقاف العامة، و لا يتوقف جواز بيعه علي كونه ملكا للمسلمين كما افاده المصنف قدس سره.

كما انه ظهر حكم الأوقاف العامة التي ليست لأجل انتفاع المسلمين بل لغرض آخر كالتزيين، فانها و ان لم تكن مملوكة لأحد لعدم الدليل الا انه يجوز بيعها في موارد جواز البيع لو كانت مملوكة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 391

ثمّ انه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من

الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة وهبته (1) مثل رواية مروان بن عبدا لملك، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام:

عن رجل اشتري من كسوة الكعبة ما قضي ببعضه حاجته و بقي بعضه في يده هل يصلح ان يبيع ما اراد؟ قال: يبيع ما اراد و يهب ما لم يرد و ينتفع به و يطلب بركته،

قلت: أ يكفن به الميت؟ قال: لا، قيل: و في رواية اخري يجوز استعماله و بيع نفسه،

و كذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

اللهم الا ان يقال ان ثوب الكعبة و حصير المسجد ليسا من قبيل المسجد، بل هما مبذولان للبيت و المسجد فيكون كسائر اموالهما. و معلوم ان وقفية اموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأول، و ليس من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العام التصرف فيه بالبيع. نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد، فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيز الانتفاع، بل كان جديدا غير مستعمل و بين ما يكون من الأموال وقفا علي المسجد، كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد، و الثوب الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه،

الا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

______________________________

و أما المورد الثاني: فملخص القول فيه: ان للمسجد- مع قطع النظر عن كونه من الأوقاف العامة و يجوز انتفاع المسلمين به في الصلاة و غيرها- حيثية اخري، و هي حيثية المسجدية و احكام خاصة من حرمة تنجيسه و وجوب ازالة النجاسة عنه و نحوهما، و هذه الحيثية- اي حيثية كون الأرض

بيت الله- قائمة بشخص هذه الأرض لا بما لها من المالية، و هذه الحيثية تمنع عن بيعه.

و أما اجارته فبما انه لا تنافي هذه الحيثية، و من حيث انه وقف عام ايضا لا مانع لفرض كون المورد من موارد الجواز، فلا محذور فيها.

و بذلك ظهر تمامية ما افاده كاشف الغطاء قدس سره.

(1) قوله ما ورد في بيع ثوب الكعبة «1» سيأتي البحث فيه في المورد الرابع

______________________________

(1) الوسائل باب 26 من ابواب مقدمات الطواف كتاب الحج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 392

ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا علي المسلمين، و لكن يضعه في المسجد، لأنه احد وجوه انتفاعهم كالماء المسبل الموضوع في المسجد فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به في غيره و لو مع حاجته لكن يبقي الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه.

و ان كان الظاهر في الأول الاختصاص و اوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه.

و في الثاني: العموم فيجوز التوضي منه و ان لم يرد الصلاة في المسجد،

و الحاصل ان الحصر و شبهها الموضوعة في المساجد و شبهها يتصور فيها اقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين، و ليست من قبيل نفس المسجد و اضرابه فتعرض الاصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا. نعم ما ذكرنا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان مع ان المحكي عن العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني جواز بيعه، و ان اختلفوا في تقييد الحكم و اطلاقه، كما سيجي ء الا ان نلتزم بالفرق بين

ارض المسجد. فإن وقفها و جعلها مسجدا فك ملك، بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالاخشاب و الاحجار فإنها تصير ملكا للمسلمين، فتأمل.

و كيف كان فالحكم في ارض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو ابقاؤها مع التصرف في منافعها، كما تقدم عن بعض الاساطين أو بدونه. و أما اجزاؤه كجزوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينه

______________________________

و أما المورد الثالث: فالظاهر ان حالها حال المسجد، فانها من اجزائه، و تجمعها و العرصة صيغة واحدة، و بناء الأصحاب علي ترتب احكام المسجد عليها من حرمة التنجيس و وجوب ازالة النجاسة و غيرهما ما لم يصرح بعدم دخولها في المسجد، و عليه فلا يجوز بيعها بوجه. فان امكن الانتفاع بها في ذلك المسجد، و الا ينتفع بها في مسجد آخر، و ان لم يمكن صرفت في سائر مصالح المسلمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 393

يجب صرف عينه فيه، لان مقتضي وجوب ابقاء الوقوف و اجرائها علي حسب ما يوقفها اهلها وجوب ابقائه جزءا للمسجد، لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال، و ان لم يكن مصلحة في رده جزءا للمسجد، فبناء علي ما تقدم من ان الوقف في المسجد و اضرابه فك ملك لم يجز بيعه لفرض عدم الملك، و حينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلي مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك، كإحراقه لآجر المسجد و نحو ذلك،

كما عن الروضة و الا صرف في مسجد آخر، كما في الدروس، و الا صرف في سائر مصالح المسلمين، قيل: بل لكل احد حيازته و تملكه. و فيه نظر، و قد الحق بالمساجد

المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة علي الطريقة

المعروفة، و الكتب الموقوفة علي المشتغلين و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها، و الاشجار الموقوفة لانتفاع المارة و البواري الموضوعة لصلاة المصلين و غير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين و نحوهم من غير المحصورين، لا لتحصيل المنافع بالاجارة

______________________________

و ما عن كاشف الغطاء من ان لكل احد حيازتها و تملكها- من جهة ان للموقوف عليهم الانتفاع بها و منها التملك بالحيازة.

ضعيف لما عرفت من عدم قابلية المسجد لذلك.

كما ان ما عن جماعة من الفرق بين عرصة المسجد و بنيانه، في غير محله.

و أما المورد الرابع: فقد دلت النصوص «1» علي جواز بيع ثوب الكعبة علي النحو المرسوم من البيع بعد سنة، و لا يهمّنا البحث في تطبيقها علي القواعد.

و ما افاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان عنوانه ليس عنوان الوقف بل هو مبذول كسوة للكعبة علي النهج المتعارف الذي يباع بعد مدة معينة ثمّ يصرف ثمنه في الخدمة،

فالعين باقية علي ملك مالكها و قد اذن في التصرف كذلك.

غير تام، فان لازمه عدم جواز البيع لو رجع صاحبه عن اذنه أو مات و انتقل الي وراثه و لم يرضوا به أو كان فيهم صغير.

______________________________

(1) الوسائل باب 26- من ابواب مقدمات الطواف كتاب الحج.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 394

و نحوها و صرفها في مصارفها، كما في الحمامات و الدكاكين و نحوها، لأن جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالاصل اللازم ابقاؤها علي الاباحة، كالطرق العامة و الأسواق.

و هذا كله حسن علي تقدير كون الوقف فيها فك ملك لا تمليكا. و لو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف، ففي

الضمان وجهان (1) من عموم علي اليد، فيجب صرف قيمته في بدله، و من ان ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه (2)

و المفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا، و ان الظاهر عن التأدية في حديث اليد الايصال الي المالك، فيختص باملاك الناس (3) و الأول احوط و قواه بعض إذا عرفت جميع ما ذكرنا.

______________________________

و ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره من: أنه ليس حبسا مؤبدا مع وضوح ان المرسوم في ثوب الكعبة تجديده في كل عام، بل لا قصد لمعطيه الا تزيين الكعبة مدة ثمّ يكون لقيم البيت و سدنته أو لعامة المسلمين، اقرب الي الصواب.

(1) قوله و لو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف ففي الضمان وجهان.

قد استدل لعدم شمول علي اليد «1» له بوجوه.

(2) الاول: ما في المتن و هو: ان ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه، و المفروض عدم المطالبة باجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم.

و فيه: ان هذه الملازمة لم يدل عليها دليل، بل لا ملازمة، فان المنافع الفائتة تحت اليد علي قول مشهور غير مضمونة، مع ان العين التالفة تحت اليد مضمونة.

(3) الثاني: ما في المتن ايضا و هو: ان الظاهر من التأدية الايصال الي المالك،

فيختص باملاك الناس.

و فيه: ان الظاهر منها التأدية الي اهله كان هو مالكا أو موردا للانتفاع به.

الثالث: ان الضمان انما هو بمعني اشتغال الذمة بالبدل، فلا بد و ان يفرض شخص مالكا ليكون هو من له الذمة، و مع عدمه لا معني لاشتغال الذمة.

______________________________

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 395

فاعلم ان الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور:
[الصورة] الأولي: ان يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (1)
اشارة

كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير

الخلق، و الاقوي جواز بيعه وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم،

______________________________

و فيه: اولا: معني الضمان كون العين في العهدة و اثرها وجوب رد العين، و مع تلفها رد بدلها، و القائم مقامها ملكا أو موردا للانتفاع.

و ثانيا: انه لا مانع من اعتبار كون الكلي في ذمة الذي هو مورد لملك الانتفاع،

و التقوم بمن له الذمة يكفي فيه هذا المقدار. فالأظهر هو الضمان بالإتلاف أو التلف.

صور بيع الوقف- الصورة الأولي

و قد اتفقت كلماتهم علي جواز بيع الوقف في موارد، فلا بد من البحث فيها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في صور المسألة.

(1) الاولي: ان يخرب الوقف في موارد، فلا بد من البحث فيها.

و قد استدل المصنف قدس سره لجواز البيع في هذه الصورة بطريقين:

الأول: ان المقتضي موجود و المانع مفقود.

الثاني: الاستدلال و اقامة الدليل علي الجواز.

اما الأول: فبتقريب: ان المقتضي للجواز و هو الملك موجود، فيعمه المقتضي في مقام الأثبات و هو ادلة نفوذ البيع و المانع مفقود- بالتفصيل الذي سيمر عليك- فلا بد من البناء علي الجواز.

و اورد عليه: بان الوقف بذاته مناف لجواز البيع فلا يعقل ارتفاع المانع الا ببطلان الوقفية، و هو خلاف الفرض، إذ المفروض جواز بيع الوقف و تبديله و سراية الوقفية الي بدله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 396

لعدم جريان ادلة المنع. اما الاجماع فواضح (1) و أما قوله لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه الي غير هذه الحالة. (2) و أما قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها، فلا يدل علي المنع هنا، لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في انشاء الوقف (3) و ليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف،

و ان ذكر في

متن العقد للاتفاق علي أنه لا فرق بين ذكره فيه و تركه. و قد تقدم ذلك و تضعيف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه، و لو سلم ان المأخوذ في الوقف ابقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين و المفروض تعذره هنا. (4)

______________________________

و لكن يدفعه: ان المصنف قدس سره لا يسلم المبني، مع انه علي هذا المبني ايضا يمكن ان يقال بعدم المنافاة كما سيمر عليك.

و قد ذكر في وجه عدم جريان ادلة المنع: ان ادلة المنع ثلاثة: الإجماع، و قوله عليه السلام:

لا يجوز شراء الوقف «1». و قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يقفها اهلها ان شاء الله «2».

و شي ء منها لا يجري في المقام.

(1) اما الاجماع فواضح.

(2) و أما الثاني: فلانصرافه الي غير هذه الحالة.

(3) و أما الثالث: فلانه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في انشاء الوقف و ليس عدم البيع منها.

(4) مع انه لو سلم اخذ ابقاء العين في الوقف فحيث ان الوقف تحبيس العين و تسبيل الثمرة، فهو يختص بصورة امكان الانتفاع، فكما انه في اول الأمر مع عدم وجود الثمرة لا يتحقق الوقف، كذلك يتوقف بقائه علي استدامة ذلك، فبنفاد الثمرة يبطل الوقف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 1.

(2) الوسائل- باب 2- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 397

______________________________

و لكن: يرد علي ما ذكره من الانصراف: ان الانصراف الناشئ عن قلة وجود الفرد لا يصلح لتقييد الاطلاق، مع ان كل عين موقوفة مآلها الي الخراب بحسب العادة، فليست حالة الخراب قليلة بالإضافة الي حالة العمارة.

و أما الايراد

عليه: بان مورده الأرض الخربة لقوله: فلما عمرتها … الخ فكيف يدعي الانصراف؟ فيمكن الجواب عنه: بان المدار علي عدم امكان الانتفاع لا علي صدق الخراب،

و ارض الزراعة انما لا يمكن الانتفاع بها بانقطاع الماء عنها و نحوه لا بعدم كونها مشغولة بالزراعة.

و يرد علي الوجه الأول الذي ذكره في قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب … الخ: ان هذا ينافي استدلاله قده بهذا الخبر علي عدم جواز البيع.

مضافا الي فساد ذلك لما عرفت من ان عدم جواز البيع ليس حكما شرعيا محضا مترتبا علي الوقوف، بل عدم البيع ماخوذ في حقيقته.

و يرد علي الوجه الثاني: ان الوقف عبارة عن تحبيس العين دائما، و تسبيل مالها من المنفعة كائنة ما كانت لا تسبيلها دائما.

و قد يقال في وجه عدم مانعية الوقف عن البيع كما عن المحقق النائيني قدس سره: بان قوام الوقف بامرين: بقاء العين الموقوفة، و كونها ذات منفعة، لأنه عبارة عن حبس العين و تسبيل الثمرة، و إذا خرب الوقف بنحو لا ينتفع به لا محالة تتبدل الصورة النوعية للعين الموقوفة الي صورة نوعية اخري عرفا. مثلا: النخلة الموقوفة إذا قلعت تعد عرفا مباينة للنخلة، و بالتبدل- اي تبدل الصورة النوعية التي تعلق الوقف بها- يبطل الوقف و يبقي ذات الجسم فيباع.

و بعبارة اخري: الوقف متعلق بعناوين خاصة كعنوان الشجر و الحمام و البستان و امثال ذلك، و مع الخراب لا تبقي هذه العناوين و لا تصدق اساميها، و الوقف يدور

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 398

______________________________

مدار صدق الاسم.

و فيه: ان الوقف كسائر المعاملات من البيع و الهبة، فكما انه يتعلق بالعناوين الخاصة، كذلك المعاملات تتعلق بها، فكما ان تبدل الصورة النوعية لا يوجب

زوال الملكية كذلك لا يوجب تبدل الوقف الذي هو تمليك خاص.

و بالجملة تبدل الصورة النوعية لا يؤثر في الملكية، فلا وجه لبطلان الوقف من هذه الجهة.

و ان شئت قلت: ان الوقف يتعلق بالموجود الخارجي بما له من الحالات، و لذا لو تبدلت صورته النوعية الي صورة نوعية اخري ينتفع بها لا إشكال في عدم جواز بيع الوقف مع ان لازم هذا الوجه و الوجه الثاني الذي افاده الشيخ قدس سره هو بطلان الوقف و عود العين الموقوفة الي الواقف أو ورثته، أو بقائها ملكا طلقا للموقوف عليه الموجود، أو كونها من المباحات الأصلية التي تملك بالحيازة لا جواز بيع الوقف و سراية الوقفية الي بدلها و عوضها.

فالصحيح في وجه عدم المنع ان يقال: ان حقيقة الوقف لما كانت تحبيس العين و تسبيل المنفعة، كان الواقف بحسب ارتكازه حينما يوقف ما لا ينتفع به بشخصه الي الأبد قاصدا لأن تكون العين الموقوفة محبوسة بشخصها ما دام الي الانتفاع بها سبيل، و بما لها من المالية إذا لم يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها.

و عليه فإذا سقطت العين الموقوفة عن قابلية الانتفاع كان لازم الوقوف علي حسب ما يوقفها تبديلها بما يماثلها في المالية، لأن ذلك في نظر العقلاء من انحاء حفظ المال بما هو مال.

و بالجملة: تسليط الموقوف عليهم علي الانتفاع الي الأبد يوجب التوسعة في الموقوف، و حبسه انما يكون بما ذكرناه، فالتبديل ليس ازالة للحبس بل هو حفظ للمال بما هو مال عند العقلاء الذي هو غرض الواقف المعاملي. فتدبر فيما ذكرناه فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 399

و الحاصل ان جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه، فهو ملك للبطون

يجوز لهم البيع إذا اجتمع اذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، و هو الحاكم أو المتولي.

و الحاصل ان الأمر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه و بين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الكل (1) و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليه،

______________________________

و بهذا البيان يظهر الوجه في دعوي انصراف لا يجوز شراء الوقف عن مثل الفرض،

فالأظهر جواز البيع في هذه الصورة.

و أما الطريق الثاني: فقد استدل للجواز.

(1) بان الامر دائر بين تعطيله حتي يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف، و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به الجميع.

و الأول تضييع مناف لحق الله و حق الواقف و حق الموقوف عليهم. و الثاني مناف لحق سائر البطون، مع انه يستلزم جواز بيع البطن الأول، إذ لا فرق بين اتلافه و نقله.

و الثالث هو المطلوب.

و لكن يرد علي ما افاده في الشق الأول و هو ان تعطيله حتي يتلف مناف لحقوق الله تعالي و الواقف و الموقوف عليه امران:

الأول: ما تقدم من انه لا أصل لهذه الحقوق و هي غير ثابتة، و ليس هناك الا التعبد بعدم البيع أو اخذه في مفهومه.

الثاني: انه لو سلم هذه الحقوق فهي متعلقة بالعين الموقوفة و تتوقف علي ثبوت المنفعة فيها، و الا فلا حق للموقوف عليه باعتبار الانتفاع دنيويا، و لا للواقف اخرويا مترتبا علي الدنيوي، و لا لله تعالي لعدم المصرف للملك، فلا حق كي يجب تبديل العين رعاية لذلك الحق. اللهم الا ان تكون الحقوق قائمة بالأعم من العين و المالية لكن ذلك اول البحث.

و أما مسألة كون الابقاء تضييعا فيرده:

ان كون مثل هذا التضييع حراما غير مسلم،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 400

و به يندفع استصحاب المنع مضافا الي كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و هو انتفاع جميع البطون بعينه، و قد ارتفع قطعا، فلا يبقي ما كان في ضمنه. (1) و أما الثاني فمع منا فاته لحق ساير البطون يستلزم جواز بيع البطن الاول إذ لا فرق بين اتلافه و نقله و الثالث هو المطلوب.

______________________________

مع انه لو سلم فلا اشكال في ان حرمة التضييع مقيدة بما إذا لم يكن ذلك بتجويز من الشارع فمع فرض عموم دليل المنع عن بيع الوقف يكون هذا التضييع بحكم الشارع نظير اتلاف آلات اللهو، فلا وجه لحرمته.

و يرد علي ما افاده في الشق الثاني- مضافا الي ما مر.

ان جواز الإتلاف لا يستلزم جواز البيع، فان جواز الإتلاف يكفي فيه الملكية الفعلية، و جواز البيع لا يكفي فيه تلك، بل يتوقف علي كونها ملكية مرسلة غير محدودة،

و سيأتي ان ملكية البطن الموجود ليست كذلك.

و أما استصحاب المنع فرده المصنف قدس سره.

(1) بان المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضي الوقف و قد ارتفع يقينا فلا يبقي ما كان في ضمنه.

و فيه: انه ان اراد بذلك انه من قبيل القسم الثالث من اقسام الاستصحاب الكلي.

فيرد عليه: ان انتفاع البطون بالعين مع لزوم ابقائها و المنع عن نقلها من قبيل اللازم و الملزوم، أو المتلازمين لا من قبيل الكلي و الفرد.

و ارتفاع الملزوم أو الملازم لا يقتضي ارتفاع اللازم أو الملازم الآخر لامكان قيامه بملزوم آخر.

و ان اراد به ارتفاع الموضوع.

فيرد عليه: ان العين المنتفع بها متحدة بنظر العرف مع العين التي لا ينتفع بها،

و الانتفاع من

الحيثيات التعليلية لا التقييدية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 401

نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي الي آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم (1) بتبديله بما يبقي لهم فينتهي ملكه إلي من أدرك آخر أزمنة بقائه، فتأمل.

و كيف كان فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص البطن الموجود في اتلافه، و مما ذكرنا يظهر ان الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود (2) وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك كالاسكافي و العلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني، و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك، فإن المبيع إذا كان ملكا للموجودين بالفعل، و للمعدومين بالقوة، كان الثمن كذلك (3) فإن الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق أسبابها، فكما أن الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف. فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضي تمليك الواقف و عدم تعقل الملك للمعدوم انما هو في الملك الفعلي لا الثاني، و دعوي ان الملك الثاني ليس شيئا محققا موجودا

______________________________

فالصحيح في وجه المنع من الاستصحاب الوجه الأول بضميمة ما ذكرناه في محله من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام.

(1) قوله نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقي … فلا وجه لمراعاتهم.

و فيه ما تقدم من ان تسبيل المنفعة موسع لدائرة الحبس و يوجب كون الحبس متعلقا بالعين بما لها من الخصوصية الشخصية ما دام الي الانتفاع بها كذلك سبيل- و بها بعنوان انها مال إذا لم يمكن ذلك فراجع.

حكم الثمن علي تقدير البيع

و تمام الكلام ببيان امور.

الاول في حكم الثمن علي تقدير البيع قال.

(2) و مما ذكرناه يظهر ان الثمن علي

تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود.

و قد استدل المصنف قدس سره لعدم الاختصاص بوجهين:

(3) احدهما: ان البدلية تقتضي ذلك، لان المبيع ملك للموجودين بالفعل، و ملك للمعدومين بالقوة، و شأنا بمقتضي تمليك الواقف، فكذلك الثمن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 402

يكذبها إنشاء الواقف له كإنشائه لملك الموجود فلو جاز ان تخرج العين الموقوفة الي ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم علي نهج دخول المعوض، جاز ان تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود (1) و إليه اشار الشهيد قدس سره في الفرع الآتي حيث قال: انه يعني الثمن صار مملوكا علي حد الملك الأول، إذ يستحيل ان يملك لا علي حده خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة.

______________________________

و دعوي انه لا تحقق للملك الشأني.

يكذبها انشاء الواقف له كانشائه لملك الموجود، و عليه فحيث ان المعوض يخرج عن ملك جميع الطبقات فلا بد و ان يدخل العوض في ملك الجميع.

و فيه: ان الملكية امر اعتباري، و هي اما متحققة أو لا. و ليست الملكية الشأنية سنخا من الملكية الاعتبارية، بل ليس معني ذلك سوي القابلية لأن يصير ملكا، و انشاء الواقف انما يكون سببا لحصول الملكية للطبقة اللاحقة حين وجودها بلا حالة منتظرة كما في الوجوب المعلق علي امر متأخر. فكون الانشاء موجودا لا يلازم كون المنشأ كذلك.

و بالجملة: المتحقق بالنسبة الي البطن اللاحق ليس الا القابلية لا الملكية الاعتبارية، و عليه فحقيقة المعاوضة لا تقتضي الاشتراك، و مجرد القابلية لا يكون من الحقوق التي تكون متعلقة بالمبيع ليسري الي بدله بالبيع.

(1) الثاني: ان ملكية كل بطن للعين الموقوفة ليست ملكية مرسلة غير محدودة بزمان أو زماني، بل هي بحسب انشاء الواقف محدودة ببقاء ذلك البطن

و حياته.

و بعبارة اخري: الواقف انما انشأ ملكية كل طبقة بانبساط ماله من الملكية المرسلة علي جميع الطبقات، فلكل طبقة ملكية محدودة بحياتها، و عليه فإذا اعطي البطن الموجود ماله من الملكية لم يكن ذلك بيعا.

مع ان لازمه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق الي البطن اللاحق فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا، و ان اعطي الملكية المرسلة المنبسطة فبالنسبة الي مقدار ملكية البطون اللاحقة اما بالولاية أو باذن المتولي أو اذن الحاكم الشرعي فلا محالة يدخل الثمن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 403

و اختاره المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول. و لعل وجهه ان الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة، فإذا فرض جواز بيعه انتقل الثمن الي من هو مالك له فعلا و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن و لا دليل عليه، و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظيا يقتضي البدلية و التنزيل، بل هو بدل له في الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك. و فيه ان ما ينقل الي المشتري ان كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق الي البطن اللاحق،

فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا و ان كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا يزول الا بالناقل، فهو لا يكون الا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له فالثمن لهم علي نحو المثمن. و مما ذكرنا تعرف ان اشتراك البطون في الثمن اولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول، حيث انه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف (1) فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن،

فإنه

يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم علي وجه المعاوضية الحقيقية

______________________________

في ملك الجميع علي النحو الذي كان المثمن ملكا لهم.

مع انه: ان كان جواز البيع من جهة ما ذكرناه من انه ابقاء الوقف و حفظ الموقوف بما هو مال، أو من جهة ما ذكره المصنف اخيرا و هي رعاية الحقوق، فلا اشكال في عدم الاختصاص كما لا يخفي.

(1) قوله حيث انه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا عن تلف الوقف.

دية العبد المقتول ان جعل بعنوان البدلية لم يعقل الفرق بينها و بين المقام فان جاعل البدل كان هو الله تعالي أو العبد لا يصلح فارقا.

و ان كان لا بعنوان البدلية بل بالتعبد المحض كان الفرق واضحا.

و به يظهران مجرد كون البدلية شرعية لا يوجب الاولوية كما ان تأخر صيرورته بدلا لا يصلح لذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 404

فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض، و من هنا اتضح ايضا ان هذا اولي بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا، لأن حق الرهنية متعلق بالعين من حيث انه ملك لمالكه الأول (1) فجاز ان يرتفع الي بدل بارتفاع ملكية المالك الأول، بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه ليس قائما بالعين من حيث انه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن الموجود منشأ بانشائه مقارن له بحسب الجعل متأخر عنه في الوجود.

و قد تبين مما ذكرنا ان الثمن حكمه حكم الوقف، في كونه ملكا لجميع البطون علي ترتيبهم، فإن كان مما يمكن ان يبقي و ينتفع منه البطون علي نحو المبدل. و كانت مصلحة البطون في بقائه ابقي، و إلا ابدل مكانه ما هو اصلح. و من هنا ظهر عدم الحاجة الي

صيغة الوقف في البدل (2) بل نفس البدلية تقضي كونه كالمبدل، و لذا علله الشهيد رحمه الله في غاية المراد بقوله لأنه صار مملوكا علي حد الملك الأول، إذ يستحيل ان يملك لا علي حده.

ثمّ ان هذا العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم، أو لوليهم ان ينظر فيه

و يتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالابدال بعين اخري أصلح لهم،

______________________________

(1) قوله لان حق الرهنية متعلق بالعين من حيث انه ملك لمالكه الاول.

محصله- ان حق الرهنية متعلق بما هو ملك للراهن و متفرع عليه فلا محالة يزول بزوال الملك و حدوثه بحدوث ملك البدل يحتاج الي دليل- و هذا بخلاف ملك الطبقات اللاحقة فانه لا يكون متفرعا علي ملك الطبقة الموجودة ليزول بزواله بل يكون ملك الجميع في عرض واحد في مقام الانشاء فإذا زالت جميعها بالبيع كان بدلها للجميع.

حكم بدل العين الموقوفة

(2) الثاني: انه قد ظهر مما ذكرناه: انه لا حاجة الي صيغة الوقف في البدل.

و قد يقال: ان الوقف إذا كان عين تمليك الطبقات علي التدريج و كان عدم جواز البيع من آثار هذا التمليك الخاص فتتحقق الوقفية بمجرد المبادلة بلا احتياج الي اجراء صيغة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 405

بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق و ليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا لعذر (1) لأن ذلك كان حكما من احكام الوقف الابتدائي و بدل الوقف انما هو بدل له في كونه ملكا للبطون فلا يترتب عليه جميع احكام الوقف الابتدائي و مما ذكرنا ايضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف. (2) كما هو ظاهر التذكرة و الارشاد و جامع المقاصد و المقتصر و مجمع الفائدة، بل قد لا يجوز إذا كان

غيره اصلح، لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم خلافا للعلامة و ولده و الشهيد و جماعة فاوجبوا المماثلة مع الامكان، لكون المثل اقرب الي مقصود الواقف. (3) و فيه مع عدم انضباط غرض الواقف إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع فدار الأمر بين ان يشتري بثمنه بستانا في موضع لا يصل

______________________________

الوقف، و أما ان كان الوقف هو حبس العين فما يحصل بالبيع هو تمليك الطبقات تدريجا من دون حصول عنوان الحبس، فلا بد من انشائه بالصيغة. و لكن هذا لو تم فانما هو بناء علي كون دليل الجواز هو وجود المقتضي و عدم المانع.

و أما بناء علي ما اخترناه في وجه الجواز من كونه ابقاء للوقف و حفظا للموقوف بما هو مال، فعدم الاحتياج الي اجراء الصيغة واضح.

(1) الثالث: الظاهران البدل ليس مثل الاصل ممنوعا عن بيعه، و الوجه في ذلك ما تقدم من ان الخصوصية الشخصية للعين الموقوفة سقطت عن الوقفية بواسطة تعذر الانتفاع و حدوث الخراب، فما بقي علي الوقفية هو المالية. و خصوصية الثمن لا تكون وقفا كما كانت كذلك في المثمن حسب انشاء الواقف، فيجوز تبديله و بيعه ما لم يضر بالمالية.

(2) الرابع: انه قد ظهر ايضاً مما ذكرناه: عدم وجوب شراء المماثل للوقف، و لكن قد استدل لوجوب شرائه بوجوه.

(3) الاول: ان المثل اقرب الي مقصود الواقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 406

إليهم إلا قيمة الثمرة، و بين ان يشتري ملكا آخر يصل إليهم اجرة

منفعته. فإن الأول: و ان كان مماثلا الا انه ليس اقرب الي غرض الواقف انه لا دليل علي وجوب ملاحظة الاقرب الي مقصوده، انما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في انشاء الوقف ليجري الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها.

فالحاصل ان الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه الا مدلول كلام الواقف، و إذا بيع و انتقل الثمن الي الموقوف عليهم (1) لم يلاحظ فيه الا مصلحتهم،

هذا قال العلامة في محكي التذكرة: كل مورد جوزنا بيع الوقف فإنه يباع و يصرف الثمن الي جهة الوقف، فان امكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به، كان اولي، و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه،

______________________________

و فيه: اولا: ان غرض الواقف لا ضابط له.

و ثانيا: انه لا دليل علي لزوم مراعاة غرض الواقف ما لم يكن ذلك غرضا عقديا و مصبا للعقد.

الثاني: انه لا إطلاق للأدلة المجوزة، و المتيقن منها هو البيع بالمماثل أو الشراء بالمماثل.

و فيه: ان مدرك الجواز لم يكن دليل خاص كي يجري فيه ذلك، بل كان عدم شمول دليل المنع، فلا وجه لهذه الدعوي.

الثالث: و هو الصحيح، ه لصحمو: ان الواقف حينما وقف العين التي لها مالية،

و خصوصيات نوعية، و خصوصيات شخصية، قد حبس الجميع ما دام الي الانتفاع بها سبيل، و الا فالجهتان الأوليتان محبوستان، و عليه فلا بد من رعاية الخصوصيات النوعية.

اللهم الا ان يقال: ان المعلوم من حال الواقف لحاظ مالية العين و الخصوصيات الشخصية،

اما لحاظ الخصوصيات النوعية و تعلق انشاء الوقف بها فغير معلوم، و الأصل عدمه،

و الأحوط الأول.

(1) و علي اي تقدير: يجوز بيعه بالنقود و شراء المماثل أو غيره بها، و قد فرضه المصنف قدس سره في المقام، و

الوجه فيه تعارف البيع بالنقود و تعسر بيعه بالمماثل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 407

و الا صرف الثمن الي الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء، لأن فيه جمعا بين التوصل الي غرض الواقف من نفع الموقوف عليه علي الدوام و بين النص الدال علي عدم جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد فإذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص و امكن بحسب النوع وجب، لأنه موافق لغرض الواقف و داخل تحت الاول الذي وقع العقد عليه و مراعاة الخصوصية الكلية يفضي الي فوات الغرض بأجمعه، و لأن قصر الثمن علي البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع انهم يستحقون من الوقف، كما يستحق البطن الأول و تعذر وجودهم حال الوقف لا يخرجهم عن الاستحقاق.

قال بعض علمائنا و الشافعية: ان الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف الثمن علي الموقوف عليهم ملكا علي رأي انتهي.

و لا يخفي عليك مواقع الرد و القبول في كلامه رحمه الله (1) ثمّ ان المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون (2) و يحتمل ان يكون هذا الي الناظر ان كان (3) لانه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة الي الوقف، الا ان يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلي التصرف في نفس العين.

و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف و يحتمل بقائه، لتعلق حقه بالعين الموقوفة فيتعلق ببدلها،

______________________________

(1) قوله و لا يخفي عليك موارد الرد و القبول في كلامه.

موقع القبول حكمه بالبيع و شراء عين اخري مكانه.

موقع الرد حكمه بوجوب شراء المماثل- كما تقدم.

و حكمه بصرف الموقوف عليهم للثمن مع تعذر شراء عين اخري- فانه يجب التأمين و الصبر الي ان يتيسر الشراء كما سيجي ء.

من له ولاية البيع

(2)

الخامس: ما افاده بقوله ثمّ ان المتولي للبيع هو البطن الوجود بضميمة الحاكم

القيم.

و في المقام قولان آخران:

(3) احدهما: ان يكون ذلك الي الناظر ان كان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 408

ثمّ انه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين (1)

فلا يجوز دفعه إلي البطن الموجود، لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون، و حينئذ فتوضع عند امين حتي يتمكن من شراء ما ينتفع به و لو مع الخيار الي مدة و لو طلب ذلك البطن الموجود، فلا يبعد وجوب اجابته و لا يعطل الثمن حتي يوجد ما يشتري به من غير خيار.

______________________________

ثانيهما: عدم الاحتياج الي الضميمة.

و استدل للأخير: بان الموقوف عليهم الموجودين هم المالكون، فلا يحتاج بيعهم الي ضم شخص آخر.

و فيه: ان ملكيتهم محدودة، و اعطاء الملكية المرسلة اعطاء لما ليس لهم.

و استدل للقول الأول: بان الحاكم ولي المعدومين، اما من باب كون الحاكم ولي القاصر، أو لكونه ولي الممتنع، الشامل للممتنع عن اختيار أو اضطرار.

و بان ذلك احد الأمور الحسبية.

و فيهما نظر:

اما الأول: فلأن المعدوم في المقام لا يكون من القاصر و لا الممتنع، لأن السالبة هنا بانتفاء الموضوع.

و أما الثاني: فلتوقفه علي لزوم البيع و عدم ثبوت هذا الحق للناظر.

و الأول غير ثابت، و الثاني فاسد كما ستعرف.

فالأظهر هو القول الثاني، إذ لا وجه لتوهم عدم ثبوت هذا الحق له سوي ما افاده المصنف قدس سره، و حاصله: ان الناظر له التصرف في نفس العين، و لا دليل علي نظارته علي البدل. و لكن يدفعه: ان بيع الوقف يكون حفظا للوقف بعنوان انه مال، فيكون ذلك من اهم الأمور الملحوظة للواقف. فالأظهر

كون ذلك علي الناظر لو كان. نعم مع عدمه تصل النوبة الي الحاكم الشرعي.

(1) السادس: إذا بيعت العين الموقوفة بما لا ينتفع به كالنقدين و لم يمكن شراء ما ينتفع به، فهل يدفع الثمن الي البطن الموجود لا بأن يكون له خاصة فانه لا يجوز قطعا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 409

نعم لو رضي الموجود بالاتجار به و كانت المصلحة في التجارة، جاز مع المصلحة الي ان يوجد البدل و الربح تابع للأصل (1) و لا يملكه الموجودون لانه جزء من المبيع و ليس كالنماء الحقيقي،

______________________________

بعد اشتراك جميع الطبقات فيه، بل ليكون تحت يده حتي يوجد ما ينتفع به، ام يوضع عند امين، ام عند الناظر لو كان؟ وجوه.

قد استدل لعدم جواز الدفع الي الموجود: بانه مال مشترك بينه و بين سائر البطون فلا يجوز جعله تحت سلطنته، و انما كان يدفع العين إليه لسلطنته علي الانتفاع بها فعلا بلا مزاحم، و كذلك بدلها الذي ينتفع به. و أما البدل الذي لا ينتفع به فلا سلطنة له علي الانتفاع به كي تكون له السلطنة علي البدل فيدفع إليه لذلك.

و فيه: ان الثمن و ان كان لا ينتفع به الا انه ملك للبطن الموجود و ليس كالملك المشترك عرضا، بل الاشتراك طولي، فهو في هذه الحال ملك للبطن الموجود خاصة،

و لازم ذلك سلطنته علي امساكه.

و لو تنزلنا عن ذلك فالمتعين دفعه الي الناظر لأنه المنصوب لذلك، و الا فيوضع عند امين.

و إذا لم يمكن شراء شي ء ينتفع به بدون الخيار، و امكن شراء ما ينتفع به مع الخيار،

هل يجوز ذلك ام لا؟ ربما يقال بالثاني نظرا الي ان البدل وقف و الوقف عبارة عن تحبيس العين، و

هذا ينافي مع الخيار، إذ الحبس الي ان يفسخ حبس موقت لا دائمي.

و لكن يدفعه: ان وقف البدل- كما تقدم- غير وقف الأصل، فان وقف البدل انما هو حبسه بما انه مال و لا دخل لخصوصياته الشخصية في الوقف، و لذا بنينا علي جواز التبديل اختيارا، و الخيار لا ينافي حبسه بما هو مال، إذ غايته الفسخ و التبديل بعين اخري، و عليه فيجوز ذلك، و لو طلب البطن الموجود ذلك وجب حفظا لحق الانتفاع به.

(1) و لو رضي البطن الموجود في الاتجار، و كان ذلك صلاحا لجميع البطون، جاز الاتجار به و يكون الربح مشتركا بين البطون، لأن مجموع ما اشتري بالثمن و بيع بالثمن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 410

ثمّ لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض الخراب لكله أو بعضه (1) فيباع البعض المخروب، و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعته جاز مع رضا الكل لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه علي ظن المصلحة، و منه يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم علي نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم و لو خرب بعض الوقف، و خرج عن الانتفاع و بقي بعضه محتاجا الي عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن المخروب الي عمارة الباقي، و ان لم يرض البطن الموجود وجهان آتيان فيما إذا احتاج اصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة الي صرف منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود، إذا لم يشترط الواقف اخراج مئونة الوقف عن

منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم و هنا فروع اخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

______________________________

وقع بازاء ما هو بدل الوقف، فلا محالة يشترك فيه الجميع، و ليس الربح من المنافع كي يختص به البطن الموجود، بل هو زيادة حصلت بالتجارة و وقعت بازاء المالية التي كانت وقفا، فإلي اي مرتبة وصلت المالية تكون باقية علي الوقفية.

(1) السابع الظاهر عدم الفرق في جواز البيع بين خراب الجميع أو البعض، كما لا ينبغي الأشكال في جواز صرف الثمن في الباقي، أو وقف آخر عليهم.

انما الكلام فيما إذا كان انتفاع البطون اللاحقة بالباقي محتاجا الي ذلك، و لم يرض البطن الموجود به، هل يجوز الصرف ام لا؟ و قد يقال بالجواز نظرا الي تعارض الضررين.

و لكن الحق عدم الجواز، لأن الضرر في نفسه متوجه الي البطون اللاحقة، و لا يجب علي البطن الموجود تحمل الضرر لدفعه عنهم.

فالأظهر عدم الجواز. نعم لو قامت القرينة علي شرط الواقف ذلك تعين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 411

الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به

بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه (1) كدار انهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به، فإن كان ثمنه علي تقدير البيع لا يعطي به إلا ما كان منفعته كمنفعة العرصة فلا ينبغي فلا ينبغي الاشكال في عدم الجواز و ان كان يعطي بثمنه ما يكون منفعته اكثر من منفعة العرصة، بل يساوي منفعة الدار، ففي جواز البيع وجهان من عدم دليل علي الجواز مع قيام المقتضي للمنع و هو ظاهر المشهور حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه حيث لا يجدي نفعا.

و قد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف و لم يجز

بيعها.

اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور علي النفع المعتد به بحسب حال العين. فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت عرصة، تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي، كمجمع الزبائل و نحوه، يصدق عليه انه لا يجدي نفعا، و كذا القرية الموقوفة، فإن خرابها بغور انهارها و هلاك اهلها، و لا تكون تسلب منافع أراضيها رأسا، و يشهد لهذا ما تقدم عن التحرير من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية، مع انها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية.

______________________________

الصورة الثانية

(1) الصورة الثانية: ان يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه كدار انهدمت و صارت عرصة تؤجر باجرة غير معتد بها.

و الكلام فيها يقع في موارد:

الأول: ما إذا خرب الوقف بحيث سقط عن الانتفاع عرفا و كان ماله من المنفعة قليلة جدا بحيث تلحق بالمعدوم.

الثاني: ما إذا خرب بحيث سقط عن المنفعة المعتد بها و لو تكن المنفعة بالغة هذه المرتبة من القلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 412

فالظاهر دخول الصورة المذكورة في اطلاق كلام كل من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدي نفعا، و يشمله الاجماع المدعي في الانتصار و الغنية، لكن الخروج بذلك عن عموم ادلة وجوب العمل بمقتضي وقف الواقف الذي هو حبس العين و عموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف مشكل.

و يؤيد المنع حكم اكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة،

بناء علي جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف، و جعلها جسرا و نحو ذلك.

بل ظاهر المختلف حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلي رحمه الله لفظيا، حيث نزل تجويز الشيخ

علي صورة عدم امكان الانتفاع به في منفعة أخري، الاتفاق علي المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا، كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا. نعم لو كان قليلا في الغاية، بحيث يلحق بالمعدوم، امكن الحكم بالجواز لانصراف قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف الي غير هذه الحالة. و كذا حبس العين و تسبيل المنفعة إنما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتد بها موجودة، و إلا فمجرد حبس العين و امساكه و لو من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الاولي.

______________________________

الثالث: في وقف العنوان.

اما المورد الأول: فالظاهر جواز البيع لجريان جميع ما ذكر في الصورة الأولي من انصراف ادلة المنع و غيره من الوجوه في هذا المورد، لا سيما ما ذكرناه من ان البيع ابقاء الوقف و حفظ الموقوف بما هو مال.

و أما المورد الثاني: فقد يستظهر من القائلين بالجواز في الصورة الأولي الجواز في هذا المورد بحمل قولهم لا يجدي نفعا علي ارادة عدم النفع المعتد به.

كما انه قد يستظهر المنع بحمله علي ارادة عدم النفع بالمرة.

و كيف كان: فالمتبع هو الدليل.

و غاية ما قيل في وجه الجواز ما افاده المحقق الأصفهاني قدس سره، و حاصله: ان غرض الواقف من الوقف امران: حفظ خصوصية العين الموقوفة، و حفظ خصوصية الانتفاع،

و حيث ان الغاية المقصودة الانتفاع الخاص، و حبس العين بما هي مقصود بالتبع و لا يكاد يزاحم المقصود بالتبع ما هو المقصود بالأصالة فلا محالة يقدم الأول فيجوز البيع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 413

ثمّ ان الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر غير الخراب، لجريان ما ذكرنا فيه. ثمّ انك قد عرفت فيما

سبق انه ذكر بعض ان جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه. ثمّ وجه بطلان الوقف في الصورة الاولي بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء و الاستدامة، و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها (1) و فيه ما عرفت سابقا من ان بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد، مع انه لا دليل عليه، مضافا الي انه لا دليل علي اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإن الشرط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنه قد يخرج المبيع عن المالية و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري، مع ان جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم الي الجواز كما تقدم. ثمّ ذكر انه قد يقال بالبطلان ايضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية. فخربت حتي خرجت عن قابلية ذلك، فإنه و ان لم تبطل منفعتها اصلا لامكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس من عنوان الوقف و احتمال بقاء العرصة علي الوقف، باعتبار انها جزء من الوقف و هي باقية و خراب غيرها و ان اقتضي بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها يدفعه ان العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا.

______________________________

و اشتراء ما ينتفع به بمثل تلك المنفعة الخاصة.

و فيه: ان غرض الواقف العقدي انما هو تسبيل المنفعة لا مرتبة خاصة من الانتفاع،

فمع بقاء المنفعة و امكان الانتفاع لا وجه لجواز التبديل كما لا يخفي.

فالأظهر عدم الجواز في هذا المورد.

(1) و أما المورد الثالث: فقد اختار صاحب الجواهر قدس سره صحته و بطلان الوقف بانعدام

العنوان، و خالفه المصنف قدس سره.

لا إشكال في ان وقف العنوان من حيث هو لا يصح لعدم وجود الثمرة المسبلة له،

و لا اظن ذهاب احد الي جوازه، و الظاهر ان نظر صاحب الجواهر قدس سره الي انه يمكن وقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 414

فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه، و لو فرض إرادة وقفها ليكون بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها، لعدم ذهاب عنوان الوقف.

و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية (1) من انه لو اوصي بدار فانهدمت قبل موت الموصي، بطلت الوصية لانتفاء موضوعها.

نعم لو لم يكن الدارية و البستانية و نحو ذلك مثلا عنوانا للوقف، و ان قارنت وقفه بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت علي حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير احواله، ثمّ ذكر ان في عود الوقف الي ملك الواقف أو وارثه، بعد البطلان أو الموقوف عليه وجهين: اقول يرد علي ذلك ما قد يقال بعد الاجماع علي ان انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل و لا جواز البيع و ان اختلفوا فيه عند الخراب أو خوفه، لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفي

______________________________

العين الخاصة ما دامت معنونة بعنوان البستانية مثلا.

و الكلام في ذلك تارة: في مقام الثبوت، و اخري: في مقام الأثبات.

اما في مقام الثبوت: فلا اري فيه محذورا، فان الملكية قابلة للتحديد من حيث الزمان أو الزماني، بان تعتبر ملكية الشي ء ما دام معنونا بالبستانية.

و يمكن تأييده بملكية الخل ما دام خلا و إذا انقلب خمرا خرجت عن الملكية،

و بملكية الأرض المحياة علي القول بدوران الملكية مدار الحياة، و كذلك الأمر في الحبس ملكا، و مقتضي

عمومات الوقف و المعاملات صحة مثل هذا الوقف فيكون كالوقف المنقطع الآخر.

و دعوي انه يدل علي بطلانه ما دل علي اعتبار التأبيد في الوقف.

مندفعة بانه لا دليل عليه سوي الإجماع، و هو مختص بالتابيد من حيث الزمان.

و تمام الكلام في محله.

و أما في مقام الأثبات: فلا يبعد ظهور جعل الوقف متعلقا بالعنوان في كونه للإشارة الي المعنون، و ان تمام الموضوع هو المعنون، فلو قصد وقف العنوان بالنحو المعقول لا بد من ذكره و التصريح به.

(1) قوله و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية.

لا يخفي انه في باب الوصية فرق الاصحاب فيما لو اوصي بدار فانهدمت- بين ما

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 415

انه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لانه ان اريد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله:

وقفت هذا البستان فلا شك انه ليس الا كقوله بعت هذا البستان أو وهبته. فإن التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان. فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي و ان لم يكن في ضمن عنوان البستان، و ليس التمليك من قبيل الاحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات، و ان اريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم (1) و لا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة علي عنوانه. و أما تأييد ما ذكر بالوصية فالمناسب ان يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها و خروج البستان عن ملك الموصي بموته، و قبول الموصي له، فهل يرضي احد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة. نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات اخر. (2)

ثمّ ما ذكروه من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد اطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف علي عدم عوده إليه ابدا.

______________________________

ما لو كان الانهدام قبل موت الموصي- و بين ما إذا كان بعد موته- و بنوا علي بطلان الوصية في الاول دون الثاني.

و قد أيد صاحب الجواهر قدس سره ما ذكره في المقام بما ذكروه في الانهدام قبل الموت وجه التأييد واضح حيث ان الوصية إذا لم تكن متعلقة بالعنوان و دائرة مداره لما كان وجه للبطلان.

و المصنف قدس سره اورد عليه بالنقض بما ذكروه في المسألة الثانية و تمام الكلام في محله.

(1) قوله و ان اريد بالعنوان شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم.

و فيه ان صاحب الجواهر يدعي ان المراد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله وقفت هذا البستان و ظاهر ذلك دخالة العنوان في موضوعيته للوقف.

و لا يقاس ذلك به ببعت هذا البستان إذ البيع لا يحدد من حيث الزمان أو الزماني و هذا بخلاف الوقف و قد تقدم الكلام في ذلك مستوفي فلا نعيد.

(2) قوله يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات اخر.

لم يذكروا وجها للبطلان فيما إذا كان الانهدام بغير اختيار سوي انعدام العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 416

الصورة الثالثة: أن تخرب بحيث يقل منفعته لكن لا إلي حد يلحق بالمعدوم (1)

و الاقوي هنا المنع و هو الظاهر من الاكثر في مسألة النخلة المنقلعة،

حيث جوز الشيخ في محكي الخلاف بيعها محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها، الا علي هذا الوجه، لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل و لا يرجي عوده و منعه الحلي قائلا و لا يجوز بيعها بل ينتفع بها بغير البيع مستندا الي وجوب ابقاء الوقف علي حاله مع امكان

الانتفاع و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لامكان التسقيف بها و نحوه و حكي موافقته عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و اكثر المتأخرين، و حكي في الايضاح عن والده قدس سره ان النزاع بين الشيخ و الحلي لفظي و استحسنه لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها و الحلي فرض وجود منفعة و منع لذلك بيعها و قيل: يمكن بناء نزاعهما علي رعاية المنفعة المعد لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ، و لا يخلو عن تأمل.

و كيف كان فالأقوي هنا المنع و أولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب (2) فلا يجوز بذلك البيع، الا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان اعود و سيجي ء تفصيله.

______________________________

الصورة الثالثة

(1) الصورة الثالثة: ان يخرب بحيث تقل و هي تنحل الي صورتين:

احداهما: ان تقل المنفعة التي لاحظها الواقف مع بقاء مقدار معتد به منها. كان الملحوظ جميع المنافع أو نوع خاص منها.

ثانيتهما: ان تزول المنفعة التي لاحظها الواقف بالمرة مع وجود غيرها.

اما في الصورة الأولي: فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز لأدلة المنع عن بيع الوقف.

و المصنف ذكر هذه الصورة في ذيل كلامه قال.

(2) و اولي منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من دون خراب.

و أما في الصورة الثانية: فالأظهر انه بناء علي خروج العين عن الحبسية بانتفاء منفعته بالمرة، تخرج عنها في هذه الصورة، إذ المنفعة المقصودة تكون منتفية بالمرة،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 417

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه. (1)

و ظاهر المراد منه أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه، و قد نسب جواز البيع هنا الي المفيد. و قد تقدم عبارته فراجع،

و زيادة

النفع قد تلاحظ بالنسبة الي البطن الموجود. و قد تلاحظ بالنسبة الي جميع البطون، إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه، و الاقوي المنع مطلقا. وفاقا للأكثر بل الكل بناء علي ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد علي ذلك و علي تقديره، فقد تقدم عن التحرير ان كلام المفيد متأول، و كيف كان فلا اشكال في المنع لوجود مقتضي المنع و هو وجوب العمل علي طبق انشاء الواقف،

______________________________

و حيث ان المنفعة الاخري ليست متعلقة للوقف و غرض الواقف فتخرج العين عن الوقفية بقول مطلق و يكون حكم هذا الوقف حينئذ حكم الوقف المنقطع الآخر.

و علي ذلك فيمكن بناء نزاع المصنف قدس سره و الحلي قده في مسألة النخلة المنقلعة علي ذلك، و يكون نظر المصنف قدس سره في افتائه بالجواز الي الصورة الثانية، و نظر الحلي قدس سره الي الصورة، الاولي، و يكون النزاع بينهما لفظيا.

الصورة الرابعة

(1) الصورة الرابعة: ان يكون بيع الوقف انفع و اعود للموقوف عليه.

لم ينقل القول بجواز البيع في هذه الصورة عن احد سوي المفيد، و لم يرض العلامة قدس سره باسناده إليه، و عليه فلا قائل به.

و كيف كان: فالعمدة في المقام خبران:

احدهما: خبر «1» جعفر بن حنان عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن ثانيهما التوقيع الشريف «2» المذكور في المتن

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 8.

(2) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 418

و قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف و غير ذلك و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب، عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان. قال: سألت ابا عبد

الله عليه السلام عن رجل وقف غلة له علي قرابته من ابيه، و قرابته من امه و اوصي لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي علي قرابته و قرابته من امه، فقال جائز للذي اوصي له بذلك قلت: أ رأيت ان لم تخرج من غلة تلك الأرض التي اوقفها الا خمسمائة درهم فقال: أ ليس في وصيته أن يعطي الذي أوصي له من الغلة ثلاثمائة درهم، و يقسم الباقي علي قرابته من ابيه و أمه. قلت: نعم قال: ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتي يوفي الموصي له ثلاثمائة درهم. ثمّ لهم ما يبقي ذلك، قلت: أ رأيت ان مات الذي اوصي له، قال: ان مات كانت له ثلاثمائة درهم لو رثته يتوارثونها ما بقي احد منهم، فإن انقطع ورثته و لم يبق منهم احد كانت ثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد الي ما يخرج من الوقف،

ثمّ يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة. قلت: فللورثة من قرابة الميت ان يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلة. قال: نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا و الخبر المروي عن الاحتجاج ان الحميري كتب إلي صاحب الزمان جعلني الله فداه. أنه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور ان الوقف إذا كان علي قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علي بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز ان يشتري عن بعضهم و ان لم يجتمعوا كلهم علي البيع ام لا يجوز؟ إلا أن يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الذي

لا يجوز بيعه فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف علي إمام المسلمين فلا يجوز بيعه و إذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و متفرقين. إن شاء الله.

دلت علي جواز البيع، أما في خصوص ما ذكره الراوي و هو كون البيع أصلح.

و أما مطلقا بناء علي عموم الجواب، لكنه مقيد بالاصلح، لمفهوم رواية جعفر كما انه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر علي صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره بما في بيع كل واحد بقرينة رواية الاحتجاج، و يؤيد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصة ضيعة الامام عليه السلام من الوقف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 419

و الجواب: اما عن رواية جعفر، فبأنها انما تدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم (1) لا لمجرد كون البيع انفع. فالجواز مشروط بالامرين كما تقدم عن ظاهر النزهة و سيجي ء الكلام في هذا القول بل يمكن ان يقال ان المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع (2) الذي يلاحظه الفاعل، ليكون منشئا لإرادته، فليس مراد الامام عليه السلام بيان اعتبار ذلك تعبدا، بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل،

يعني إذا كان الامر علي ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز،

______________________________

اما خبر جعفر فاورد عليه بايرادات.

الأول: ضعف السند لجهالة جعفر.

و فيه: ان من رجال السند الحسن بن محبوب الذي هو من اصحاب الإجماع.

الثاني: انه جمع فيه بين الوقف و الوصية، فان الوقف ان كان مقدما بطلت الوصية،

و ان كانت الوصية مقدمة كان الوقف فسخا لها، و ان كانا متقارنين بانشاء واحد، فمضافا الي عدم معقوليته، لزم بطلان الوصية لتوقف نفوذها علي الموت دون الوقف، فيتم سبب الوقف فلا يبقي

موقع لنفوذ الوصية.

و فيه: انه يمكن فرض صدور الوصية بعنوان الشرط علي الموقوف عليهم في ضمن عقد الوقف علي ان يعطوا المقدار المعين للموصي له، فإذا مات الموصي له عادت جميع المنافع الي الموقوف عليهم كما هو المفروض في الخبر.

(1) الثالث: ما في المتن، و هو: انه يدل علي الجواز مع حاجة الموقوف عليهم لا لمجرد كون البيع انفع، فالجواز مشروط بالأمرين.

و فيه: ان هذا الجواب يكفي الزاما للخصم، و الا فيمكن الالتزام باعتبار الحاجة،

اي الحاجة الي نفع زائد ليفي بمئونته، و هذه غير الحاجة الشديدة المعدودة من المسوغات بنفسها.

(2) الرابع: ما ذكره المصنف قدس سره ايضا، و هو: ان المراد بالخير يحتمل ان يكون هو الخير الذي بلحاظه يكون الفعل اختياريا، و هو طلب خير الفعل لما فيه من الداعي الموافق لغرضه، و الجواز في هذا الفرض مما لم يقل به احد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 420

كما يقال: إذا اردت البيع و رأيته اصلح من تركه فبع. و هذا مما لا يقول به احد،

و يحتمل ايضا ان يراد من الخير هو خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل. (1)

و عن المختلف و جماعة: الجواب عنه بعدم ظهوره في المؤبد لاقتصاره علي ذكر الاعقاب (2) و فيه نظر، لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل علي الاختصاص، إذ يصح ان يقال في الوقف المؤبد انه وقف علي الأولاد مثلا،

و حينئذ فعلي الامام عليه السلام ان يستفصل إذا كان بين المؤبد و غيره فرق في الحكم فافهم. و كيف كان ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الأشكال علي جواز البيع بمجرد الانفعية اشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة.

و مما

ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري (3) ثمّ لو قلنا في هذه الصورة بالجواز

______________________________

و فيه: ان السائل سأل عن البيع الاختياري الموافق لغرضه، و ليس هذا امرا مبهما كي يحتاج الي تكراره في الجواب.

(1) الخامس: ما ذكره المصنف قدس سره ايضا، و هو: انه يحتمل ارادة الخيرية بلحاظ ما فرضه السائل من رفع الحاجة. و قد تقدم الكلام في ذلك.

(2) السادس: ما عن المختلف و جماعة، و هو ظهور في الوقف المنقطع، و محل الكلام الوقف المؤبد لاقتصاره علي ذكر الاعقاب.

و فيه: ان مقتضي اطلاقه علي هذا هو جواز البيع في الطبقات المتوسطة قبل الانقراض، و من الواضح عدم الفرق بينه و بين المؤبد حينئذ، إذ الفرق انما يصلح في الطبقة الأخيرة أو بعد انقراضهم كما لا يخفي.

فالحق في الجواب عنه هو: اعراض الأصحاب و عدم افتائهم بمضمونه.

(3) و أما الخبر الثاني: فالكلام فيه تارة: في ما ارسله عن الامام الصادق عليه السلام،

و اخري: فيما اجاب عليه السلام به اخيرا.

اما الأول: فهو يدل علي جواز البيع إذا كان اصلح، و هو المدعي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 421

كان الثمن للبطن الأول البائع يتصرف فيه علي ما شاء و منه يظهر وجه آخر لمخالفة الروايتين للقواعد (1) فإن مقتضي كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك، كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع فيكون تجويز البيع في هذه الصورة و التصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في إسقاط حق اللاحقين آنا ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب، لئلا يقع البيع علي المال المشترك فيستحيل كون بدله مختصا.

______________________________

و اورد عليه بجملة من الايرادات الواردة علي الخبر الأول، و قد تقدم

ما فيها.

و قد يقال: انه يقيد اطلاقه بمفهوم الخبر الأول من حيث التقييد بالحاجة، فيكون اخص من المدعي.

و فيه- مضافا الي ما تقدم- انه لا مفهوم لكلام الامام عليه السلام كي يقيد به اطلاق هذا الخبر، إذ الشرط انما ذكر في السؤال لا الجواب.

فالحق في الجواب عنه: انه معرض عنه عند الأصحاب.

و أما الثاني: فيرد عليه- مضافا الي ذلك- انه في مقام البيان من حيث الاجتماع و التفرق لا في مقام بيان جواز بيع الوقف من حيث هو كي يتمسك باطلاقه.

(1) ما ذكره من مخالفة الروايتين للقواعد اشكال آخر غير ما تقدم.

و حاصله: ان ظاهره بيع الوقف و صرف ثمنه كيف شاء، و هذا ايضا مما لا يمكن الالتزام به، إذ كون المبدل مشتركا و البدل مختصا غير معقول.

و فيه: ان الظاهر منه- كما تقدم- بيع الوقف إذا كان الثمن ازيد نفعا. فراجع.

و عن المحقق النائيني الجواب عنه بوجه آخر، و هو: انه يدل علي جواز بيع الوقف مطلقا، فالنسبة بينه و بين ادلة المنع هي التباين، و إذا خصصت ادلة المنع بصورة الخراب انقلبت النسبة بينهما الي عموم مطلق فيخصص اطلاقه بها.

و فيه: انا لا نقول بانقلاب النسبة في شي ء من الموارد، فإذا كانت النسبة هي التباين تعين طرحه لوجوه لا تخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 422

الصورة الخامسة: ان يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة (1)

و قد تقدم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة بل عن الانتصار و الغنية: الاجماع عليه،

و يدل عليه رواية جعفر المتقدمة (2) و يرده ان ظاهر الرواية انه يكفي في البيع عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم كما لا يخفي. و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين

اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة و بينها و بين مطلق الفقر عموم من وجه (3) إذ قد يكون فقيرا و لا يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه، و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر علي مئونة

______________________________

الصورة الخامسة

(1) الصورة الخامسة: ان تلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة.

فقد ذهب جماعة الي جواز البيع في هذه الصورة، و عن الانتصار و الغنية دعوي الإجماع عليه.

و استدل له: بالإجماع.

و بان الضرورات تبيح المحظورات.

(2) و بخبر جعفر «1» المتقدم الدال علي جواز البيع مع الحاجة، بعد تقييد الحاجة بالشديدة للاجماع علي عدم كفاية ما دونها من المرتبة.

و في الجميع نظر:

اما الأول: فلأن مصطلحهم في الإجماع غير مصطلح المتأخرين فلا يركن إليه.

و أما الثاني: فلانه يوجب الضرورة رفع الحرمة لا الحكم الوضعي.

و أما الثالث: فلما مر من ان الظاهر منه الحاجة الي البيع للتبديل بما هو انفع من حيث وفاء النفع بمئونته لا الحاجة الي البيع لصرف الثمن في رفع الحاجة التي هي محل الكلام.

(3) و اجاب المصنف قدس سره عنه بجواب آخر.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 423

سنته. فالرواية بظاهرها غير معمول بها، مع انه قد يقال ان ظاهر الجواب جواز البيع بمجرد رضا الكل و كون البيع انفع، و لو لم يكن حاجة. و كيف كان، فلا يبقي للجواز عند الضرورة الشديدة الا الاجماعان المعتضدان بفتوي جماعة و في الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع، و عن قاعدة وجوب كون الثمن علي تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود، مع وهنه بمصير جمهور المتأخرين،

و جماعة من القدماء

الي الخلاف، بل معارضته بالاجماع المدعي في السرائر،

اشكال.

الصورة السادسة: ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (1)

أو إذا كان فيه مصلحة البطن الموجود، أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة علي حسب ما يشترط فقد اختلف كلمات العلامة و من تأخر عنه في ذلك، فقال في الارشاد: و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز انتهي.

______________________________

و حاصله ان: ظاهر الخبر كفاية عدم كفاية غلة الأرض لمئونة سنة الموقوف عليهم في جواز البيع، و هذا اقل مراتب الفقر الشرعي، و النسبة بينه و بين الحاجة الشديدة هي العموم من وجه، إذ قد يكون فقيرا لا مئونة له و لا حاجة شديدة الي البيع لتتميم مئونته من مال الفقراء، و قد تكون له حاجة شديدة و له مئونة سنة، و قد يتفقان.

و يمكن دفعه: بان الحاجة الي تتميم المئونة بالبيع ان كانت مسوغة للبيع كانت الحاجة الشديدة اولي بذلك. فتأمل.

و كيف كان: فالأظهر المنع لعموم الأدلة.

الصورة السادسة

(1) الصورة السادسة: ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 424

و في القواعد و لو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج و شبهه و شراء غيره بثمنه أو عند خرابه و عطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه. ففي صحة الشرط اشكال و مع البطلان ففي ابطال الوقف نظر، انتهي.

و ذكر في الايضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال: فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولي و في وجه المنع ان الوقف للتأبيد و البيع ينافيه،

قال و الأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال، انتهي.

و قال الشهيد في الدروس و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة

بينهم فأولي بالجواز، انتهي.

و يظهر منه ان للشرط تأثيرا و انه يحتمل المنع من دون الشرط و التجويز معه، و عن المحقق الكركي انه قال: التحقيق ان كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف بجواز اشتراط البيع في الوقف، إذا بلغ تلك الحالة لأنه شرط مؤكد، و ليس بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف، لانه مقيد واقعا بعدم حصول احد اسباب البيع، و الا فلا للمنافاة فلا يصح حينئذ حبسا. لأن اشتراط شراء شي ء بثمنه يكون وقفا مناف لذلك لاقتضائه الخروج من المالك فلا يكون وقفا و لا حبسا، انتهي. اقول يمكن ان يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها- و المؤمنون عند شروطهم (1)

______________________________

في المسألة اقوال:

نفوذ الشرط و جواز البيع: ذهب إليه العلامة في محكي الإرشاد و توقف فيه في محكي القواعد.

عدم نفوذ الشرط مع افساده للوقف و عدمه: ذهب إليه جماعة.

التفصيل بين شرط البيع عند عروض المسوغ له فيجوز و بين غيره فلا: ذهب إليه في محكي جامع المقاصد.

(1) مقتضي عموم دليل الوقف، و نفوذ الشرط- صحة الوقف و الشرط.

و لكن تنقيح القول في المقام بالبحث.

في موضعين:

الأول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما يقتضيه النص الخاص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 425

بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف. (1) فلعله مناف لإطلاقه، و لذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته، فإن التحقيق كما عرفت سابقا ان جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه- فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.

اما الأول: فقد يقال بفساد الشرط لوجهين:

______________________________

الأول: انه مخالف لمقتضي العقد اما من جهة ان الوقف بمعني الحبس و الممنوعية من التصرفات فينافيه شرط البيع، أو من جهة ان

الوقف للتابيد و الوقف الي مدة باطل و التأبيد مناف لجواز البيع.

و المصنف قدس سره تصدي للجواب عن ذلك حيث قال.

(1) بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف الثاني: انه مخالف للسنة لما دل من النصوص «1» علي عدم جواز بيع الوقف.

و الحق انه ان كان الشرط بيعه عند تحقق شي ء من المسوغات فلا اشكال فيه اصلا، إذ الجواز حاصل و الشرط مؤكد له. و ان كان بيعه لا عند تحقق شي ء من المسوغات، فاما ان يكون الشرط مطلقا، و أما ان يكون معلقا علي تقدير خاص، و علي التقديرين اما ان يكون الشرط البيع مع كون الثمن وقفا، و أما ان يكون البيع مع عدم كون الثمن وقفا.

فان كان الشرط مطلقا مع عدم كون الثمن وقفا لا ينبغي التوقف في فساد الشرط لكونه منافيا لمقتضي العقد- بناء علي ما عرفت من اخذ عدم البيع في مفهومه- و مخالفا للسنة لما دل علي عدم جواز بيع الوقف من السنة.

و ان كان مطلقا مع كون العوض وقفا فالأظهر صحته لأول ذلك الي وقف الشي ء بما انه مال، اي يكون الوقف الجامع بين المال و بدله، فيكون الشرط منافيا لمقتضي اطلاق الوقف لا أصله.

و ان كان معلقا فان كان الشرط بيعه و جعل ثمنه وقفا صح، فانه يؤول الي وقف العين بما انها مال مع خصوصية الي زمان حصول ذلك التقدير، و بعده تكون وقفا بما انها مال، فهذا ايضا مناف لمقتضي اطلاق العقد لا أصله،

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 426

ثمّ انه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه

للبطن الموجود و اكل ثمنه. و أما تبديله بوقف آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف، فمعني كونه حبسا كونه محبوسا من ان يتصرف فيه بعض طبقات الملاك علي نحو الملك المطلق. و أما حبس شخص الوقف فهو لازم لإطلاقه و تجرده عن مسوغات الابدال شرعية كانت كخوف الخراب أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد فتأمل.

ثمّ انه روي صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في كيفية وقف ماله في عين ينبع (1) و فيه فان اراد يعني الحسن عليه السلام ان يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين فليفعل ان شاء لا حرج عليه فيه، و ان شاء جعله شروي الملك و ان ولد علي و مواليهم و اموالهم الي الحسن بن علي، و ان كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء، و لا حرج عليه فيه، فإن باع فانه يقسم ثمنها ثلاثة اثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب و ثلثا في آل أبي طالب و أنه يضعه فيهم حيث يراه الله.

______________________________

و ادلة المنع عن بيع الوقف لا تشمل البيع بعد الشرط كي يكون الشرط منافيا للسنة.

و ان كان معلقا و كان الشرط بيعه و صرف ثمنه اي عدم كونه وقفا.

فان قلنا بان عدم البيع ماخوذ في حقيقة الوقف صح ذلك، فانه يرجع الي انه وقف ما لم يتحقق التقدير الخاص الذي علق عليه جواز البيع، و إذا تحقق فلا وقف، و مقتضي اطلاق ادلة الوقف و نفوذ المعاملات صحة مثل هذا الوقف.

و دعوي: انه مناف للتابيد المعتبر في الوقف.

مندفعة بعدم الدليل علي

اعتباره، و انه يصح الوقف مع عدمه، لا سيما إذا كان مرددا بين الانقطاع و عدمه.

و ان قلنا بانه من احكامه لا من مقوماته. فالأظهر عدم الصحة الا مع انشاء الوقف الي زمان حصول ذلك التقدير، فان عدم جواز بيع الوقف و لزومه ليس من الحقوق بل من الأحكام، فالشرط مناف للسنة.

و بما ذكرناه يظهر ما في كلمات المصنف قدس سره.

(1) و أما الثاني اي ما يقتضيه النص الخاص و هو الصحيح الحاكي لوقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 427

ثمّ قال: و إن حدث في الحسن أو في الحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي الي ان قال: فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم. و انه يشترط علي الذي يجعله إليه ان يترك هذا المال علي اصوله، و ينفق الثمرة حيث امره من سبيل الله و وجهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب، و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه، و لا يوهب و لا يورث. الرواية و ظاهرها جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون و صرف ثمنه فيما ينتفعون به (1) و السند صحيح

______________________________

أمير المؤمنين عليه السلام ما له بينبع: المذكور في المتن «1».

(1) و هذا ايضا يدل علي الجواز، و مورد الاستدلال به قوله عليه السلام: فان اراد ان يبيع نصيبا من المال … الخ.

و اورد عليه بايرادات:

الأول: انه يدل علي جواز بيع الوقف عند الحاجة، فيخرج عن محل الكلام.

و فيه: انه ظاهر في كونه في مقام اعطاء السلطنة للموقوف عليه في ضمن الوقف علي البيع، و هذا هو الاشتراط.

الثاني: انه محمول علي الوصية نظرا الي ما في صدره

من قوله عليه السلام: هذا ما اوصي به و قضي في ماله عبد الله علي، و قوله في آخره: و لا يحل- الي قوله- ان يغير شيئا مما اوصيت به.

و فيه: انه ينافيه قوله عليه السلام: الذي كتبت من اموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا انا أو ميتا. و لا تكون الوصية بتلة واجبة في حياته، بل الوقف كذلك، و اطلاق الوصية علي جميع ما يدبره الانسان من شئون ماله بنحو الايصاء به لمن يقوم بعده بالأمر شائع،

و اختصاص الوصية بالمعهودة انما هو في لسان الفقهاء خاصة.

الثالث: انه قابل للحمل علي ارادة قضاء الدين من حاصل الوقف.

______________________________

(1) الوسائل- باب 10- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 428

و التأويل مشكل و العمل به اشكل (1)

______________________________

و فيه: انه مناف لقوله ان يبيع، و لقوله جعله شروي الملك اي ملكا نفيسا لنفسه.

الرابع: ان مورده الوقف العام، و لا إشكال في عدم جواز البيع فيه. و قد تقدم الجواب عنه، و انه لا فرق بين الوقف العام و الخاص.

(1) قوله و التأويل مشكل و العمل به اشكل و لكن الانصاف ان الخبر لا إشكال فيه دلالة، كما لا إشكال فيه سندا، فيدل علي جواز البيع مع الشرط، إذ قد عرفت انه مقتضي القاعدة.

و ربما يستدل للجواز بجملة اخري من الرواية، و هي قوله عليه السلام فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء لا حرج عليه.

و لكن يمكن الايراد عليه: بعدم ثبوت كون مورده وقفا.

و ذلك لوجهين:

الأول: قوله و ان كان دار الحسن بن علي غير دار الصدقة اي غير الصدقات العامة،

و هذا كما يمكن حمله علي ما إذا كانت من الأوقاف الخاصة علي الذرية،

يمكن حمله علي دارا لصدقة التي فوض امرها إليه و جعل له سكناها ما دامت الحاجة و بعده بعنوان الوصية يفعل ما امره به.

اللهم الا ان يقال: ان المراد بهذه الجملة انه ان كان دار الحسن التي هي مسكنه غير دار الصدقة و لم يكن له حاجة الي دار الصدقة و رأي المصلحة في بيعها فليبعها ان شاء و يصرف ثمنها في المصارف المذكورة.

الثاني: ان تلك الدار لم تكن داخلة فيما وقفه في اول هذا الخبر، فان الموقوف هو ماله بينبع و ما حولها و بوادي القري و بديمة و باذينة، و كل تلكم ليست الا المزارع و ليست الدار داخلة فيها و لكن في الجملة الأولي كفاية.

الصورة السابعة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 429

الصورة السابعة: ان يؤدي بقاؤه الي خرابه علما أو ظنا و هو (1)

المعبر عنه بخوف الخراب في كثير من العبائر المتقدمة و الاداء الي الخراب قد يكون للخلف بين اربابه و قد يكون لا له، و الخراب المعلوم و المخوف قد يكون علي حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتداً به، و قد يكون علي وجه نقص المنفعة. و أما إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر، كانتفاعه السابق أو ازيد فلا يجوز بيعه الا علي ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من ان تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه، و قد عرفت ضعفه، و قد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلي الخراب، و لو لغير الاختلاف، و من أخري تقييدهم به.

الصورة الثامنة: ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال و النفس، و ان لم يعلم أو يظن بذلك، فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

الصورة

التاسعة: ان يؤدي الاختلاف بينهم الي ضرر عظيم من غير تقييد بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة: ان يلزم فساد يستباح منه الأنفس، و الأقوي الجواز مع تأدية البقاء الي الخراب علي وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره، و المنع في غيره من جميع الصور اما الجواز في الأول. فلما مر من الدليل علي جواز بيع ما سقط عن الانتفاع،

______________________________

(1) الصورة السابعة: ان يؤدي بقاؤه الي خرابه علما أو ظنا.

و قد ذهب جماعة منهم المانعون عن بيع الوقف مطلقا، و المفيد و الديلمي و الفاضلان في اكثر كتبهما، و الشهيدان في غير الدروس، و المحقق الكركي و غيرهم: الي المنع، و عن الشيخ في النهاية، و ابن سعيد في كتابيه، و الطوسي و العلوي و العلامة في بيع التحرير، و الشهيد في الدروس و غيرهم: اختيار الجواز، و اختاره المصنف قدس سره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 430

فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه، فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع شخصه فدار الأمر بين انقطاع شخصه و نوعه و بين انقطاع شخصه لا نوعه كان الثاني أولي، فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.

و أما الأدلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الاجماع، و انصراف النصوص الي غير هذه الصورة. و أما الموقوف عليهم فالمفروض اذن الموجود منهم و قيام الناظر العام و الخاص مقام غير الموجود. (1) نعم قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع الي زمان وجدان البدل أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة الي الباقي،

______________________________

و قد استدل للجواز بوجوه.

(1) ما افاده المصنف قدس سره و قصوده دفع الموانع عن

التمسك بعمومات نفوذ البيع و حاصله: ان المانع عن التمسك بها في الوقف امور:

احدها: حق الواقف.

ثانيها: حق الموقوف عليه.

ثالثها: الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

و شي ء منها لا يصلح للمنع في المقام.

اما الأول: فلأن غرض الواقف المتعلق بالانتفاع بشخص العين فائت لا محالة لأوله الي الخراب، و غرضه المتعلق بالانتفاع به بما انه مال يتوقف علي البيع، فالبيع ليس منافيا لغرضه.

و أما الثاني: فلأن المفروض ان انتفاع الموقوف عليهم لا يفوت لانتفاعهم بالبدل،

و الانتفاع بشخص العين غير ممكن، و أما حقهم في تصدي البيع فالمفروض انه يباع باذن البطن الموجود و اولياء البطون اللاحقة.

و أما الثالث: فلانصراف الأدلة عن صورة اول العين الي الخراب المخرج اياها عن حد الانتفاع.

و فيه: ان هذا يتم في صورة الخراب، و أما قبله فغرض الواقف المتعلق بالانتفاع بشخص العين ممكن، و حق الموقوف عليهم في الانتفاع به كذلك، و الأدلة غير منصرفة،

فالأظهر عدم ارتفاع الموانع عن التمسك بالعمومات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 431

و مما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلي آخر أزمنة إمكان البقاء مع عدم فوات الاستبدال فيه، و مع فوته ففي تقديم البيع إشكال، و لو دار الأمر بين بيعه و الأبدال به، و بين صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حق البطن الذي يفوته المنفعة أو حق الواقف و سائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الواقف وجهان، لا يخلو اولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف اصلاح الوقف من منفعته مقدما علي الموقوف عليه. و قد يستدل علي الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح، من ان بقاء الوقف علي حاله، و الحال هذه اضاعة و اتلاف للمال، و هو منهي عنه،

شرعا فيكون البيع جائزا.

(1) و لعله اراد الجواز بالمعني الأعم فلا يرد عليه انه يدل علي وجوب البيع، و فيه ان المحرم هو اضاعة المال المسلط عليه، لا ترك المال الذي لا سلطان عليه الي ان يخرب بنفسه و الا لزم وجوب تعمير الاوقاف المشرفة علي الخراب بغير البيع مهما امكن مقدما علي البيع أو إذا لم يمكن البيع.

و الحاصل ان ضعف هذا الدليل بظاهره واضح، و يتضح فساده علي القول بكون الثمن للبطن الموجود لا غير، و يتلوه في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذب و غاية المرام، من ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه. و قد تعذرت،

فيجوز اخراجه عن حده، تحصيلا للغرض منه، و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض (2) كما انه لو تعطلت الهدي ذبح في الحال و ان اختص بموضع،

فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المتعذر

______________________________

(1) الثاني ما عن التنقيح و هو: ان ابقاء الوقف علي حاله، و الحال هذه اضاعة و اتلاف للمال و هو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا.

و فيه: ما تقدم من ان التضييع المحرم هو ما لم يكن بامر من الشارع، و حيث ان ابقاء الوقف يكون بامر منه فلا يشمله دليل حرمة التضييع.

(2) الثالث ما عن: المختلف و التذكرة و المذهب و غيرها، و هو: ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه، و قد تعذرت فيجوز اخراجه عن حده تحصيلا للغرض منه،

و الجمود علي العين مع تعطيلها تضييع للغرض.

و فيه: ان هذا لو تم فانما هو في آخر ازمنة بقائه الذي خرجت العين فيه عن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 432

و فيه ان الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لانه الذي دل عليه

صيغة الوقف، و المفروض تعذره، فيسقط و قيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص، لكونه اقرب الي مقصود الواقف فرع الدليل علي وجوب اعتبار ما هو الاقرب الي غرض الواقف بعد تعذر اصل الغرض، فالاولي منع جريان ادلة المنع من خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و جعل ذلك مؤيدا.

و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها، فلعموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك، فإن ترك الاستفصال فيه عن علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف علي بعض الوجوه المجوزة و عدمه الموجب لحمل فعل البائع علي الصحة، يدل علي ان الوقف ما دام له غلة لا يجوز بيعه، و كذا قوله عليه السلام: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها انشاء الله،

و ما دل علي انه يترك حتي يرثها وارث السموات و الأرض، هذا كله مضافا الي الاستصحاب في جميع هذه الصور، و عدم الدليل الوارد عليه، عدا المكاتبة المشهورة (1) التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصور فيها

______________________________

حيز الانتفاع، و أما قبله فالغرض. من الوقف الاستيفاء من شخص العين و هو ممكن فلا يجوز.

الرابع: ما افاده المحقق النائيني قدس سره، و هو: انه إذا احتمل احتمالا عقلائيا تأديته الي الخراب علي نحو لو كان فعلا خرابا لجاز بيعه، جاز بيعه لأن حكم الاحتمال حكم الخراب، و لكن من حيث كونه طريقا، لأنه بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنه صار خرابا فعلا.

و فيه: ان هذا لو تمّ فانما هو في احتمال الخراب الفعلي لا في احتمال تأديته الي الخراب، لأن هذا الاحتمال ليس طريقا الي الخراب بالفعل كما هو

واضح.

(1) الخامس: ما كتبه عليه السلام في جواب ابن مهزيار «1» المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 433

و هي مكاتبة ابن مهزيار. قال كتبت الي ابي جعفر الثاني عليه السلام: ان فلانا ابتاع ضيعة فاوقفها، و جعل لك في الوقف الخمس و يسألك عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو تقويمها علي نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقوفة، فكتب إلي اعلم فلانا اني امره ببيع حصتي من الضيعة، و ايصال ثمن ذلك الي ان ذلك رأيي انشاء الله تعالي، أو يقومها علي نفسه ان كان ذلك اوفق له، قال: فكتب «فكتبت» إليه ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافا شديدا، و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته فكتب بخطه و أعلمه أن رأي أن كان قد علم الاختلاف بين ارباب الوقف ان بيع الوقف امثل فليبع فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس (1) الخبر.

حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة،

بناء علي ان قوله فانه الي آخره تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، و ان المراد بالمال هو الوقف، فان ضم النفوس انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف، لا ان المناط في الحكم هو اجتماع الامرين كما لا يخفي، فيكون حاصل التعليل انه كل ما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

______________________________

(1) بتقريب: ان قوله عليه السلام: فانه … الخ تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، و ان

المراد من المال الوقف، فان ضم النفوس انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب علي الاختلاف، إذ علي ذلك يصير المتحصل من الرواية: انه كلما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

و فيه: ان كون المراد من المال العين الموقوفة مما لم يشهد به شاهد، بل بقرينة ضم النفوس الي الأموال يصير ظاهرا في المال الآخر، إذ الاختلاف يوجب صرف المال في الغلبة علي الخصم و ادائه الي المقاتلة الموجبة لإتلاف النفوس، و هذا بخلاف تلف الوقف الذي هو اجنبي عن تلف النفس.

فالأظهر عدم جواز بيع الوقف ان خيف اوله الي الخراب، لا سيما إذا كان الخراب المترقب بعد مدة طويلة. نعم يجوز البيع في آخر ازمنة بقائه، إذ لا منفعة حينئذ

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 434

و فيه ان المقصود جواز بيعه إذا ادي بقائه الي الخراب علما أو ظنا، لا مجرد كونه ربما يؤدي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح علي ما هو الظاهر من لفظ ربما، كما لا يخفي علي المتتبع لموارد استعمالاته، و لا أظن احدا يلتزم بجواز البيع بمجرد احتمال اداء بقائه الي الخراب، لأن كلمات من عبر بهذا العنوان كما عرفت بين قولهم أدي بقائه إلي خرابه، و بين قولهم يخشي أو يخاف خرابه،

و الخوف عند المشهور، كما يعلم من سائر موارد اطلاقاتهم مثل قولهم يجب الافطار و التيمم مع خوف الضرر، و يحرم السفر مع خوف الهلاك، لا يتحقق الا بعد قيام امارة الخوف، هذا، مع ان مناط الجواز علي ما ذكر تلف الوقف رأسا. و هو القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، فلا يشمل الخراب الذي لا يصدق معه التلف، مع انه لا وجه بناء علي

عموم التعليل للاقتصار علي خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف.

______________________________

الصورة الثامنة

الصورة الثامنة: ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال.

فكلمات القوم في هذه الصورة متشتتة، فلا يصغي الي نقل شهرة في الباب.

فالمهم صرف عنان الكلام الي الحجج و الأدلة.

و قد استدل للمنع في المكاسب: بعموم ادلة المنع عن بيع الوقف «1» و بالاستصحاب.

صرح في بيان الحكم في الصورة السابعة ان عموم الادلة، و الاستصحاب دليلان للمنع في الصور اللاحقة.

ما ذكره قدس سره من عموم الأدلة متين في نفسه.

و أما الاستصحاب فغاية ما يمكن ان يقال في تقريبه: ان عموم دليل نفوذ البيع خصص بما دل علي عدم جواز بيع الوقف، و هو و ان اختص بما قبل وقوع الاختلاف المزبور و لم يكن له عموم شامل له، الا انه من جهة كون دليل نفوذ البيع و الوفاء بالعقد مما لا عموم ازماني له، بل هو متضمن لبيان حكم واحد مستمر لكل فرد من افراد البيع و العقد، و مع الشك في ان الخارج هو في زمان أو دائما يجري الاستصحاب، و لا يكون مورد التمسك بالعموم.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 435

و أما تقريب الاستدلال بالمكاتبة علي جواز البيع في الصورة الثامنة و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما اوجب تلف الأموال و النفوس، فهو ان الحكم بالجواز معلق علي الاختلاف، الا ان قوله فإنه ربما الخ مقيد بالاختلاف الخاص،

و هو الذي لا يؤمن معه من التلف لأن العلة يقيد المعلول كما في قولك لا تأكل الرمان لأنه حامض، و فيه أن اللازم علي هذا تعميم الجواز في كل مورد

لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس و إن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم،

فيجوز بيع الوقف لاصلاح كل فتنة، و ان لم يكن لها دخل في الوقف (1) اللهم الا ان يدعي سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقي حتي يتعدي الي جميع موارده، لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن، ممنوع و هو الذي فهمه

الشهيد رحمه الله في الروضة، كما تقدم كلامه، لكن الحكم علي هذا الوجه مخالف للمشهور فلا يبقي حينئذ وثوق بالرواية، بحيث يرفع اليد بها عن العمومات و القواعد،

______________________________

و فيه: - مضافا الي عدم تمامية المبني كما حققناه في الأصول- انه لا يكون منطبقا علي المقام من جهة انه ليس هناك فرد واحد يكون خارجا عن تحت عموم دليل نفوذ البيع في زمان و يشك بعده في خروجه، بل البيع قبل عروض العارض المشكوك الحال فرد مقدر الوجود، و البيع بعد العروض فرد مقدر آخر. و عليه فمع عدم شمول دليل المخصص يتعين الرجوع الي عموم دليل النفوذ للشك في التخصيص الزائد، بل لو لم يكن هناك عموم لما كان مورد لإجراء الاستصحاب.

و استدل للجواز: بمكاتبة ابن مهزيار المتقدمة في الصورة السابقة:

(1) و اورد عليه المصنف قدس سره بما حاصله ان فقوله عليه السلام: فانه ربما جاء في الاختلاف … الخ اما ان يكون تعليلا لجواز البيع عند الاختلاف، أو يكون حكمة له. و علي الأول:

يتعين البناء علي جواز بيع الوقف إذا لزم تلف المال و النفس، و لو لا لدخل فيه، لأن العلة كما تخصص تعمم. و علي الثاني: يتعين البناء علي جواز البيع مع الاختلاف مطلقا، و شي ء منهما لا يمكن الالتزام به لعدم افتاء

المشهور به.

و فيه: انه يحمل علي التعليل كما هو ظاهره، و لكن العلة هي لزوم تلف المال

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 436

مع ما فيها من ضعف الدلالة كما سيجي ء إليه الاشارة. و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال علي الصورة التاسعة و رده. (1)

______________________________

و النفس من ترك البيع و ابقاء الوقف علي حاله، فان الظاهر منها ان علية ما ذكر من جهة ان الوقف صدقة جارية يتقرب بها الي الله تعالي، و هذا لا يلائم مع تلف المال و النفس، و لا مانع من الالتزام بالتعميم علي هذا، اي الالتزام بجواز البيع في كل مورد لزم من بقائه تلف المال و النفس.

و دعوي انها معرض عنها و لم يعمل بها الأصحاب، قد تقدم ما فيها، فالمكاتبة تدل علي الجواز في هذه الصورة هذا مع قطع النظر عن الاشكالات المشتركة بين جميع الصور التي سيتعرض لها المصنف قدس سره، و ستعرف عدم ورود شي ء منها.

فالأظهر هو جواز البيع فيها.

و ربما يستدل له بحديث «1» لا ضرر الحاكم علي الأدلة الواقعية.

و فيه: ان الموقوف عليهم باختيارهم يتلفون المال و النفس، و في مثل ذلك لا يوجب الحديث رفع التكليف الواقعي.

و به يظهر ما في الاستدلال له بدليل وجوب حفظ النفس فيما إذا لزم من ترك البيع تلف النفس.

الصورة التاسعة

الصورة التاسعة: ان يؤدي الاختلاف بينهم الي ضرر عظيم.

(1) و قد استدل للمنع عن البيع في هذه الصورة بعموم الأدلة.

و الاستصحاب.

و قد تقدم ان الاستدلال بالعموم متين.

و لكن الاستدلال بالاستصحاب في غير محله.

و قد استدل للجواز بوجهين:

الأول: لا ضرر. و قد تقدم ما فيه.

الثاني: مكاتبة ابن مهزيار المتقدمة، بدعوي انه يستفاد منها ان ذكر تلف النفس و المال انما يكون من باب المثال لمطلق الضرر العظيم، و

الاحتياط سبيل النجاة

______________________________

(1) الوسائل- باب 17- من ابواب الخيار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 437

و أما تقريب الاستدلال علي الصورة العاشرة، فهو ان ضم تلف النفس إلي تلف الأموال، مع ان خوف تلف الانفس يتبعه خوف تلف المال غالبا، يدل علي اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة الي حيث يخاف منه تلف النفس (1) و لا يكفي بلوغها الي ما دون ذلك، بحيث يخاف منه تلف المال فقط. و فيه ان اللازم علي هذا عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة (2) مع ان ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس. و المقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة: هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.

و الحاصل ان جميع الفتاوي المتقدمة في جواز بيع الوقف، الراجعة الي اعتبار اداء بقاء الوقف علما أو ظنا أو احتمالا الي مطلق الفساد أو فساد خاص،

______________________________

الصورة العاشرة

الصورة العاشرة: ان يلزم فساد تستباح منه الأنفس.

و قد استدل للمنع بما تقدم، و للجواز بما ذكرناه آنفا.

(1) و تقريب الاستدلال بالمكاتبة: ان ذكر تلف الأموال و ضمه الي تلف النفوس انما هو من جهة التلازم الغالبي، إذ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف الأموال لا لخصوصية فيه، بل المدار علي خوف تلف النفوس خاصة.

(2) و اورد عليه المصنف قدس سره بما تقدم من: ان مقتضي عموم جواز البيع لدفع كل فتنة مؤدية الي ذلك، و قد عرفت الجواب عنه.

فالحق في الايراد عليه- مضافا الي منع التلازم الغالبي.

ان حمل القيد علي ذلك خلاف الظاهر، فان الظاهر كون كل قيد ماخوذ في لسان الدليل للاحتراز.

مع ان لازم التمسك بالمكاتبة البناء علي كفاية خوف الأداء الي استباحة

الأنفس لا اعتبار الاستباحة الواقعية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 438

أو فساد خاص، أو اعتبار الاختلاف مطلقا، أو اختلاف خاص، مستندة الي ما فهم اربابها من المكاتبة المذكورة و الاظهر في مدلولها هو اناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس، لا مطلق الاختلاف، لأن الذيل مقيد،

و لا خصوص المؤدي علما أو ظنا، لأن موارد استعمال لفظة ربما اعم من ذلك، و لا مطلق ما يؤدي الي المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل في التعليل، بحيث يتعدي عن مورد النص، و ان كان فيه اشارة الي التعليل و علي ما ذكرنا فالمكاتبة غير مفتي بها عند المشهور (1) لأن الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه الي الخراب الغير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الاموال و الانفس، فيكون النسبة بين فتوي المشهور و مضمون الرواية عموما من وجه.

لكن الانصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية، و قصور مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة، لأن اختلاف فتاوي المشهور إنما هو من حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز، من قوله عليه السلام: ان كان قد علم الاختلاف المنضم الي قوله: فإنه ربما جاء في الاختلاف. و أما دلالة المكاتبة علي كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام، فهي علي تقدير قصورها منجبرة بالشهرة، فيندفع بها ما يدعي من قصور دلالتها من جهات مثل عدم ظهورها في المؤبد، لعدم ذكر البطن اللاحق (2) و ظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم

______________________________

و ربما اورد علي الاستدلال بالمكاتبة في هذه الصور بايرادات:

(1) الاول اعراض الاصحاب عنها و قد عرفت ان الأصحاب عملوا بها، و انما الخلاف بينهم في موضوع الجواز من جهة اختلافهم في فهم المراد منها.

(2)

الثاني: ان الظاهر من عدم ذكر الاعقاب فيه كون الوقف منقطعا لا مؤبدا الذي هو محل البحث.

و فيه: ان عدم ذكر الأعقاب انما هو من جهة عدم الاحتياج إليه، فلو لم ندع ان اطلاق الوقف ظاهر في المؤبد، لا كلام في ان مقتضي ترك الاستفصال البناء علي عدم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 439

و عدم تمام الوقف، كما عن الايضاح (1) و أوضحه الفاضل المحدث المجلسي،

و جزم به المحدث البحراني، و مال إليه في الرياض. قال الأول في بعض حواشيه علي بعض كتب الاخبار أنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر علي ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم و لم يدفعها إليهم. و حاصل السؤال ان الواقف يعلم انه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف، و يشتد لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر، فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم؟ أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد و يدفع إليهم ثمنها، أيهما أفضل. انتهي موضع الحاجة و الإنصاف أنه توجيه حسن لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في ذلك، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضي ترك الاستفصال في الجواب، كما أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر في مقام حكاية وقف مؤبد علي ذكر بعض البطون فترك الاستفصال عن ذلك يوجب ثبوت الحكم للمؤبد.

و الحاصل ان المحتاج إلي الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبد، لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه،

أو غير ذلك، مما تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين. نعم يحتاج إلي الاعتضاد بالشهرة من جهة اخري،

______________________________

الفرق في

ذلك بين المؤبد و المنقطع.

(1) الثالث: ما عن الايضاح، و هو ظهورها في عدم اقباض الموقوف عليهم و عدم تمام الوقف، و عن المحدث المجلسي و البحراني: الجزم به، و احتمله سيد العروة، فهي تدل علي جواز البيع ما لم يتحقق الوقف، و محل الكلام هو بيع الوقف.

و فيه: اولا: ان الظاهر من الوقف و الموقوف عليهم و غيرهما من التعبيرات فيها تحقق الوقف الصحيح.

و ثانيا: انه لو تنزلنا عن ظهورها في ذلك يكفي في الحكم عدم الاستفصال بين تحقق الوقف و القبض و عدمه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 440

و هي أن مقتضي القاعدة، كما عرفت لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون، و ظاهر الرواية تقريره للسائل في تقسيم ثمن الوقف علي الموجودين (1) فلا بد أما من رفع اليد عن مقتضي المعاوضة إلا بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم. و أما من حمل السؤال علي الوقف المنقطع اعني الحبس الذي لا إشكال في بقائه علي ملك الواقف، أو علي الوقف الغير التام لعدم القبض أو لعدم تحقق صيغة الوقف و ان تحقق التوطين عليه و تسميته وقفا بهذا الاعتبار.

و يؤيده تصدي الواقف بنفسه للبيع الا ان يحمل علي كونه ناظرا، أو يقال انه اجنبي استأذن الامام عليه السلام في بيعه عليهم حسبة، بل يمكن ان يكون قد فهم الامام عليه السلام من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها، مع ان المركوز في الاذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله ان مورد السؤال هو الوقف الباقي علي ملك الواقف لانقطاعه أو لعدم تمامه.

و يؤيده ان ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس

من الوقف للإمام عليه السلام هو هذا النحو ايضا، الا ان يصلح هذا الخلل و امثاله بفهم الاصحاب الوقف المؤبد التام، و يقال انه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف، و موجبا لتكلف الالتزام لسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند ارادة البيع،

أو نمنع تقرير الامام عليه السلام للسائل في قسمة الثمن الي الموجودين.

______________________________

(1) الرابع: ان الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين، مع انه مناف لحق البطون و لقول المجوزين لأنهم يقولون بجواز البيع و شراء عوض الوقف بثمنه.

و فيه: اولا: ان عدم عمل الأصحاب بهذه الجملة لا يوجب سقوط سائر الجملات عن الحجية.

و ثانيا: ان الالتزام بذلك في خصوص مورد الوقف الذي لا يرتفع الاختلاف الا بتقسيم الثمن من جهة انه جاء من جهة الاشتراك في الوقف، لا أري فيه محذورا.

و ثالثا: ان المحكي عن الأكثر العمل بها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 441

و يبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع، و قد عرفت الاظهر منها لكن في النفس شي ء من الجزم بظهوره، فلو اقتصر علي المتيقن من بين المحتملات و هو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا الي تلف خصوص مال الوقف و نفوس الموقوف عليهم كان اولي. و الفرق بين هذا و القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، ان المناط في ذلك القسم العلم أو الظن بتلف الوقف رأسا و المناط هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و ان لم يتلف الوقف،

فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف و ليس المراد من التلف في الرواية تلف الوقف رأسا حتي يتحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا ما هو الغالب

في تلف الضيعة التي هي مورد الرواية فإن تلفها غالبا بسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها. ثمّ ان الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكي عن الأكثر:

ان الثمن في هذا البيع للبطن الموجود. الا ان ظاهر كلام جماعة بل صريح بعضهم كجامع المقاصد: هو انه يشتري بثمنه ما يكون وقفا علي وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان. و هذا منه قدس سره مبني علي وجه ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن علي الموجودين، أو علي منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضي قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل لكن، الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر، فتعين الأول و هو منع التقرير لكنه خلاف مقتضي التأمل في الرواية.

______________________________

الخامس: انه لو جاز بيع الوقف فانما يجوز للموقوف عليهم لا للأجنبي، و المكاتبة تدل علي جوازه للأجنبي كما لا يخفي.

و فيه: انه يمكن ان يكون ذلك من جهة كونه ناظرا، أو انه استأذن من الامام عليه السلام في ذلك لكونه من الأمور الحسبية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 442

و أما الوقف المنقطع، و هو ما إذا وقف علي من ينقرض (1) بناء علي صحته،

كما هو المعروف (2)

______________________________

الوقف المنقطع

(1) هذا كله في الدائم، و أما الوقف المنقطع، و هو ما إذا وقف علي من ينقرض.

فالكلام فيه يقع في جهات:

الأولي: في صحة الوقف المنقطع.

الوقف المنقطع علي قسمين:

الأول: ما يجعل وقفا موقتا كما لو قال وقفت هذا عشر سنين و هذا لا خلاف بينهم في بطلانه كما عن ظاهر جامع المقاصد و المسالك، بل عن الغنية و المختلف و السرائر و الجواهر: دعوي الإجماع عليه،

و كفي به مدركا.

(2) الثاني: ما يجعل علي من ينقرض غالبا، و الاظهر صحته وقفا كما هو المشهور بين الأصحاب، لأن الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها.

و دعوي: اخذ التأبيد في مفهوم الوقف.

كما تري، لأن حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة- كان ذلك دائميا ام موقتا.

و الإجماع علي اعتبار التأبيد في الوقف و ان كان لا ينكر الا ان مراد المجمعين عدم توقيته مدة لا كونه دائميا. و بعبارة اخري: المراد به عدم الاقتران بمدة، و أما ارتفاع الوقف بانتفاء الموقوف عليه كارتفاعه بانتفاء العين الموقوفة فلا ينافي الدوام.

و يشهد لصحته صحيح الصفار: كتبت الي ابي محمد عليه السلام اسأله من الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روي ان الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود علي الورثة، و إذا كان موقتا فهو صحيح ممضي، قال قوم: ان الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف علي فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الي ان يرث الله الارض و من عليها و قال آخرون.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 443

فأما ان نقول ببقائه علي ملك الواقف. و أما ان نقول بانتقاله الي الموقوف عليهم،

و علي الثاني فإما ان يملكوه ملكا مستقرا، بحيث ينتقل منهم الي ورثتهم عند انقراضهم. و أما ان يقال بعوده الي ملك الواقف. و أما ان يقال بصيرورته في سبيل الله (1)

______________________________

هذا موقت إذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الي ان يرث الله تعالي الأرض و من عليها، و الذي هو غير موقت ان يقول هذا وقف و لم يذكر احدا، فما الذي يصح من ذلك و ما الذي

يبطل؟ فوقع عليه السلام: الوقوف بحسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله «1».

فانه يدل علي صحة الوقف الموقت بكلا تفسيريه.

(1) الجهة الثانية: في انه بعد الانقراض يرجع الوقف الي الواقف و ورثته أو الي ورثة الموقوف عليه أو يصرف في وجوه البر، وجوه.

اقواها الأول، لأن خروج الوقف عن ملكه لو قلنا به انما يكون خروجا ما داميا، اي ما دامت حياة الموقوف عليه، فلا محالة يرجع الي مالكه بموته، فانه لم يخرج عن ملكه الا الي اجل.

و دعوي ان مقتضي اطلاق ادلة الأرث انتقاله الي ورثة الموقوف عليه.

مندفعة بانها انما تدل علي الأرث فيما هو للميت لاما ليس له بعد موته، و مقيد ملكيته بحياته، فانه ليس مما تركه الميت. و تمام الكلام في محله.

هذا علي القول بخروجه عن ملك الواقف، و الا فهو ملك له من الأول و بموته ينتقل الي ورثته.

و لعل الأظهر ذلك، لأن ما ذكرناه في وجه خروجه عن ملك الواقف في المؤبد- من ان اعتبار الملكية له لغو، و من اطلاق الصدقة عليه لا سيما بما في بعض النصوص من التقييد بالبتلة.

لا يجري في المقام. اما الأول: فواضح، و أما الثاني: فلعدم اطلاقها مع هذا القيد علي الوقف المنقطع.

______________________________

(1) الوسائل- باب 7- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 444

فعلي الأول: لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك، و في جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به (1) و لذا منع الاصحاب كما في الايضاح علي ما حكي عنهم بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء لجهالة مدة العدة، مع عدم كثرة التفاوت.

نعم المحكي عن جماعة كالمحقق و الشهيدين في المسالك و الدروس و غيرهم: صحة البيع في السكني الموقتة بعمر أحدهما بل ربما يظهر من محكي التنقيح: الاجماع عليه،

______________________________

الجهة الثالثة: في جواز بيعه و عدمه.

الظاهر انه ان قلنا بانتقال الوقف الي الموقوف عليه لا ينبغي التوقف في عدم جواز بيعه لعموم ما دل علي عدم جواز بيع الوقف «1» الشامل للمؤبد و المنقطع.

و من الغريب عدم ذكر المصنف قدس سره هذه الجهة مع هذا البسط و الاطناب.

نعم لو قلنا ببقائه علي ملك الواقف لا يبعد دعوي عدم شمول الأدلة المانعة عن البيع له، اما دليل الوقوف فلظهوره في ان المنع عن البيع الذي انشأه الواقف انما هو من خصوصيات انشائه ملكية الموقوف عليهم- اي يملكهم بالملكية الراكدة غير المتعدية عنهم- فلو لم يقع اصل الملك كيف تقع خصوصياته، و أما غيره فللانصراف الي ما لو كان البيع منافيا للوقف.

و علي القول بعدم شمول الأدلة المانعة له يقع الكلام فيما تقتضيه القواعد.

فالحق ان بيع الواقف حينئذ يتصور علي وجوه:

احدها: ان يبيع العين الموقوفة من الأجنبي مع عدم انتقال منافعه إليه، و حيث ان المقتضي للصحة و هو الملك موجود، فلا بد من البحث في المانع، و هو ليس الجهل بمقدار المنفعة التي يستحقها الموقوف عليه للجهل بامد انقضائها- فان الجهل بنفسه و ان كان من الموانع لصحة البيع الا انه الجهل بالمبيع و المنافع ليست داخلة فيه و ان اوجبت زيادة المالية- بل المانع هو الغرر، و قد وجهه المصنف قدس سره.

(1) بقوله بجهالة وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به.

و اورد عليه المحقق الأصفهاني قدس سره: بانه إذا كان المبيع معلوما ذاتا و وصفا و

تسليما.

______________________________

(1) الوسائل- باب 6- من ابواب الوقوف و الصدقات حديث 4- 1 و- باب 17- من ابواب عقد البيع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 445

و لعله اما لمنع الغرر و أما للنص و هو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن نعيم، قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكني لرجل في زمان حياته و لعقبه من بعده، قال: هي له و لعقبه من بعده كما شرط، قلت:

فإن احتاج الي بيعها «يبيعها» قال: نعم، قلت: فينقض البيع السكني، قال: لا ينقض البيع السكني، كذلك سمعت ابي يقول: قال أبو جعفر لا ينقض البيع الاجارة و لا السكني و لكن يبيعه علي ان الذي يشتريه لا يملك ما اشتريه حتي ينقضي السكني علي ما شرط الخبر. (1)

و مع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة و ولده و المحقق الثاني، و لو باعه من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف فالظاهر جوازه، لعدم الغرر، و يحتمل العدم لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشتري لا يوجب معرفة المبيع. و كذلك لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه. نعم لو انتقل الي الواقف،

ثمّ باع صح جزما.

______________________________

و كان المجهول وقت التسليم لا يكون ذلك غرريا، و علي فرض التنزل و تسليم صدقه عليه لا دليل علي مبطليته لأن العمدة في مانعيته الإجماع، و هو غير ثابت في المقام.

و فيه: ان الجهل بوقت التسليم و الجهل بمقدار المنفعة موجبان لصدق الغرر.

اما الثاني: فلأن الثمن انما يدفع بازاء العين بلحاظ المنافع، فالجهل بمقدارها موجب للغرر.

و أما الأول: فلأنه كما يصدق الغرر مع الجهل باصل التسليم، كذلك يصدق مع الجهل بوقته.

و دعوي ان

عمدة دليل مانعية الغرر الإجماع غير الشامل للمقام.

مندفعة بان عمدة دليله النبوي «1» المنجبر بالعمل الشامل للمقام.

فالأظهر بحسب القاعدة البطلان.

(1) و أما مصحح الحسن بن نعيم المذكور في المتن الدال علي جواز بيع المالك داره التي جعل سكناها لرجل و لعقبه من بعده، «2» فهو يخصص دليل الغرر، و عليه فان

______________________________

(1) الوسائل- باب 40- من ابواب آداب التجارة حديث 3.

(2) الوسائل- باب 2- من ابواب احكام السكني و الحبس حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 446

و أما مجرد رضا الموقوف عليهم فلا يجوز البيع من الأجنبي (1) لأن المنفعة مال لهم، فلا ينتقل إلي المشتري بلا عوض، اللهم إلا ان يكون علي وجه الأسقاط لو صححناه منهم أو يكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزعا عليهما، و لا بد ان يكون ذلك علي وجه الصلح، لأن غيره لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما خصوصا مع جهالة المنفعة، و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكي عن التنقيح من انه لو اتفق الواقف و الموقوف عليه علي البيع في المنقطع جاز، سواء اراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في مسألة السكني، حيث اجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة، كما في السكني علي قول صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال فتأمل.

و تمام الكلام في هذه المسائل في باب السكني و الحبس انشاء الله تعالي و علي الثاني فلا يجوز البيع للواقف لعدم الملك و لا

للموقوف عليه، لاعتبار الواقف بقائه في يدهم إلي انقراضهم. و علي الثالث فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين، كما لا يجوز أيضا للواقف الغير المالك فعلا و ان أجاز الموقوف عليه، إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال

______________________________

امكن القاء الخصوصية يتعدي من مورده الي الوقف المنقطع و يحكم بجواز بيعه و الا فلا.

(1) بقي الكلام في اجازة الموقوف عليه، و ان رضاه ببيع الواقف هل يوجب صحته ام لا؟ و المقصود من ذلك ان تكون عينه و جميع منافعه منتقلة الي المشتري، فلا يلزم الغرر. و الأظهر عدم كفايته، فان المنفعة لا تنتقل الي المشتري لا بلا عوض و لا معه الا بالصلح.

اما عدم انتقالها بلا عوض فلأن الناقل اما هو الهبة أو الأسقاط أو الإبراء، و لا مورد لشي ء منها في المقام، اما الهبة: فلاعتبار تعلقها بالعين، و أما الأسقاط: فلأنه يتعلق بالحق و المنفعة ملك، و أما الإبراء: فلأنه يتعلق بالملك الذمي كالدين و المنفعة ملك خارجي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 447

بناء علي ان الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة لعدم تسلطه علي النقل فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع.

ثمّ أنه قد أورد علي القاضي قدس سره حيث جوز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع، مع قوله ببقاء الوقف المنقطع علي ملك الواقف، و يمكن دفع التنافي بكونه قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة، و هو ملك الموقوف عليهم، ثمّ عوده إلي الواقف، إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع، و يتضح ذلك

في مراجعة مسألة في كتاب الوقف. و علي الرابع فالظاهر ان حكمه حكم الواقف المؤبد كما صرح به المحقق الثاني ما حكي عنه،

______________________________

و أما عدم انتقالها بالعوض.

فلأن ناقلها اما الإجارة أو البيع علي قول، و يعتبر في كل منهما عدم الغرر، و في المقام كل من المعاملتين- اي المعاملة التي يوقعها الواقف- اصالة، و التي يوقعها عن الموقوف عليه غررية، و ان كان لا غرر بعد تمامية العقدين فيتعين ان يكون ذلك بعنوان الصلح، و لا بأس به.

الا انه يصح صلح الواقف ماله من العين المجردة عن مقدار من المنفعة من دون حاجة الي اجازة الموقوف عليه.

ثانيها: ان يبيع العين الموقوفة من الموقوف عليهم، و قد افاد المحقق الأصفهاني قدس سره:

انه لا ينبغي النزاع في صحتها بيعا حيث لا غرر و لا جهالة.

و فيه: ان المشتري بعد البيع و ان كان يعلم بماله من العين و المنافع الا ان الميزان في الصحة و الفساد كون البيع بنفسه غرريا و عدمه، و هذا البيع بنفسه غرري، و العلم بعد تحققه بماله لا يوجب عدم صدق الغرر.

أ لا تري انه لو صالح احد الشريكين الذي له مقدار من العين غير المعين شخصا فباعه بعد ذلك الشريك الآخر حصته لا إشكال في صدق الغرر و بطلان البيع، مع ان المشتري بعد البيع يعلم بما انتقل إليه و ان العين بتمامها له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 448

لانه حقيقة وقف مؤبد كما لو صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص. (1) ثمّ ان ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع، فإنما هو بالنسبة إلي البطن الذي لا بطن بعده يتلقي الملك من الواقف. و أما حكم بيع بعض

البطون مع وجود من بعدهم. فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم. و أما علي تقدير القول بملكهم فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا و في الجواز في الصورة التي جوزنا بالاشتراك دليل المنع و الجواز و يتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد البيع.

______________________________

ثالثها: ما إذا انتقلت منفعة العين الموقوفة الي غير الموقوف عليهم ثمّ بيع العين منه،

فان حكم هذه الصورة حكم الصورة المتقدمة.

رابعها: ما إذا انتقلت المنفعة الي الواقف فباع العين، لا إشكال في الصحة لوجود المقتضي و عدم المانع.

هذا كله بناء علي بقائه علي ملك الواقف، و أما لو قلنا بانتقاله الي الموقوف عليه،

فلا يجوز البيع لا للواقف و لا للموقوف عليه و ذلك لوجهين:

الأول: الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

الثاني: ان الواقف لا يجوز له البيع لعدم الملك، و الموقوف عليه لا يجوز له ذلك من جهة ان ملكيته محدودة ليست مرسلة، فان باع و نقل الملكية المرسلة نقل ما ليس له،

و ان نقل الملكية المحدودة بطل من جهة ان البيع هو نقل الملكية المرسلة.

و لا فرق فيما ذكرناه بين عود الملك الي الواقف أو انتقاله الي ورثة الموقوف عليه أو صيرورته في سبيل الله تعالي.

(1) قوله قده: لانه حقيقة وقف مؤبد … الخ و فيه: ان صيرورة الوقف في سبيل الله ان كانت بانشاء الواقف كان مقتضاه حبس العين و صرف منافعها في سبيل الله تعالي، و ان كانت من جهة انقضاء امد ملك الموقوف عليه لا مانع من صرفها بنفسها في سبيل الله تعالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 449

مسألة: و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا (1)
اشارة

فإن الظاهر بل المقطوع به الاتفاق

علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون،

و حكي عن الخلاف اجماع الفرقة و اخبارهم علي ذلك.

و قد حكي الإجماع عن غيره أيضا، و عن المختلف في باب تزويج الأمة المرهونة انه ارسل عن النبي صلي الله عليه و آله: ان الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف (2).

______________________________

بيع العين المرهونة

(1) قوله من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا.

في بيع العين المرهونة اقوال:

الصحة و عدم الوقوف علي الإجازة، اختاره بعض المحققين من المتأخرين.

الصحة مع الوقوف علي الإجازة، أو سقوط حقه، باسقاطه، أو بالفك، ذهب إليه الشيخ، و ابن حمزة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم.

البطلان، و هو الظاهر من عبائر جماعة من القدماء و غيرهم، و صرح به صاحب المقابيس قدس سره.

و الكلام يقع في مقامين:

الأول: في انه هل يصح بيع الراهن مستقلا ام لا.

الثاني: في انه علي فرض عدم الصحة كذلك هل يبطل رأسا ام يمكن تصحيحه بالإجازة أو سقوط حق المرتهن بالإسقاط أو الفك.

اما المقام الأول: فقد استدل لعدم الصحة:

بالإجماع علي عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.

(2) و بالمرسل عن النبي صلي الله عليه و آله الراهن و المرتهن ممنوعان عن التصرف في الرهن «1» المنجبر ضعفه بالعمل.

و بقاعدة السلطنة «2». إذا لبيع ينافي سلطنة المرتهن علي حقه.

______________________________

(1) المستدرك- باب 17- من ابواب كتاب الرهن حديث 6.

(2) البحار 2- ص 272 الطبع الحديث- و ج 1 ص 154 الطبع القديم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 450

و انما الكلام في ان بيع الراهن هل يقع باطلا من اصله؟ أو يقع موقوفا علي الاجازة؟ أو سقوط حقه باسقاطه أو بالفك، فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم الأول، الا ان صريح الشيخ في النهاية، و

ابن حمزة في الوسيلة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم: هو كونه موقوفا، و هو الاقوي للعمومات السليمة عن المخصص (1) لان معقد الاجماع و الاخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال كما يشهد به عطف المرتهن علي الراهن مع ما ثبت في محله

______________________________

و في الجميع نظر.

اما الأول: فلأن هذا الإجماع ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام، بل منشؤه منافاة البيع لحق المرتهن.

و بعبارة اخري: معقد الإجماع هو عدم استقلال المالك في التصرفات المنافية لحق المرتهن، و من صرح بالبيع فانما هو من جهة انه رأي منافاته لحق المرتهن، و عليه فحيث ان البيع ليس منافيا لحقيقة الرهن و لحق المرتهن. إذ لا يعتبر في العين المرهونة ان تكون ملكا للراهن، و قد اتفقوا علي جواز استعارة عين للرهن، فإذا جاز ذلك ابتداء جاز بالاولي بيع العين المرهونة، فتنتقل العين المرهونة الي المشتري، و يكون حق الرهانة باقيا متعلقا بها. نعم مع جهل المشتري بالحال يثبت له الخيار.

و أما الثاني: فلأن التصرف فيه لا يعم التصرف الاعتباري كالبيع كما حقق في مبحث الفضولي.

مع انه علي فرض الشمول ان النهي عنه متعلق بعنوان جامع بين التصرف الاعتباري و الخارجي، و لا يكون ظاهرا في الإرشاد، بل هو ظاهر في المبغوضية و الحرمة النفسية. و قد مر في اول الجزء الاول عدم دلالة النهي عن المعاملة علي الفساد.

و أما الثالث: فلما عرفت آنفا من ان البيع ليس منافيا لسلطنة المرتهن علي حقه،

فالأظهر هي الصحة و النفوذ و عدم الوقوف علي الإجازة، أو سقوط حق المرتهن.

و أما المقام الثاني: فقد استدل المصنف قدس سره للصحة مع الإجازة بوجوه:

(1) الاول العمومات السليمة عن المخصص، فان

معقد الاجماع و الاخبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 451

من وقوع تصرف المرتهن موقوفا لا باطلا، و علي تسليم الظهور في بطلان التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين علي خلافه. هذا كله مضافا علي ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالاجازة، معللا بأنه لم يعص الله. و إنما عصي سيده (1) إذ المستفاد منه ان كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع، و حصول الرضا، و ليس ذلك كمعصية الله اصالة في ايقاع العقد التي لا يمكن ان يلحقها رضي الله تعالي.

______________________________

الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال.

و اورد عليه المحقق الايرواني: بان بيع الراهن خارج عن العمومات بالقطع،

و المتيقن و ان كان خروج ما قبل الإجازة من المرتهن الا انه لا مجال للتمسك بها بعدها لعدم عموم ازماني فيها، بل عمومها افرادي فقط بازاء كل عقد ايجاب واحد للوفاء لا إيجابات متعددة، حتي إذا خرج الفرد في زمان صح التمسك بها في زمان آخر.

و فيه: ان خروج فرد في زمان ان كان لأجل مانع و كان ذلك المانع مقرونا بالعقد و من حين تحققه فارتفع ذلك المانع لا مانع من شمول الدليل له بعد ارتفاع المانع،

و الكبري التي اشار إليها لو تمت انما هي فيما إذا كان خروج الفرد في الأثناء كما حقق في محله.

فالانصاف انه بناء علي كون حق الرهانة من الحقوق القابلة للارتفاع باذن من له الحق كما هو الحق، و لذا يجوز بيع الرهن باذن المرتهن إذا اجاز المرتهن و ارتفع المانع عن تأثير العقد و صحته.

صح بمقتضي العمومات.

(1) الثاني: ان المستفاد من تعليل صحة نكاح العبد بالاجازة بانه لم يعص الله و انما

عصي سيده «1». ان كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع و حصول الرضا.

و اورد عليه: بان الحقوق مختلفة، فبعضها قابل للارتفاع باذن من له الحق، و بعضها

______________________________

(1) الوسائل- باب 24 من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 452

هذا كله مضافا الي فحوي ادلة صحة الفضولي (1) لكن الظاهر من التذكرة، ان كل من ابطل عقد الفضولي ابطل العقد هنا. و فيه نظر لأن من استند في البطلان في الفضولي الي مثل قوله صلي الله عليه و آله: لا بيع الا في ملك. لا يلزمه البطلان هنا، بل الاظهر ما سيجي ء عن ايضاح النافع من ان الظاهر وقوف هذا العقد. و ان قلنا ببطلان الفضولي، و قد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان،

متمسكا بظاهر الاجماعات و الاخبار (2) المحكية علي المنع و النهي،

______________________________

لا يقبل ذلك كحق الاستيلاد و الوقف و نحوهما.

و كون الرهن من قبيل الأول غير ثابت، و مع عدم احرازه لا سبيل الي الاستدلال بعموم العلة.

و فيه: ان المستفاد من ما دل علي كفاية اذن المرتهن و ان به يجوز البيع كونه من قبيل الأول.

(1) الثالث: فحوي ادلة «1» صحة الفضولي.

اورد عليه المحقق الايرواني قدس سره: بان من المحتمل كون هذا الحق من قبيل حق ام الولد موجبا لفساد البيع، فلا اولوية، بل و لا المساواة.

و فيه: انه قد عرفت عدم كونه من قبيل حق ام الولد و كونه من الحقوق القابلة للارتفاع، و عليه فالاولوية واضحة، فان في بيع مال الغير جهتين مانعتين عن الصحة و اللزوم: احداهما: فقدان رضا المالك. و ثانيتهما: عدم استناد البيع

الي المالك. و في المقام ينحصر المنع بالجهة الأولي فلا محالة يكون اولي.

و قد استدل صاحب المقابيس قدس سره لما ذهب إليه من البطلان بما يرجع محصله الي وجوه:

(2) منها: ان المستفاد من ظاهر الاجماعات و الاخبار المحكية تعلق النهي بالمعاملة لأمر داخل راجع الي احد العوضين لاستحقاق المرتهن اياه لا لأمر خارج كما في البيع وقت النداء، و النهي في المعاملات إذا كان كذلك يقتضي الفساد.

______________________________

(1) راجع مبحث الفضولي من هذا الكتاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 453

قال: و هو موجب للبطلان و ان كان لحق الغير إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد، لا لأمر خارج منه و هو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاه في بيع الوقف و أم الولد و غيرهما مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير، ثمّ اورد علي نفسه بقوله:

فإن قلت فعلي هذا يلزم بطلان عقد الفضولي (1) و عقد المرتهن مع ان كثيرا من الاصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن في المنع كما دلت عليه الرواية فيلزم بطلان عقد الجميع أو صحته فالفرق تحكم.

قلنا ان التصرف المنهي عنه ان كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم و لا يحل له الاجازة المتعقبة و ان كان عقدا أو ايقاعا فإن وقع بطريق الاستقلال لا علي وجه النيابة عن المالك. فالظاهر انه كذلك، كما سبق في الفضولي، و الا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهي فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما، و قد لا يكون كذلك.

و كذا الصادر عن المرتهن ان وقع بطريق الاستقلال المستند الي البناء علي ظلم الراهن و غصب حقه، أو الي زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه، و ان كان بقصد النيابة عن الراهن في

مجرد اجراء الصيغة فلا يزيد عن عقد الفضولي،

فلا يتعلق به نهي اصلا (2)

______________________________

(1) ثمّ اورد علي نفسه: بانه علي هذا يلزم البناء علي بطلان بيع الفضولي

(2) و اجاب عنه: بان الفضولي ان باع علي وجه الاستقلال بطل لذلك، و ان باع علي وجه النيابة عن المالك- حيث انه لا يعد تصرفا عرفا- فلا يكون منهيا عنه، فلا يكون باطلا، و لا يعقل في المقام النيابة و البيع الاستقلالي تصرف عرفا.

و فيه: اولا: ما تقدم من عدم دلالة الأدلة المشار إليها علي حرمة البيع.

و ثانيا: ان النهي عن المعاملة لا يدل علي الفساد.

و ثالثا: ان ما ذكره من القسمين يتصور في بيع الراهن، فانه يمكن ان يبيع رجاء لإجازة المرتهن و لا ينوي الاستقلال.

و رابعا: انه قد عرفت صحة بيع الفضولي و ان كان علي وجه الاستقلال لو تعقبه الإجازة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 454

و أما المالك فلما حجر علي ماله برهنه، و كان عقده لا يقع الا مستندا الي ملكه و انحصار المالكية فيه، و لا معني لقصده النيابة فهو منهي عنه، لكونه تصرفا مطلقا و منافيا للحجر الثابت عليه، فيخصص العمومات بما ذكر، و مجرد الملك لا يقضي بالصحة، إذ الظاهر بمقتضي التأمل ان الملك المسوغ للبيع هو ملك الاصل مع ملك التصرف فيه، و لذا لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا للمنع عن التصرف، ثمّ قال و بالجملة فالذي يظهر بالتتبع في الأدلة ان العقود ما لم تنته الي المالك، فيمكن وقوعها علي اجازته.

و أما إذا انتهت الي اذن المالك أو اجازته أو صدرت منه و كان تصرفه علي وجه الاصالة فلا تقع علي وجهين، بل تكون

فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان وضع العقد علي اللزوم. (1) و أما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح من قوله: لم يعص الله و انما عصي سيده الخ. فهو جار فيمن لم يكن مالكا، كما ان العبد لا يملك امر نفسه. و أما المالك المحجور عليه فهو عاص لله بتصرفه (2) و لا يقال انه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا. و انما منع الله من تفويت حقه بالتصرف،

و ما ذكرناه جار في كل مالك متمول لأمر نفسه إذا حجر علي ماله لعارض كالفلس و غيره، فيحكم بفساد الجميع

______________________________

(1) و منها: ان البيع ان صدر عن غير المالك، وقوعه موقوفا علي الاجازة،

فان له بقاء، و بالإجازة يستند الي المالك فتشمله العمومات. و ان صدر عن المالك فلا مورد لتوقفه علي اجازة شخص آخر، فاما ان يصح، أو يبطل و لا ثالث. و حيث انه لا يمكن الالتزام بالصحة لكونه منافيا لحق الرهانة، فلا بد من البناء علي البطلان.

و فيه: انه حيث يكون للعقد بقاء، فإذا صدر عن المالك و لم يؤثر لاقترانه بالمانع،

فان ارتفع المانع يؤثر اثره.

(2) و منها: ان التعليل الوارد في نكاح العبد بغير اذن سيده من قوله عليه السلام: انه لم يعص الله و انما عصي سيده. «1» يدل علي الفساد في المقام، فانه يدل علي ان عصيان الله عالي موجب للفساد، و عصيان غيره لا يوجب البطلان لإمكان ارتفاعه كما في نكاح

______________________________

(1) الوسائل- باب 88- من ابواب نكاح العبيد و الاماء حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 455

و ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة (1)

فالقول بالبطلان هنا كما اختاره اساطين الفقهاء هو الاقوي، انتهي

كلامه رفع مقامه.

و يرد عليه بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير علي وجه الاستقلال،

و بيعه علي وجه النيابة، و منع اقتضاء مطلق النهي لا لأمر خارج للفساد:

اولا: أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن، فإنه قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن،

______________________________

العبد و بيع غير المالك، و في المقام من جهة كونه محجورا عليه يكون عاصيا لله تعالي بتصرفه، و لا يقال انه عصي المرتهن لعدم كونه مالكا و انما منع الله من تفويت حقه بالتصرف، فيكون بيعه فاسدا.

و فيه: ان المراد من العصيان فيه ليس هو العصيان التكليفي، و الا عصيان السيد عصيان لله تعالي لأنه امر باطاعته و نهي عن مخالفته، بل المراد به العصيان الوضعي،

فيكون مفاد التعليل انه كلما كان عدم الصحة لرعاية حق الغير القابل للإسقاط يمكن تصحيح المعاملة باسقاطه.

و في المقام حيث ان عدم الصحة انما يكون لرعاية حق المرتهن فيمكن تصحيحه باجازته أو سقوط حقه، فالأظهر هي الصحة في هذا المقام ايضا.

(1) قوله ربما يتّجه الصّحّة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة.

لا يخفي ان صاحب المقابيس قدس سره، لما حكم ببطلان بيع المالك المحجور.

توجه الي اشكال، و هو ان لازم ذلك بطلان بيع السفيه مع انهم حكموا بصحته لو اجازه الولي.

و اجاب عن ذلك بانه يتجه الصحة فيه من جهة ان المنع عن بيعه ليس رعاية لحق الغير بل رعاية لمصلحة نفسه.

و بهذا يظهران عبارة الكتاب غلط، و الصحيح هكذا- و ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة نفسه كالسفه.

و أما قول فالقول بالبطلان هنا، فهو راجع الي ما قبل ربما.

و فيه: انه لو كان منشأ البطلان الوجه الثاني الذي نقلناه

عنه، و هو ان بيع المالك لا يتصور فيه الوقوف علي الاجازة، بل اما ان يقع باطلا أو صحيحا، اتجه البناء علي البطلان في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 456

و لا ينوي الاستقلال. و قد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا، و لا حرمة في شي ء من ذلك.

و ثانيا: ان المتيقن من الاجماع و الاخبار علي منع الراهن كونه علي نحو منع المرتهن، علي ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع و الاخبار، اعني قولهم الراهن و المرتهن ممنوعان.

و معلوم ان المنع في المرتهن انما هو علي وجه لا ينافي وقوعه موقوفا.

و حاصله يرجع الي منع العقد علي الرهن و الوفاء بمقتضاه علي سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك، و اثبات المنع ازيد من ذلك يحتاج الي دليل، و مع عدمه يرجع الي العمومات. و أما ما ذكره من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلي الفرق بينهما، فلم أتحقق الفرق بينهما بل الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير، فإن منع الله جل ذكره من تفويت حق الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي و نكاح العبد، و بيع الراهن. و أما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أم الولد. ففيه ان الحكم فيهما تعبد و لذا لا يؤثر الاذن السابق في صحة البيع،

فقياس الرهن عليه في غير محله.

و بالجملة فالمستفاد من طريقة الاصحاب، بل الاخبار: ان المنع من المعاملة إذا كان لحق الغير الذي يكفي اذنه السابق لا يقتضي الابطال رأسا، بل انما يقتضي الفساد بمعني عدم ترتب الاثر عليه مستقلا من دون

مراجعة ذي الحق، و يندرج في ذلك الفضولي و عقد الراهن و المفلس و المريض و عقد الزوج لبنت اخت زوجته أو اخيها و للأمة علي الحرة و غير ذلك. فإن النهي في جميع ذلك انما يقتضي الفساد، بمعني عدم ترتب الاثر المقصود من العقد عرفا، و هو صيرورته سببا مستقلا لآثاره، من دون مدخلية رضاء غير المتعاقدين.

و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع (1) هنا بناء علي ما سيجي ء من ان ظاهر هم كون الاجازة هنا كاشفة، حيث انه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشتري رهنا للبائع.

______________________________

و هاهنا اشكالان آخران علي القول بالصحة موقوفا علي الإجازة توهم اختصاصهما بالمقام دون سائر اقسام الفضولي:

احدهما: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله.

(1) و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 457

و بعبارة اخري الرهن و البيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد اعني ما قبل الاجازة. و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا، ثمّ ملكه (1) من انه علي تقدير صحة البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع، و يدفعه ان القائل يلتزم بكشف الاجازة عن عدم الرهن في الواقع، و الا لجري ذلك في عقد الفضولي ايضا، لأن فرض كون المجيز ملكا للمبيع نافذ الاجازة يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الاجازة. و أما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه، فلا يلزم في مسألة اجازة المرتهن. نعم يلزم في مسألة افتكاك الرهن و سيجي ء التنبيه عليه انشاء الله تعالي.

______________________________

و حاصله: انه بناء علي الكشف يلزم ان يكون مال غير الراهن وثيقة للدين من غير رضا صاحبه، إذ الاجازة تكشف عن ملك المشتري

للعين المرهونة من حين البيع فلا بد اما من البناء علي بطلان البيع أو بطلان الرهانة.

و فيه: ان القائل بالكشف يلتزم ببطلان الرهانة من حين صدور البيع و لا يلزم محذور، مع ان هذا الايراد مشترك الورود، فانه في المقام ان لزم اجتماع ملك الغير مع الرهن لزم اجتماع مالكين علي شي ء واحد في سائر اقسام الفضولي.

ثانيهما: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) و هذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه.

و حاصله: ان المقام يدخل في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه، غاية الفرق انه في تلك المسألة يصير البائع الفضولي مالكا للمبيع، و في المقام يصير مالكا للبيع.

و فيه: انه علي الكشف نلتزم بكشف الإجازة عن حصول الملكية من حين العقد.

بيان فائدة اجازة المرتهن

و تمام الكلام في المقام يقتضي البحث في جهات:

الأولي: قد يقال: ان اجازة المرتهن لا شأن لها في المقام الامن جهة دلالتها علي سقوط حق المرتهن، إذ الإجازة في عقد الفضولي انما تؤثر في استناد العقد الي المالك،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 458

ثمّ ان الكلام في كون الاجازة من المرتهن كاشفة و ناقلة، هو الكلام في مسألة الفضولي (1).

ه لصحمو ان مقتضي القاعدة النقل، الا ان الظاهر من بعض الاخبار هو الكشف و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوي (2) لأن إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي و هي هنا من قبيل رفع المانع

______________________________

و بها يصير مخاطبا ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و المرتهن لا يمكن توجه هذا الخطاب إليه فلا اثر لإجازته.

و لكنه يمكن دفعه: بان المرتهن و ان لم يكن مالكا للعين الا ان له حقا متعلقا بها،

فله سلطنة عليها من جهة كونها موضوعة حقه، و عليه فله اعمال هذه السلطنة

في موضوع حقه بان يجيز العقد و يمضيه و ان يرد العقد و يحله، و عدم توجه خطاب أَوْفُوا إليه لا يصلح مانعا عن كون اجازته مؤثرة في العقد و موجبة لتمامية اركانه و مشمولا لأدلة الصحة و النفوذ.

هذا بناء علي القول بالصحة موقوفا علي الإجازة، و أما علي المختار من الصحة بدونها فاجازته لا شأن لها.

(1) الجهة الثانية: في ان اجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة فعلي المختار من صحة عقد الراهن و عدم منافاة البيع لحق الرهانة لا يبقي مجال لهذا النزاع، و لا يترتب علي اجازته شي ء سوي انها بالملازمة تكشف عن اسقاط حقه،

و لا معني لكشف الإجازة عن الأسقاط من حين العقد.

و أما بناء علي توقف الصحة علي الإجازة، فعلي القول بالكشف علي القاعدة نلتزم به في المقام بعين ذلك المناط لا بالأولوية إذ كما يقال في اجازة المالك انها امضاء للعقد من حين حصوله و تكون رضا بمضمونه و هو النقل من حينه.

كذلك يقال في اجازة المرتهن، فانه من جهة تعلق حقه بالعين و ثبوت هذه السلطنة له له الرضا بالعقد و امضائه من حين حدوثه.

و أما ان التزمنا في الفضولي بالكشف علي خلاف القاعدة فلا يمكن البناء علي الكشف في المقام، إذ لا وجه للتعدي.

(2) سوي ما ذكره المصنف قدس سره من الاولوية،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 459

و من اجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن (1) مع ان الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة و الاعتذار عن ذلك ببناء العتق علي التغليب، كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني علي العبد المرهون، مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق، مع ان

العلامة قدس سره في تلك المسألة قد جوز العفو مراعي بفك الرهن، هذا إذا رضي المرتهن بالبيع و اجازه. اما إذا اسقط حق الرهن، ففي كون الاسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو ابراء الدين. ثمّ انه لا إشكال في انه لا ينفع الرد بعد الاجازة و هو واضح،

و هل ينفع الاجازة بعد الرد (2) وجهان، من ان الرد في معني عدم رفع اليد عن حقه فله اسقاطه بعد ذلك و ليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معني احد المتعاقدين.

______________________________

بتقريب: ان اجازة المالك اشبه بجزء المقتضي، و هي هنا من قبيل رفع المانع، فإذا كانت اجازة المالك كاشفة كانت اجازة المرتهن اولي بذلك.

و هو غير تام لما ذكرناه مرارا من ان باب العقود غير باب الأسباب الحقيقية و التأثير و التأثر، و انه لا يصح تطبيق اجزاء العلة من المقتضي و الشرط و عدم المانع علي اجزاء العقد و تسميتها باسمائها، فكما ان اجازة المالك دخيلة في الصحة من جهة كونه مالكا للمبيع، كذلك اجازة المرتهن دخيلة فيها من جهة كونه متعلقا لحقه.

مع انه لو سلم كون اجازة المالك جزء المقتضي و اجازة المرتهن من قبيل رفع المانع، لا وجه لأسراء الحكم الثابت للمقتضي لعدم المانع، لأن مناطات الأحكام غير معلومة، فلعل المناط مختص به.

(1) و أما ما ذكره المصنف قدس سره مؤيدا لما ذكره من تجويز الفقهاء عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن مع ان الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة.

فيرد عليه: ان عدم وقوع الايقاعات مراعاة انما قلنا به للإجماع، و حيث انه ليس في ايقاع المالك فلا وجه للبناء علي عدم الوقوع، فهذا ليس تأييدا لما

ذكره.

(2) الجهة الثالثة: في انه هل تنفع الإجازة بعد الرد ام لا؟ الظاهر بناء علي عدم توقف الصحة علي الإجازة- حيث انه لا معني لرده سوي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 460

و قد تقرر ان رد احد العاقدين مبطل لانشاء العاقد الآخر بخلافه هنا، فإن المرتهن اجنبي له حق في العين و من ان الايجاب المؤثر انما يتحقق برضا المالك و المرتهن فرضاء كل منهما جزء مقوم للايجاب المؤثر فكما ان رد المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم. كذلك رد المرتهن و هذا هو الأظهر من قواعدهم ثمّ ان الظاهر ان فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة (1) لسقوط حق المرتهن بذلك كما صرح به في التذكرة.

و حكي عن فخر الإسلام و الشهيد في الحواشي و هو الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد بل مطلق السقوط الحاصل بالاسقاط أو الابراء أو بغيرهما نظرا الي ان الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن و سقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه و الفرق بين الاجازة و الفك ان مقتضي ثبوت الحق له هو صحة امضائه للبيع الواقع في زمان حقه، و ان لزم من الاجازة سقوط حقه فيسقط حقه بلزوم البيع.

______________________________

عدم اسقاط حقه- فله الإجازة بعد ذلك و اسقاط حقه. و أما بناء علي توقفها علي الإجازة فان قلنا بان الرد يكون حلا للعقد لم تنفع الإجازة و الا كفت في المقام، و ان لم تكف في الفضولي، فان مدرك عدم كفايتها حينئذ الإجماع، و حيث انه ليس في المقام اجماع،

فالأظهر كفايتها.

و أما ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من: ان الرد انما يؤثر في المقام في

مورد فعلية حق المرتهن، و هو ما إذا حل اجل الدين، و أما لو لم يحل فلا يؤثر، فله الإجازة بعد ذلك.

فيرد عليه: ان حق الرهانة انما يكون ثابتا من الأول و لا ربط له بحلول الدين، و هو موجب لتاثير رده.

حكم عقد الراهن لو سقط حق المرتهن

(1) الجهة الرابعة: إذا عقد الراهن علي المرهون ثمّ سقط حق المرتهن اما بالإسقاط، أو بابراء الدين، أو بادائه. فعلي القول بان حق المرتهن متعلق بالعين لا بالعقد و لا ينافي مع البيع، فمن حيث الصحة لا كلام، و لكن بما انه قد عرفت انه لو كان المشتري

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 461

و بالجملة فالاجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه أعني حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير اجازة المالك بخلاف الأسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء فإنه ليس فيه دلالة علي مضيّ العقد حال وقوعه فهو اشبه شي ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما، ثمّ تملكهما (1) و قد تقدم الاشكال فيه عن جماعة مضافا الي استصحاب عدم اللزوم الحاكم علي عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي ان هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص و ليس ذلك محل التمسك بالعام، إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتي يقال ان المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط فيبقي ما بعد السقوط داخلا في العام، و يؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون اذن سيده بمجرد عتقه ما لم يتحقق الاجازة و لو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح. هذا و لكن الانصاف ضعف الاحتمال المذكور من جهة ان عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس الا لمزاحمة

حق المرتهن المتقدم علي حق المالك بتسليط المالك فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي. و انما هو من جهة المانع فإذا زال اثر المقتضي (2) و مرجع ما ذكرنا الي ان ادلة سببية البيع المستفادة من نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و الناس مسلطون علي اموالهم و نحو ذلك عامة

______________________________

جاهلا يثبت له الخيار لو سقط حق الرهانة قبل اعمال خياره.

يقع الكلام في انه هل يسقط خياره ام لا- و سيأتي الكلام في ذلك في خيار العيب في مسألة ما لو زال العيب قبل اعمال الخيار و أما علي القول بالمنافاة و انه لا يصح العقد بدون اجازة المرتهن، فهل يصح البيع لسقوط حقه ام لا؟ وجهان.

قد استدل للبطلان و عدم الصحة بوجوه:

(1) الأول: ان المرتهن كان شريكا في سلطان الراهن و لم يكن الراهن مالكا للبيع مستقلا، فإذا سقط حقه و صار الراهن مالكا للبيع يدخل في مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه فعلي القول بالبطلان في تلك المسألة يتعين البناء علي البطلان في المقام.

(2) و اجاب عن ذلك المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره بما حاصله: انه في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 462

و خروج زمان الرهن يعلم انه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو اسبق فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم بمناط المستصحب و ارتفاعه (1) فالمقام من باب وجوب العمل بالعام لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم.

و أما قياس ما نحن فيه علي نكاح العبد بدون اذن سيده فهو قياس مع الفارق لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون اذن سيده قصور تصرفاته عن الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي

النكاح إذ لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا

______________________________

مسألة من باع شيئا ثمّ ملكه يكون البيع صادرا من غير المالك، فلا مقتضي للصحة، و بعد صيرورته مالكا لم يصدر عنه عقد فيحكم بالفساد. و أما في المقام فليس عدم الأثر لقصور في المقتضي و انما هو من جهة المانع، فإذا زال اثر المقتضي.

و فيه: ما تقدم من ان تطبيق اجزاء العلة من المقتضي و الشرط و عدم المانع علي اجزاء العقد و ما يعتبر فيه لا مورد له لعدم كون باب العقود باب المؤثرات و الآثار، فلا يصح ان يقال الملكية مقتضية، و حق الرهانة مانع، بل كل ما اخذ في العقد يكون اعتباره علي حد سواء، كيف و قد صرح هو قده فيما سبق بان الملكية شرط.

فالحق تمامية هذا الوجه، فيكون المقام علي هذا المسلك نظير من باع شيئا ثمّ ملكه.

الثاني: ان العقد قبل سقوط حق المرتهن لم يكن مشمولا لأدلة الصحة و اللزوم،

و بعده يشك في بقاء حكم الخاص فيجري الاستصحاب، و لا مورد للتمسك بعموم العام لعدم عموم زماني له.

(1) و اجاب عنه المصنف قدس سره: بانه من جهة العلم بمناط المستصحب و ان الخارج انما يكون من جهة حق الرهانة، فبعد سقوطه لا وجه لإجراء الاستصحاب، و يكون المقام من باب وجوب العمل بالعام.

و فيه: انه قده صرح في الأصول بان العام المخصص في زمان إذا لم يكن له عموم ازماني لا يتمسك به بعد مضي الزمان المتيقن و ان لم يجر الاستصحاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 463

و لأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره، ثمّ انعتق العبد لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف هذا، و

لكن مقتضي ما ذكرنا كون سقوط حق الرهانة بالفك أو الأسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا و مؤثرا من حينه لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه (1) خصوصا بناء علي الاستدلال علي الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا من ان مقتضي مفهوم الاجازة امضاء العقد من حينه. فإن هذا غير متحقق في افتكاك الرهن فهو نظير بيع الفضولي، ثمّ تملكه للمبيع حيث انه لا يسع القائل بصحته الا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا من حين العقد و الا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الاجازة للتأثير من حين العقد هذا، و لكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف. و قد تقدم عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني علي المرهون ان الفك يكشف

______________________________

فالحق في الجواب ان يقال: ان المقام حيث يكون التخصيص من الأول، تعين الرجوع في غير مورد التخصيص الي عموم العام و ان لم يكن له عموم زماني.

الثالث: ان ظاهر بعض النصوص «1» ان نكاح العبد لا يصح بدون اذن سيده و ان اعتق، و يكون المقام نظير ذلك.

و فيه: ان عدم نفوذ تصرف العبد ليس لأجل كونه تصرفا في مملوك المولي خاصة بل المتصرف ايضا مملوك، و لذا لو كان موضوع التصرف غير مال المولي توقف علي اجازته ايضا.

فالصحيح الاستدلال له بالوجه الأول.

(1) الجهة الخامسة: في ان سقوط حق الرهانة هل يجري فيه نزاع الكشف و النقل ام لا.

الظاهر انه لا بد من البناء علي النقل في المقام، و ان قلنا

بالكشف في الإجازة فان الإجازة امضاء و انفاذ للعقد الذي هو النقل من حينه.

و أما سقوط الحق فهو رفع للمانع، فالعقد من حين السقوط يكون مشمولا لدليل الصحة، فلا وجه للقول بحصول الملكية من الأول.

______________________________

(1) الوسائل- باب 26- من ابواب نكاح العبيد و الاماء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 464

عن صحته و يدل علي الكشف ايضا ما استدلوا به علي الكشف في الفضولي من ان العقد سبب تام إلي آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد. ثمّ ان لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي لزوم العقد قبل اجازة المرتهن من طرف الراهن كالمشتري الاصيل فلا يجوز له فسخه بل و لا إبطاله بالاذن للمرتهن في البيع.

نعم يمكن ان يقال بوجوب فكه من مال آخر إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني الا بذلك (1) فالوفاء بمقتضي الرهن غير مناف للوفاء بالبيع و يمكن ان يقال انه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه. و أما رفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب و لذا لا يجب علي من باع مال الغير لنفسه ان يشتريه من مالكه و يدفعه إليه بناء علي لزوم العقد بذلك (2) و كيف كان فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك، و ان لزم من ذلك ابطال بيع الراهن لتقدم حق المرتهن أو يجبر الحاكم الراهن علي فكه من مال آخر جمعا بين حقي المشتري و المرتهن اللازمين علي الراهن البائع وجهان و مع انحصار المال في المبيع فلا اشكال في تقديم حق المرتهن

______________________________

و ما افاده المحقق النائيني قدس سره في وجه امكان البناء علي الكشف علي القول بالكشف في الإجازة من ان السقوط يكشف عن كون

العقد سببا تاما فيؤثر من الأول.

غير سديد، فان هذا المعني من الكشف لا دليل عليه، و انما التزمنا بالكشف في الإجازة لما اشرنا إليه غير الشامل للمقام.

(1) الجهة السادسة: بناء علي توقف صحة عقد الراهن علي الإجازة أو سقوط حق الرهانة لو اوجد العقد الراهن هل يجب عليه فك الرهن من مال آخر- إذ لا يتم لوفاء بالعقد الثاني الا بذلك.

ام لا يجب، فانه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه و أما رفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب؟ وجهان.

(2) اختار المصنف قدس سره الثاني: و قاس المقام بمن باع شيئا ليس له، فانه لم يلزم احد بوجوب شرائه من مالكه و دفعه الي المشتري.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 4، ص: 465

______________________________

و لكن الأظهر لزوم الفك، و ذلك لأنه يجب عليه اداء الدين، و هو انما يكون ببيع العين المرهونة و اداء الدين منها أو ادائه من مال آخر و فك الرهن بذلك، فحيث انه باعها و يجب عليه الوفاء به فليس له بيعها بشخص آخر، فيتعين الأداء من مال آخر وفاء بالعقد.

و بهذا يظهر الفرق بين المقام و بيع الفضولي، نعم لو باع الراهن قبل حلول اجل الدين لا يجب عليه الفك قبله لما ذكره ره. فالأظهر هو التفصيل، فتدبر حتي لا تبادر بالأشكال.

تم الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة و يتلوه في الطبع الجزء الخامس انشاء الله تعالي و الحمد لله اولا و آخرا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.